يكذب ولا يتجمل.. لهذا يناقض السيسي نفسه بتدخله العسكري في ليبيا

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في أقل من 48 ساعة، وخلال مناسبتين مختلفتين، تحدث رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، عن الأزمة الليبية، وفي كل مناسبة قدم جديدا عن الدور الذي يلعبه في دعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، للقضاء على حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.

الحديث الأول للسيسي، كان خلال أعمال منتدى أسوان للسلام، والذي أعلن فيه إشارة البدء لعملية حفتر الأخيرة لاقتحام العاصمة طرابلس، عندما تحدث قائلا بكل ثقة: "قريبا جدا سوف تسمعون عن تطورات لحسم الانشقاق الليبي".

إلا أنه بعد 48 ساعة على حديثه الواثق، تبدلت النغمة، وتغيرت النبرة، خلال مشاركته في "منتدى شباب العالم" بشرم الشيخ، وشن هجوما مباشرا على حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي، ووصفهم بأنهم أسرى للمليشيات والقوات المتطرفة.

أحاديث السيسي المتزايدة خلال الأيام الماضية، والتي تزامنت مع عملية حفتر الأخيرة، شهدت تناقضا واضحا، ففي الوقت الذي أعلن فيه دعمه لحفتر بشكل صريح، وكانت مدرعاته حاضرة في العملية الجارية حول طرابلس، إلا أنه وجه انتقادات لدول وجهات أخرى، قال إنها تتدخل في الشأن الداخلي الليبي، متهما الدول الداعمة لحكومة الوفاق، بتأخير الحل السياسي الذي توصل إليه اتفاق الصخيرات.

تكذيب بالأرقام

تأكيدات السيسي القاطعة، بعدم التدخل العسكري المباشر لمصر لدعم قوات حفتر، رغم استطاعته القيام بذلك، حتى لا تكون في أرض الجوار قوات أجنبية، كذبتها تصريحات أخرى لحكومة الوفاق، التي اتهمت السيسي صراحة بدعم حفتر عسكريا.

وكشف ناصر عمار، آمر قوة الإسناد في عملية بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق، في تصريحات لقناة "تي أر تي عربي" عن نقاط تمركز القوات المصرية في الحملة الأخيرة لحفتر، مؤكدا أن القوات المصرية وصلت لليبيا من أجل دعمه قبل بدء حملته بأيام.

ووفق معلومات استخبارتية تحدث عنها عمار، دخلت القوة المصرية في رتل قوامه 150 آلية، وعدد من الدبابات ويضم 350 جنديا، وجرى توزيع جزء من الرتل بين محاور عدة، جنوب العاصمة طرابلس لدعم قوات حفتر، بينما تمركزت باقي القوة في منطقة قصر بن غشير.

ورغم أن عمار لم يكشف عن مصدر معلوماته الاستخبارية، إلا أن محللين متابعين لتطورات الشأن الليبي، ربطوا بين تصريحات الأخير، وبين الصور والفيديوهات التي نشرتها شعبة الإعلام الحربي التابعة لحفتر قبل ساعات من بدء عمليته الأخيرة ضد طرابلس، وهي تحتوي على عدد من المدرعات المصرية طراز تاريير "TAG Terrier LT 79"، التي دخلت الخدمة لصالح حفتر، بينما لم تبدأ عملها حتى الآن ضمن القوات المسلحة المصرية.

وفي نفس إطار ما كشفه عمار، عن الدعم العسكري المصري لقوات حفتر، أفصح التقرير الصادر عن الأمم المتحدة في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عن قيام دول إقليمية بكسر حظر السلاح المفروض على ليبيا لصالح قوات حفتر.

وحسب التقرير الذي نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن مصر والإمارات والأردن، زودوا القوات التابعة لحفتر بالسلاح الذي استخدمه في شن الهجوم على طرابلس في 4 إبريل/ نيسان 2019، وذلك بعد أيام من إعلان الأمم المتحدة عن خطتها للسلام في ليبيا.

وكشف خبراء الأمم المتحدة في تقريرهم الأخير، عن العملية السرية التي مولتها الإمارات في مارس/ آذار 2017، عندما سلمت البحرية الأيرلندية مليشيات حفتر سفينة لشركة هولندية، بقيمة 122 ألف دولار، ثم اشترتها شركة إماراتية بقيمة 525 ألف دولار وأعادت تسجيلها في بنما كـ"زورق ترفيه"، ثم اشترت مليشيات حفتر السفينة بمبلغ 1.5 مليون دولار".

السيسي وحفتر

وقدم موقع "لوب لوغ" الأمريكي، تحليلا موسعا عن الدور الذي لعبه السيسي لدعم حفتر منذ بدأ الأخير انقلابه في 2014، ووفق الموقع فإنه إذا كان هناك لاعبون يتحركون في دعم طرفي الصراع داخل ليبيا، سواء بالدعم التركي القطري،ـ لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، أو الدعم الذي تقدمه كل من السعودية والإمارات والأردن وفرنسا، وروسيا، وإسرائيل، لقوات حفتر المنشقة، إلا أن الدور المصري سوف يظل هو الأهم في مجريات الأحداث.

ويؤكد تحليل الموقع الأمريكي، أنه في الوقت الذي تحفظت دول العالم في التعامل مع انقلاب حفتر عام 2014، فإن السيسي احتضن اللواء المتقاعد، ودافع عنه وقدم له الدعم المادي والعسكري والاستخباراتي، وفقا لرؤيتها بأن شرق ليبيا أصبح مخبأ خطيرا للجماعات الإسلامية المناهضة لانقلاب السيسي، وبالتالي فإن هذا الجزء المتزاحم مع الحدود المصرية الجنوبية، يحتاج لتطهير وفقا لوجهة النظر المصرية، والتي رأت في حفتر غايتها ووسيلتها من أجل القضاء على الإسلاميين في ليبيا.

ويشير الموقع إلى أن نظام السيسي، كان أكبر داعم لعملية "الكرامة" التي بدأها حفتر في مايو/ أيار 2014، ولأن مصر لم يكن لديها موارد مالية كافية لدعم حفتر، فإنها قدمته للمؤيدين لخطتها، وأبرزهم الإمارات العربية المتحدة، التي تكفلت مع المملكة العربية السعودية بالإنفاق المالي، بينما تولي السيسي التدريب والتجهيز.

ووفق الموقع، فإن الدور المصري استمر في دعم حفتر ولكنه في فبراير/ شباط 2015، أخذ شكلا مختلفا، حيث استطاعت القاهرة إقناع موسكو بأهمية دعم حفتر، ثم امتد الدور لفرنسا، التي وجدت في حفتر وسيلة جيدة لحماية ظهر قواتها المنتشرة في دول الساحل والصحراء، وغرب إفريقيا، إضافة لاستخدام ورقة تهديد ليبيا لأمن الدول الأوروبية، باعتبارها البوابة البحرية السهلة لهروب المتشددين من الجنوب للشمال.

وحسب التحليل السابق، فإن مصر لديها مخاوف، من الأهداف الإماراتية في عملية طرابلس، وسحب قوات حفتر في اتجاه الغرب، إلا أن الخيارات أمام السيسي ليست كثيرة، ولذلك كان مجبرا على دعم حفتر في عمليته الأخيرة سياسيا، وعسكريا، حيث زود حفتر بالسلاح اللازم من أجل الانتهاء من عملياته في الغرب في أسرع وقت، حتى لا تعود الفوضى للشرق مرة أخرى، وهو الأمر الذي يقلق المصريين بشكل كبير.

السيسي دعم حفتر بـ150 آلية عسكرية خلال عملياته

الرعب من الإسلاميين

وتشير تحليلات أخرى، إلى أن الدعم الذي قدمه السيسي لحفتر، يرجع في الأساس لتخوفاته من نجاح الحركات السياسية الإسلامية، في الاستقرار والاستمرار بالحكم، وفقا لما يتم التوصل إليه من تفاهات سياسية، يمكن أن يترجمها مؤتمر برلين المقبل.

وبالعودة للتقرير السابق لـ"معهد واشنطن"، فإن السيسي يريد من وراء الدعم الذي يقدمه للجيش الليبي الضعيف بقيادة حفتر، هو التصدي لأي محاولة نجاح يمكن أن يحققها الإسلاميون، في دول المنطقة، لأن هذا بالتبعية سوف يعزز مواقعهم في الدول المجاورة، انطلاقا من أن سيطرة الإسلاميين على الحكم في ليبيا ربما يكون أمر محفوف بالمخاطر بالنسبة لأغلب دول الشرق الأوسط، ولكنه يمثل خطرا وجوديا بالنسبة لمصر.

أهداف أخرى

وانطلاقا من حديث السيسي خلال منتدى "شباب العالم" في شرم الشيخ، فإن دعمه لحفتر، ليس الهدف منه فقط حماية الحدود الغربية لمصر، أو استكمال مخطط إقصاء الإسلاميين من السلطة والقضاء على ما تبقى من دول الربيع العربي، وإنما هناك هدف آخر أعلنه السيسي صراحه، وهو دعمه للجيوش النظامية، في مواجهة الثورات الشعبية، التي شهدتها المنطقة.

ويدعم الرأي السابق، شهادة هامة نشرتها شبكة "دويتشه فيلا" الألمانية، في وقت سابق، كشفت فيها أشكال الدعم الذي يقدمه السيسي لحفتر، وحسب عمران إمبيوه القناشي، شيخ قبائل "قناشات"، بمحافظة مطروح المصرية الحدودية مع ليبيا، فإن السيسي يساعد حفتر، رغم أن قواته مكونة من فلول نظام القذافي، وليست بالقوة التي من الممكن أن تؤثر بشكل كبير على ليبيا.

ويؤكد القناشي، أن مصر قدمت دعما عسكريا لقوات حفتر من خلال تدريب الجنود ووحدات الجيش الخاصة ووحدات الاستطلاع، بهدف حماية حدودها بغض النظر عن دعم حفتر أو غيره.

وتشير تقارير لمراكز أبحاث مختصة، أن السيسي يسوق حفتر باعتباره أسوأ الخيارات الجيدة، لإنقاذ ليبيا من قبضة المتطرفين، وهي النتيجة التي توصل إليها "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، والذي كشف في تقرير أصدره في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن الدور المصري في الأزمة الليبية، أن الدور المصري غير المثالي في دعم حفتر، سوف يساعد في تأسيس نظام سلطوي جديد.

وتابع: ذلك أفضل الخيارات التي يروجها السيسي، كبديل عن حالة التفسخ والتشرذم التي تعاني منها ليبيا، وغياب تام للدولة في غرب البلاد، مما جعلها مرتعا وملاذا آمنا للإرهابيين والجماعات المتطرفة ليس من داخل ليبيا فحسب بل من خارجها أيضا، مما جعلها من أكبر التهديدات الإقليمية في شمال إفريقيا.  وبالتالي، قد يكون من مصلحة الدول الأخرى وخاصة الولايات المتحدة السماح لمصر بمواصلة جهودها لدعم حفتر، وهو ما قد يمنع في النهاية شمال إفريقيا من أن تصبح المعقل الرئيسي التالي للجماعات المتطرفة.

وكشف تقرير سابق نشرته "الاستقلال"، عن خطوات مصرية سياسية لدعم حفتر وتسويقه دوليا، بعد فشله في حسم العملية العسكرية التي بدأها في إبريل/ نيسان الماضي للاستيلاء على العاصمة طرابلس. 

وفي إطار بحث القاهرة عن شرعية شعبية وسياسية لدعم العملية العسكرية، والبحث عن غطاء شعبي يخفف الضغط الدولي الرافض للعملية، استضافت المخابرات المصرية في 17 يونيو/ حزيران الماضي اجتماعا ضم ممثلي الأحزاب والقبائل المناصرة للحملة العسكرية، وبعده بأيام استضاف البرلمان المصري، عددا من نواب مجلس النواب الليبي بطبرق، من أجل توحيد الجهود الرامية لدعم العملية العسكرية في طرابلس.


المصادر