"تطبيل مفضوح".. ما أسباب ترحيب دول خليجية بأحكام قضية خاشقجي؟

شدوى الصلاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"من يشهد للعروس: أمها وخالتها وعشرة من حارتها".. مثل عربي ينطبق بكل ما يحمله من معنى على موقف دول خليجية من الأحكام التي صدرت مؤخرا في قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

ففي الوقت الذي نددت فيه دول ومنظمات حقوقية وصحف غربية بالأحكام الصادرة، واعتبرتها "لا تحقق العدالة"، سارعت كل من الإمارات والكويت والبحرين ببيانات "تطبيل مفضوح".

تلكم الدول رحبت وأشادت بالأحكام التي خلصت إلى أن الجريمة لم تتم بنية مسبقة، وبرأت كل القيادات المقربة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ممن عرفوا بأنهم "رجال المهمات القذرة".

تطبيل تلك الدول لأحكام القضاء السعودي، لم يكن أمرا مستغربا ولا مفاجئا، خاصة وأن منظومة القضاء لدى هذه الدول لا تختلف كثيرا عن طبيعتها في السعودية، من فساد وعوار في القوانين وفشل في إحكام الدساتير.

أحكام القضية

استيقظ العالم أجمع يوم الإثنين 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ليجد النيابة العامة في السعودية تعلن ودون سابق إنذار تبرئة سعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد، والقنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي، واللواء أحمد عسيري النائب السابق لمدير الاستخبارات بالمملكة، وعدم توجيه أي اتهامات لهم.

وكشفت النيابة عن صدور أحكام بالإعدام بحق 5 أشخاص من المدعى عليهم قصاصا وهم المباشرون والمشتركون في قتل المجني عليه، رافضة الإعلان عن أسمائهم.

وأشارت النيابة إلى معاقبة 3 آخرين لتسترهم على الجريمة ومخالفة الأنظمة بأحكام سجن متفاوتة تبلغ في مجملها 24 عاما، فيما حفظت الدعوى بحق 10 أشخاص آخرين والإفراج عنهم لعدم كفاية الأدلة، موضحة أن الأحكام "ابتدائية" ويمكن استئنافها.

الأحكام الصادرة اعتبرتها تركيا "فضيحة ومجرد استهزاء بذكاء العالم بأسره، ومنح حصانة للأشخاص الذي أرسلوا عصابة القتل إلى إسطنبول على متن طائرة خاصة"، متعهدة بمواصلة جهودها لكشف جميع تفاصيل الحادث.

فيما حثت الخارجية البريطانية الرياض على "ضمان محاسبة جميع المسؤولين عن الجريمة، وعدم تكرار مثل هذه الجرائم البشعة".

مقررة الأمم المتحدة لحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أغنيس كالامار وصفت الأحكام بأنها "مثيرة للسخرية". مضيفة أن "الرؤوس المدبرة لجريمة خاشقجي ليست حرة فحسب، بل لم تتأثر تقريبا بالتحقيق والمحاكمة، وهذا هو نقيض العدالة".

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش: إن محاكمة قتلة خاشقجي "لم يتوفر فيها أي قدر من الشفافية"، فيما قال الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" كريستوف دولوار: إن العدالة لم تحترَم في الأحكام الصادرة عن القضاء السعودي.

أما خديجة جنكيز خطيبة خاشقجي فعقبت لوكالة الأناضول بأن الأحكام الصادرة "محاولة لإغلاق القضية على عجل وإعدام من يملكون معلومات في قضية اغتيال خطيبها. النيابة العامة السعودية اتخذت القرار في القضية دون أي إجراءات قضائية، ولم تعلن عن أقوال المتهمين التي بقيت سرية".

وسبق لمركز كارينجي للشرق الأوسط، أن نشر ورقة بحثية خلص إلى إفادة تفسر الأحكام الصادرة مؤخرا في قضية خاشقجي، حين قال: إن "القيادة السعودية تُسخر القضاء لتثبيت حكمها"، مشيرا إلى أن القيادة السعودية "تتعلّم كيفية استخدام الأدوات القانونية لتحقيق أهدافها في السياسات وتثبيت موقعها".

وأضاف المركز في الورقة البحثية التي أعدها عبد الله العودة وناثان براون، أن "القيادة العليا في المملكة تستخدم القضاة، الذين يُطلَب منهم الآن التصرف كموظفين في الخدمة المدنية سلاحا جديدا في ترسانتها"، لافتا إلى أن السعودية عمدت بطرق تدريجية إلى "تقليص دور القضاء".

إمارات الاستبداد

وبرغم ما يمس المنظومة القضائية السعودية برمتها من سمعة سيئة واتهامات بالفساد وتشكيك في نزاهتها، وفي حالة خروج عن الإجماع الدولي والحقوقي على إدانة الأحكام القضائية السعودية في القضية، سارعت الإمارات فور إعلان الأحكام في قضية خاشقجي بإصدار بيان فيه على الأحكام.

الإمارات اعتبرت الأحكام السعودية "تجسيد لالتزام المملكة وحرصها على تنفيذ القانون بكل شفافية ونزاهة واستقلال، ومحاسبة كل المتورطين في هذه القضية ضمن إجراءات اتسمت بالوضوح والمصداقية وبشكل كفل للأطراف كافة حقوقها القانونية".

حسب مراقبين، فإن إشادة أبوظبي بالأحكام جاء متناسقا ومتطابقا لسير الأحداث خاصة وأن وضع القضاء في الإمارات لا يختلف كثيرا عن السعودية في عدم استقلاله وانتفاء نزاهته.

تقارير أممية متتابعة سبق أن اتهمت قضاء الإمارات أيضا بأنه غير مستقل، أبرزها تقرير 2014، الذي قالت فيه المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية باستقلال القضاة والمحامين جابرييلا نول: إن "القضاء الإماراتي يخضع لسيطرة فعلية من قبل السلطة التنفيذية، ويطبق القانون بطريقة تعسفية في البلاد".

ووصفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية حينها، ذلك التقرير بأنه "لعنة" على القضاء الإماراتي، داعية إلى تنفيذ توصيات المقررة الأممية.

وفي 2018، جددت الأمم المتحدة إدانتها للجهاز القضائي الإماراتي وأكدت أن المحاكمات تفتقر إلى الإجراءات القانونية السليمة.

وفي تقرير للخارجية الأمريكية 2018، قالت فيه: إن "الإمارات بها تعذيب واعتقالات ومحاكمات سياسية وقمع وقضاء غير مستقل"، مشيرة إلى أن الدستور ينص على سلطة قضائية مستقلة، إلا أن قرارات المحاكمة في الإمارات خاضعة للمراجعة من قبل القيادة السياسية.

وأشارت إلى أن القضاء يتألف إلى حد كبير من رعايا أجانب متعاقدين يخضعون لترحيل محتمل، مما يزيد من عدم استقلاله عن الحكومة.

ولفتت الخارجية الأمريكية إلى أن "الدستور ينص على الحق في محاكمة عادلة وعلنية، ولم يطبق القضاء هذا الحق عموما"، مؤكدة أنه "تم تقييد حقوق المتهمين في قضايا الأمن القومي أو القضايا التي اعتبرها القاضي ضارة بالأخلاق العامة".

وبعيدا على التقييمات الأممية والدولية والحقوقية، تؤكد وسائل الإعلام المعنية بالشؤون الإماراتية أن النظام القضائي في الإمارات "يعاني ثغرات قوية جعلته ينتمي للعصور الاستبدادية في ظل استخدامه من النظام الحاكم كأداة للقمع الممنهج". 

ولفهم موقف الإمارات وبيانها بشأن خاشقجي أكثر، يمكن الرجوع للوراء أيام قليلة، حين كشف المعارض الإماراتي حمد الشامسي المقيم في إسطنبول، عن فساد النيابة العامة والقضاء، وخاصة فيما يتعلق بملف المعتقلين داخل السجون الإماراتية، مقدما الوثائق والمستندات التي تثبت صحة كلامه.

وقال في مقطع فيديو بثه عبر تويتر في 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري (تم حذفه بعد ذلك من قبل إدارة تويتر فأعاد بثه عبر يوتيوب): إن النيابة العامة بوصفها جزءا من القضاء في الدولة، مُتهمة بتزوير الأدلة والتستر على جرائم التعذيب بحق المعتقلين والفشل في تطبيق القانون.

وحذر "الشامسي" من خطورة وصول الفساد إلى هذا الجهاز القضائي، كونه ينعكس مباشرة وتماما إلى فساد القضاء ذاته، وما يترتب على ذلك من ضياع الحقوق وانهدام أهم بنيان الدول وهو "العدل".

وأوضح الشامسي، أن أكثر من 70 معتقلا يقبعون داخل سجون الإمارات بسبب الفساد والتزوير في الأوراق القضائية، مشيرا إلى أن النيابة والقضاء لم يكونوا يسعون لتحقيق العدالة وإنما كان الهدف هو تخليق أدلة وقضية تعاقب عليها الناشطين الحقوقيين.

سجون الكويت

أما الكويت فعقبت على أحكام القضاء السعودي في قضية خاشقجي قائلة: إنها تعكس "الالتزام بمبادئ القانون وحرصها على تطبيقه، ردا على من یحاول المساس بالمملكة والإساءة لقضائها العادل"، حد وصف مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الكويتية في بيان صحفي نقلته وكالة الأنباء الرسمية.

الدولة الخليجية التي تحدثت عن الالتزام بمبادئ القانون، تتعرض منظومة القضاء بها ـ حسب متابعين ـ لانتقادات حادة لآليات تطبيقها للقوانين، خاصة قانون الجرائم الإلكترونية وتوصيفه الفضفاض لجرائم التعبير، فضلا عن التعسف في سجن المغردين وفرض القيود على حرية الرأي والتعبير واعتقال كل من ينادي بإصلاح القضاء وتطهيره.

وكانت ولازالت أبرز مطالب المعارضة الكويتية استقلال السلطة القضائية ماليا وإدرايا. ووفق خبراء قانونيين، فإن كثرة التشريعات الموجودة في المنظومة القانونية الكويتية، وما يطرأ عليها من تعديلات، "تمثل أسبابا مهمة في تعطيل الفصل في الدعاوى المنظورة أمام الدوائر القضائية، ومن ثم تراكم تلك القضايا في أروقة المحاكم".

وتحت عنوان "استقلالية القضاء الكويتي غاية مستحيلة.. وهذه هي الأسباب"، قال الكاتب أحمد الخطيب: "الكويت ليست بلدا ديمقراطيا لديها دستور، لأن الدستور الكويتي تم إلغاؤه عام 1967، عندما تم تزوير الانتخابات، وتحولت الكويت من دولة ديمقراطية إلى إمارة، أي حالها حال دول المنطقة، تخضع للتقليد المتبع، الذي يعتبر الأرض وما عليها وما فيها، ملكا خاصا للحاكم وحده".

وكتب مقال آخر تحت عنوان "مرة أخرى…محنة القضاء الكويتي"، أكد فيه أن "الكويت أصبحت سجنا للأحرار، بعد أن كانت ملجأ لهم، وأصبح بها سجناء رأي ولاجئون سياسيون في دول أخرى، كما حكم على الصحف بالإعدام وأغلق بعضها".

ورأى أن "الخطير في كل ما يحدث أن الأحكام القضائية التي تصدر بحق ضحايا قضايا حرية الرأي والتي يحاكم بموجبها المتهمون، وفق قوانين تنص على ذلك، مؤكدا أنها قوانين غير دستورية".

"فاشل وظالم"

مملكة البحرين اعتبرت الأحكام الصادرة في قضية خاشقجي تعكس النزاهة "التامة" للقضاء وكفالة العدالة والإنصاف والحقوق كافة، وتجسد بوضوح التزام المملكة الدائم بإعلاء القانون والحرص على محاسبة المتورطين في هذه القضية.

واقع القضاء في البحرين لم يسلم أيضا من انتقاد المنظمات الدولية، إذ وصفت "العفو الدولية" تأييد القضاء البحريني لسجن الناشط الحقوقي نبيل رجب 5 سنوات في قضية رأي بأنه "استخفاف بالعدالة".

كما نددت هيومن رايتس ووتش، بالنظام القضائي البحريني ووصفته بأنه "فاشل وظالم"، مشيرة إلى أن المحاكم البحرينية تعاقب بقسوة المطالبين بالإصلاح، بينما تمنح عقوبات مخففة لعناصر قوى الأمن الذين يرتكبون تجاوزات.

البحرين يقبع في سجونها بحسب منظمة الوفاق قرابة الـ 5000 معتقل سياسي ولازالت المداهمات والاقتحامات لبيوت المواطنين ومناطقهم مستمرة بشكل شبه يومي، مشيرة إلى أن القضاء يمارس دوره الداعم في محاكمة النشطاء وأصحاب الرأي.

وأضافت المنظمة الحقوقية الدولية أن هناك أكثر من 25 ألف قضية سياسية في محاكم النظام البحريني لنشطاء وفاعلين في الحراك الشعبي، مؤكدة أن القضاء في البحرين فاسد ومسيس وتابع للقرار السياسي للحكم المستبد.

وتحدثت المنظمة عن انهيار منظومة العدالة وتغييب أبسط مقومات المحاكم القانونية وتبعية القضاء التامة للقرار السياسي المرتبط بحكم الاستبداد.

ويصدر القضاء البحريني أحكاما بحل الجمعيات المعارضة، وهو ما اعتبرته "العفو الدولية" دليلا على لجوء السلطات في البحرين إلى القضاء لسحق المعارضة.


المصادر