كيف تدفع إسرائيل السيسي وحفتر لمواجهة تركيا عسكريا؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

توتر واضح يشهده شرق المتوسط، بعد توقيع الحكومة التركية اتفاق الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، الذي يسمح لأنقرة بوضع موطئ قدم لها في كنز الغاز الطبيعي الذي تسيطر عليه كل من مصر واليونان وقبرص وإسرائيل.

ورغم أن وزير الخارجية المصري سامح شكري أعلن بشكل رسمي، أن الاتفاق التركي الليبي لا يضر بالقاهرة، إلا أن المحور الذي يضم تلك الدول أجرى خطوات تشير إلى أن المنطقة باتت تسبح على برميل بارود وليس بحرا من الغاز الطبيعي.

الأحداث المتسارعة في شرق المتوسط، طرحت العديد من التساؤلات عن مصير هذا التصعيد، وهل يمكن أن يدفع النظام المصري، قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر للاصطدام مع تركيا، أم أن هناك قوى غامضة تُحرك المشهد من وراء الستار، مستغلة عداوة النظام المصري لتركيا، وهل يمكن أن تكون إسرائيل هي التي تقف وراء هذا التوتر؟

أسلحة وتهديد

ونشرت شعبة الإعلام الحربي التابعة لقوات حفتر، مقطع فيديو ظهرت فيه مدرعات مصرية جديدة بحوزتهم، وهي المرة الأولى التي تظهر فيها معدات للقاهرة بشكل صريح مع قوات حفتر.

وتزامن ذلك مع حدثين هامين شهدتهما الساحة خلال الساعات التي سبقت نشر الفيديو. الأول تمثل في المناورة العسكرية التي نفذتها القوات البحرية المصرية في شرق المتوسط تحت شعار "حماية المصالح الاقتصادية لمصر في البحر".

أما الحدث الثاني، فتمثل في تصريحات أطلقها رئيس أركان القوات البحرية التابعة لحفتر، الفريق اللواء فرج المهدوي، بأن لديه تعليمات تقضي بإغراق أي سفينة تركية تقترب من السواحل الليبية.

وكشف قائد البحرية الليبية في مقابلة مع قناة تلفزيون "ألفا" اليونانية، أنه تلقى أوامر بإغراق أي سفينة تركية تقترب من المنطقة، منتقدا في الوقت ذاته الاتفاق البحري بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية.

وكان لافتا للمتابعين ما كتبه رئيس أركان القوات البحرية الليبية باللغة اليونانية على حسابه عبر فيسبوك، قبل إجراء لقاء تلفزيوني قائلا: "سنحرر العاصمة طرابلس وسندمر الحلم التركي".

وحسب تعليق لوكالة الأنباء الروسية، فإن المدرعات المصرية التي ظهرت في ليبيا، ستكون جزءا من عملية حفتر التي أعلنها لاقتحام طرابلس مجددا، والتي أطلقها بعد ساعات من تصريحات لرئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي في منتدى أسوان للسلام الذي اختتم فعالياته يوم الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، عندما أعلن عن حق قريب وعاجل لإنهاء الأزمة الليبية بشكل كامل.

ووفق تعليق للباحث العسكري محمد منصور للوكالة الروسية، فإن المدرعات المصرية التي ظهرت مع قوات حفتر، لم تدخل الخدمة أصلا لدى الجيش المصري، وما تزال في طور الإنتاج، مؤكدا أن دعم القاهرة لحفتر لا يقتصر على المدرعات والمعدات العسكرية، ولكنه أيضا يتمثل في دعم بالتقنيات المتعلقة بالأسلحة السوفيتية الصنع الموجودة بحوزة قوات حفتر.

وحسب الباحث العسكري المصري، فإن توريد أسلحة مصرية لحفتر يعتبر ردا على توقيع تركيا للاتفاقية البحرية مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، وهي رسالة بأن القاهرة ستضع يدها في الملف الليبي لإنهاء أزمة طرابلس قبل إرسال تركيا أي قوات لها على الأرض.

أطراف أخرى

ورغم أن الخلاف الظاهر حتى الآن لم يخرج عن تركيا وحكومة الوفاق من جانب، والسيسي وحفتر واليونان وقبرص من جانب آخر، إلا أن هناك أطرافا أخرى تلعب أدوارا لإشعال الموقف في الخفاء، على رأسها كل من إسرائيل وروسيا.

إذ تعتبر تل أبيب "تدخل تركيا في كنز غاز شرق المتوسط"، تهديدا لمشروعاتها التوسعية في السيطرة على الغاز، والتحكم فيه من خلال علاقتها القوية بكل من نظام السيسي واللواء المنشق حفتر.

وفيما يتعلق باللاعب الثاني الخفي في المشهد، وهي موسكو، فإن الموضوع لديها أكبر من غاز المتوسط، وهو ما دعا أردوغان للتهديد صراحة بإرسال قوات عسكرية تركية لليبيا إذا لم توقف روسيا دعمها لحفتر.

وهو ما تحدثت عنه صحيفة "كوميرسانت" الروسية، مؤكدة أن أردوغان لديه الرغبة في إرسال قواته لليبيا بالفعل، واستشهدت بتصريحاته للتلفزيون التركي الرسمي التي قال فيها: "إذا ثبت أن الوحدات التابعة للشركات العسكرية الروسية الخاصة منتشرة في ليبيا، فإنه يحق لأنقرة إرسال قواتها إلى هناك أيضا".

ولفتت الصحيفة لاتهامات أمريكية سابقة لروسيا بأنها مستفيدة من الصراع الليبي، وأن الكونجرس الأمريكي، يمكن أن يفرض عقوبات ضد موسكو، وتحديدا الشركة العسكرية الخاصة "فاغنر" التي تزود كل من مصر وليبيا بالأسلحة.

وفي نفس الإطار دعا المدير السابق لشؤون شمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، بين فيشمان، في مقال نشره بموقع "بلومبرغ" الأمريكي، الإدارة الأمريكية لوقف نفوذ وطموح روسيا في ليبيا من خلال دعم قوات حفتر على حساب حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

أين تل أبيب؟

وحسب ما نشرته وسائل الإعلام التركية، فإن الاتفاق البحري الذي وقعه أردوغان مع السراج، أوقف المشروعات التوسعية لإسرائيل في شرق المتوسط. وحذر التلفزيون الرسمي التركي  من الصمت الظاهر لإسرائيل فيما يجري من تطورات هناك.

ويدعم مخاوف الإعلام التركي عدة آراء لمحللين إسرائيليين، تحدثوا عن خطورة الوضع في شرق المتوسط، وهو ما أشار إليه الباحث المختص بشؤون الشرق الأوسط في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تسفي بريئيل، بقوله: إن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا من شأنه أن يضيّق الخناق على اليونان وإسرائيل ومصر وجنوب قبرص على حد سواء.

وتابع: تركيا تستطيع بموجب الاتفاقية، أن تنقب عن النفط والغاز وعرقلة خطوط نقل الغاز إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.

ونقل التلفزيون الرسمي التركي، آراء أخرى لمحللين إسرائيليين، أكدوا فيها أن الاتفاق التركي الليبي، يشكل تهديدا مباشرا للمصالح الإسرائيلية، وآراء أخرى أكدت أنه في الوقت الذي تلتزم فيه إسرائيل الصمت، إزاء الاتفاقية، إلا أن شريكيها في حقل الغاز "لفيتان"، وهما مصر واليونان مستعرتان من شدة الغضب"، وهو التعبير الذي استخدمه صراحة الخبير الإسرائيلي الشهير إيهود يعاري الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

وحسب يعاري فإن أردوغان يغيّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط من خلال هذه الاتفاقيات، "وفي حال استمر ذلك لا نعرف إلى أين تمضي الطريق".

وكشف حوار مطول لقناة "آي 24" الإسرائيلية، مع خبير العلاقات الدولية الإسرائيلي، حين كارتشر، خفايا الدور الإسرائيلي في الأزمة الراهنة سواء المتعلقة بالاتفاقية الليبية، أو الأزمة الليبية بشكل كامل.

وحسب كارتشر الذي لديه صلات قوية بأجهزة المخابرات الإسرائيلية، فإنه ليس من مصلحة إسرائيل أن تتدخل في الأزمة الليبية بشكل مباشر، ولكن هذا لا يمنع من وجهة نظره أن حكومته دعمت بالفعل أحد الأطراف الرئيسية هناك، عن طريق طرف ثالث، في إشارة واضحة لدعم حفتر عبر السيسي.

وبرر كارتشر الصمت الإسرائيلي على الاتفاقية التركية الليبية، بعدم وجود حكومة إسرائيلية يمكنها أن تتخذ قرارا أو موقفا معاد لتركيا، ولكنه عاد وأكد أن الاتفاقية ليست موجهة ضد إسرائيل فقط، وإنما للتحالف الذي يضمها مع مصر واليونان وقبرص.

واستبعد الخبير الإسرائيلي أن تؤدي تلك التصعيدات والمناوشات إلى "خطوة عسكرية أحادية الجانب" يمكنها أن تفجر الأوضاع في شرق المتوسط، مفضلا أن يكون الحل بواسطة مؤتمرات أو وساطات عبر منظمات إقليمية، وهو ما لا نراه حتى الآن، ما سيؤدي إلى ازدياد التوتر بين المعسكرين.

وكشف كارتشر أن ازياد التوتر سيكون له جانب آخر، يتمثل في تعزيز كل معسكر علاقاته الأمنية، كإقامة مناورات عسكرية مشتركة، وتعزيز علاقاته الاقتصادية، عبر الاتفاقيات التجارية، مع دول أخرى لديها ذات المصالح، لتوسيع مناطق نفوذ الحلف، وذلك من اعتبارات دفاعية بحتة.

وحذر كارتشر في الوقت نفسه من أن يفسر المعسكر التركي هذه المناورات والاتفاقيات، باعتبارها خطوات عدوانية هجومية عليه، وأن التقارب الإسرائيلي-اليوناني، الذي جاء من منطلق دفاعي، يمكن أن تفسره تركيا كأنه عدوان عليها، أو من الجهة الأخرى، عندما تتحالف تركيا مع ليبيا دفاعيا، يمكن أن تفسره اليونان عدوانا عليها".

دوافع وقلق

تحدث عدد من الباحثين المهتمين بشؤون الأمن في شرق المتوسط، عن أسباب القلق الإسرائيلي من الاتفاقية البحرية التي أبرمتها الحكومة التركية مع حكومة الوفاق، كما تحدثوا عن دوافع إسرائيل في دعم حفتر منذ بدأ الصراع في ليبيا، سواء كان بشكل مباشر، أو عن طريق وسيط هام يسكن في القصر الرئاسي بالقاهرة، وهو عبد الفتاح السيسي.

وحسب تحليل نشرته شبكة "الجزيرة" الإخبارية، للخبير الإستراتيجي التركي إمرح كيكلي، فقد أكد أن محاولات حفتر المتكررة للاستيلاء على طرابلس جاءت بهدف ضم ليبيا للمحور الإسرائيلي المصري، وبالتالي انضمامها إلى المعسكر المناهض لتركيا في المتوسط، فحفتر ممثل عسكري عن المحور الإسرائيلي المصري بتمويل من أبوظبي، في سبيل تحويل الخطوات العسكرية إلى مكاسب سياسية.

ووفق كيكلي، فإن إسرائيل ومصر تلقتا ضربة قوية بعد الاتفاق الليبي التركي الذي أفشل خططهما في ليبيا وشرق المتوسط، مبينا أن تركيا ستلعب دورا هاما في ضمان أمن الطاقة بالمتوسط، مما سيجعل إسرائيل ومصر تحسبان ألف حساب قبل أي تحرك لهما في المنطقة.

ويتفق تحليل سابق نشره موقع "كونسوريتيوم نيوز"، لمدير "معهد دراسات دول الخليج" جورجيو كافيرو، عن الأسباب التي دفعت إسرائيل، لدعم  حفتر، مؤكدا أن تل أبيب، تقف إلى جانب القاهرة والرياض وأبوظبي في دعم اللواء الليبي المتقاعد الذي يصفه خصومه بـ"القذافي الجديد" الذي يسعى إلى تأسيس ديكتاتورية عسكرية على الطراز المصري في ليبيا.

وحسب كافيرو، فإن التنسيق بين حفتر والإسرائيليين، الذي تم عبر الإمارات، بدأ في عام 2015، وفي البداية كانت إسرائيل تنظر إلى مصالحها في ليبيا ما بعد القذافي من منظور مصالحها في شبه جزيرة سيناء، بعد توثيق الروابط بين مختلف القوى الجهادية في ليبيا وسيناء.

وفي عامي 2015 و2016، التقى حفتر مع عملاء الموساد في الأردن بسرية تامة، وبدأت إسرائيل، في تزويد الجيش الوطني الليبي ببنادق القنص ومعدات الرؤية الليلية في ذلك الوقت، كما شن الجيش الإسرائيلي غارات جوية في ليبيا بالتنسيق مع قوات حفتر بعد أن أطلق عملية "الكرامة" في عام 2014.

وبحلول منتصف عام 2017 ، أفادت وسائل الإعلام الجزائرية بأن المسؤولين في الجزائر حذروا اللواء الليبي المتقاعد من تلقي الدعم العسكري الإسرائيلي.

وذكر كافيرو، أنه في حين يدعم نظام السيسي الشراكة الضمنية والخفية بين إسرائيل وحفتر، فإن لم يُرد الأخير التواصل مع تل أبيب إلا بصورة مباشرة، خاصة وأنه يمثل نوعا من الزعماء العرب الذين يمكن للإسرائيليين التعامل معهم في تبادل المعلومات الاستخباراتية.

لماذا الدعم؟

التحليل الذي كتبه كافيرو، كشف عن الأسباب التي تدفع إسرائيل لدعم حفتر حتى يقوم بالسيطرة الكاملة على ليبيا، من أهمها أنه عندما يتعلق الأمر بالتنسيق مع الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن إسرائيل تفضل الرجل القوي بغض النظر عن أيديولوجيته.

وعلى غرار حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي في مصر أو الملك عبد الله الثاني في الأردن، ربما يكون حفتر القائد العربي الذي يمكن لإسرائيل تشارك المعلومات الاستخباراتية معه، بحسب كافيرو.

أما السبب الثاني، فيتحدث عن دعم إسرائيل لحفتر، لأن ذلك يجعلها بحكم الأمر الواقع في تحالف أكبر مع الدول العربية السنية التي تدعم القائد الشرقي لسنوات، وتحديدا مصر والإمارات والسعودية. ومن خلال دعم حفتر، يمكن لتل أبيب أن تعزز دورها في هذه الكتلة السنية الناشئة التي تتشارك معها نفس تصورات التهديدات الأمنية التي تشكلها إيران والجماعات المدعومة منها وبعض الجماعات الإسلامية السنية، بما في ذلك الإخوان المسلمين.

السبب الثالث الذي ذكره مدير معهد دراسات دول الخليج، فهو مرتبط بمبيعات الأسلحة. وبصفتها من أبرز تجار الأسلحة، جنت إسرائيل مليارات الدولارات من خلال بيع الأسلحة وتأجير المستشارين العسكريين الإسرائيليين لمختلف الدول الإفريقية التي تشهد نزاعات.

وتأتي الموارد الطبيعية التي تتمتع بها ليبيا سببا رابعا في الدعم الإسرائيلي لحفتر، حيث تتوقع إسرائيل بدعمها لحفتر، أن هذا قد يؤمن لها النفاذ إلى ثروة البلاد النفطية، وبما أن قوات حفتر قد أثبتت قدرتها على السيطرة على جميع حقول النفط البرية تقريبا، فإن ذلك يعني أن إسرائيل من المحتمل أن تعقد تحالفا ضمنيا مع حفتر كخطوة حكيمة تأخذ احتياجاتها من الطاقة بعين الاعتبار.


المصادر