كيف يستخدم بوتين المرتزقة الروس لتوسيع نفوذه في المنطقة؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثار القلق الذي أعلنته واشنطن، عن خطورة الأوضاع في ليبيا، بسبب وجود مرتزقة روس يعملون لصالح اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تساؤلات عدة عن مجموعة "فاجنر"، التي تمولها روسيا بشكل غير مباشر، ليكون لها الصدارة والقوة في وقت واحد، بأي مكان تضع فيه "فاجنر" أقدامها.

وهل أقلق المرتزقة الروس الولايات المتحدة، ما دفعها بالتأكيد على شرعية حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج؟ وهل المخاوف من تحول ليبيا على يد "فاجنر"، لساحة قتال دولية، يمكن أن يدفع المجتمع الدولي للتخلي عن دوره الصامت، تجاه مليشيات حفتر؟

ولكن ما هي "مجموعة فاجنر" الروسية، التي أزعجت الجميع في سوريا وليبيا، وأماكن أخرى، وأصبحت وسيلة مشهورة للرئيس الروسي بوتين، لوضع قدمه في أي مكان لم يكن له وجود فيه قبل ذلك؟

احتلوا المقدمة

وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية، فتحي باشاغا، وصف الوضع بعد تدخل قوات المرتزقة الروسية، لدعم حفتر بقوله: "إن روسيا تقف الآن على الخطوط الأمامية للحرب بالوكالة في ليبيا"، وحسب الوزير نفسه، فإن الحرب بالوكالة سوف تشل البلاد، لتصبح "ملاذا للإرهابيين والمتطرفين"، في غياب دعم من الولايات المتحدة.

وأشار باغشا إلى أنه منذ شهر أغسطس/ آب الماضي، تغيرت التكتيكات التي استخدمتها قوات حفتر تغيرا جذريا، وأصبحت العمليات محترفة للغاية، بعد أن أصبح المرتزقة الروس يحتلون الخطوط الأمامية والمقدمة في قواته.

وزير الداخلية في حكومة الوفاق، لم يكن وحده الذي رصد التطورات العسكرية التي طرأت على حركة قوات حفتر مؤخرا، حيث كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن روسيا دعمت حفتر بأكثر من 200 مقاتل يتبعون مجموعة "فاجنر"، التي تعمل لصالح الحكومة الروسية بشكل غير رسمي، كما كشفت تقارير أخرى لمختلف وسائل الإعلام الدولية، ومراكز الأبحاث المعنية بقضايا الشرق الأوسط، أن المرتزقة الروس، أصبحوا ورقة رابحة يستخدمها الرئيس الروسي لدعم الأنظمة والديكتاتوريات في الشرق الأوسط، أو من أطلق عليهم وزير الداخلية الليبي في تصريحات لموقع "أكسيوس"، ملوك الحرب الأهلية في الشرق الأوسط.

وحسب تقرير ميداني أجرته صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن روسيا دفعت بقناصتها وصواريخها وطائراتها الحربية، لإمالة الحرب الليبية لصالح حفتر، وأنها تقوم بذلك وأحد أعينها تنظر إلى النفط الليبي، والعين الأخرى تنظر لمزاحمة النفوذ الأمريكي في المنطقة.

ويرصد الكاتب الصحفي ديفيد دي كيركباتريك، في تحليل نشرته الصحيفة الأمريكية، عدد المقاتلين الروس بحوالي 200 مقاتل، وجميعهم قناصة مهرة، دفعت بهم موسكو في الشهور الثلاثة الماضية، كجزء من حملة واسعة النطاق قام بها الكرملين لإعادة تأكيد نفوذه في جميع أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا .

ويقدم كيركباتريك، رصدا آخر لتطور المشاركة الروسية في الحرب الليبية، والتي بدأت في 2015، بطباعة أوراق بنكنوت بملايين الدولارات وأرسلتهم لدعم حفتر، ثم أنشأت قاعدة محمد نجيب العسكرية في مصر بالقرب من الحدود الليبية، للمساعدة في توفير الدعم الفني وإصلاح المعدات، وقبل أن ينتهي العام أرسلت روسيا عشرات المستشارين العسكريين لدعم حفتر في بنغازي.

حفتر استعان بمرتزقة روس للقتال بمقدمة مليشياته

أين يوجدون؟

وحسب تقرير موسع لصحيفة "بيزنس إنسايدر" الأمريكية، فإن قوات المرتزقة الروس، المعروفة باسم "Wagner Group"، يعملون في 4 دول موزعة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، بينما كشفت وثائق نشرها المعارض الروسي المنفي ميخائيل خودوركوفسكي، عددا من الوثائق ورسائل البريد الإلكتروني لموظفين يعملون لصالح "فاجنر"، تشير لوجودهم في 13 دولة إفريقية من جنوب إفريقيا وزيمبابوي إلى ليبيا.

وبالعودة للموقع الأمريكي، فقد عمل بعضهم في خدمة سيف القذافي في ليبيا، والبعض الآخر في حماية بشار الأسد في سوريا، كما عملوا لصالح الرئيس السوداني السابق عمر البشير خلال حربه بجنوب السودان.

ومجموعة "فاجنر"، عبارة عن مرتزقة مقاتلين مرتبطين ارتباطا وثيقا بدعم الأهداف الروسية في مناطق النزاع حول العام، يرأسها يفغيني بريجوزين، وهو بائع هوت دوغ سابق في مدينة لينينغراد مسقط رأس بوتين، ثم أصبح بعدها رئيس الطهاة للرئيس.

وتعمل المجموعة بتعاقد رسمي بين الدول والحكومات والأشخاص، وهي نفسها المجموعة التي تعاقدت معها حكومة بشار الأسد للاستيلاء على حقول النفط والغاز وتأمينها من تنظيم الدولة.

الظهور الأول

وظهرت مجموعة "فاجنر" على سطح الأحداث لأول مرة عام 2014، عندما شاركوا الانفصاليين الأوكرانيين، المدعومين من روسيا، ووفقا لتقارير استخباراتية اعتمدت عليها "بيزنس إنسايدر"، فإن المرتزقة الروس يوجدون في 4 دول بالشرق الأوسط وإفريقيا وهي: ليبيا وسوريا، والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، كما سبق لهم الوجود في دول البلقان خلال الحرب الصربية البوسنية عام 1992.

وحسب تصريح الخبير العسكري الروسي بافل فيلغنهاور لموقع "يورونيوز"، فإن المرتزقة الروس ليسوا مثل نظرائهم الأمريكيين، لأنهم يشاركون في المعارك، ويستخدمون في وحدات النخبة، على عكس مقاولي الدفاع الأمريكيين الذين تتمثل مهمتهم الرئيسية في الحراسة.

وأغلبهم من قدامى المحاربين في دونباس، ونتيجة لأنهم لا يقاتلون كثيرا، ولا يتلقون رواتب جيدة، فإنهم يبحثون عن مكان لكسب المال لأنه من الصعب عليهم أن يكسبوا بطريقة أخرى غير القتال، كما أنهم لا يتبعون شركات عسكرية خاصة، ولكنهم يعملون تحت سيطرة الأجهزة الأمنية والعسكرية الروسية، وبدون إشارة من الكرملين، فإنهم لا يذهبون إلى الحرب، حتى لو كان الكرملين ينكر وجودهم، ويقول إنه لا يعرف شيئا عنهم.

شاركوا في القتال مع نظام بشار الأسد ضد المعارضة

جيش بوتين السري

رأى الكاتب البريطاني ورئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" ديفيد هيرست، أن قوات المرتزقة الروس، هم الجيش السري لبوتين، مشيرا في مقال كتبه بعد تفاقم رائحة المرتزقة الروس في ليبيا لدعم حفتر، إلى أنه في عام الأزمة الليبية 2011، ولدت فكرة أن الأحذية الروسية يجب أن تعود إلى الأرض في الشرق الأوسط بعد عقود من الغياب، حيث اعتبر بوتين ليبيا تعويضا عن غيابه في غزو العراق عام 2003، كما أنه اعتبر رفض أوباما التورط في الحرب الأهلية السورية، فرصة مناسبة لروسيا لإظهار منافسه في البيت الأبيض، بأنه فقد احتكاره لاستخدام القوة على المسرح العالمي.

وحسب هيرست، فإنه كما كان الحال في أوكرانيا وسوريا، فإن المرتزقة الروس هم قوات يمكن إنكارها ويمكن أن يفقدوا حياتهم بأعداد قليلة، مع عودة محلية قليلة أو معدومة، لأنهم ليسوا هناك رسميا، خاصة وأن الجميع في روسيا وخارجها يعرفون أن القوات الروسية العاملة في ليبيا هي قوات خاصة اسما، ولكنها حكومية فعلا.

ويتساءل هيرست قائلا: "إذا أصبحت ليبيا ملعبا عسكريا عالميا للقوات الفرنسية والإماراتية والمصرية الخاصة التي تدعم حفتر من جانب وطائرات بدون طيار تركية وعربات مدرعة تدعم الحكومة في طرابلس ومليشيا مصراتة من جهة أخرى، فلماذا لا ينبغي أن يكون الروس هناك كذلك؟".

واعتبر الكاتب البريطاني الشهير، الوجود الروسي في ليبيا ليس استثمارا في السلام والحل الوسط، وإنما هو استثمار في الحرب والدمار.

واتساقا مع مخاوف هيرست، حذر السياسي الليبي جمعة القماطي، عضو لجنة الحوار السياسي التي تشرف عليها الأمم المتحدة، من البنية الجديدة التي يقوم بها حفتر لإعادة بناء الجيش الليبي، والذي يعتمد على الميلشيات القبلية، والمرتزقة الأجانب الذين ينتمون إلى دول وجنسيات مختلفة، وخاصة الذين ينتمون لمجموعة "فاجنر" الروسية.

بوتين يسعى في ليبيا إلى تعويض غيابه في غزو العراق

اقتحام الموزمبيق

وفقا لموقع "موسكو تايمز"، الروسي فإن وجود المرتزقة الروس لم يعد قاصرا، على الدول الغنية بالنفط مثل ليبيا، أو التي ترسّخ الوجود الروسي في الشرق الأوسط مثل سوريا، وإنما امتد وجودها إلى قلب القارة الإفريقية، وتحديدا في دولة مثل موزمبيق، التي وقعت حكومتها عقدا مع مجموعة "فاجنر"، للمساعدة في محاربة "الجماعات الإسلامية النشطة" في شمال البلاد.

وأفاد الموقع بأن مجموعة "فاجنر"، حصلت على عقد جيد للغاية من موزمبيق، وتفوقت في ذلك على شركة "بلاك هوك" للخدمات العسكرية، المملوكة للعقيد السابق في جيش جنوب إفريقيا دولف دورفينج، الذي وصفه الموقع الروسي بأنه يعرف موزمبيق مثل كف يده، وتفوقت كذلك على شركة الأمن العسكري "OAM".

ونقل "موسكو تايمز"، تصريحات لمسؤولين بالشركتين الخاسرتين، أكدوا فيها أن أسعارهما لا يمكن مقارنتها بأسعار "فاجنر" المنخفضة، وعلاقاتهم السياسية رفيعة المستوى.

كما أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" أن بوتين عقد اتفاقا مع رئيس مدغشقر، لإرسال مجموعات فاجنر لتأمين الانتخابات المحلية بالبلاد.

عمل المرتزقة الروس امتد إلى قلب إفريقيا

ماذا وراء المرتزقة؟

أشارت دراسة موسعة لمركز "كارنيجي" للسلام الدولي، إلى أن الأزمة الليبية يمكن اعتبارها مقياسا لشكل التدخل الروسي، في البقاع المختلفة من العالم، حيث استفادت روسيا من إخفاقات الغرب في ليبيا، وقدمت نفسها بأشكال مختلفة بأنها الداعم الذي يستطيع تغيير المعادلة لصالح حفتر.

وحسب الدراسة، فإن سلبية أوروبا وتفككها - إلى جانب فشل إدارة ترامب لتطوير إستراتيجية متماسكة - سمحت بالفعل للاعبين الأقل نفوذا بإظهار تأثيرهم في ليبيا، لقد أثبتت الإمارات العربية المتحدة وتركيا، على سبيل المثال، أنهما لاعبان فعالان على الأرض، في حين أن روسيا قد تفتقر إلى رأس المال السياسي لإطلاق عملية تشبه أستانا في ليبيا، إلا أن مقامرتها تجاه تقاعس نظرائها قد تظل تضعها كوسيط قوة.

ولفتت إلى أن قيام روسيا بنشر عدد كبير من مرتزقة "فاجنر" وأفراد يرتدون الزي الرسمي لدعم هجوم حفتر، لم يكن متزامنا فقط مع إطلاق عملية برلين، ولكنه جاء في لحظة حرجة للجنرال الليبي المتقاعد، الذي عانى هجومه من انتكاسات عسكرية بعد أن فقد قاعدته الأمامية الرئيسية.

وتابعت الدراسة: لذلك حافظت روسيا على وجودها كلاعب من اللاعبين الرئيسيين الذين يؤثرون على المشهد العسكري لهجوم حفتر، وبالتالي تحولت روسيا التي كانت خارج المشهد الليبي، لمشارك أساسي في إنجاح عملية برلين، على عكس اللاعبين الآخرين في ليبيا ، فإن روسيا هي الدولة الوحيدة التي لديها قوات برية كافية لتغيير نتائج هجوم حفتر بشكل حاسم. 


المصادر