لحقت بركب جيرانها.. هذه أسباب فشل رؤى عُمان الاقتصادية

شدوى الصلاح | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

دون أن تتعظ، لحقت سلطنة عمان بركب جيرانها في الخليج، وخاصة الإمارات والسعودية، سيرا في درب "فشل الرؤى الاقتصادية" التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل والابتعاد تدريجيا عن الاعتماد على صادرات الطاقة وتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد، وهو الهدف الذي تحرص عليه دول الخليج بعد تحذيرات من أن ضعف أداء اقتصاديات دول التعاون راجع لارتباطها بريع النفط الخام.

سلطنة عمان كانت أولى دول الخليج التي أعلنت عن رؤيتها الاقتصادية عام 1995، ومن ثم أطلقت خطة 2016-2020، والتي خرج عنها حينها دراسات ورؤى نقدية تحذر من فشلها، إلا أن القيادة العمانية أصرت على مواصلة طرح الرؤية والسير في فلكها، معتمدة على ثقتها في المؤسسات التي استعانت بها لتصميم نموذج للاقتصاد العماني.

ومن هذه المؤسسات، Wharton Econometric Forecasting Associates، إحدى الشركات الرائدة في العالم في مجال التنبؤ والاستشارات الاقتصادية والتي أسسها الدكتور لورانس كلاين الحائز على جائزة نوبل، إلا أن ما حدث أن اقتصاد السلطنة انكمش بنسبة  1.9% في النصف الأول من العام الجاري.

وعزا البنك المركزي العماني سبب ذلك إلى تراجع أداء الأنشطة الصناعية غير النفطية والأنشطة الخدمية، الأمر الذي يعيد الحديث مرة أخرى عن اتباع دول الخليج لطرح الرؤى الاقتصادية المعلبة المستوردة من الخارج، والتي أثبتت فشلها في إحداث إصلاحات اقتصادية تتناسب مع طبيعة دول الخليج.

تكتم عماني

ورغم الفشل الذي وصلت إليه رؤية 2020، أطلقت السلطنة رؤية 2040 الجديدة، بنفس الأهداف التي طرحت بها الرؤية السابقة، ومن المقرر أن يبدأ تنفيذها في 2021.‎

وحسب الموقع الإلكتروني المخصص لطرح الرؤية العمانية الجديدة 2040، لا يوجد به أي ذكر لأي جهات خارجية شاركت في صياغة الرؤية، ويؤكد اتباع الأوامر السامية الصادرة من السلطان قابوس بن سعيد، بإشراك كافة شرائح المجتمع وفئاته في صياغة وإعداد رؤية عمان المستقبلية، من القطاع الحكومي والخاص وريادة الأعمال وأفراد المجتمع المحلي. 

لكن الأمر الثابت أن الدول الخليجية كلفت شركات استشارية عالمية لوضع "رؤية اقتصادية" على وقع الأزمات المتوالية في العالم، لإرشادهم إلى مستقبل ما بعد النفط، لكن الشركات قدمت رؤى متشابهة بشكل ملحوظ، تعد بتنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط، وتمني بنمو الاقتصاد عن طريق تحويله إلى مركز لوجستي ومالي وسياحي.

وبالرغم من التكتم العماني عن ذكر أي أدوار لشركات استشارات أجنبية، إلا أن مسؤولا عمانيا كبيرا ومصدرا ماليا مطلعا، سبق أن قال في تصريحات لوكالة رويترز  في مايو/آيار 2018: إن السلطنة تعمل مع شركة "ماكينزي" للاستشارات الإدارية العالمية، على دمج أنشطتها بقطاع التكرير والبتروكيماويات في كيان واحد.   

وجاءت تصريحات المسؤول العماني الذي رفض الكشف عن هويته، في ظل مساعي الدول الخليجية لإيجاد سبل لإجراء تغييرات في شركاتها النفطية، بما في ذلك الخصخصة لجعلها أكثر كفاءة خلال فترة انخفاض أسعار النفط.

فشل ماكينزي

وبدوره، قال أحمد ذكر الله -رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بأكاديمية العلاقات الدولية بتركيا: إن تجارب شركة "ماكينزي" مع الحكومات العربية لم تحقق النتائج المرجوة، وكل الرؤى التي طرحت لم تنفذ على أرض الواقع.

وأشار في حديثه مع "الاستقلال" إلى أن استشارات الشركة تسببت في إفلاس كيانات كبرى من بينها الخطوط الجوية السويسرية وبنك مورجان، كما أنها تعاونت مع العديد من الدول العربية بداية من البحرين عام 2008 ومرورا بكل من ليبيا والإمارات ومصر واليمن، وشاركت في إعداد رؤية السعودية 2030.

وأضاف "ذكر الله" أن التجارب العديدة لشركة ماكينزي في المنطقة العربية، خلقت هوة عميقة بين الشعوب والحكام في البلدان العربية. وفي الغرب أدت استشاراتها ونصائحها كذلك إلى انهيار شركات كبيرة وإفلاسها وبالتالي الاعتماد عليها الآن فيه علامة استفهام كبرى.

وعن ما إذا كان لشركة "ماكينزي" دور في رؤية السلطنة 2040، قال: إن شركة "ماكينزي" سبق أن نفت علاقتها برؤية السعودية بعد الفشل في التطبيق ودائما ما تنفي علاقتها بالحكومات كما تنفي الدول علاقتها بها.

وأرجع "ذكرالله" ذلك إلى وجود رشاوى وعمولات وتوصيات تضر بالطرفين، ولذلك فهما يتكتمان، مؤكدا أن استعانة السلطنة بها أو بأي شركة استشارات أجنبية ليست على دراية بطبيعة المجتمع العماني يعد خطأ كبيرا.

ولفت إلى أن تلك الشركات تقدم توصيات فضفاضة لن تستطيع السلطنة تنفيذها على أرض الواقع خاصة فيما يتعلق بالعمالة الوطنية التي لا تزال تحتاج إلى الكثير من التدريب والتجهيز حتى يجري الاعتماد عليها.

وتجدر الإشارة إلى أن التكتم العماني عن ذكر الجهات المساهمة في إعداد رؤيتها الجديدة 2040، هو أمر متبع في كافة رؤى باقي دول الخليج، والتي يتكشف لاحقا وقوف مؤسسات استشارية أجنبية وراءها، كما هو الحال في رؤية البحرين ورؤية السعودية 2030 التي أعدتهما شركة "ماكينزي" التي أثبت تاريخها أنها مهندسة الرؤى المعلبة والمستنسخة.

"ماكينزي" نفت لاحقا أنها باعت محمد بن سلمان  ولي العهد السعودي، تلك الرؤية، إلا أن التقارير الأجنبية أثبتت عكس ذلك.

وأثبتت التقارير وأكدت الدراسات أن تلك الرؤية محكومة بالفشل، حيث أعلنت وكالة بلومبيرغ الأمريكية للأنباء أن اقتصاد المملكة بات بين التسعة الأكثر بؤسا في العالم.

أما مركز كارنيغي للدراسات، فقد قال في دراسة بعنوان "إخفاق الحوكمة المناطقية في السعودية"، أصدرها العام الماضي: إن هناك تباين بين ما تتطلع السعودية إلى تحقيقه في "رؤية 2030"، والإمكانات والسلطة التي تتمتع بها هيكلية الحوكمة "العاجزة" -مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية- لتنفيذ تلك التطلعات.

رؤية 2020

وفيما يتعلق برؤية مسقط السابقة، فقد أفادت دراسة أعدها الباحثان بمركز الخليج لسياسات التنمية سعيد الصقري وآن الكندي بعنوان "رؤية عمان 2020 بين الواقع والمأمول"، بأن الأرقام تؤكد إخفاق السلطنة في تنويع قاعدة الإنتاج وتقليل الاعتماد على النفط. 

وأشارت الدراسة إلى أن الأرقام تفيد بزيادة المصروفات الحكومية بنسبة كبيرة، ما فاقم من حجم العجز العام، وأفضى إلى الابتعاد أكثر فأكثر عن تحقيق هدف التوازن بين الإيرادات والمصروفات الذي كانت تهدف إليه رؤية 2020.

وعن الهدف الخاص بتنمية الموارد البشرية من خلال التعليم والصحة وضمان استقرار دخل الفرد والسعي إلى مضاعفته بالقيمة الحقيقية مع حلول عام 2020، أكدت الدراسة أن تحقيق ذلك لا تبدو فرصته واعدة، معتمدة على البيانات المنشورة عن انخفاض متوسط دخل الفرد، ما يعني أنه لم يتم ضمان استقرار متوسط دخل الفرد.

وأكدت الدراسة أنه من غير المتوقع أن يتمكن القطاع الخاص من قيادة التنمية والنمو الاقتصادي في المرحلة الحالية وفي العمر المتبقي من رؤية 2020.

وخلصت إلى أن العوائق التي حالت دون تحقيق أهداف الرؤية هي نفسها التي واجهت الاقتصاد سابقا وجرى تشخيصها عند إعداد الرؤية، ومنها تزايد حجم العجز، وانخفاض الاحتياطات المالية، وارتفاع حجم الدين العام بسبب استمرار الاعتماد على الموارد النفطية، وضعف التشابك بين قطاع النفط والقطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى.

ضبابية المشهد

وتحت عنوان "رؤية عمان.. والسيناريو المسكوت عنه"، وصفت الكاتبة والباحثة الاجتماعية العمانية وضحاء شامس، الرؤية الجديدة 2040 بأنها "ضبابية" تبدأ من قاعدة صفرية، دون الاعتماد على رؤية سابقة، مشيرة إلى أن الزائر للموقع الإلكتروني "عُمان 2040"، لا يجد أي إشارة حول رؤية 2020.

وأوضحت في مقالها الذي نشرته صحيفة مواطن العمانية المعارضة التي تصدر من لندن، أن رؤية عُمان 2020 هي السيناريو المسكوت عنه خلال الجلسة العامة التي عقدت لرؤية عُمان 2040 التي جرى افتتاحها مطلع العام الجاري.

ورصدت عدة احتمالات وصفتها بالتشاؤمية لما سيأتي من رؤى مستقبلية، على رأسها أن رؤية 2040 امتداد لـ2020 في حالة عدم الوقوف على التحديات التي واجهت الرؤية الأولى من نوعها في الخليج العربي، ومحاولة معالجتها.

وأكدت أن تجاهل المؤشرات الحاضرة من ارتفاع أسعار النفط، وتصاعد عدد الباحثين عن العمل، وانخفاض مستوى دخل الفرد في إعداد الرؤى المستقبلية لعُمان، قد يؤدي إلى احتمالية تحقق سيناريو الانهيار وهو يمثل عجز النسق عن الاستمرار أو فقدانه لقدرته على النمو الذاتي، أو بلوغ تناقضات النظام حدا يؤدي إلى انفجاره من داخله.

ولفتت إلى أن المنهج التشاركي المتبع في رؤية عمان 2040 دون معرفتنا كأفراد حول الحالة التقييمية لرؤية 2020 يضعنا أمام ضبابية في فهم ما حدث وما سيحدث مستقبلا.

الكاتبة العمانية قالت إنها سألت المستضيفين للجلسة العامة لرؤية 2040: "ألم يحن الوقت لسلطنة عمان أن تنشئ مراكزا للدراسات المستقبلية والإستراتيجية أو مراكز بحثية للاستشراف المستقبلي، والانتقال من مرحلة تجسيد الصور الذهنية في صياغة رؤى عُمان إلى مرحلة قائمة على أسس علمية؟".

وأوضحت أن رد أحدهما جاء على عجل قائلا: إن هناك خطة لفتح وحدة للاستشراف المستقبلي، مؤكدة أن الانتقال من مرحلة صياغة الرؤى إلى تأسيس مراكز بحثية لاستشراف المستقبل قد يضمن قدرتنا على مواجهة المستقبل بشكل أفضل، ورسم ملامح عمان الجديدة كما نريد.

تحديات 2040

أما اليوتيوبر العماني المعتصم المعمري وهو باحث في العلوم السياسية ومقدم برنامج "والله نستاهل" على اليوتيوب، فقد طرح تساؤلا قال فيه: "هل ستتحقق رؤية عمان 2040؟".

وأجاب خلال الحلقة التي قدمها قبل أكثر من عام ورصد فيها التحديات التي تواجه مسقط، أن الرؤية الوطنية التي قدمتها السلطنة في 1995 لرؤية عمان 2020 كانت عليها أيضا ملاحظات وبها نقاط ضعف.

وقال: إن مشاركة الشعب العماني في كتابة هذه الرؤية ومتابعتها محددوة وتكاد تكون معدومة، فضلا عن أن المؤشرات لنسب الإنجاز والتنفيذ غير واضحة ولا يعرف من الجهة المسؤولة عن متابعة تحقيق هذه الرؤية.

وأشار "المعمري" إلى أن السلطنة لم تنجح في تحقيق أهم أهداف الرؤية المتمثلة في تنويع مصادر الدخل والتعمين، لافتا إلى أن الأنظار تتجه الآن مع اقتراب انتهاء رؤية 2020، إلى الرؤية الجديدة 2040.

وبين أن الرؤية الجديدة بدأ العمل عليها منذ عام 2014، ورصد التحديات التي تواجه الرؤية الجديدة، قائلا: إن التقديرات المستقبلية للسلطنة عام 2040 تشير إلى أن عدد السكان قد يتجاوز الـ8 ملايين، متسائلا: هل سنسيطر على الأعداد المتزايدة للوافدين؟

ولفت "المعمري" إلى أن عدد طلاب المدارس في ذلك الوقت سيكون أكثر من 1.1 مليون طالب، ولذلك ستحتاج السلطنة إلى 64 ألف معلم إضافي، و22 ألف فصل دراسي إضافي، متسائلا: هل ستوفر السلطنة لهم التعليم المناسب؟، علما بأن التعليم يمثل أحد عوائق الاستثمار في السلطنة.

وتابع التساؤل: "وهل ستوفر لهم الوظائف الكافية علما بأن هناك حاجة لأكثر من 222 ألف وظيفة في الفترة بين 2016 و2020؟، مستطردا: ومع تزايد عدد السكان خلال الـ20 سنة القادمة ستحتاج السلطنة إلى 13 ألف طبيب إضافي و576 ألف وحدة سكنية جديدة، كما ستحتاج لضعف الطاقة الكهربائية الحالية وضعف الاستهلاك المائي الحالي.

وتساءل اليوتيوبر المعمري: هل ستستطيع السلطنة تغطية كل هذه التكاليف المالية؟.

ودعا إلى التوافق على رؤية وطنية تحقق طموحات الشعب العماني ورغباته، وأن تكون هناك جهة تتابع هذه الرؤية وتوضح بكل شفافية المنجزين والمقصرين عبر مؤشرات قابلة للقياس.

وحث على أن يكون الطموح في الرؤية عاليا، مستنكرا التمسك في الرؤى المطروحة بنفس الأهداف المتمثلة في تنويع مصادر الدخل والتعمين وتنمية السياحة والثروة السمكية في حين يتسابق العالم في الابتكارات والثورات المعرفية والمدن الذكية.