ظاهرة استفحلت بعد الانقلاب.. هكذا برر إعلام السيسي زيادة الانتحار

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"طول ما الدم المصري رخيص.. يسقط يسقط أي رئيس"، أحد الشعارات التي رفعتها ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 وتبناها بقوة إعلام الدولة العميقة فترة الرئيس (الراحل) محمد مرسي.

إلا أن نفس الإعلاميين، وذات وسائل إعلام الدولة العميقة هم اليوم من يحاولون تجميل صورة نظام عبد الفتاح السيسي، الذي تشهد حقبته المشؤومة زيادة لافتة في حالات الانتحار داخل المجتمع.

الغريب في الأمر، أنه بدلا من أن يتناول إعلام السيسي الظاهرة الخطيرة اجتماعيا، محاولا تتبع أسبابها، وتحليل مضمونها، ألقى باللوم على المعارضة وقنواتها، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، موجهين سهامهم المسمومة للمنتحرين أنفسهم، ضاربين عرض الحائط بالأرقام والإحصائيات الرسمية الصادرة عن هيئات دولية.

تدليس أعمي

في 6 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وبعد أيام من انتحار نادر محمد جميل طوسون، الطالب بكلية الهندسة جامعة حلوان (جنوب القاهرة)، قال عضو البرلمان الإعلامي مصطفى بكري: "الطالب الذي ألقى بنفسه من أعلى برج القاهرة أخيرا، ينتمي إلى عائلة محسوبة على جماعة الإخوان، وانتحر لـ (تأجيج الاحتجاجات) ضد السلطة الحاكمة، بالتزامن مع قرب حلول الذكرى التاسعة لثورة يناير".

وأرسل بكري رسالة إلى الصحفيين عبر تطبيق (واتساب)، وهي منقولة عن مجموعة دردشة مخصصة لرؤساء تحرير الصحف والإعلاميين، وتُدار بمعرفة جهاز المخابرات العامة.

بكري ادّعى أن "الشاب المنتحر هو شقيق رائد مفصول من الجيش يدعى كريم طوسون، ومحكوم عليه في إحدى القضايا العسكرية، على خلفية انضمامه إلى خلايا إرهابية عام 2013".

وأضاف في رسالته: أن "شقيق طالب كلية الهندسة متزوج من ابنة أحد الكوادر التنظيمية في جماعة الإخوان، وأنها من أقنعت شقيق زوجها بالانتحار بهذه الطريقة، وتصوير إلقاء نفسه من أعلى برج القاهرة، ونشر فيديو الواقعة عبر مواقع التواصل"، علما بأن الفيديو صور بواسطة إحدى كاميرات البرج، وليس من خلال أحد شهود العيان على الواقعة.

وأكد الإعلامي المحسوب على النظام، أن "المخطط الإخواني كان يهدف إلى إظهار واقعة الانتحار على طريقة الشاب التونسي محمد بوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه بداية عام 2011، وكان سببا رئيسيا في اندلاع الثورة التونسية، مستطردا أن تصوير الواقعة استهدف تزكية هذه العملية الانتحارية بين الشباب في مصر، حتى حلول موعد "نكسة" (ثورة) 25 يناير/كانون الثاني المقبل.

الصحفي المصري محمد مجدي قال لـ"الاستقلال": "طريقة تعامل الإعلام، مع ظاهرة الانتحار، التي بدأت تسري بقوة داخل المجتمع، بمثابة حالة جنونية، مستهجنة، فالانتحار وضع إنساني يستحق في كثير من الأحيان الشفقة والدراسة، وناتج عن إشكاليات اجتماعية واقتصادية ونفسية عميقة، لكن الإعلام يلجأ إلى تسييس تلك الظاهرة، كما فعل النائب مصطفى بكري". 

وأردف مجدي: "ربط الانتحار بفكرة المؤامرة، واستهداف النظام، من قبل الإعلاميين، يجعل الرسالة الإعلامية سلبية، بل لها فعل إجرامي، يساعد على تفاقم الوضع، بدلا من احتوائه ومعالجته".

مضيفا: "أساس مهمة الإعلام رصد الأوضاع، وتقديم الحقيقة كاملة، واستعراض المعلومات، فـحين نتحدث عن حالة انتحار، أول ما يتبادر إلى الذهن أسئلة (من/ لماذا؟)، أما التلاعب بالإجابات، وتوجيه دفة الرأي العام إلى زاوية ضيقة غير حقيقية، فهذه هي الخيانة بعينها". 

وذكر الصحفي المصري: "طالب الهندسة، وسيدة المترو، وفتاة المترو، والفتاة التي انتحرت في النيل، وغيرهم، من مختلف فئات وطبقات الشعب المصري، ليسوا نتاج تحريض من الإخوان أو غيرهم، ومن غير اللائق الاستخفاف بعقول المصريين عن طريق تلك الروايات الزائفة، خاصة عندما تأتي من إعلامي برلماني، من المفترض أنه يمثل صوت الشعب، ويعمل على حل مشكلاته، لا البحث عن مبررات، والترويج اشائعات سخيفة". 

نص رسالة الإعلامي والبرلماني المصري مصطفى بكري

أديب "الكذاب"

مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، علق الإعلامي ربيب النظام أحمد موسى، على حادث انتحار برج القاهرة، قائلا: "مفيش شيء يخلِّي واحد يضحي بحياته. إيه اللي يدفع هذا الشاب أو غيره إلى الانتحار؟ مفيش والله ما يدعو في الدنيا إنك تخليك تعمل كده".

الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، رفض أن يكون التدين هو المعيار الحقيقي لمنع الانتحار، مشيرا خلال لقائه مع الإعلامي عمرو أديب إلى أن "مسألة الانتحار ابتلاء إنساني يصاب به المؤمن وغير المؤمن، والمتدين وغير المتدين، مشددا على ضرورة أن يكون الخطاب الديني من نسيج المجتمع". 

بينما قال أديب: "هناك بعض القنوات الأجنبية والإخوانية مازالت مستمرة فى نغمة انتحار المصريين من (القهر والفقر)، والأرقام تؤكد أن حالات الانتحار بإنجلترا أكثر من مصر، هل يعنى بأن شعب إنجلترا (مقهور؟)، كما تؤكد الأرقام أيضا ارتفاع حالات الانتحار بسويسرا".

وأكمل أديب: "مفيش أى مشكلة، تقولولى إن الوضع فى مصر اقتصاديا صعب على الناس، دا شيئ مش سر، تجد قنوات الإخوان طالعين عاوزين يقولوا أى كلام برضوا طبيعي ومفهوم، إنما بي بي سي المفروض بتوع أرقام وإحصائيات، ايه الحكمة من تصدير اليأس، وأن البشر تنتحر فى مصر، انتوا عرفتوا الشاب دا انتحر ليه وهم كام واحد، ونسب الدول فى المنطقة العربية طبقا لعدد السكان والأبحاث الاجتماعية بتقول ايه؟ ولا إجابة لأي سؤال".

وأوضح الإعلامي المقرب من نظام السيسي، أن "هناك الكثير من الأشياء تستدعي القلق أكثر من الانتحار، مؤكدا أن الأخبار المغلوطة والمتداولة عبر تلك القنوات غرضها تصدير حالة من اليأس".

تقرير "بي بي سي"

سبب هجوم أديب على "بي بي سي" هو تقريرها المنشور في 6 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، والذي جاء بعنوان "لماذا يقدم بعض الشباب على الانتحار في مصر؟" عرضت خلاله مجموعة من الإحصائيات نقلا عن تقرير منظمة الصحة العالمية في سبتمبر/أيلول الماضي، جاءت خلاله مصر الأولى عربيا في عدد حالات الانتحار، متقدمة بذلك حتى على تلك الدول التي تشهد نزاعات مسلحة وحروبا أهلية".

وأوردت الهيئة البريطانية: "أشارت إحصاءات أصدرتها منظمة الصحة العالمية عام 2016 إلى أن معدلات الانتحار سجلت 3799 منتحرا في مصر في ذلك العام".

واستمرت في سرد الإحصائيات، والأرقام، التي تكذب أديب قائلة: "وفقا للمسح القومي للصحة النفسية، الذي أجرته وزارة الصحة العام الماضي، فإن 7 بالمئة من المصريين، البالغ تعدادهم نحو 100 مليون نسمة، يعانون أمراضا نفسية أغلبها في شكل اضطرابات مزاجية، لا سيما اضطراب الاكتئاب الجسيم، يليه الإدمان ثم القلق والتوتر ثم الفصام، كما أن نسبة 24.7 في المئة من المصريين لديهم مشاكل وأعراض نفسية".

حالات مأساوية

في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كان المشهد الصادم لشاب يقفز من أعلى برج القاهرة، الذي يبلغ ارتفاعه 187 مترا، وهو يُصر على الانتحار، حتى بعد أن علقت ملابسه بأطراف سور البرج الحديدية. تبين بعدها أنه طالب في كلية الهندسة بجامعة حلوان، يدعى نادر محمد.

انتحار نادر سبقه بيومين انتحار شاب عشريني بمدينة المحلة الكبرى شنقا بواسطة حبل، كما سبقه بأسبوع انتحار طالب بمدينة قوص محافظة قنا (جنوب) شنقا أيضا، بالإضافة إلى حالات كثيرة من الانتحار تحت عجلات مترو الأنفاق أو في مياه النيل، وترجع تقارير النيابة معظمها للمرور بأزمة نفسية.

في 7 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بحسب وسائل الإعلام المصرية، أقدم شاب مصري، يدعى يوسف، على الانتحار شنقا في حي فيصل بمحافظة الجيزة، بسبب مروره بضائقة نفسية ومادية، ليكون أحدث شاب يقتل نفسه في ظاهرة تتزايد خلال السنوات الأخيرة باطراد.

ويدرس الشاب المنتحر (19 سنة)، في إحدى المدارس الثانوية الصناعية، ولديه شقيقان آخران يكبرانه في السن، ووالداه متوفيان، ويقتسم معاش والده مع شقيقيه، لأنه ما زال طالبا ودون عمل.

قبلها بيوم، أقدم رب أسرة مصري (49 سنة) على الانتحار في مدينة كفر الشيخ (شمالا)، من خلال تناول عقار مميت بسبب مروره بضائقة مادية تمنعه من تجهيز ابنته العروس، وتوفي الرجل عقب نقله إلى المستشفى.

أرقام صادمة

في 10 سبتمبر/ أيلول 2019، نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرا عن ظاهرة الانتحار حول العالم. وجاء في التقرير أن شخصا واحدا ينتحر كل 40 ثانية، أي أكثر من الذين قتلوا في الحروب وعمليات القتل أو سرطان الثدي. وتصدرت مصر قائمة البلدان العربية من حيث أعداد المنتحرين لعام 2016، حيث شهدت 3799 حالة انتحار.

وقسم التقرير بلدان العالم حسب القارات، ففي القارتين الإفريقية والآسيوية اللتين تحتضنان كل البلدان العربية، تفوقت مصر على الدول العربية التي تشهد نزاعات مسلحة وحروبا أهلية حيث شهدت 3799 حالة انتحار في عام 2016، وتجاوز عدد الرجال المنتحرين أعداد النساء المنتحرات (3095 مقابل 704).

وفي تقرير رسمي لوزارة الصحة المصرية عن العام 2017/2018، أكد وصول أكثر من 10 آلاف حالة تسمم سنويا إلى "مراكز السموم" يتم إنقاذ أعداد منها.

وفي العام 2016 أصدر "مركز السموم" التابع لجامعة القاهرة تقريرا يؤكد من خلاله موت نحو 2400 حالة، نتيجة الانتحار باستخدام العقاقير السامة.

وأعدّت وزارة الصحة دراسة على عينة من طلاب الثانوية العامة خلال العام 2018، أكدت من خلالها أن 21.7 بالمئة من الطلبة يفكرون في الانتحار.

بينما كشف تقرير مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، أن مصر شهدت 4 آلاف حالة انتحار بسبب الحالة الاقتصادية، في الفترة من مارس/آذار 2016، حتى يونيو/حزيران 2017.

أما التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، فقالت في تقريرها: إن هناك تزايدا في عدد حالات الانتحار وصل إلى 150 حالة أغلبها من شباب في الفئة العمرية من 20 إلى 35 عاما، أقدموا على الانتحار منذ يناير/ كانون الثاني 2018 إلى أغسطس/آب من نفس العام.

ويعد الفقر العدو الأول للمصريين، ومن أشد دوافع الانتحار في بلد تخطى عدد سكانها 100 مليون نسمة، وبلغت نسبة الفقر فيها نحو 27.7 %، وفق إحصائية الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مايو/ آيار 2018، الأمر الذي يعني وجود نحو 30 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر.