تهديدات وضغوطات.. هل يرضخ مقتدى الصدر للإرادة الإيرانية؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم تعد مواقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وكتلته "سائرون" في البرلمان العراقي تلقى ترحيبا من الكتل السياسية الشيعية الأخرى، ولا سيما القريبة من إيران، وذلك لتبنيه توجهات مختلفة خلال الاحتجاجات الشعبية اعتبرها البعض تغريدا خارج السرب.

تلك التوجهات، دفعت إيران إلى توجيه تهديدات للزعيم الشيعي الشاب الذي يقيم في مدينة قم الإيرانية حاليا- لأغراض الدراسة كما صرح مكتبه- تحذره فيها من الاستمرار في الوقوف إلى جانب المظاهرات والمناداة بمطالبهم.

علاقة معقدة

تربط الصدر علاقة معقدة مع إيران، ففي حين يطالبها بكف تدخلاتها بالعراق، فإنه عادة ما يزورها للمكوث فيها أو للقاء قياداتها العليا، إذ ظهر بمناسبة شيعية في سبتمبر/أيلول الماضي، جالسا وسط كل من المرشد الأعلى علي خامنئي، وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، فسرها محللون على أنها رسالة لإسرائيل بأننا "متحدون"، عقب غارات للأخيرة في العراق.

لكن معطيات عدة على أرض الواقع، تشير إلى تعرض زعيم التيار الصدري لضغوطات كبيرة من الجارة الشرقية إيران، وصلت إلى حد التهديد المباشر بأن حياته "ليست آمنة" في العراق، إذا استمر على مواقفه المؤازرة للمظاهرات.

لعل أولها كانت في 6 سبتمبر/كانون الثاني الجاري، بقصف منزله في محافظة النجف بقذيفة أطلقتها طائرة مسيرة، عقب إصداره أمرا لمليشيا "سرايا السلام" التابعة له بالتوجه إلى جسر السنك وسط بغداد لحماية المتظاهرين من هجمات شنتها عليهم مليشيات شيعية موالية لإيران، وخلفت 24 قتيلا.

ووصف التيار الصدري في تصريحات صحفية جاءت على لسان صلاح العبيدي المتحدث باسم مقتدى الصدر، الهجوم على منزل الأخير بأنها كانت "رسالة تحذيرية"، من دون تسمية الجهة التي تقف وراءها، لكن مراقبون وجهوا أصابع الاتهام إلى إيران.

وفي حديث مع "الاستقلال" كشفت مصادر سياسية طلبت عدم الكشف عن هويتها لحساسية الموضوع، أن "التيار الصدري هو من يدير ويديم الزخم في معظم ساحات الاعتصام ولا سيما في بغداد، بعد تأثير عمليات الخطف والاغتيالات بحق ناشطين من التيار المدني".

وأعربت المصادر عن خشيتها من وصول الأمور في العراق إلى المواجهة مع التيار الصدري، وتوجيه ضربة قوية لهم في محاولة لإنهاء الأزمة، كما حصل عام 2008 حين نفذ رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي خطة فرض القانون وصولة الفرسان، التي ضرب فيها التيار الصدري وزج عناصره بالسجون.

إصرار الصدر على موقفه الرافض لأي مرشح تقدمه الكتل السياسية الشيعية، بضغط أو مباركة من الجانب الإيراني، دفعها إلى تهديد زعيم التيار الصدري بشكل مباشر في محاولة لإجباره على اتخاذ جانب الحياد في الأزمة الراهنة.

فقد أفادت قناة "العربية" السعودية نقلا عن مصادر لم تسمها، في 20 ديسمبر/ كانون الثاني الجاري، بأن قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، هدد زعيم التيار الصدري، بأن حياته في العراق غير آمنة.

وقالت: إن سليماني هدد الصدر، الموجود في إيران حاليا، بالطرد ومنعه من دخولها، ثم أبلغ نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس أن زعيم التيار الصدري سيكون على الحياد.

وفي يوم الحديث عن تهديدات سليماني للصدر، وجه الأخير أمرا لأصحاب "القبعات الزرقاء" التابعة لمليشيا "سريا السلاح" بالانسحاب من محيط ساحات الاعتصام وتسليم حمايتها إلى القوات الأمنية العراقية، من دون ذكر الأسباب، الأمر الذي فسره مراقبون على أنها خطوة ربما تكون استجابة سريعة للضغوطات الإيرانية.

شطب التغريدة

قبل يوم من انتهاء ملهة الـ15 يوما التي منحها البرلمان لرئيس الجمهورية برهم صالح لتكليف مرشح يرأس الحكومة خلفا للمستقيل عادل عبد المهدي، أطلق الصدر في 21 من الشهر الجاري، تغريدة دعا فيها تحالف "البناء" المقرب من إيران إلى سحب مرشحه، حفاظا على كرامتهم وحقنا لدماء العراقيين.

وقال الصدر في تغريدته بموقع "تويتر": "أيها الأخوة في كتلة البناء، أيها الأخ قصي السهيل، احقنوا الدم العراقي، واحترموا أوامر المرجعية، واحترموا إرادة الشعب، واحفظوا كرامتكم، هو خير لنا ولكم وللعراق أجمع (..)، الشعب هو الكتلة الأكبر".

لكن ما كتبه الصدر دام مدة لم تتجاوز الـ24 ساعة، إذ فوجئت الأوساط السياسية والشعبية بشطب التغريدة، من دون أي توضيح، الأمر الذي زاد من تكهنات المحللين السياسيين حيال الأسباب التي دفعت زعيم التيار الصدري ولأول مرة على التراجع عما كتبه.

المحلل السياسي العراقي عدنان السراج، قال في حديث لـ"الاستقلال": إنه "بالتأكيد هناك ضغوطات داخلية وخارجية تمارس على الصدر، أو أي شخصية أو جهة سياسية عراقية في الظرف الحالي الحرج الذي يمر فيه العراق".

ورأى السراج أن "كل طرف يحاول أن يضغط بالاتجاه الذي يستطيع أن يمرر فيه إرادته وقراره ومشروعه من خلال الضغوطات التي يمارسها على بعض الشخصيات السياسية".

وأشار المحلل السياسي إلى أن "مطالبة الصدر من قصي السهيل سحب ترشيحه عبر تغريدة أطلقها، ثم شطبها برأيي لم يغير من موقف كتلة سائرون أو زعيم التيار الصدري نفسه من قضية رفض ترشيح السهيل".

من جهته، رأى الباحث في الشأن العراقي رعد هاشم في تصريحات لموقع قناة "الحرة" الأمريكية أن حذف الصدر للتغريدة يأتي في إطار "الضغط الإيراني ضمن إطار تسوية معينة بأن يظل في موقف المعارض لاختيار السهيل، لكن ألا يكون مهاجما له، لأن ذلك قد يصعد ويصعب الأمور وقد تتحول إلى حرب شيعية بين أنصار الكتل السياسية، وهو ما قد يكون وبالا على إيران".

وبحسب قوله: فإن "إيران لا تريد للأطراف الشيعية أن تتقاطع فيما بينها حتى لا يحدث اقتتال شيعي. ما يحدث هو شد الحبل وارتخائه لأجل غربلة مرشحين كثر، ولكن ما يهم إيران هو قصي السهيل، وهم يناورون بوزير العمل والشؤون الاجتماعي السابق محمد شياع السوداني، وكلاهما مقربان من المالكي وإيران، وتيار الصدر ضدهما".

هل يرضخ لإيران؟

وبخصوص ما إذا كان الصدر سيخضع للضغوطات الإيرانية والقبول بمرشح مقرب من طهران، قال النائب السابق عن التيار الصدري عواد العوادي لـ"الاستقلال": إن "الصدر لا يمكن أن يرضخ لأية ضغوط إقليمية أو داخلية"، مؤكدا في الوقت ذاته أن "زعيم التيار الصدري بالتأكيد يتعرض للضغط".

وأشار إلى أن "الصدر لا يخشى أي شيء، فهو يقف إلى جانب الشعب العراقي، وقراره نابع من إرادة شعبية، فهو باستطاعته أن يخرج مظاهرة مليونية، لكنه لا يريد أن تحسب الاحتجاجات على جهة معينة، وإنما يجب أن تكون عفوية وخليط من جميع العراقيين".

ودخل العراق مرحلة الفراغ الدستوري منذ 22 ديسمبر/كانون الأول، بعد انتهاء مهلة الـ"15 يوما لاختيار رئيس حكومة جديد، دون التوصل إلى توافق سياسي حول شخصية ترضي الشارع العراقي.

وألمح الرئيس العراقي برهم صالح للأحزاب السياسية، في 22 ديسمبر/ كانون الأول، إلى أنه سيستقيل من منصبه إذا لم يتم تسمية مرشح انتقالي لرئاسة الوزراء وقبله أغلبية الشعب العراقي.

وأجبر المحتجون حكومة عبد المهدي على الاستقالة، مطلع ديسمبر/كانون أول الجاري، ويصرون على رحيل ومحاسبة كل النخبة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة، والتي تحكم البلاد منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.