محاولة لتزوير التاريخ.. كيف تسعى الإمارات لشراء حضارة مصطنعة؟

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 2 ديسمبر/كانون الأول 1971، تأسست آخر دولة بالجزيرة العربية وهي الإمارات العربية المتحدة، التي تدعي أنها دولة ضاربة في القدم، وكي ترسخ هذا الادعاء ضخت أموالا طائلة، في إجراءات أتت كما لو كانت عملية "شراء تاريخ" و"خلق حضارة" لدولة وليدة ناشئة.

مؤخرا قامت الإمارات بإنفاق أموال هائلة على برامج تلفزيونية وأفلام وثائقية وحملات دعائية ومتاحف، وقامت بتعديلات على المناهج الدراسية، كل ذلك لإثبات أن لها تاريخا عريقا يمتد لآلاف السنوات.

تسعى الإمارات بأموالها لمحاولة خلق عمق تاريخي وصناعة حضارة إماراتية، عبر تصريحات وكتابات تصل أحيانا لحد الكوميديا.

بالطبع لم يتفق الإماراتيون على بداية تاريخهم، ففي حين يقول بعضهم إنها تعود لنحو 1000 عام يقول آخرون إنها تعود لعصر ما قبل المسيح عيسى عليه السلام، بينما يقول باحثون يعملون لحساب الإمارات إنها تعود للعصر البرونزي، أي نحو 3 آلاف عام قبل الميلاد.

المسلسل الوثائقي "تاريخ الإمارات" الذي أنتجته الإمارات، جاء لينسف كل هذه الافتراضات، ويقول إنها تعود لنحو 125 ألف سنة، أي أنها متفوقة بذلك على حضارة بلاد الرافدين، أقدم حضارة عرفتها البشرية قبل نحو 6 آلاف سنة قبل الميلاد، ومتفوقة على الحضارة الفرعونية التي عاشت قبل 3  آلاف عام قبل الميلاد.

دبي والفراعنة

في العامين الأخيرين، أطلقت الإمارات حملات عدة  مهمتها الترويج لتاريخ وحضارة الإمارات، ففي مايو/آيار 2017 أطلقت حكومة دبي مبادرة "دبي قبل الميلاد" من خلال برنامج على وسائل التواصل الاجتماعي، يقدمه اليوتيوبر السعودي لؤي الشريف، وبحسب المكتب الإعلامي لحكومة دبي فإن الحملة هدفها "تعريف العالم بما لا يعرفونه عن تاريخ دبي الضارب في عمق التاريخ". 

وفي مقابلة له مع قناة العربية، قال الشريف، الذي يعرف نفسه بالباحث في الحضارات واللغات القديمة: إن "دبي كانت مركزا تجاريا في العصر البرونزي قبل نحو 3 آلاف عام قبل الميلاد، وفي الوقت الذي يظن البعض إن دبي عبارة عن مدينة للمولات والأبراج يكشف الإرث التاريخي لدبي إنها كانت تضاهي الحضارة الفرعونية".

الشريف أضاف: "كانت دبي تتبادل التجارة مع مصر الفرعونية، وتم العثور على آثار فرعونية في منطقة ساروق الحديد في دبي، تلك المنطقة الأثرية التي اكتشفها  أمير دبي محمد بن راشد آل مكتوم، عندما رأى شيئا يلمع فأدرك بفطنته أنها منطقة أثرية"، ودعا الشريف، إلى ضرورة العمل والبحث عن آثار دبي في مصر الفرعونية.

تحف مسروقة

في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 افتتحت الإمارات متحف اللوفر أبوظبي، بتكلفة وصلت لمليار دولار، في مسعى منها لمحاكاة متحف اللوفر في باريس، يضم المتحف نحو 900 عمل فني، من بينها نحو 300 تحفة معارة من لوفر باريس، وفي ردهات المتحف قال رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور، الذي كان يقوم بزيارة للمتحف في أبوظبي: إن "المتحف يعرض تاريخ الإمارات، التي تعود إلى ما قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وليس لعام 1971".

حاز المتحف قطعا أثرية، غير أن صحيفة 24 الفرنسية، في أبريل/نيسان 2018 كشفت في تقرير أن متحف اللوفر في أبوظبي حوى معرضا للآثار القديمة التي سرقتها الجماعات الإرهابية من العراق وسوريا ومصر، وقالت إن وجود هذه الآثار المسروقة سيمثل إهانة حقيقية للإمارات وفضيحة كبيرة محتملة.

وكانت حملة دولية انطلقت من فرنسا قد عارضت فكرة منح متحف أبوظبي العلامة التجارية الخاصة باسم (اللوفر) وقالوا: إن المتحف عبارة عن معرض يحوي تحفا تفقد قيمتها بخروجها عن سياقها التاريخي في فرنسا.

سلسلة وثائقية

في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عرضت الإمارات سلسلة وثائقية مكونة من 5 أجزاء، تتحدث عن تاريخ الإمارات، قالت: إن المسلسل الوثائقي يتحدث عن 125 ألف من تاريخ الإمارات، ويسرد تراث الإمارات العريق، وقد تم تصوير الفيلم بأحدث تقنيات التصوير، وتم عرضه على قناة ناشيونال جيوجرافيك أبوظبي، والقنوات الإماراتية المحلية. 

من ضمن تلك الشحطات، هي ادعاؤها بأن لهجة الإماراتيين كانت هي لغة العرب، وقد كتب الأديب الإماراتي سلطان العميمي بأن اللهجة الإماراتية كانت هي لغة العرب قبل 15 قرنا، أي في الفترة التي عاش فيها نبي الله محمد، ونسبت إليها عنترة بن شداد والرحالة ابن ماجد، وغرد مرة ضاحي خلفان عن اكتشاف مركز تسوق في دبي عمره 3 آلاف عام، وهو الأمر الذي أثار ضحك وسخرية كثير من الباحثين والمتابعين.

لم تتوقف جهود الإمارات في محاولة تزوير التاريخ ، بل وصلت لحد الاعتداء على جغرافيا الآخرين، حيث ادعت بأن جزيرة سقطرى اليمنية تعود أصولها للإمارات.

بالإضافة إلى ذلك، أجرت الإمارات تعديلات على منهجها الدراسي، تتحدث عن تاريخ الإمارات الضارب في عمق التاريخ، وكان من ضمن تلك التعديلات نسبة حضارة "مجان" عمان حاليا بالإضافة إلى مواقع تاريخية ومناطق أثرية عُمانية  إلى " الإمارات".

عراقة الوجود

الكاتب موسى النمراني قال لـ"الاستقلال": "أحيانا يتم الخلط بين تاريخ دولة وبين تاريخ الوجود البشري على جغرافيا الدولة، لمحاولة إثبات عراقة الوجود أو استحقاقات معينة تجاه دول أخرى، وفي هذا الخلط مغالطة كبيرة".

مضيفا: "التاريخ البشري الممتد عبر آلاف السنين، لاشك أنه قد ترك آثارا كثيرة في عدة بقاع من الأرض، وتعددت أعراق السكان وهجراتهم بحيث لا يمكن في كثير من الحالات إثبات وجود رابط بين سكان المنطقة الواحدة، خلال فترات زمنية مختلفة، وبالتالي فإن وجود آثار بشرية هي دليل على وجود بشري فقط، وليس دليلا على عراقة السكان الحاليين، لأن إثبات صلة النسب البيولوجي أو حتى الانتماء الحضاري فرضيات ليس لديها ما يكفي من الأدلة".

وتابع: "من المهم في هذا السياق أن يكون الفرق واضحا بين تاريخ الوجود البشري في المنطقة الجغرافية، وبين تاريخ الدولة الحالية التي تحكمها والشعب الذي يعيش فيها."

يضيف النمراني: "أما بالنسبة للآثار التي قيل إنه تم العثور عليها في الإمارات، فإن كانت قد وجدت بالفعل فالأغلب إنها تعود للحضارة الفارسية التي كانت تحرس الخليج من أي اعتداء من قبل القبائل العربية".

"ساحل عمان"

قبل تأسيس الإمارات منذ نحو 50 عاما، كانت الإمارات تسمى "ساحل عمان"، ويطلق على إماراتها "مشيخات الساحل العماني"، أي أنها كانت جزءا من عمان الكبرى التي وصل نفوذها حتى ساحل الزنج عام 1698، ما يعرف بزنجبار حاليا، مما يحاذي تنزانيا في قارة إفريقيا. 

كتاب "المعضلات الاجتماعية - الاقتصادية للبلدان النامية: الإمارات العربية المتحدة" الذي ألفه ر.ف كليكوفسكى- ف.ا لوتسكييفيتش، قال: إن الإمارات كانت جزءا من عمان، قبل أن تنفصل لاحقا. وهو ما تؤكده الوثائق التاريخية والخرائط والتقسيمات السياسية والجغرافية.

في عام 1892 وقّعت عمان الكبرى التي كانت تضم السلطنة، ومشيخات ساحل عمان (الإمارات حاليا) معاهدة مع بريطانيا التزمت فيها عمان بعدم إبرام أي اتفاقية مع سلطات أخرى عدا بريطانيا، مقابل الحماية، وهو الأمر الذي عزز النفوذ البريطاني، ليعمل بعد ذلك على تقسيم ساحل عمان.

وبعد انسحاب بريطانيا عام 1968 من محمياتها ومستعمراتها في شرق المتوسط، تركت وراءها 7 مشيخات أعلنت عن نفسها كدول مستقلة، ثم اتحدت بعد ذلك تحت مسمى الإمارات العربية المتحدة عام 1971.

حسب مراقبين، وفي سبيل بحثها عن الهوية والحضارة، تعمل الإمارات على التخلص من عقدة "ساحل عمان" وإخفاء كل صلة جغرافية وسياسية وحضارية وثقافية بعمان، وتحاول جاهدة  صناعة تاريخ وخلق حضارة منفصلة وكيان سياسي منفصل عن عمان الكبرى.

وفيما يبدو أنه نتاج لأزمة هوية وعقدة نقص تسعى الإمارات كدولة ناشئة لملئه، وتعزيز فكرة أن لها ثقلا حضاريا يتيح لها المجال للتدخل في شؤون دول ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ كاليمن.

وسائل الإمارات لتحقيق ذلك تنوعت بين تزوير معالم التاريخ وطمس الخرائط وإعادة رسمها من جديد، ابتداء من رحلة رائد الفضاء التي فضحتها وكالة ناسا وقالت: إن الإماراتي لم يكن رائد فضاء بل كان مجرد سائح سافر لقاء أموال دفعها لوكالة الفضاء، ولن تكون انتهاء بـ"الكابتشينو" الذي قالت سيدة إماراتية إن أصله دبي وليست روما.