برويز مشرف.. جنرال قاد باكستان بالقمع والعمالة ورحل مدانا بالخيانة

آدم يحيى رامي صباحي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

بعد صراع طويل مع المرض، توفي الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف صباح 5 فبراير/ شباط 2023، في مستشفى بالإمارات، منفاه الاختياري الذي قضى فيه سنواته الأخيرة.

وأعلن الجيش الباكستاني والسفارة الباكستانية في الإمارات أن مشرف قائد الجيش السابق الذي تنحى عن السلطة عام 2008 في وجه معارضة واسعة لحكمه، توفي عن عمر  79 عاما.

وقالت المتحدثة باسم القنصلية الباكستانية في دبي والسفارة في أبوظبي "شازيا سراج"، لوكالة رويترز الدولية "بوسعي تأكيد وفاته هذا الصباح متأثرا بمضاعفات الداء النشواني"، وهو مرض نادر يتسبب في تلف الأعضاء.

من جانبه، قدم رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف والرئيس عارف علوي وقادة الجيش والبحرية والقوات الجوية تعازيهم في وفاة مشرف.

وأفادت قناة جيو نيوز التليفزيونية المحلية بأن طائرة ستتوجه في رحلة خاصة إلى دبي لإعادة جثمان مشرف إلى باكستان لدفنه ببلاده.

ومشرف أول حاكم عسكري يقدم للمحاكمة في باكستان بسبب "نقضه دستور البلاد"، وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول 2019 أصدر القضاء حكما عليه بالإعدام بعد إدانته بـ"الخيانة العظمى".

وأشرف الجنرال السابق، الذي استولى على السلطة في انقلاب عسكري عام 1999، على النمو الاقتصادي السريع للبلاد، وفق مراقبين، لكن استخدامه الغاشم للقوة في قمع المعارضة ودعمه المستمر للولايات المتحدة في قتالها ضد الجماعات المسلحة أدى في النهاية إلى سقوطه.

وكان قد سمح لمشرف بالسفر إلى الخارج لتلقي العلاج على الرغم من أنه كان يواجه اتهامات بـ"الخيانة العظمى" في باكستان، وسافر بالفعل إلى مدينة دبي الإماراتية في عام 2016 واستقر بها حتى وفاته.

النشأة والتكوين

ولد مشرف في مدينة دلهي بالهند البريطانية يوم 11 أغسطس/ آب 1943، وكان في الرابعة من عمره حين أعلنت الهند استقلالها وأنشأت باكستان بوصفها موطنا لمسلمي الهند.

وهاجرت عائلة مشرف المسلمة إلى باكستان قبيل بضعة أشهر من إعلان الاستقلال في أغسطس 1947.

والتحق والده بسلك الخدمة المدنية الباكستاني مباشرا العمل لدى الحكومة الباكستانية، وبعدها انضم والده إلى وزارة الخارجية.

وفي عام 1957 التحق مشرف بمدرسة القديس باتريك بمدينة كراتشي، ولاحقا درس الرياضيات في كلية فورمان كريستيان بمدينة لاهور، وكذلك تلقى تعليمه في كلية الدراسات الدفاعية الملكية ببريطانيا.

والتحق مشرف بالأكاديمية العسكرية الباكستانية في عام 1961 وانضم بعدها إلى صفوف الجيش الباكستاني في عام 1964.

وانخرط مشرف حين كان ملازما ثانيا في مجريات الحرب الباكستانية الهندية في عام 1965. وأصبح قائدا للواء مدفعية بحلول ثمانينيات القرن العشرين.

ورُقي مشرف إلى رتبة لواء خلال التسعينيات وكُلّف بقيادة فرقة للمشاة، وسرعان ما شغل بعدها منصب نائب للسكرتير العسكري ومديرا عاما للعمليات العسكرية.

وبرز نجمه على الساحة الباكستانية حين رقاه رئيس الوزراء نواز شريف إلى رتبة فريق أول في عام 1998، وهو ما جعله قائدا للقوات المسلحة.

وحاول شريف عزل مشرف عن منصبه كقائد للجيش بعد أشهر من الخلافات بين الاثنين، ولكن محاولته باءت بالفشل.

وردا على ذلك، دبر مشرف انقلابا في عام 1999 مما سمح لمشرف الاستيلاء على سدة الرئاسة في باكستان عام 2001. 

مشرف استولى على السلطة بانقلاب عسكري قاده بعد عام من توليه رئاسة الجيش

انقلاب مصيري

وقع الانقلاب في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 1999، بعد حدوث انقسام بين شريف ومشرف جراء حرب "كارجيل" التي وقعت بين الهند وباكستان عام 1999، إثر اتهام نيودلهي لـ"إسلام آباد" بدعم قوات مجاهدي كشمير، لتنتهي التوترات بين الرجلين باستيلاء مشرف على السلطة.

إثر الانقلاب العسكري أعلن مشرف على الفور حالة الطوارئ وحل البرلمان وعطّل العمل بالدستور، وسمى نفسه لاحقا رئيسا للبلاد، مع احتفاظه بقيادة الجيش في الوقت ذاته.

 عقب ذلك، أقر البرلمان الباكستاني الانقلاب، وأضفى عليه الشرعية، غير أن المعارضة طعنت في شرعية مشرف في عام 2001.

وقالت إنه لا يملك الحق في عقد لقاء قمة مع الهند، فأجرى مشرف استفتاء شعبيا في يونيو/حزيران من العام ذاته، طمعا في جلب الشرعية التي طمح إليها ليكون رئيسا فعليا لباكستان.

وفي أبريل/نيسان 2002، نظم مشرف انتخابات، وصفت بأنها تفتقر للنزاهة، ومن خلالها تم انتخابه رئيسا للبلاد لمدة 5 سنوات.

وسيطر حزبه على البرلمان، وأحكم قبضته على مؤسسات الدولة، ليؤدي اليمين الدستورية في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.

وكان مشرف قد تعهد قبيل انتخابه بالتخلي عن مسؤولياته العسكرية كقائد للجيش قبل نهاية عام 2004.

لكنه في 30 ديسمبر/كانون الأول 2004 أعلن أنه قرر الاحتفاظ بمسؤولياته كرئيس لأركان الجيش، وذلك بعد خروج مظاهرات للمعارضة تطالبه بالوفاء بتعهداته بعدم الجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الجيش، ومخالفة دستور البلاد.

مشرف عاد في 2013 وأراد ترشيح نفسه للسلطة لكنه لم يتمكن

رئاسية ثانية

عقب انتهاء الفترة الرئاسية الأولى، أعلن مشرف إعادة ترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية، ووعد مرة أخرى، باستقالته من رئاسة الجيش، لكنه اشترط لهذه الاستقالة إعادة انتخابه رئيسا للبلاد.

دخل مشرف في أزمة سياسية مع المعارضة التي قالت إن الدستور الباكستاني يحظر على مشرف الترشح للانتخابات إذا لم يقم مسبقا بالاستقالة من منصبه كقائد للجيش.

جرت الانتخابات الرئاسية في أكتوبر/تشرين الأول 2007، وفقا لنظام الانتخاب غير المباشر، حيث تولى مجلسا النواب والشيوخ و4 مجالس تمثيلية إقليمية انتخاب الرئيس عن طريق الاقتراع السري، وكان يتمتع مشرف بأغلبية كبيرة في تلك المجالس، وذلك عقب استقالة 160 معارضا.

وبحلول 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2007، أعلنت اللجنة الانتخابية الباكستانية تولي مشرف رسميا رئاسة البلاد لولاية دستورية ثانية لمدة 5 سنوات، بعد تقدمه على منافسيه.

وهما وجيه الدين أحمد، وهو قاضٍ سابق في المحكمة العليا رفض الخضوع لسلطة مشرف عندما قام بانقلابه في 12 أكتوبر/ت شرين الأول 1999، ومخدوم أمين فهيم نائب رئيس حزب الشعب الباكستاني الذي تتزعمه رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو.

لكن لم تستقر الأوضاع بعد إعلان مشرف رئيسا لفترة ثانية، فالأزمات السياسية كانت تعصف بباكستان بسبب عدم وفائه بتعهداته بالاستقالة من رئاسة الجيش.

بالإضافة إلى ذلك، فإن معركة قضائية خاضها مشرف مع قضاة منذ انقلابه على الحكم، هددت بشكل غير مسبوق بقاءه في السلطة.

فأصدر قرارا بتعليق العمل بالدستور وفرض حالة الطوارئ، في مسعى منه لتكرار التجربة التي كان قد خاضها أثناء الانقلاب، والتي ألغى فيها الدستور وأعلن حالة الطوارئ، لتثبيت الانقلاب.

لكن الأمر لم يفلح هذه المرة، فعلاقته بالوسط السياسي شهدت تدهورا غير مسبوق، وشعبيته تراجعت، وتزامن ذلك التراجع مع تصاعد الضغوط والاحتجاجات التي اتهمته بـ"الخيانة العظمى"، ما زاد من حدة الأزمة ليضطر مشرف تقديم استقالته في 18 أغسطس/ آب 2008.

تلك الإجراءات التي قرر فيها مشرف إعلان الطوارئ وتعليق العمل بالدستور، والتي جاءت كمحاولة منه للاستمرار في الحكم، هي التي صدر بموجبها حكم قضائي بالإعدام وتم النظر إليها على أنها خيانة عظمى.

خاض مشرف معركة قضائية لا تقل حدة عن المعركة السياسية مع أحزاب المعارضة، وكان لها دور مؤثر في تراجع شعبيته، ويمكن القول إنه خسر المعركة القضائية إلى جانب خسارته النزال السياسي.

كانت إحدى التهم الموجهة لمشرف، والذي صدر بموجبها حكم قضائي في 17 ديسمبر 2019، هو عزل كبير القضاة افتخار محمد تشودري.

وذلك عقب قيام تشودري بشن حملة شرسة ضد مشرف أجبرته على التنازل عن قيادة الجيش، والعفو عن نواز شريف وبينظير بوتو، ما سمح بعودتهما من المنفى، ثم تقديم الاستقالة والتنازل عن الرئاسة لاحقا.

قبل ذلك، أبطل تشودري عدة قرارات رئاسية لكونها تخالف الدستور، وأفرج عن معتقلين سياسيين، وأصر طوال فترة حكم الجنرال، على التصريح بمخالفة مشرف للدستور، وذلك بالجمع بين رئاسة الدولة وقيادة الجيش.

ذلك النشاط القضائي دفع مشرف إلى إقالة تشودري من منصبه، غير أن المحكمة العليا ألغت قرار الرئيس، فدخل القضاء في مواجهة مع الجنرال، حاول على إثرها مشرف عزل النائب العام، لكنه لم يفلح، الأمر الذي أسهم بتراجع شعبية مشرف وأدى إلى استقالته في نهاية الأمر.

لم تكن هذه الاستقالة إلا مقدمة لملاحقة قضائية ضد جنرال عسكري ألقى بنياشينه في مستنقع السياسة، فانتهى به المطاف هاربا من العدالة، يتنقل بحذر بين دبي ولندن بحجة العلاج.

مشرف توجه إلى دبي بحجة تلقي العلاج

"على خط النار"

في 1999، ظهر مشرف عبر التلفزيون الرسمي ووجه خطابا للشعب تعهد فيه بإنقاذ باكستان من الانهيار وضمان أمنها وقوتها، غير أنه أضاف إلى التدهور الاقتصادي أزمات سياسية هي الأشد في تاريخ البلاد.

حيث تزامن تولي مشرف للسلطة مع أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، التي أصبحت الحدث الأبرز والمميز لسنوات حكمه، وأدت إلى تغييرات عميقة ودراماتيكية في علاقة بلاده ببقية دول العالم.

وعندما قرر الأميركيون الرد على تنظيم القاعدة، سمح لهم الجنرال باستخدام الأراضي الباكستانية لضرب حركة طالبان، ثم غزو أفغانستان وأعلن دعمه للرئيس الأميركي جورج بوش، الأمر الذي أدى إلى تراجع شعبيته.

ولم يتوقف الدعم على السماح باستخدام الأراضي الباكستانية لغزو الجار الأفغاني، بل سلم للأميركيين مواطنين باكستانيين تتهمهم واشنطن بـ"الإرهاب". 

وكان مشرف قد اعترف في كتابه "على خط النار" تسليمه عددا من المواطنين الباكستانيين إلى قوات التحالف الدولي، الذي تم اقتيادهم إلى معتقل غوانتنامو، ما زاد السخط على مشرف، وتراجع أسهمه بين الأوساط الحقوقية والشعبية.

بالإضافة إلى ذلك أسهمت أزمة المسجد الأحمر، التي تزامنت مع ترشيح نفسه لولاية رئاسية ثانية، بتراجع شعبيته، حيث أمر مشرف بهدم عدد من مساجد العاصمة، من بينها المسجد الأحمر بدعوى بنائها بطريقة غير قانونية على أراضٍ مملوكة للدولة.

وخرجت احتجاجات ضد قرار مشرف ما تسبب في مقتل أكثر من 70 شخصا، ورفع حدة السخط الشعبي خصوصا من أنصار الجماعات الإسلامية والمدارس الدينية، على الجنرال المتحالف مع الولايات المتحدة.

بعد تقديم استقالته في 2008، غادر مشرف باكستان، لكنه عاد في 2013 للتنافس في سباق الانتخابات قبل أن يمنعه القضاء من الترشح بسبب القضايا التي كان متورطا فيها، ورفض الجيش دعمه مجددا.

في نفس الوقت واجه مشرف تحديات في السياسة الداخلية، من أهمها عودة خصمه نواز شريف من المنفى إلى باكستان عام 2007، حيث كانت بداية النهاية لعهده.

فانتقل بعد ذلك مشرف إلى كراتشي في أبريل/نيسان 2014، بعد خيبة أمل لم يكن يتوقعها، ثم ترك البلاد بعد عامين من ذلك التاريخ متوجها إلى دبي بدعوى تلقي العلاج.

ورغم أن الحكم بإعدام مشرف لاقى قبولا سياسيا وشعبيا في باكستان، إلا أنه أثار غضب المؤسسة العسكرية التي استنكرت القرار في بيان قائلة: إنه "تسبب بكثير من الألم والأسى للقوات المسلحة، جنودا وضباطا".

مراقبون فسروا موقف الجيش الداعم لمشرف، بأن الحكم بإعدام جنرال سابق يسقط هيبة المناصب التي كان يحتلها مشرف ويشكل عبرة لمن خلَفه فيها.

لهذا حرص المتحدث باسم الجيش على تعداد المناصب التي شغلها مشرف قائلا: "إن قائدا سابقا للجيش ورئيسا لهيئة الأركان المشتركة ورئيسا لباكستان خدم البلاد لأكثر من 40 عاما، لا يمكن أن يكون خائنا".

لكن المحكمة قررت أن ما ارتكبه مشرف يعد خيانة عظمى، ليواجه مصيرا بالإعدام.