لهذه الأسباب يريد حفتر نقل علاقاته مع إسرائيل من الخفاء للعلن

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم أنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن التطبيع بين اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وإسرائيل، إلا أن حديث أحد المسؤولين البارزين في حكومته، عن أهمية التطبيع وإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل بشكل رسمي، يعد سابقة لم تحدث من قبل.

وربما كان جديد هذه المرة، أن الحديث كان من خلال واحدة من أكبر الصحف الإسرائيلية، كما أنه حديث يأتي في وقت تشهد فيه المعركة السياسية والعسكرية بين حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، وقوات حفتر، متغيرات ربما تكون بداية النهاية للعملية العسكرية التي يقوم بها اللواء المتقاعد للسيطرة على العاصمة طرابلس.

علاقات طبيعية

فضيحة التطبيع الجديدة لحفتر، لم تكشفها فقط صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، التي أجرت حوارا مع عبد الهادي الحويج، وزير الخارجية في حكومة الشرق الليبي (غير معترف بها دوليا)، وإنما كشفتها كذلك وثيقة سرية صادرة عن السفارة الأمريكية في لندن نشرها موقع لـ"أفريكان كونديفانشل"، بأن أمريكا وإسرائيل قامتا بتدريب قوات "الكونتراس" الليبي بقيادة حفتر، في قواعد تابعة لها بالتشاد والكامرون ومناطق أخرى، وأن التمويل يأتي من السعودية عبر بنك عربي في الجابون.

وبالعودة لما نشره، غدعون كوتس، مراسل صحيفة "معاريف" في باريس، فإنه قد أجرى حوارا مطولا مع الحويج خلال زيارته لفرنسا مؤخرا، تمنى فيه وزير الإعلام بحكومة حفتر، وجود علاقات طبيعية ورسمية بين حكومته وبين إسرائيل، ولكنه عاد واستدرك حديثه بأن ذلك شريطة حل القضية الفلسطينية.

ورغم أن تصريحات الحويج أثارت لغطا متزايدا، خاصة وأنها جاءت بعد أيام من القرار الأمريكي بالاعتراف بالمستوطنات التي أقامتها إسرائيل داخل الضفة الغربية، إلا أن حكومة حفتر لم تعلق بالنفي أو الرفض على تصريحات الوزير المقرب من اللواء الليبي المتقاعد.

لكن الحويج اتهم في بيان وزعه بين وسائل الإعلام الليبية المحلية، حكومة الوفاق بأنها شوهت تصريحاته لتأليب الرأي العام على ما تحققه الوزارة والحكومة الليبية المؤقتة من خطوات إيجابية وداعمة لخيارات الشعب الليبي في التخلص من "الوفاق".

على الجانب الآخر نشرت صحيفة "رأي اليوم" الصادرة من لندن، ترجمة لحوار الحويج مع الصحيفة العبرية، وعلقت عليه بأن الهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل، لا يشمل الدول الخليجية فقط، بل بات يتعداها إلى دول كانت حتى الأمس القريب تعتبِر التطبيع جريمة بحق الأمة العربية.

وحسب ما ترجمته "رأي اليوم"، فإن الحويج أكد أيضا دعم حكومته للسلام الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، كما أدان نشاط الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في منطقة الشرق الأوسط، وبيع السلاح مع حكومة الوفاق، والاتفاقيات النفطية التي وقعتها حكومته مع الحكومة نفسها.

وأشار في الوقت نفسه إلى أهمية مشاركة الدول الأوروبية في مؤتمر برلين، الذي سيعقد منتصف الشهر الجاري، معتبرا أن ليبيا باتت ساحة للإرهاب وتصفية الحسابات بين القوى الكبرى التي تتنازع على النفوذ في المنطقة.

وربطت الصحيفة بين تصريحات وزير الاعلام المقرب من حفتر، ولقاءات عقدها الأخير قبل أيام مع مسؤولين أمريكيين، لبحث سبل إنهاء النزاع في ليبيا، والمضي نحو حل سياسي يضمن سيادة ووحدة الأراضي الليبية، كما جاء ذلك فيما عبرت واشنطن عن قلقها حيال التدخل الروسي على خط الأزمة الليبية خدمة لأجندتها السياسية في المنطقة.

أمريا وإسرائيل دربتا قوات حفتر في تشاد والكاميرون

جنرال الانقلابات

وحسب تحليلات أخرى، فإن تصريحات الحويج، يجب وضعها بجوار ما فجره موقع "أفريكان كوندي فانشل"، منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، نقلا عن الوثائق التي تم تسريبها من السفارة الامريكية بلندن، والتي كشفت عن قيام كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، بتدريب قوات "الكونتراس" التابعة لحفتر، في قواعد تابعة للجيش الأمريكي في دولتي تشاد والكاميرون ومناطق أخرى، وأن هذه التدريبات كانت بتمويل سعودي كامل من خلال أحد البنوك العربية الموجودة في دولة الجابون.

وفي تعليق للصحفي الأمريكي المتخصص بالشؤون العسكرية الإفريقية ديريك فلود، على الوثيقة، فإن المخابرات المركزية الأمريكية كانت تنظر لحفتر باهتمام كبير، حتى في وجود القذافي، إضافة للاهتمام الإسرائيلي والسعودي بحفتر لأنهما رأتا في القدافي تهديدا لهما.

وتشير وثيقة أخرى صادرة عن السفارة الأمريكية بتشاد، تحدثت عنها قناة "الجزيرة" الفضائية في فيلم وثائقي خاص بعلاقة حفتر بإسرائيل، إلى أن اللواء المتقاعد استغل الجنود الليبيين الأسرى بسجون تشاد للانضمام إليه، وقد استخدم في سبيل ذلك وسائل تعذيب بشعة، وهي نفسها القوات التي خضعت للتدريب على يد خبراء أمريكيين وإسرائيليين.

وسبق الوثائق الأمريكية المسربة عن علاقة حفتر بإسرائيل، تغريدة خطيرة لخبير الشؤون الاستخباراتية بصحيفة "معاريف" الإسرائيلية، يوسي ميلمان، نشرها في أغسطس/ آب الماضي، كان نصها "حفتر على علاقة بالموساد"، وهو ما أثار ردود أفعال واسعة عن شكل هذه العلاقة، والدول والحكومات التي تدعم حفتر على حساب حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

ووفق محللين تحدثوا لوكالة "الأناضول" التركية، فإن فشل حفتر في الهجوم على العاصمة الليبية طرابلس جعله يستنجد بقوى إقليمية ودولية من أجل إنقاذه، من بينهم فرنسا والإمارات ومصر وإسرائيل.

ويدعم الطرح السابق ما أكده البروفيسور أحمد أويصال رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط "أورسام"، بأن علاقة حفتر بإسرائيل ليست مفاجأة، خاصة وأن إسرائيل لها اليد الأولى في الفوضى التي جرت في الشرق الأوسط، موضحا أن إسرائيل امتداد للغرب، ولا تريد وجود دولة قوية في المنطقة، كما أن الغرب لا يريد أن تنعكس قوة الشعب في المنطقة على الحكم من خلال الديمقراطية.

وحسب أويصال، فإنه في الوقت الذي تعمل فيه إسرائيل باسم الدول الغربية، تمارس الإمارات نفس السياسات باسم إسرائيل والغرب، ولذلك فإن إسرائيل والإمارات تقفان وراء كل من يدعم الانقلابات ويحرض على الصراعات الداخلية.

كان للسيسي دور في تطبيع حفتر مع إسرائيل

سوابق هامة

وتشير العديد من التقارير العربية والغربية، إلى أن خطوات التطبيع بين حفتر وإسرائيل، ليست وليدة اللحظة، وأن تصريحات وزير الإعلام التابع لحفتر، كشفت جانبا محدودا فيها، حيث سبق وأن عقد مجموعة من أعضاء الكنيست الإسرائيلي، مؤتمرا مع شخصيات سياسية مقربة من حفتر، في جزيرة رودس اليونانية عام 2017، تحت عنوان "المصالحة بين إسرائيل وليبيا" وهي المصالحة التي جرت برعاية سياسية ومخابراتية من الحكومة الإيطالية.

وقد برر رئيس اتحاد يهود ليبيا في إسرائيل، ريفائيل لوزون، مشاركته في المؤتمر بأن "جميع الفصائل في ليبيا تريد بناء علاقات مع إسرائيل، على الرغم من أن الدولة تعاني الانقسام في الوقت الراهن".

وفي المؤتمر نفسه علق وزير الإعلام الإسرائيلي أيوب قرا، بأنه قد حان الوقت ليكون ليهود ليبيا الحق في المشاركة في بناء بلدهم ليبيا، والحضور في المشهد السياسي، مشيرا إلى أن هناك اتصالات مستمرة لقيادات يهودية وإسرائيلية مع جهات ليبية مسؤولة من أجل إيجاد سبل ترقية العلاقات.

ورغم أن اللقاءات والتصريحات السابقة، كانت جميعها متعلقة بشخصيات مقربة من حفتر، إلا أن موقع "ديبكا" المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية، كشف هو الآخر أن حفتر قام بالتنسيق مع ممثلين عن الجيش والاستخبارات الإسرائيلية التقاهم في العاصمة الأردنية عام 2015، لعملياته العسكرية التي قام فيها ضد الحكومة الشرعية في ليبيا، وهو التنسيق الذي جرى برعاية رئيس الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، الذي كان أول من اعترف بانقلاب حفتر.

إسرائيل تسعى للسيطرة على آبار النفط الليبية

أهداف إسرائيلية

حرص حفتر على إقامة علاقات مع إسرائيل يرجع في الأساس لرغبته في شرعنة وجوده العسكري، من خلال استغلال التلويح بسلاح النفط الليبي في الجنوب، وحسب تقرير سابق لـ"الاستقلال"، فإن اللواء المنشق ليس لديه مشكلة في التعاون مع الشيطان، طالما كان ذلك سببا في دعم وجوده ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

وهو نفس ما ذهب إليه تحليل آخر موسع لصحيفة "الجارديان" البريطانية، والذي ربط بين أهداف حفتر وإسرائيل من وجود علاقات مشتركة بين الطرفين، مؤكدا أن اللواء المتقاعد يبحث عن دعم دولي وإقليمي، للاعتراف بشرعيته، على حساب حكومة الوفاق، ولكي يثبت للمجتمع الغربي أنه يواجه الإرهاب في ليبيا، مثله مثل السيسي في مصر.

ووفق الصحيفة، فإن إسرائيل هي بوابة حفتر لذلك، سواء من خلال تثبيت أركانه مع الحلفاء الغربيين، أو من خلال دعمه عسكريا ومخابراتيا في حملته العسكرية التي يقوم بها ضد العاصمة طرابلس منذ إبريل/ نيسان الماضي.

على الجانب الآخر ترى الصحيفة البريطانية، أن إسرائيل هي الأخرى مستفيدة من وجود علاقات سواء رسمية أو غير رسمية مع حفتر، وإن كان الواضح في الصورة هو دعم الأخير في مواجهة الإرهاب، إلا أن هناك أهداف أخرى هي الأهم لإسرائيل من التطبيع معه، من أهمها السيطرة على آبار النفط الليبية، وهي المهمة التي يقوم بها عميل المخابرات الإسرائيلي، آري بن ميناشي، المقيم في كندا، والذي وضع قدما لإسرائيل في النفط الليبي منذ عام 2013، مقابل التسويق الإعلامي والسياسي لحفتر وانقلابه على الشرعية الليبية.

ويشير تقرير آخر لصحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية، إلى أن حفتر يعتمد على إسرائيل في الحصول على السلاح بشكل غير مباشر، وأن الوسيط في هذه الصفقات هو رئيس الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، الذي يقدم للواء المتقاعد باعتباره شريكا له في النضال ضد ما يسميه "الإرهاب الإسلامي".

وكشف الصحفي ريتشارد سيلفرستين الذي أعد التقرير، أن الطائرات الإسرائيلية شاركت قوات حفتر في قصف مواقع عسكرية تابعة لتنظيم الدولة بهدف دعم عمليات اللواء المتقاعد العسكرية، إضافة لدعم عسكري واستخباراتي آخر يحصل عليه حفتر في عملياته العسكرية ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.