التطبيع مع إسرائيل.. كيف تحاول الإمارات إقناع الشعوب العربية؟

شدوى الصلاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يجد عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات، حرجا في نشر مقال لمجلة بريطانية عبر حسابه الشخصي في "تويتر"، يتحدث عن تشكيل تحالف عربي إسرائيلي في الشرق الأوسط.

ونشر المقال مجلة ذا سبيكتور الإسبوعية، وترصد خلاله لقاءات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع زعماء العرب والخليج، الأمر الذي شجع ابن زايد على الاحتفاء به ونشره على حسابه الذي يتابعه قرابة خمسة ملايين شخص.

ويشير المقال الذي نشرته الصحيفة بعنوان "إصلاح الإسلام: تحالف عربي-إسرائيلي يتشكل في الشرق الأوسط" إلى خريطة جديدة لتوجيه عقول المسلمين في المنطقة تجاه إسرائيل، ويزعم مطالبة الشباب للقادة العرب بزيادة التعاون الاقتصادي وتقليل النزاعات السياسية وبناء التحالفات مع إسرائيل.

ويحتفي المقال باستطلاع للرأي يفيد بانخفاض نسبة العرب الواثقين في الأحزاب الإسلامية منذ انتفاضة 2011.

وبعد ساعات قليلة من نشر وزير خارجية الإمارات للمقال، أعاد بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، نشر تغريدة وزير الخارجية الإماراتي عبر حسابه بتويتر تغريدة، معقبا بالقول: "أرحب بالتقارب الذي يحدث بين إسرائيل والكثير من الدول العربية. لقد آن الأوان لتحقيق التطبيع والسلام".

احتفاء إسرائيلي

وفي كلمته بجلسة حكومة الكيان الإسرائيلي الأسبوعية، قال نتنياهو: "يا أعضاء الحكومة، شاهدنا أمس تعبيرا آخر عن تدفئة العلاقات بين إسرائيل والدول العربية. وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد تحدث عن تحالف جديد في الشرق الأوسط وهو تحالف إسرائيلي عربي".

وأضاف: "هذه نتيجة مباشرة لسياستنا التي تحول إسرائيل إلى قوة صاعدة في المنطقة والعالم"، مستطردا: "ليس بإمكاني الإفصاح لكم عن تفاصيل جميع الخطوات التي قدتها مع رفاقي على مر السنين. أستطيع فقط أن أقول إن هذا التصريح هو نتيجة نضج اتصالات وجهود كثيرة تستأهل الصمت حاليا، وأشدد على الكلمة "حاليا".

احتفاء نتنياهو بنشر "ابن زايد" للمقال ليس مستغربا فالمقال يتبنى تصريحات نتنياهو التي أعلن فيها أن الدول العربية لم تعد تتعامل مع إسرائيل كأنها عدو، بل كـ"حليف ضروري في مكافحة التنظيمات (السنيّة) المتطرفة، وإيران".

مخطط أمريكي

تصريحات رئيس وزراء الاحتلال جاءت في المؤتمر السنوي لوسائل الإعلام المسيحية الدولية الذي أقيم في القدس الشهر الماضي، وأعاد كاتب المقال ذكرها قائلا: إن "الحاجة إلى الوقوف بحزم ضد إيران قضية وحدت إسرائيل مع العرب السنة والمسلمين الشيعة المناهضين لطهران في العراق وسوريا ولبنان".

هذه الوحدة التي يتحدث عنها كاتب المقال والتي تتجلى في الانحراف الخليجي نحو الاحتلال الإسرائيلي بدعوى فزاعة إيران، سبق أن دعا لها الرئيس الأمريكي مرارا، مؤكدا على ضرورة تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية في إطار "مواجهة الخطر الإيراني المشترك" الذي يتهدد دول الخليج العربي وإسرائيل في آن واحد.

وفي هذا الشأن، قال عماد أبو الروس الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية: إن "أمريكا عملت طوال السنوات الماضية على صناعة عدو إيراني مجاور لدول الخليج قد يهاجمها ويعمل على قلب أنظمة الحكم فيها، ومن خلاله استغلت الإمارات والسعودية ودفعتهم نحو إسرائيل".

وأكد في حديثه مع "الاستقلال" أن الإمارات تحاول الإثبات للولايات المتحدة أنها تسير وفق ما يملى عليها مقابل حماية نظام الحكم فيها؛ والتبعية بالحماية ضد أي هجمات حوثية أو إيرانية تستهدف أبوظبي، واضعا المدح الإماراتي لإسرائيل في إطار الاستجابة المطلقة لأمريكا بالتوجه نحو التطبيع معها.

وشدد "الروس"على أن الطلبات الأمريكية تحمل في طياتها لغة الأمر لتلك الدول، مشيرا إلى أن خطوة الوزير الإماراتي ليست الأولى بل هناك تناغم بين تل أبيب وأبوظبي في الآونة الأخيرة يدلل على أنهما تقدما أكثر نحو التطبيع بينهما.

واختصر ما تفعله الإمارات قائلا:  إنها تظهر نوايا حسنة أكبر تجاه إسرائيل لمنحها امتيازات أمريكية أكبر، جازما بأن أبوظبي هي ممثل أمريكا في المنطقة العربية.

وأضاف أبو الروس أن الإمارات كانت تنظر إلى ذاتها بأنها ليست لها أي ثقل سياسي مثل جارتها قطر؛ فاختارت ثقلا سياسيا عبر البوابة الأمريكية، لذلك من غير المستبعد أن تعلن الإمارات عام ٢٠٢٠ تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

كسر الجليد

ويبدو من مواقف الطرفين الإماراتي والإسرائيلي أنهما يستخدمان منصات التواصل الاجتماعي لكسر الجليد على الملأ تمهيدا لدفع الشعوب العربية للقبول بخطوات التطبيع المقبلة.

وسبق أن هنأ ابن زايد إسرائيل بعيد رأس السنة العبرية، مغردا عبر حسابه بتويتر بالعبرية في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، قائلا: "“Shana Tovah” والتي تعني سنة سعيدة (في إشارة إلى العيد اليهودي).

تلك التغريدة جاءت بعد أيام قليلة من إعلان إسرائيل أن وزير خارجيتها يسرائيل كاتس اجتمع سرا مع وزير خارجية عربي لم تحدد اسمه، إلا أن التسريبات أشارت إلى أن المقصود هو "عبدالله بن زايد".

واستندت التسريبات إلى الربط بين كشف الإعلان الإسرائيلي أن اللقاء كان على هامش مداولات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وبين ترأس "ابن زايد" للوفد الإماراتي المشارك في اجتماعات الجمعية، مع الإشارة إلى أنه سبق أن اجتمع سرا مع نتنياهو قبل أعوام في نيويورك.

كما سبق أن احتفى نتنياهو بالخطوات الإماراتية تحديدا نحو التطبيع، حين كتب على تويتر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن "إسرائيل ستشارك، العام القادم، في معرض إكسبو في دبي 2020"، المقرر إقامته بين 20 أكتوبر 2020 و10 أبريل 2021".

وأرفق تغريدته بالإشارة إلى أن إسرائيل تقيم علاقات مع ست دول عربية على الأقل، مبشرا بأن "التطبيع يتقدم خطوة بعد خطوة وهذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى علاقات سلمية".

تلك البشارة التي أعلنها "نتنياهو"، سبق أن كشفتها وثائق ويكيليكس التي نشرت في 2017، مؤكدة وجود تنسيق اقتصادي ودبلوماسي وأمني وعسكري يجري بشكل متسارع بين الإمارات وإسرائيل منذ 2010، ومنذ ذلك الحين تتوالى فضائح العلاقات والتنسيقات على كافة الأصعدة.

وأبرزها على سبيل المثال لا الحصر، إجراء عدد من الوزراء الإسرائيليين زيارات علنية للإمارات، من بينهم وزير الخارجية ووزيرة الثقافة، ونشرهم صورا لهم في مسجد أبوظبي الكبير، واستعداد إسرائيل للمشاركة بجناح خاص بها في معرض "إكسبو 2020" المقرر إقامته في دبي.

محاربة الإسلام

وأماطت المواقف الأخيرة لابن زايد اللثام عن وجه قيادات الإمارات الحقيقي التي يخفي حكامها عداءهم للإسلام، ورغبتهم في نشر "إسلام برعاية إسرائيلية"، فالمقال الذي نشره وزير خارجية الإمارات يروج إلى فكرة "تجديد الإسلام والتحالف العربي مع إسرائيل".

فبعد أن رصد كاتب المقال أوجه التطبيع الإسرائيلي في الإمارات، ادعى أن المصريين يرغبون بشدة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل لثلاثة أسباب، منها أن الربيع العربي كشف عن تعصب الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين ذوي الصلة.

التقارير الغربية رصدت دلالات عدة تفضح هوس الإمارات بمحاربة الإسلام السياسي، وتعتبر كل الضربات مسموحة في هذه الحرب ضد الإسلاميين -بحسب مقال للكاتب الفرنسي جورج مالبرونو نشرته صحيفة لوفيغارو-.

لذلك، رأى أدهم أبو سلمية -الناشط السياسي الفلسطيني، أن الأخطر فيما جاء في تغريدة وزير خارجية الإمارات ليس الدعوة للتقارب مع إسرائيل أو تطبيع العلاقات وإنما شكل الإسلام الجديد الذي يريده عبد الله بن زايد عندما يتحدث أن إصلاح الإسلام يكون من خلال هذا التقارب.

وقال: في علاقات إماراتية والكيان المحتل قديمة، ومتمثلة في علاقات أمنية وسياسية واقتصادية وربما أبعد من ذلك.

وذكر أن تلك العلاقات باتت تأخذ في الفترة الأخيرة منحنى جديد من خلال الإعلان الواضح عنها، مستفيدة من الواقع العربي المتردي.

والحقيقة أن الإمارات ليست وحدها من تهرول الخطى نحو الكيان الإسرائيلي، فأغلب الدول الخليجية تتخذ نفس المنحى.

وكان الوزير الإسرائيلي السابق أيوب قرا، من حزب الليكود، قد توقع أن يتمكن جميع الإسرائيليين خلال العام المقبل من إقامة مصالح سياسية واقتصادية وزيارات من وإلى دول الخليج.

وقال في مقابلة مع قناة "i24NEWS" الإسرائيلية: إن زيارته الأخيرة إلى الإمارات "كانت تاريخية وعظيمة"، مؤكدا أن العلاقات بين إسرائيل وبعض الأنظمة العربية في الخليج "ستخرج إلى العلن بعد طرح خطة السلام الأمريكية".

مشاريع إسرائيلية

وكشف "قرا" أنه يعمل مع شركة عربية خليجية لترتيب زيارات مستقبلية لإسرائيل من السعودية والإمارات، قائلا: "بعد فترة سيتمكن المسلمون حاملو الجوازات الإسرائيلية من الدخول إلى مكة للحج بجوازات سفرهم".

وكشف الوزير الإسرائيلي السابق، أن أميرا إماراتيا زار إسرائيل، وعالج زوجته في أحد المشافي الإسرائيلية.

وتأتي خطوات التقارب الإماراتي وتطبيع العلاقات مع إسرائيل في الوقت الذي  يتحدث فيه نتنياهو عن ضم الضفة واستكمال تهويد القدس وإسدال الستار على القضية الفلسطينية، وينجح في منع أمريكا من تزويد الإمارات والسعودية بطائرات إف 35 بزعم أن نظم الحكم فيها مرشحة للسقوط.

فقد كشف نتنياهو الشهر الجاري، عن مساعيه إلى تطبيق السيادة الإسرائيلية بشكل أحادي على أراض فلسطينية ومستوطنات، مستغلا وجود ترامب في البيت الأبيض.

كما يستمر الجانب الإسرائيلي في عملياته لتهويد الشطر الشرقي من مدينة القدس، وشطب هويتها العربية والإسلامية، والاستيلاء على المقدسات وبناء أحياء يهودية كاملة وتنفيذ المشاريع اليهودية المؤجلة في الضفة الغربية.

وفيما يتعلق برفض واشنطن منح أسلحة نوعية للخليج، فتلك الطائرات المقاتلة المتطورة رفضت أمريكا بيعها إلى الدول الخليجية ومنحتها إلى إسرائيل في فبراير/شباط 2015، مبررة ذلك بأن المسألة "حساسة للغاية"، وتعهدت بالحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة.

ولذلك، تمتنع الولايات المتحدة عن منح تلك الطائرات التي تعد إسرائيل ثاني ممتلك لها بعد أمريكا، للإمارات التي تقدمت قبل عامين بطلب إلى ترامب للحصول عليها، إلا أن البنتاغون جدد في نوفمبر/كانون الثاني الماضي، التأكيد على رفض البيع.