وسط أزمات ترامب ونتنياهو.. 3 تطورات تؤشر لحلحلة "صفقة القرن"

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عادت صفقة القرن إلى صدارة المشهد الدولي مرة أخرى، من خلال ثلاثة تطورات متزامنة تؤشر إلى تحركات من أجل حلحلة الملف الذي شهد جمودا خلال الأشهر الماضية.

و"صفقة القرن" خطة سلام أعدتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تجبر الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة إسرائيل، بما فيها وضع شرق القدس المحتلة وحق عودة اللاجئين.

المؤشر الأول

المؤشر الأول كشفته صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية، في تقرير نشرته في 15 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أكدت فيه أن إدارة ترامب، ربما لن تنتظر موعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية الجديدة في مارس/آذار المقبل، للإعلان عن "صفقة القرن".

الصحيفة القريبة من حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والقريبة أيضا من الدوائر المحيطة بالرئيس الأمريكي، بررت سبب تعجل إدارة ترامب، لقناعتها بأن الانتخابات المقبلة للكنيست (البرلمان الإسرائيلي) لن تأتي بجديد عن الجولتين السابقتين.

ويأتي هذا مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وتزايد أزمة ترامب بسبب إجراءات محاكمته تمهيدا لعزله، ولهذا فهو يريد -بحسب الصحيفة- طرح الصفقة خلال الأسابيع المقبلة، واستخدامها كورقة رابحة لدعم موقفه السياسي أمام الديمقراطيين.

وتشير الصحيفة إلى أن تأخر الإعلان عن الصفقة خلال الجولتين الماضيتين من الانتخابات الإسرائيلية، جاء على أمل أن يحقق نتنياهو الأغلبية الذي تمكنه من تشكيل الحكومة، إلا أن فشله في ذلك، دفع ترامب للتفكير الجاد بالإعلان عن الصفقة، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات المقبلة للكنيست.

وذكرت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية تتوقع أن لا تقود الانتخابات الثالثة في إسرائيل، إلى نتيجة حاسمة لصالح نتنياهو أو بيني غانتس (زعيم حزب أزرق-أبيض)، ما يعني الفشل في تشكيل حكومة جديدة واستمرار الأزمة.

وصرح ترامب خلال مشاركته في مؤتمر "المجلس الإسرائيلي الأمريكي" (IAC) في 21 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أنه يئس من تراجع فرصة تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

وأضاف: "أنا أحب الصفقات، وسمعت أن الاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين هو الأكثر صعوبة. وإن لم يتمكن جاريد كوشنير (صهر ترامب ومستشاره) من فعل ذلك الآن، فإنه من المستحيل التوصل لاتفاق بينهما".

المؤشر الثاني

هو ما كشفته سلسلة تغريدات لرئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جاسم، قبل أيام، أكد فيها أن صفقة القرن سيتم إطلاقها العام المقبل، وأن تمريرها يتطلب بقاء نتنياهو في منصبه.

ووجه ابن جاسم الدعوة للجامعة العربية بالاستعداد لتقديم رؤية موحدة لمواجهة الصفقة المرتقبة، متسائلا عن الدور الغائب للجنة السلام العربية.

وأضاف ابن جاسم قائلا: "كانت هناك لجنة عربية لمتابعة قضية السلام الفلسطينية، وكانت عبارة عن فلتر للقضية في الجامعة العربية، وتتعامل مع كل المبادرات والأطراف ولكنها جُمّدت، من المهم إعادة الحياة لهذه اللجنة ووضع رؤية عربية تحفظ الحقوق الفلسطينية وتحصنها من الصفقات الجانبية".

وفي تعليقها على تغريدات المسؤول القطري السابق، أكدت شبكة CNN الأمريكية، وجود قناعة لدى كثير من المسؤولين العرب، بأن الوقت ملائم الآن أكثر من أي وقت آخر للتوصل إلى سلام دائم مع إسرائيل.

ونقل المحلل السياسي للشبكة "دان سينور" تأكيدات من مسؤول كبير بإحدي دول الخليج بأن العالم العربي السني يؤمن بأن إسرائيل هي المستقبل، مشيرا إلى أن الطريقة التي تسير فيها الإدارة الأمريكية، وبالتحديد جاريد كوشنر هي سياسة التطبيع التدريجي الناعم بين الحكومة الإسرائيلية والحكومات العربية السنية.

وفي حديث آخر لـ CNN، أكدت المسؤولة في منظمة التحرير الفلسطينية حنان شعراوي أن الإدارة الأمريكية الحالية تحاول مكافأة إسرائيل وتطبيع علاقاتها مع العالم العربي، وفي الوقت ذاته المحافظة على الاحتلال.

وتابعت: "أي أحد لديه علم بالمحتوى التاريخي للمسائل الأساسية سيفهم أن لا قائد عربي مهما ظنوا أنه استبدادي من وجهة نظرهم، سيقبل ضم القدس أو مفاوضات حقوق اللاجئين الفلسطينيين أو إبقاء الفلسطينيين تحت الاحتلال مهما حاولوا التطبيع مع إسرائيل".

المؤشر الثالث

يبرهن هذا المؤشر على أن الإدارة الأمريكية لم تعد تكتف بالحديث السياسي، وإنما اتخذت بالفعل الإجراءات الإدارية الخاصة من أجل بدء هيكلة الصفقة على أرض الواقع، وهو ما كشفته مناقشات الكونجرس الأمريكي قبل أيام، لطلب تقدمت به إدارة ترامب في مارس/ آذار الماضي، وأعادت تجديده مؤخرا.

هذا الطلب تمثل بالحصول على موافقة الكونجرس من أجل إنشاء صندوق باسم "صندوق التقدم الدبلوماسي" بقيمة 175 مليون دولار، لتوفير التمويل المالي لدعم تنفيذ صفقة القرن.

ورغم أن الكونجرس رفض طلب ترامب، إلا أن الصحافة الإسرائيلية، اعتبرت تشكيل الصندوق خطوة من أجل وضع صفقة القرن ضمن جدول التنفيذ في البيت الأبيض.

وحسب ما نشرته صحيفة "هآرتس"، فإن البيت الأبيض قال حينها: إن هذا الصندوق ضروري في حالة التقدم نحو السلام الإقليمي وأنه يمكن استثمار هذا المبلغ في مساعدة الفلسطينيين، كما أكدت الصحيفة في تعليقها أن الطلب "أظهر أن الإدارة أرادت الحصول على أموال يتم تخصيصها وتكون متاحة في حال تحسنت العلاقات مع الفلسطينيين".

ونقلت "هآرتس" عن مصدر في الكونجرس، لم تفصح عن هويته، أن رفض النواب الديمقراطيين والجمهوريين للطلب، لم يكن بدافع سياسي، وإنما لاعتبارات متعلقة بالميزانية، خاصة في ظل قناعة نواب الكونجرس أن خطة السلام ليس متوقعا لها أن تصدر في وقت قريب، فلماذا يكرس لها المال؟

ولكن إذا دخلت الخطة حيز التنفيذ بالفعل، فإن المسؤولين في البيت الأبيض، سيجدون الدعم لذلك، ولن يقف أي شخص في الكونجرس في طريق تنفيذ الخطة، وفق ما هو متوقع.

الهدايا المرفوضة

الجانب الإسرائيلي حمَّل نفسه المسؤولية عن رفض هدايا ترامب، التي قدمها أكثر من مرة لنتنياهو من أجل الفوز في الانتخابات التشريعية بما يمكنه من تشكيل حكومة مستقرة تستطيع الموافقة على الصفقة التي قدمها البيت الأبيض هدية للدولة العبرية.

وحسب توصيف ما يسمى نائب عمدة القدس وعضو اللجنة المركزية لحزب الليكود "فلور ناحوم"، فإن الجانب الإسرائيلي هو الذي يتحمل مسؤولية ضياع الهدايا والعطايا الأمريكية.

ووفق مقال نشره ناحوم في صحيفة "جروزاليم بوست"، بعد تزايد الحديث عن غضب ترامب من نتنياهو لعدم حصوله على النسبة الكافية في انتخابات الكنيست، فإن الإسرائيليين هم الذين يضيعون الفرصة الآن، وأن الشعب الإسرائيلي أصبح ضحية لعناد قادته الذين تسببوا في الجمود الذي أصاب المشهد السياسي.

واعتبر عضو اللجنة المركزية لليكود، أنهم بسبب عدم وجود حكومة مستقرة وفعالة يتسببون في ارتكاب أكبر خطأ تاريخي، لأنهم مع مرور الوقت، يضيعون فرصة الاستفادة من شراكة الإدارة الأمريكية الحالية الأكثر تأييدا لإسرائيل.

وليس بعيدا عن مقال ناحوم، أكد مسؤولون أمريكيون لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن إدارة ترامب "يائسة وخائبة الأمل" من الأزمة السياسية الحاصلة في إسرائيل، لأنها تمنع البيت الأبيض من طرح القسم السياسي لـ"صفقة القرن".

ولفتت الصحيفة إلى أنه "في الجولة الثانية من الانتخابات الإسرائيلية، تصرف ترامب بشكل مختلف"، موضحة أنه "لم يعد يحتضن نتنياهو ولم يقدم له أي هدايا، باستثناء تغريدة كتب فيها أنه تحدث إليه حول إمكانية وجود تحالف دفاعي".

مصالح ترامب

وتشير تحليلات أمريكية، إلى أن العلاقة بين ترامب ونتنياهو ليست في أفضل حالاتها، وهو ما جعل ساكن البيت الأبيض للنظر إلى صفقة القرن من منظور مصلحته الخاصة المتمثلة بالانسلاخ عن الدعم الموجه لنتنياهو، إلى الدعم الموجه لإسرائيل بعيدا عن شخص رئيس حكومتها.

وهو ما عبر عنه ترامب في تعليقه على عدم تحقيق نتنياهو النجاح المأمول في جولة الانتخابات الماضية، بأنه يدعم إسرائيل وليس زعيم حزب الليكود، في إشارة للقرار الذي أصدره لشرعنة الاستيطان في الضفة الغربية، وهو ما اعتبره مراقبون بمثابة هدية مجانية من ترامب لنتنياهو من أجل فوز الأخير بالانتخابات المقبلة.

وحسب مقال للكاتب السياسي مايكل كولينز، في موقع "أمريكا اليوم"، فإن ترامب يريد استخدام صفقة القرن من أجل الحصول على دعم اللوبي الصهيوني داخل واشنطن، ولذلك جاءت كلماته في مؤتمر "المجلس الإسرائيلي الأمريكي"، موجهة لإسرائيل وليس لأي شخص فيها، وخاصة نتنياهو الذي لم يذكره ترامب بكلمة واحدة في حديثه.

ويدلل كولينز على كلامه بأن ترامب لم يوضح ما إذا كان سيوافق على طلب نتنياهو بدعم ضم وادي الأردن لإسرائيل أم لا، وبدلا عن ذلك جاء إعلان ترامب بأن "الشراكة" بين الولايات المتحدة وإسرائيل لم تكن أبدا أفضل من ذلك.

وتطرق في حديثه إلى الإجراءات التي اتخذها ترامب في هذا الإطار والتي تنوعت بين نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، مؤكدا أنه لم يكن لدى الدولة اليهودية صديق أفضل في البيت الأبيض من ترامب.

ويشير الكاتب الأمريكي إلى أن ترامب أغرق نتنياهو بهدايا سياسية خلال السنوات الثلاث التي قضاها في منصبه، واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك، كما أقر بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وعكس عقودا من السياسة الأمريكية بإعلانه أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ليست انتهاكا للقانون الدولي.

ورطة العرب

وبالعودة لما كتبه رئيس الوزراء القطري السابق، ودعوته الجامعة العربية، بالاستعداد لإعلان صفقة القرن، فإن ذلك يدعو للتساؤل عن دور الجامعة في الأمر، وهل يمكن لها أن تتصدى لمخاطر الصفقة، أم أن العرب في هذه الصفقة، ليس مطلوب منهم سوى تأييدها والتوقيع عليها.

ورغم أن وزراء الخارجية العرب أعلنوا صراحة في اجتماعهم الأخير في سبتمبر/ أيلول الماضي رفضهم لأية صفقة حول القضية الفلسطينية لا تنسجم مع المرجعيات الدولية، فإن  صحيفة "المونيتور"، الأمريكية، قالت في 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري: إن تنفيذ صفقة القرن لم يعد بحاجة لموافقة العرب، خاصة وأنها أصبحت أشبه بالهدايا المتبادلة بين كل من ترامب ونتنياهو، بينما غاب العرب عن المشهد.

ويشير تحليل موسع للصحيفة نشرته مطلع ديسمبر الجاري، أنه بالرغم من الرفض الأردني والفلسطيني والدولي لـ "صفقة القرن"، إلا أن محور واشنطن تل أبيب يعمل على تطبيق الاتفاق بشكل فعلي، وهو ما تمثل في مجموعة من الإجراءات بدأت بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والإجراءات الأخرى بشأن القدس والجولان والمستوطنات.

وتشير المونيتور إلى أن النهج الأمريكي الإسرائيلي يتجاهل المواقف الفلسطينية والعربية والدولية، ويعتمد قرارات وتدابير وتطورات أحادية الجانب؛ ويعمل على إجبار الأطراف الأخرى على قبولها كأمر واقع.

ما كتبه ابن جاسم أعاد أيضا الحديث عن دور لجنة مبادرة السلام العربية التابعة للجامعة، والتي تم تشكيلها في 2002، خلال قمة بيروت، عندما طرحت السعودية، مبادرتها للسلام مع إسرائيل، والتي أصبحت هي الإطار الناظم للموقف العربي والإسلامي تجاه العلاقة مع تل أبيب وحل القضية الفلسطينية.

ومنذ ذلك الحين تتمسك السلطة الفلسطينية بمبادرة السلام العربية كخطة لا بديل لها لإنهاء الصراع مع إسرائيل، بينما رفضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الاعتراف بالمبادرة كإطار للتفاوض للسلام مع إسرائيل.

ونصت المبادرة التي اعتمدتها قمة بيروت، على الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو 1967، والأراضي التي ما زالت مُحتلة في جنوب لبنان.

إضافة إلى التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو/حزيران في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

وعندئذ تعتبر الدول العربية النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، ومن ثم إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.

ورغم أن قمة بيروت شكلت لجنة خاصة بالمبادرة برئاسة الأردن وعضوية مصر والبحرين وتونس والجزائر والسعودية والسودان والعراق وفلسطين وقطر ولبنان والمغرب واليمن، إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية، إلا أن اللجنة لم يتم دعوتها للاجتماع باستثناء مرات محدودة.

كان آخرها في أعقاب أزمة نقل السفارة الأمريكية للقدس الشريف، حيث عقدت اجتماعا بمقر الجامعة في القاهرة في فبراير/ شباط 2018، ورفعت توصياتها لمجلس وزراء الخارجية العرب الذي عقد اجتماعه الدوري في مارس/ آذار 2019.


المصادر