تصاعد الصدامات.. هل تشعل ميسان حرب مليشيات شيعية بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"لا يجرؤ أحد على الخروج بعد منتصف الليل يوميا"، بهذه الكلمات وصف عدد من الناشطين الأوضاع في محافظة ميسان العراقية، بعد سلسلة انفجارات استهدفت مقرات عدد من المليشيات وقادتها، فضلا عن موجة اغتيالات طالت ناشطين في المدينة الحدودية مع إيران.  

المحافظة ذاتها شهدت أحداثا دامية يوم استئناف الاحتجاجات الشعبية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول، إذ دارت اشتباكات بين المتظاهرين ومليشيات "عصائب أهل الحق"، سقط خلالها عدد من القتلى والمصابين من الطرفين، ثم أحرق عدد من مقرات الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران.

اغتيالات وتفجيرات

اجتاحت محافظة ميسان منذ انطلاق مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول، موجة اغتيالات بأسلحة كاتمة طالت ناشطين في الاحتجاجات، فقد قتل كل من أمجد الدهامات، وحيدر اللامي، وجواد الحريشاوي، فيما نجا باسم ومجيد الزيدي من محاولتي اغتيال فاشلتين.

سلسلة تفجيرات، رافقت هذه الموجة، حيث شهدت المحافظة أربعة انفجارات في ليلة الـ10 من شهر ديسمبر/كانون الثاني الجاري. الأول، بمنطقة عواشة واستهدف بيت "عمار كشيش اللامي" القيادي في  مليشيا "حركة أنصار الله الأوفياء".

واستهدف الانفجار الثاني منزل مدير "مصرف الإسكان الزراعي" في منطقه الإسكان، أما الانفجارين الآخرين فقد استهدف أحدهما منزل مسؤول في مليشيا "عصائب أهل الحق" في منطقه العوفية، والآخر استهدف مكتب المليشيا ذاتها بمنطقة حي القاهرة، مع إطلاق رصاص كثيف استمر لمدة نصف ساعة، لكنه لم يسفر عن وقوع خسائر بشرية.

وفي 13 ديسمبر/كانون الثاني الجاري، وقعت 4 انفجارات أخرى في مناطق مختلفة من المحافظة، واستهدف أحدها مقرا لمليشيا "عصائب أهل الحق" في قضاء كميت التابع لميسان، فيما لم يعرف ماذا استهدفت الانفجارات الأخرى.

في اليوم التالي انتشر عشرات المسلحين بزي مدني في حي الثورة بمحافظة ميسان يحملون مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وعلى الرغم من توثيق ذلك بالصور وتأكيده من ناشطين على مواقع التواصل، لكن السلطات الأمنية نفت الأمر ووصفته بأنه عار عن الصحة.

تقارير إعلامية، رجحت أن يكون هؤلاء المسلحون من مليشيا "سرايا السلام" التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وذلك على خلفية التصعيد بينه وبين حركة العصائب بزعامة قيس الخزعلي بمحافظة ميسان.

وأفادت بأن عشرات المسلحين انتشروا في حي الثورة بمدينة العمارة في ساعة مبكرة فجر 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وأن سبب انتشار المسلحين هو صدور أوامر قبض بحق بعض المنتمين لسرايا السلام على خلفية مقتل القيادي في مليشيا العصائب وسام العلياوي قبل أسابيع.

وتنشط في العراق المليشيات التي تفوق قوتها وسلطتها أجهزة الدولة الأمنية، إذ تحاول جهات سياسية استغلال الحراك الشعبي لتصفية خلافاتها، فيما تعمد جهات أخرى إلى الإساءة لسلمية تلك الاحتجاجات.

ورغم نفي السلطات وجود ما يعكر صفو الأوضاع الأمنية، إلا أن مراقبين فسروا إصدار شرطة ميسان، في 9 من الشهر الجاري، قرارا بمنع حركة الدراجات النارية لـ8 ساعات يوميا، بأنه دليل على أن الأوضاع غير مطمئنة بالمحافظة، إذ أن الاغتيالات تنفذ أغلبها عبر مسلحين يستقلون دراجات نارية.

وأفاد قرار الشرطة بأن منع سير الدراجات النارية والسيارات التي لا تحمل لوحات تسجيل سيكون من الساعة 10 مساء حتى الساعة 6 صباحا في محافظة ميسان.

وأكدت الشرطة أنها "ستتخذ إجراءات حازمة في حال تجوال العجلات المذكورة بساعات المنع ويتعرض المخالف للمسائلة القانونية"، من دون أن توضح السبب المباشر للقرار.

لماذا ميسان؟

لعل التساؤل الأبرز يدور حول: لماذا تشهد ميسان من دون المحافظات الأخرى هذه الأحداث الأمنية؟. والإجابة على ذلك بحسب مراقبين تعود إلى أحداث يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول، عندما شهدت المحافظة عمليات حرق طالت مقرات أحزاب ومليشيات مرتبطة بإيران.

وتطورت الأوضاع فيما بعد في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان، بعد أن حدثت مواجهات بين محتجين وعناصر حماية مقرات كل من مليشيات "عصائب أهل الحق" و"أنصار الأوفياء"، حيث استهدفت قبل أيام مقرات ومنازل قيادات منهما.

وفي حينها اندلعت مواجهات مسلحة عنيفة انتهت بحرق مقري مليشيا أنصار الأوفياء وعصائب أهل الحق في مدينة العمارة. إذ أن ضابط مخابرات وعنصرا في العصائب قتلا في اشتباك مع محتجين بالمدينة الواقعة جنوب البلاد، بحسب "رويترز".

إلا أن ناشطين ذكروا في وقتها، أن الاشتباكات وقعت بين مسلحين يعتقد أنهم ينتمون لمليشيا "سرايا السلام" التابعة لرجل الدين مقتدى الصدر من جهة، وبين "عصائب أهل الحق" و"حركة الأوفياء" من جهة ثانية.

وذكرت الوكالة الفرنسية، في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن 10 متظاهرين قتلوا بالرصاص الحي، خلال محاولتهم اقتحام مقر "عصائب أهل الحق" في مدينة العمارة، كبرى مدن محافظة ميسان ذات الغالبية الشيعية في جنوب العراق.

وفي الأحداث ذاتها، قتل مدير مكتب مليشيات "عصائب أهل الحق"، في ميسان، وسام العلياوي، مع شقيقه عصام، بعد إصابتهما نتيجة هجوم تعرض له مقر مكتب "العصائب" في المحافظة.

وتعهد زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي بالثأر لمدير المكتب في محافظة ميسان. وقال خلال مراسم تشييعه: "سآخذ ثأر العلياوي (مربع)" في إشارة إلى عزمه الثأر بشكل مضاعف، مضيفا: "وسام شارك بكل المعارك ضد الاحتلال والإرهاب".

ويفسر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن ما تشهده ميسان من أحداث أمنية شبه يومية، هو تنفيذ لتهديدات قيس الخزعلي، وسط صمت مطبق من قبل الأجهزة الأمنية بالمحافظة.

لكن محللا أمنيا (لم يكشف هويته) قال للوكالة الفرنسية: إن "ما حدث ليل 10 من الشهر الجاري في العمارة مركز محافظة ميسان، رد فعل من الشارع العراقي على مذابح السنك والخلاني (وسط بغداد)، وقبلها الناصرية وكربلاء والنجف".

وتعرض مرآب يسيطر عليه محتجون منذ أسابيع عند جسر السنك القريب من ساحة التحرير، إلى هجوم مسلح أسفر عن مقتل عشرين متظاهرا على الأقل وأربعة من عناصر الشرطة، وفقا لمصادر أمنية وطبية.

ورجح المحلل أن يكون "هذا التصعيد للرد على الأحزاب التي تمثل إيران" ويتهمها الشارع بدعم الحكومة وعمليات القمع. وينتمي الفصيلان المستهدفان في ميسان "العصائب" و"الأوفياء" إلى قوات الحشد الشعبي التي تضم فصائل مسلحة شيعية بعضها موال لإيران.

هل يمتد الصِدام؟

تشير المعطيات على الأرض إلى أن التصعيد الأخير في محافظة ميسان يكاد ينحصر بين مليشيا "سرايا السلام"، وبين "عصائب أهل الحق"، وقد يمتد إلى محافظات أخرى ذات أغلبية شيعية إذا استمرت عمليات التصفية بينهما، وفقا لمراقبين.

وتفيد تقارير إعلامية، بأن الخلاف برز مجددا بين التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، والمنشق عن التيار، زعيم مليشيا "العصائب" قيس الخزعلي، وهو خلاف مستمر منذ مدة، يختفي لكنه سرعان ما يعود مع كل أزمة سياسية أو أمنية تطل برأسها على العراقيين.

ونقلت عن قيادي بارز في تحالف "الفتح" (لم تكشف اسمه)، وهو الجناح السياسي لأغلب المليشيات المنضوية في الحشد الشعبي، أن "الخلافات لم تنته بين الطرفين منذ سنوات طويلة، لكنها تخمد أو يصار إلى اتفاق بإنهاء المناوشات الإعلامية بوساطات عادة ما تكون داخلية".

الصراع في ميسان يكاد ينحصر بين أتباع الصدر والخزعلي

وأقر القيادي في "الفتح" بأنه "منذ أسابيع عاد الاحتقان مرة أخرى بين الطرفين، بسبب التظاهرات وتأييد الصدر لها، واصطفاف الخزعلي مع مليشيات أخرى مماثلة مرتبطة بإيران في موقف واحد ضد المتظاهرين".

وأشار إلى أن مصرع قيادي في "العصائب"، الشهر الماضي خلال تظاهرات هاجم فيها مواطنون غاضبون مقرا لمليشيا في محافظة ميسان، واتهام أشخاص يتبعون الصدر بقتله، كان كفيلا بعودة الخلافات مرة أخرى.

لكن القيادي رأى أن "الخلافات مسيطر عليها، ولا داعي للمخاوف من مواجهات مسلحة على غرار ما حدث في عامي 2011 و2013، وأسفر عن سقوط خسائر بين الطرفين".

وتأتي هذه التطورات في تطابق لما نشرته "الاستقلال" في تقرير سابق، إذ نقلت عن الباحث في الشأن العراقي عدنان الناصري، قوله: إن "المظاهرات باتت غطاء لعملية تصفية داخلية وهي بمجملها شيعية – شيعية".

وتساءل الناصري في وقتها: "هل تصل الأمور إلى حد الانفلات؟"، وأجاب: "احتمال وارد، ولكنه سيرافق انهيار النظام بالكامل، ولذلك نفهم هذه القسوة المفرطة في التعاطي مع الأحداث، لأن تركها سيفضي إلى إنهاء وجودها هناك".

وتوقع الباحث أنه "إذا انتهت حركة الاحتجاجات وبقيت الحكومة، ستكون هناك عمليات انتقامية لاحقة لأن عمليات القتل التي وقعت ستورّث حالة انتقام مستمرة".