عارضتها الأغلبية.. لهذا لم توقف الانتخابات الحراك بالجزائر

12

طباعة

مشاركة

فوز عبد المجيد تبون، رئيس الوزراء السابق في عهد المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة، بالجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الجزائرية بنسبة 58.15 بالمئة من الأصوات، لن ينهي الاحتجاجات الشعبية الحاشدة وغير المسبوقة المستمرة منذ حوالي عشرة أشهر.

هذه هي النتيجة التي توصل إليها تلفزيون "فرانس إنفو" الفرنسي، بعد ظهور نتائج انتخابات الرئاسة الجزائرية التي وصلت نسبة المشاركة فيها 40 بالمئة وسط مقاطعة كبيرة من قبل الحراك.

وقال التلفزيون: أصبح للجزائريين رئيس جديد، تم انتخاب عبد المجيد تبون، أحد أتباع الرئيس المخلوع السابق عبد العزيز بوتفليقة، كرئيس للجزائر.

وأضاف: فاز رئيس الوزراء السابق بنسبة 58.15  بالمئة من أصوات الجولة الأولى، وفقا لما أعلنته الجمعة 13 ديسمبر/ كانون أول، الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، في أعقاب اقتراع تم مقاطعته على نطاق واسع من السكان"، مشيرا إلى أن هذه النتائج لن تحل الأزمة التي تشهدها البلاد لأسباب عدة.

مشاركة منخفضة

وبخصوص هذا السبب، قال التلفزيون: صوت 39.83 بالمئة فقط من الناخبين المسجلين في الجولة الأولى بهذه الانتخابات الرئاسية، وفقا لرئيس الهيئة الوطنية، وهذا المعدل هو الأدنى في جميع الانتخابات الرئاسية التعددية في تاريخ البلاد.

وتابع: كما أنه أقل بأكثر من عشر نقاط من الاستطلاع السابق (الأدنى حتى الآن) الذي شهده عام 2014، خلال فوز عبد العزيز بوتفليقة بولاية رابعة.

وبحسب بعض المراقبين، فإن هذا الإقبال المنخفض مبالغ فيه، ويقول حبيب براهمية، عضو المكتب السياسي لحزب "جيل جديد" المعارض: "لقد ذكروا أن نسبة المشاركة 40 بالمئة، وهو بالنسبة لي مبالغ فيه للغاية، مقارنة بالواقع ... نحن نتحدث من 10 إلى 15 بالمئة، وفقا لحجم المترددين على بعض مراكز الاقتراع".

من جهته، صرح قادر عبد الرحيم، مؤرخ ومحاضر في معهد الدراسات السياسية بباريس، لتلفزيون "فرانس إنفو" أنه "لا يمكن لأحد أن يقول ما إذا كانت النتائج صحيحة أم لا".

أما بيير فيرميرين، الخبير بالشأن المغربي وأستاذ التاريخ المعاصر بجامعة جامعة "باريس 1 - بانتيون سوربون" رأى أن "النتائج متحيزة بعض الشيء، لأن هناك عدة ملايين من الناس ليس لديهم بطاقة انتخابية في الجزائر. لا يمثل الناخبون سوى 24 مليون شخص من أصل 42 مليون نسمة".

وأضاف الأكاديمي في حديث للتلفزيون الفرنسي: "لا يريد الناس تسجيل أسمائهم في كشوف الناخبين لأنهم لا يثقون في النظام أو لأنهم مبتعدون عن السياسة".

تشكيك بالاقتراع

ونقل "فرانس إنفو" عن بيير فيرميرين، قوله أيضا: "تعتمد دقة هذه النتيجة على الثقة التي نريد أن نعطيها للإدارة الجزائرية".

وبحسب التلفزيون الفرنسي، فإنه غالبا ما يصف المراقبون هذا الاقتراع بعبارة "المهزلة الانتخابية" مثل المتظاهرين، ومن بينهم قادر عبد الرحيم الذي قال: "إنها حفلة تنكرية، لكن بمجرد أن يسيطروا على هياكل الدولة سيكون معهم السلطة، وفي ظل صمت فرنسا وأوروبا بشكل خاص... سيفعلون ما يريدون".

وذكر الخبير السياسي أيضا، أن الاضطرابات أفسدت سير العمليات الانتخابية يوم الخميس الماضي، في منطقة القبائل المتمردة تقليديا والعاصمة.

وأشار التلفزيون إلى أنه في شوارع وسط الجزائر، تدخلت الشرطة لمنع أي تجمعات، لكن تمكن المتظاهرون من كسر طوق الشرطة الذي يحظر عليهم الوصول إلى درج البريد المركزي، نقطة التجمع الرمزية للمحتجين.

وتوقف التصويت في الصباح، وفقا لما ذكرته الهيئة الانتخابية الوطنية المستقلة، في بجاية وتيزي وزو وبويرة، وهي الولايات الرئيسية في منطقة القبائل الناطقة باللغة البربرية. كذلك تعرض مركز الاقتراع للتخريب ببجاية وفي بويرة، تم إحراق مقر لسلطة الانتخابات، وبحسب قادر عبد الرحيم "لا يمكن لأحد أن يقول في أي حال أن المناخ كان صافيا"، وفقا للتلفزيون.

لا مرشح للمحتجين

وبحسب التلفزيون الفرنسي، فإنه بالنسبة للمتظاهرين، كانت نتيجة الانتخابات ذا أهمية ضئيلة على أي حال، سواء كان الفائز عبد المجيد تبون أو أي مرشح آخر، فهم لم يرغبوا في الذهاب إلى صناديق الاقتراع حتى لا يكون ذلك تأييدا للنظام.

ونقلت عن سعيد، المهندس البالغ من العمر 32 عاما، قوله: "لقد تظاهرت بالأمس في الجزائر وأمضيت الليلة هناك وأتظاهر مجددا اليوم لأقول إننا لا نعترف بانتخاباتهم ورئيسهم" أيا كان اسم الرئيس الجديد لا يهم.

من جهتها، ذكرت لينا لـ"فرانس إنفو" قبل إعلان النتائج "سنتظاهر حتى نحصل على الديمقراطية. المرشحون جزء من نفس النظام كرئيسي الوزراء السابقين اللذين حكم عليهما مؤخرا بالسجن. النظام بأكمله فاسد من الداخل".

ويحذر قادر عبد الرحيم قائلا: "على أي حال، الشخص الذي تم انتخابه لن يحكم، لن يتمكن من اتخاذ خياراته الخاصة. وسيتعين عليه تطبيق ما يُطلب منه القيام به".

ويتفق المراقبون على أن الجيش يمسك بأطراف اللعبة، ويقول بيير فيرميرين: "يسيطر الجيش على الدولة، وتسيطر الدولة على عوائد النفط، وهي قوة النظام الجزائري، وبما أن الاقتصاد الجزائري لا ينتج شيئا آخر فإن المظاهرات لن تؤثر على النفط ولذلك لا يهتم النظام ".

من جهته، أكد حبيب براهمة أن "غالبية الجزائريين عارضوا هذه الانتخابات، ولم يشاركوا فيها، وهذا يثبت أن الحراك قوي للغاية وأنه يجب علينا المضي قدما نحو تغيير جذري النظام".

ويعتقد المسؤول في حزب "جيل جديد" أن "الأزمة ستستمر، وكذلك سيستمر الحراك اليوم والجمعة المقبلة، لكن الآن سيتعين عليه إعادة هيكلة نفسه هيكلته سياسيا".

نقص الشرعية

واعتبر "فرانس إنفو" أن قلة الإقبال، والشكوك حول نزاهة الاقتراع، والفجوة التي نشأت مع المتظاهرين، كلها صعوبات قادمة لعبد المجيد تبون، الرئيس الجديد.

ونقل عن قادر عبدالرحيم، قوله: "ما هي الشرعية التي سيحصل عليها الرئيس المنتخب؟ لا شيء، سيذهب إلى المنظمات الدولية وسيسخر الجميع منه. هذه المهزلة الانتخابية ستنعكس عليهم".

من وجهة نظر للمؤرخ بيير فيرميرين، فإن رئيس الدولة الجديد والنظام سيظلان قادران على الاعتماد على مشاركة 40 بالمئة بالتصويت، موضحا "ربما يكونوا قد ضخّموا الأرقام قليلا إلى 40 بالمئة، لكن حتى لو كانت 30 بالمئة فهي انتصار للنظام. لقد تمكن من الحصول على أصوات الجيش، وأفراد جبهة التحرير الوطني، وأصوات (مقاتلي الاستقلال)، وربما أيضا كبار السن الذين كانوا خائفين من الفوضى الافتراضية ".

وأردف: "من المرجح أن تتزايد شرعية رئيس الدولة الجديد بمرور الوقت. لن يكون الرئيس الجزائري الجديد قادرا على الحكم ضد النخب، ضد الشارع. الآن السلطة الحالية مطمئنة، بعد أن نجحت في وضع رجل تابع إليه على رأس البلاد، ربما يقدم تنازلات ويعطي ضمانات للشارع".

ووفقا لبيير فيرميرين، فإن الجزائر تنقسم حاليا إلى ثلاثة: "ثلث يدعم النظام ضمنيا، وثلث غير مهتمين بالسياسة، والثالث من نراهم في المظاهرات".

وخلص التلفزيون الفرنسي إلى أنه بالتالي سيكون على رئيس الدولة الجديد مهمة شاقة تتمثل في إعادة بناء وحدة البلد.

ونقل عن حبيب براهمية قوله: "سيضطر الرئيس إلى تقديم تنازلات. يجب عليه الإفراج عن سجناء الرأي والشروع في فترة انتقالية، والحوار مع جميع فصائل المجتمع، وجميع الأطراف لإيجاد طريقة للخروج من الأزمة".

لكن بالنسبة لقادر عبد الرحيم، فإن الوقت لا يدعو للتفاؤل، وقال: "لقد قاد النظام الحالي البلد إلى طريق مسدود، وأنا لا أرى حقا ما يمكن أن يدفعهم للدخول في حوار مثمر لإيجاد حل وسط مع المحتجين. النظام يجد نفسه معزولا ومرفوضا بشكل كبير من قبل شعبه".