ولد الغزواني أم ولد عبدالعزيز.. من يحسم صراع الحكم بموريتانيا؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الصراع بين رفيقي السلاح وإدارة البلاد بعد انقلاب 2008 في موريتانيا بدأ يأخذ منحى جديدا، بقرار الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز معارضة صديقه القديم، الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني.

بعد فوز ولد الغزواني بمنصب الرئاسة الصيف الماضي خلفا لولد عبدالعزيز، تفجر الصراع داخل الحزب الحاكم في البلاد "الاتحاد من أجل الجمهورية" حول تغيير قيادته وولائه من الرئيس السابق إلى الحالي، وبات من الواضح أن كفة المساندين للرئيس ولد الغزواني راجحة.

فور عودته من عطلة قصيرة في أوروبا حاول ولد عبدالعزيز عقد اجتماع للجنة تسيير الحزب الحاكم، قبل أن يحاول عقد مؤتمر صحفي في العاصمة نواكشوط يوم 20 ديسمبر/كانون الثاني الجاري، إلا أن جميع الفنادق رفضت استقباله، ما اضطره لتنظيمه في منزله الفخم بالعاصمة نواكشوط، وبحضور عدد من الصحفيين.

شكل هذا المؤتمر الصحفى لولد عبدالعزيز، أول اعتراف من الرجل بحجم الأزمة القائمة داخل الحزب الحاكم، والعزلة التي بات يعيش فيها الرئيس السابق، واصفا الرئيس ولد الغزواني الذي تغيّر حسب رأيه من "الرجل الصديق الذي تربطني به صداقة 40 سنة، ليصبح الرئيس الذي ينتهك الدستور والقانون".

إفشال الندوة

عدد رئيس الجمهورية الموريتاني السابق الصعوبات التي تعرض لها من أجل عقد ندوة صحفية هي الأولى منذ مغادرته السلطة بعد تسلم ولد الغزواني السلطة، متسائلا إن كان ما حصل مجرد صدفة أم بتدبير مسبق من صانعي القرار في نواكشوط؟.

ولد عبدالعزيز أكد أن عددا من الفنادق التي اتصل بها اعتذرت عن احتضان المؤتمر الصحفي رغم موافقتها مسبقا، كما أن بعضها اشترطت الحصول على ترخيص مكتوب، فيما أكد أحدها أنه سيحتضن المؤتمر بالمجان إن توفر ترخيص مكتوب من السلطات المعنية، إلا أن حاكم مقاطعة لكصر ظل يرفض منح الترخيص المكتوب حسب ما أكد ولد عبدالعزيز.

الرئيس السابق أكد أن قناة شنقيط الفضائية اعتذرت عن النقل المباشر للمؤتمر الصحفي ورفضت لاحقا الإجابة على اتصالاته رغم الاتفاق معها سابقا، وذكر أن قناة أخرى (لم يسمها) أبلغت المنظمين بتعرضها لضغوط أرغمتها على التراجع عن توفير خدمة البث المباشر بعد اتفاق معها بهذا الخصوص.

وواجهت قناة الساحل مشكلة في توفير إشارة البث، بالإضافة إلى اعتذار صاحب جهاز بث عن نقل الندوة الصحفية متحججا بأن هذا الجهاز تنقصه قطعة غيار.

وختم ولد عبدالعزيز حديثه عن المضايقات التي تعرض لها بالإشارة إلى ما تسبب فيه خلل تقني من تأخر انطلاقة المؤتمر الصحفي لعدة ساعات عن موعده المحدد.

الرئيس المعارض

هاجم ولد عبدالعزيز، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بصعوبة في منزله في نواكشوط، محاولة إبعاده عن حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، الذي أسسه قبل 10 سنوات، وأكد أنه لا ينوي الترشح لرئاسة الحزب.

أما الجديد في هذه الندوة، فهو هجوم الرئيس السابق على الرئيس الحالي، معتبرا أن من يخطط للسيطرة على الحزب "يجب أن يكون عضوا فيه، وألا يكون رئيسا للجمهورية".

وأضاف أن هجوم نواب وأعضاء في الحزب عبر بيان ترؤسه اجتماعا للجنة المسيرة للحزب، بعد عودته إلى البلاد قبل أسبوعين، "أمر غير قانوني"، معتبرا أن "الدولة هي التي قامت بهذا، عبر تدخل الوزراء والمسؤولين، وحتى تدخل الوزير الأول (رئيس الحكومة) من خلال لجنة عهد إليها إعادة هيكلة الحزب".

المحلل السياسي الموريتاني محمد الأمين الفاضل اعتبر عودة ولد عبدالعزيز للبلاد، وعقده للندوة الصحفية، مؤشر على رغبته في البقاء داخل الحياة السياسية وأنه يخطط للاستمرار في القيام بدور فاعل، رغم تأكيده أنه "ليس له سعي من أجل العودة لمنصب رئيس الجمهورية، وإنما من أجل التفاعل والتأثير والعمل من أجل تطوير العملية الديمقراطية بموريتانيا".

الفاضل قال لـ"الاستقلال": "هذه الندوة تأتي في إطار الرد على الإجراءات التي اتخذها الرئيس الحالي ولد الغزواني والتي سحبت البساط من تحت أقدام ولد عبدالعزيز".

وحاول ولد عبدالعزيز أن يقدم نفسه على أنه مرجعية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وأنه هو من أسس الحزب، كما حاول أن يظهر نفسه بأنه الحريص على الديمقراطية وعندما يشاهد خلل بهذه الديمقراطية فإنه يتدخل، حسب المحلل السياسي.

وأضاف الفاضل "الشعب الموريتاني لم يتقبل حديث الرئيس السابق، لأنه يعلم أنه لم يكن حريصا على الديمقراطية ولم يكن حريصا على الحريات، وأنه هو من أجبر الفنادق في فترة حكمه ألا تسمح بتنظيم ندوة قبل  الحصول على ترخيص من السلطات".

وأكد المحلل السياسي أن الرئيس السابق ورغم محاولاته إلا أنه يشعر بأنه أصبح معزولا، قائلا: "الأغلبية التي كانت تدعمه تخلت عنه بشكل كامل سوى شخص أو شخصين، وكذلك لا يمكن أن يكون له وجود في المعارضة، فالسنوات العشر التي قضاها في السلطة أحدثت صراعا عميقا معها، بل إنها ربما ستكون ظهيرا سياسيا للرئيس الحالي في مواجهته وإنهاء نفوذه في الدولة" .

محاولة انقلاب

العديد من المتابعين للشأن الموريتاني، لم يقتنعوا بنية الرئيس السابق تخليه عن فكرة محاولة العودة إلى السلطة، والتي راجت قبل انتهاء ولايته الرئاسية بأنه يستعد للعودة لمنصبه بعد دورة واحدة للرئيس الحالي.

وبعد أن ضاقت المساحة التي يتحرك فيها، وضعف نفوذه وتأثيره داخل الدولة والحزب الحاكم، اتهمه البعض بتدبير محاولة انقلابية على الرئيس الجديد المنتخب.

المعركة على الحزب انتهت إلى حد كبير لصالح ولد الغزواني، بعدما اعتذرت اللجنة التسييرية للحزب عن اجتماعها بالرئيس السابق واعتبرت ولد الغزواني مرجعية الحزب الوحيدة. هذا فضلا عن انحياز معظم نواب الحزب في البرلمان وهياكل الحزب وممثليه داخل البلاد إلى ولد الغزواني على حساب ولد عبدالعزيز.

رشحت معلومات عن تواصل ولد عبدالعزيز بقيادات عسكرية داخل قوات تجمع الأمن الرئاسي، وذلك بعد ما أيقن بخسارة أوراقه السياسية في صفوف القوى المدنية وخاصة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.

ولا يمكن، حسب الكثيرين تفسير لجوء ولد عبدالعزيز إلى أوراق قوته داخل القوات المسلحة إلا بتخطيطه لتدبير انقلاب عسكري على نظام محمد ولد الغزواني. ورغم خطورة الإقدام على هذا السيناريو إلا أن مؤشرات ومعلومات وإجراءات اتُخذت مساء 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 تؤكد وجود مخطط ما لقلب نظام الحكم بالقوة.

تمّت إقالة القائد العام لكتيبة الأمن الرئاسي الموريتاني العقيد محفوظ ولد محمد الحاج الملقب "سوغوفارا"، وتعيين العقيد أحمد ولد لميلح خلفا له على رأس الكتيبة التي تتولى مهمة تأمين الرئاسة والأمن الشخصي للرئيس. 

وفي 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري تم تعيين الرائد يحيى أحمدو طلحة قائدا مساعدا جديدا لكتيبة الأمن الرئاسي الموريتاني خلفا للمقدم شيخنا ولد القطب، وذلك بعد ساعات من الاستغناء عن عدد من الحراس الشخصيين للرئيس محمد ولد الغزواني، ضمن تغييرات بحرس الرئاسة.

إلا أن الرئيس الموريتاني، في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية يوم 21 ديسمبر/ كانون الأول، أكد أن الإجراءات التي تم اتخاذها في الأمن الرئاسي كان يجب أن تتخذ منذ فترة، وأنها طبيعية، رافضا أن تكون لها أي علاقة بالتطورات السياسية داخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، والخلاف مع ولد عبدالعزيز.

رجل عسكري

ويعتقد المحلل السياسي الموريتاني محمد الأمين الفاضل أن من أهم الأخطاء التي ارتكبها الرئيس السابق أنه رشح صديقه ولد الغزواني وهو رجل عسكري قضى 10 سنوات في قيادة الجيش الموريتاني وله معرفة ودراية كبيرة بالمؤسسة العسكرية.

وأضاف الفاضل "ولد الغزواني ليس شخص مدني يمكن أن يتم الانقلاب عليه بسهولة مثلما حصل في عهد سيدي ولد الشيخ عبدالله (2008)، فهذا الرجل شارك في انقلابات واشتغل في مرحلة من حياته في المخابرات فمن الصعب جدا أن تنفذ عملية انقلاب ضده".

وحسب الكاتب الموريتاني، فإن ما حصل من إقالات وتعيينات في الحرس الرئاسي هو مجرد حركات استباقية وسد للمنافذ التي يمكن أن يستخدمها الرئيس السابق إذا ما احتد الصراع بينهما، حيث أن النفوذ الوحيد لولد عبدالعزيز في الحرس الرئاسي الذي يحظى بنوع من الاستقلالية عن المؤسسة العسكرية.

وأضاف "لا أعتقد أن ما حصل كان ردة  فعل على محاولة انقلاب عسكري، ولكنها بداية حرب بين الرئيسين الحالي والسابق، وهي حسب رأيي أمر طبيعي فرئاسة الدولة لا يمكن أن تسع شخصين".

وحسب الفاضل "تبدو نتيجة هذا الصراع محسومة لصالح الرئيس الحالي الذي يمتلك السلطة والشرعية وتأييد واسع حتى من المعارضة التي فتح معها حوارا، إلا إذا ارتكبت الحكومة الحالية أخطاء كبيرة يمكن أن تؤثر على التأييد الشعبي الذي يحظى به ولد الغزواني".