السودان يقلّص قواته باليمن.. استجابة للثورة أم نهاية التحالف؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثار قرار الحكومة السودانية، سحب 10 آلاف مقاتل من قواتها المشاركة في التحالف السعودي الإماراتي باليمن، تساؤلات عن مدى قرب انتهاء الحرب، وطبيعة العلاقة بين الرياض والخرطوم، بعد أن شهدت الأخيرة ثورة عارمة أفضت إلى عزل الرئيس السابق عمر البشير.

وغادرت بالفعل الدفعة الأولى اليمن والمعروفة بـ "فرقة الأشاوس"، صباح الأحد 15 من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، على أن يتبعها مغادرة باقي القوات وعددها 5 آلاف مقاتل، خلال الأيام المقبلة.

وبرزت تساؤلات عما إذا كانت الخطوة لها علاقة بزيارة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، للولايات المتحدة، والتي كان من أحد أهم نتائجها عودة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، بعد قطيعة استمرت أكثر من 30 عاما.

الرقم الغامض

وسائل الإعلام المعنية بالشأن اليمني، لم تتوقف كثيرا أمام قرار حمدوك سحب 10 آلاف من قواته المشاركة في حرب اليمن بجوار المملكة العربية السعودية، وإنما توقفوا أكثر أمام عدد القوات السودانية الذي يتم الكشف عنه للمرة الأولى، وهو 15 ألف مقاتل، وما هو الدور الذي لعبته هذه القوات داخل اليمن؟.

ورغم الرقم الذي أعلنه حمدوك عن عدد قواته في اليمن، إلا أن وسائل إعلام يمنية كشفت أن الرقم الحقيقي هو ضعف المعلن مؤخرا.

وحسب موقع "اليمن نيوز"، فإن قوام القوات السودانية مذ بدأت الحرب في 2015، يتراوح من 25 ألف إلى 30 ألف، معظمهم من قوات التدخل السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين في دارفور غربي السودان، وقد جرى استخدمها من قبل السعودية والإمارات في الخطوط الأمامية خلال القتال مع جماعة الحوثيين.

ووفق صحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن القوات السودانية كانت متمركزة في عدة نقاط، منها، الحدود الجنوبية للسعودية مع اليمن، وهي الساحة الأعنف في المواجهات بين أطراف النزاع، وجزء منها كان مخصصا لتأمين المقار الحكومية والقواعد العسكرية بجنوب اليمن التي تسيطر عليها الإمارات.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عن الناطق باسم قوات صنعاء، أن إجمالي خسائر قوات الجيش السوداني منذ بداية الحرب في 2015، يتجاوز الـ 8 آلاف قتيل ومصاب، منهم 4253 قتيلا"، وهي الأرقام التي نفاها الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني وقتها، العميد ركن عامر محمد الحسن، بأن "عدد القتلى المعلن عنه من قبل الحوثيين لا يسنده أي منطق".

ورغم تصريحات الحسن التي استبعد فيها مقتل عدد كبير من القوات السودانية، فإن قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حميدتي، سبق وأن اعترف خلال حكم الرئيس السابق عمر البشير، بمقتل 412 جنديا سودانيا، بينهم 14 ضابطا، في حين قدر مصدر حكومي للصحيفة الأمريكية، عدد قتلى الجيش السوداني في حرب اليمن بنحو 850 ضابطا وجنديا.

رغبة أمريكية

تشير تحليلات سياسية غربية أن قرار سحب القوات السودانية من اليمن، كان أحد التوافقات التي انتهى إليها رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك، خلال زيارته لواشنطن قبل أيام، ومباحثاته مع المسؤولين الأمريكان.

وكشف الباحث "بول أنتونوبولوس"، الخبير في مركز الدراسات التوفيقية، في مقال مطول نشره موقع البحوث العالمية الأمريكية "globalresearch"، أن قرار سحب القوات السودانية كان له أكثر من سبب أبرزها، الرغبة الأمريكية في اتخاذ هذه الخطوة، خاصة وأن القوات السودانية الذين أطلق عليهم الباحث الأمريكي وصف "المرتزقة"، كانوا القوام الأكبر والأكثر شراسة في قوات التحالف الذي تقوده السعودية.

وحسب "أنتونوبولوس" فإن قرار سحب القوات السودانية، يعد جزءا من جهود الخرطوم لتطبيع العلاقات مع الغرب من خلال إظهار أنه بلد مسؤول، وأنه يتصرف لخدمة مصالحه الخاصة، والتي لا يمتلك أي منها في اليمن.

بالإضافة إلى أن رؤية حمدوك واضحة في إدارة السودان، حيث أصبحت أكثر قربا من الولايات المتحدة، على أمل أن يتحول السودان ليصبح دولة رائدة في المنطقة تتمتع بنفوذ كبير، وهو الأمر الذي لا يجد حمدوك طريقا في الوصول إليه إلا من خلال التحالف مع واشنطن.

تفكيك التحالف

وانطلاقا من الرأي السابق، قرأ آخرون قرار الحكومة السودانية، بأنه يأتي ضمن مجموعة إجراءات من شأنها تفكيك التحالف الذي تقوده السعودية، تمهيدا لوقف الحرب في اليمن بشكل كامل، خاصة وأن الخطوة جاءت بعد أسابيع من إعلان دولة الإمارات انسحابها الفعلي من قوات التحالف، كما أنها جاءت كذلك بعد دخول السعودية في محادثات سلام مع الحوثيين بوساطة عمانية.

وما يدلل على الرأي السابق، ما ذهبت إليه الباحثة الأمريكية "ألكساندرا ستارك"، في تحليل لها عن تطورات الوضع في اليمن نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، واستدلت الباحثة بقرار الحكومة السودانية، في إطار الحديث عن الخلافات السعودية الإماراتية في اليمن، وكيف أن تعارض المصالح بين الجانبين، يقف عقبة أمام أية تسوية سياسية شاملة لإنهاء الحرب والأزمة الإنسانية، في اليمن الذي لم يعد سعيدا على الإطلاق.

وحسب رأي الباحثة الأمريكية، فإن القرار السواداني يشير للتراجع البطيء لتحالف الشرعية في باليمن، حيث يمثل القرار بداية النهاية لمرحلة إنهاء الحرب، قبل الوصول إلى سلام دائم، ما زال التمهيد له يمر بالعديد من العقبات، خاصة وأن دول المنطقة المؤثرة ستلعب دورا حاسما في ضمان انتهاء الحرب في تسوية دائمة، أو استئنافها في تكرار جديد بعد رحيل التحالف.

وتشير ألكساندرا ستارك لدور مهم تلعبه الولايات المتحدة دور بالضغط على شركائها في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، من أجل وقف القتال، ومن هنا يمكن قراءة أسباب القرار السوداني.

ووفق رأي الباحث المختص بشؤون اليمن في مجموعة الأزمات الدولية "بيتر سالزبوري"، فإن اتفاق الرياض، الذي جرى توقيعه في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بقيادة عبد ربه منصور هادي، والمجلس الجنوبي الانتقالي الانفصالي، هو الذي مهد الطريق لانسحاب القوات السودانية، خاصة وأن الاتفاق يمهد للحل السياسي.

حسابات داخلية

وجهات نظر أخرى حملت تحليلات مغايرة للقرار السوداني، حيث اعتبر البعض القرار، بأنه يأتي في إطار التطورات السياسية التي تشهدها الخرطوم مؤخرا، بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وأن رئيس الحكومة حمدوك، يريد اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد.

فهو من جانب يريد إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه يرغب بالحصول على مكسب سياسي من أعداء نظام البشير، الذين اعتبروا عمل القوات السودانية ضمن قوات التحالف، لم يكن يستفيد منه إلا البشير فقط، أو على حد تعبيرهم "هي حرب ليس للسودان فيها ناقة ولا جمل".

وفي لقائه مع مركز أبحاث "أتلانتيك كاونسل" الأمريكي، خلال زيارة الأخير لواشنطن، وصف حمدوك مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن، بأنه إرث ثقيل تركه النظام السابق، في إشارة لنظام البشير، ثم أكد في المؤتمر الصحفي الذي عقده في ختام زيارته للولايات المتحدة، بأنه لا حل عسكري في اليمن.

وتكشف صحيفة "نيويورك تايمز" جانبا آخر من تشابك الأوضاع السياسية في السودان، مؤكدة أن قرار سحب القوات اتخذه نائب رئيس المجلس السيادي الفريق حميدتي، بعد اجتماع عاصف جمعه بوفد قوى الحرية والتغيير، وتجمع المهنيين، والحكومة السودانية، وانتهى اللقاء بوعد حميدتي بسحب 10 آلاف جندي من اليمن، وهو القرار الذي أعلن عنه حمدوك خلال زيارته لواشنطن.

ووفق الصحيفة فإن الضغوط الداخلية على المجلس العسكري والمجلس السيادي لسحب القوات السودانية من اليمن، كانت شديدة من قوى الحرية والتغيير، التي اعتبرت وجود قواتهم في اليمن بمثابة كبش الفداء لكل من الرياض وأبوظبي، حيث كان الجنود السودانيون في الصفوف الأولى في كل مراحل الحرب التي استمرت قرابة 4 أعوام.


المصادر