بعد محاولتين لعزل رؤساء.. هل يكون ترامب الأول في القائمة؟

عبدالرحمن سليم | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يحدث على مدار تاريخ الولايات المتحدة، أن أدت عملية العزل إلى الإطاحة بالرئيس فعليا من البيت الأبيض، رغم وجود سابقتين لأزمة دونالد ترامب الحالية.

ففي لحظة تاريخية تتكرر للمرة الثالثة فقط، وافق مجلس النواب الأمريكي، في 18 ديسمبر/كانون الأول على توجيه اتهامين لترامب، باستغلال السلطة، وعرقلة عمل الكونغرس، وذلك في إطار محاولة لعزله من السلطة.

كلينتون وجونسون

وسبق أن تمت الموافقة على عزل كل من بيل كلينتون عام 1998، وأندرو جونسون في 1868 بمجلس النواب، ولكن عندما تمت محاكمتهما في مجلس الشيوخ، لم يتم إدانتهما وبقيا في منصبهما.

محاولة عزل كلينتون، جاءت على خلفية الصفقات العقارية التي أجراها في السبعينيات فيما عرف بفضيحة وايت ووتر، لكن التحقيقات توسعت لتشمل مجموعة من الفضائح الأخرى.

كان أبرزها علاقته العاطفية مع متدربة البيت الأبيض "مونيكل لوينسكي"، التي أثارت أزمة سياسية هزت الولايات المتحدة عام 1998، رغم إنكار كلينتون وجود تلك العلاقة في بداية الأمر.

كان الوضع معكوسا عما هو عليه الآن في عهد كلينتون الديمقراطي، فبعد فضائح التحرش الجنسي التي عصفت به خلال فترته الثانية رئيسا للبلاد، أطلق الجمهوريون الذين كانوا يسيطرون على مجلس النواب آنذاك عملية العزل، لكنها لم تمر من مجلس الشيوخ الذي كان في قبضة حزب الرئيس. 

واستمر كلينتون في السلطة عامين كاملين حتى انتهت مدته، وتولى الجمهوري جورج بوش الحكم خلفا له.

أما الرئيس الديمقراطي أندرو جونسون، فإن وضعه يشبه كثيرا وضع ترامب، إذ يشترك كلاهما في إظهار أفكار عنصرية معادية، وطباع متوترة ونرجسية شديدة، إضافة إلى كون الأزمة التي عصفت بهما جاءت قبل أشهر قليلة من انتهاء المدة الرئاسية.

جونسون تحدى الكونغرس، وخاض صراعات مريرة معه خلال فترته الرئاسية، أدت في النهاية إلى بدء مجلس الشيوخ إجراءات مساءلة الرئيس، لكن المفاجأة وقعت حين فشل في تأمين أغلبية الثلثين اللازمة للعزل.

تهم ترامب

بالعودة إلى ترامب، ذكر تقرير نشره موقع "بي بي سي"، أنه "بموجب قرار مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، فقد وجهت لترامب تهمة سوء استغلال السلطة بأغلبية 230 صوتا مقابل رفض 197 صوتا".

أما التهمة الأخرى التي وجهت للرئيس الأمريكي، فهي عرقلة عمل الكونغرس، وجرى التصويت عليها بأغلبية 229 صوتا، مقابل رفض 198، الأمر الذي يرجح زيادة الانقسام السياسي بين النواب ومجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون.

عزل ترامب بقي فيه خطوة واحدة أخيرة، تمثلت بمثوله في محاكمة أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، الشهر المقبل، لكن إدانته تتطلب موافقة ثلثي أعضاء المجلس، الذي يسيطر عليه الجمهوريون أنصار المتهم.

قبل أشهر من تصويت مجلس النواب على عزله، واجهت ترامب تهما باستغلال سلطاته عبر الضغط على أوكرانيا لتعلن عن فتح تحقيق بحق نائب الرئيس السابق جو بايدن، المرشح الأبرز لمنافسته في انتخابات 2020، إضافة إلى تحقيق آخر في مساعدة الحكومة الأوكرانية للديمقراطيين في انتخابات 2016 التي أتت بترامب رئيسا للولايات المتحدة.

في يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2019، صوتت اللجنة القضائية في مجلس النواب لصالح توجيه اتهامين ضد ترامب بإساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس.

تمثلت التهمة الأولى في محاولة ترامب استغلال منصبه في الحصول على معلومات من أوكرانيا تعزز موقفه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مقابل إضعاف خصمه المحتمل جو بايدن، ما دفعه إلى إيقاف المساعدات الأمريكية إلى كييف، والتي تقدر بحوالي 400 مليون دولار.

زاد ترامب الطين بلة عندما رفض التعاون مع لجنة التحقيق، وأمر مسؤولين آخرين بعدم المثول أمام مجلس النواب للشهادة، وهو تطور غير مسبوق في التاريخ الأمريكي، حسب قول الديمقراطيين في مجلس النواب.

3 خطوات

تقرير جاء في 300 صفحة، كان الخطوة الأولى في إجراءات عزل ترامب، حيث وثق التحقيق الذي أجراه مجلس النواب في سلوك الرئيس الأمريكي تجاه أوكرانيا، والذي صادقت عليه لجنة الاستخبارات فيما بعد.

تخلل تحقيق مجلس النواب جلسات استماع علنية شهدت مثول اثني عشر شاهدا ممن أشرفوا على ملف علاقات الولايات المتحدة وأوكرانيا، وأكد الشهود كافة الاتهامات الموجهة لترامب.

بعد ذلك جاءت خطوة إقرار اللجنة القضائية في مجلس النواب، لائحة اتهامات الرئيس، في يوم وصفه رئيس اللجنة جيري نادلر بأنه "يوم حزين وكئيب"، عقب التصويت الذي جرى بسرعة مفاجئة بعد نقاش صاخب استمر 14 ساعة، وفق فرانس 24.

كانت آخر خطوات مجلس النواب، هي التصويت على محاكمة ترامب بأغلبية ساحقة، لينتقل الأمر بذلك إلى أهم وآخر خطوة، وهي المثول أمام مجلس الشيوخ.

 

وتسيطر أغلبية جمهورية على مجلس الشيوخ. وفي حال الحصول على أغلبية الثلثين، يمكن في هذه الحالة توديع الرئيس الأمريكي وإخراجه من المكتب البيضاوي، ويتولى مكانه نائبه مايك بنس.

حسب الدستور الأمريكي، يتولى رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ تحديد إجراءات المحاكمة والشهود، ويتحكم في مسار المناقشات حول بنود اتهام الرئيس.

لكنه وفي المقابل يحق لرئيس قضاة المحكمة الدستورية العليا جون روبرتس أن يقضي في شرعية إجراءات المحاكمة، لكن بإمكان المجلس تعطيل قراراته من خلال التصويت وتأمين الأغلبية البسيطة.

ومن المتوقع أن يعقد مجلس الشيوخ، محاكمة لترامب مطلع يناير/ كانون الثاني 2020.

دموع التماسيح

في خطاب من ست صفحات، عشية تصويت مجلس النواب، قال ترامب: إنه عومل معاملة أسوأ مما عومل بها المتهمون في "محاكمات السحرة في سالم"، في إشارة إلى المحاكمات التي تعرض لها متهمون بممارسة السحر في بلدة "سالم" بولاية ماساتشوستس الأمريكي خلال القرن السابع عشر، وأسفرت عن إعدام 20 شخصا.

النائب الجمهوري عن ولاية جورجيا باري لودرميلك، أكد أن ترامب عومل أسوأ مما عومل به يسوع المسيح قبل صلبه"، مضيفا " أريدكم أن تضعوا هذا في ذهنكم، عندما اتهم يسوع زورا بالخيانة، أعطى بيلاطس البنطي يسوع الفرصة ليواجه متهميه"، وفقا لفرانس 24.

في المقابل، قال القسّيس والكاتب الأميركي جيمس مارتن عبر حسابه في "تويتر": إن "المقارنة بين الطريقة التي عومل بها الرئيس وما عاناه يسوع أمر عبثي، وأيضا واحد منهما فقط هو بلا خطيئة"، حسب تعبيره.

ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، أكد دعمهم لترامب، وقال: إنه "لا توجد أي فرصة لعزل الرئيس من منصبه خلال محاكمته المقبلة"، مؤكدا أنه "لن يكون حياديا بشأن المحاكمة على الإطلاق".

وأشار إلى وجود تنسيق في القضية مع مستشار البيت الأبيض، حسب تصريحاته لشبكة فوكس الإخبارية.

أمر واقع

ومن المنتظر أن يلتقي ماكونيل مع السيناتور تشك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس الشيوخ، للاتفاق على الخطوات المقبلة وطبيعة الإجراءات المنظمة لعملية محاكمة ترامب.

صحيفة "واشنطن بوست" توقعت ظهور خلافات بين ماكونيل وشومر حول استدعاء الشهود، إذ يرغب الديمقراطيون بسماع شهادة كبير موظفي البيت الأبيض بالإنابة مايك مولفاني، ومستشار الرئيس للأمن القومي السابق جون بولتون، الأمر الذي يرفضه ماكونيل تماما.

وبالعموم، يظل مجلس الشيوخ ملزما بتشكيل محكمة على غرار المحاكم الفيدرالية، يكون محلفوها هم أنفسهم الشيوخ أعضاء المجلس، ويرأسها رئيس المحكمة العليا الأميركية بنفسه، إضافة إلى التزام المجلس بما تفرضه ضمانات العدالة وفق العرف القضائي الأميركي، وإلا سيكون الأمر مجرد مزحة، تلقي بعواقبها في وجه الجميع.

وسيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ دفعت بعض الديمقراطيين في مجلس النواب إلى المطالبة بتأجيل إرسال عريضة الاتهام، لعدم ثقتهم بوجود ضمانات كافية لمحاكمة جادة وعادلة من الجمهوريين.

وأشارت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، إلى ذلك بقولها: "لم نلمس أي إشارات على أن المحاكمة ستكون عادلة من جانب الجمهوريين"، لتترك بذلك الباب مفتوحا أمام تقديم لائحة رسمية تمهيدا للخطوة القادمة.

هل يكون الأول؟

رغم وجود كل المعطيات التي تثبت التهم على شخص ترامب، إلا أن السؤال يبقى قائما: هل تفلح الخطوات التي قام بها مجلس النواب في عزل الرئيس الأمريكي فعليا وإخراجه من المكتب البيضاوي؟

في إجابته لـ"الاستقلال" عن هذا السؤال، يؤكد صفي الدين حامد مدير مركز العلاقات المصرية الأمريكية بواشنطن، أن إجراءات عزل ترامب تمت بحرفية شديدة وترتيب موفق من قيادات الحزب الديمقراطي وعلى رأسهم رئيس المجلس نانسي بيلوسي، مضيفا "أن التحقيقات التي أجراها مجلس النواب تحت إشراف لجنة الاستخبارات، كانت علنية على شاشات التلفزيون، وشاهدها كل مواطن أمريكي".

وأكد أن "لجنة الاستخبارات بعد قيامها باستقصاء الحقائق، أرسلت تقريرا إلى اللجنة القضائية التي قامت بدورها بتقديم بعض الشهود واستجوابهم علانية على مرأى ومسمع من الشعب الأمريكي، الذي شاهد تعديات ترامب على الدستور ومصالح الوطن، إضافة إلى تحديه السلطة التشريعية وعرقلة العدالة بمنع الشهود من الإدلاء بشهاداتهم أمام الكونغرس".

يعود حامد ليجزم بأنه "على الرغم من كل تلك الجهود إلى عزل ترامب لن يتحقق" مستشهدا بسيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ. وأضاف أنه "لا يوجد احتمال للحكم بعزل الرئيس، ولذلك يماطل مجلس النواب في إرسال الاتهام رسميا إلى مجلس الشيوخ، في محاولة لزيادة الضرر بسمعة ترامب أكثر وأكثر".

أما صحيفة "الواشنطن بوست" فرأت في تقرير لها، أن الأمر صعب للغاية، إذ يحتاج الأمر إلى انضمام 20 من أصل 53 عضوا جمهوريا، إلى الانضمام إلى الديمقراطيين في التصويت على عزل ترامب.

وأضافت أنها "أحصت 14 عضوا جمهوريا بمجلس الشيوخ عبروا عن قلقهم تجاه سلوك ترامب تجاه الحليف الأوكراني، لكن الذين عبروا عن ذلك بتصريحات صحفية كانوا ثلاثة فقط، هم: سوزان كولينز عن ولاية ماين، وليزا موركوسكي عن ولاية ألاسكا، وميت رومني عن ولاية يوتاه".

وأكدت الصحيفة الأمريكية أن أعضاء مجلس الشيوخ لن يبلغوا النصاب المطلوب لعزل ترامب، لكن هناك ما يكفي للضغط على رئاسة المجلس لإقامة محاكمة عادلة.

انقسام أعمى

صفي الدين حامد، يقول: إن "هناك انقسام أعمى بين الجمهوريين والديمقراطيين لم أره خلال 50 عاما عشتها في الولايات المتحدة. هناك تنافس سياسي، لكن لم يحصل ذلك التحيز الأعمى الذي يبديه الحزب الجمهوري تجاه ترامب".

وبسؤال حامد عن الوضع السياسي لترامب ومدى تأثيره على سير محاكمته أو إعادة ترشيحه لفترة رئاسية أخرى، أجاب بأنه "يوجد فراغات حكومية كثيرة، وبعض المناصب الهامة لم يشغلها إلا أشخاص مؤقتون، وهذا يضعف منظومة الحكومة، مما يؤثر على شعبية ترامب".

ورأى أن "هناك أمر يضر بترمب، وهو كثرة معارضيه داخل الحزب الجمهوري، بسبب عزله لأكثر من نصف الوزراء المحسوبين على الحزب من مناصبهم، وهؤلاء قد يضروه في حال استدعائهم للشهادة في مجلس الشيوخ، منهم جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق".

من ناحية أخرى، أكد حامد أن الاقتصاد الأمريكي في أفضل حالاته، وخصوصا سوق الأوراق المالية، حيث وصل إلى مراحل غير مسبوقة في تاريخ البلاد، الأمر الذي قد يشفع لترامب كثيرا خلال هذه الأزمة.