خطوات العزل الأخيرة بالكونجرس.. قبلة حياة أم إطاحة بترامب؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الحالة المزاجية للرئيس دونالد ترامب في رحلاته الأخيرة، بغير المستقرة والشاردة، وعلقت على انسحابه المفاجئ من مؤتمر صحفي كان مقررا عقده في ختام أعمال القمة السبعين لحلف الناتو، التي عقدت في لندن قبل أيام، بأنه يشير إلى مدى الضيق الذي عاناه خلال زيارته لبريطانيا التي استغرقت يومين.

الحالة المزاجية التي تحدثت عنها الصحيفة الأمريكية، ارتبطت بشكل كبير بالتطورات المتسارعة التي تشهدها قضية عزل ترامب داخل الكونجرس خلال الأيام الماضية، بعد تقرير لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، والتي أيدت فيه الاتهامات الموجهة لترامب، ودعت اللجنة القضائية في الكونجرس باتخاذ الإجراءات الواجبة لعزل الرئيس.

ليس هذا فقط ما عاناه ترامب خلال الأيام الماضية، حيث قدم 350 من كبار الأطباء النفسيين الامريكان، مذكرة للكونجرس، تطالب بسرعة تنفيذ اجراءات عزل ترامب من منصبه، باعتبار أن استمراره سوف يهدد الأمن القومي والمصالح الأمريكية على الصعيدين الداخلي والخارجي.

هل تشير هذه التطورات لوصول إجراءات عزل ترامب لمراحلها النهائية، وهل تعكس السخرية التي قابل بها قادة الناتو ترامب خلال الاجتماعات الأخيرة، أن أيام الرئيس الامريكي في البيت الابيض باتت معدودة للغاية، أم أن كل ما يجري لا يخرج عن كونه جزءا من الحرب الانتخابية التي بدأت سخونتها قبل عام من الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

بيلوسي قالت إن ترامب لم يترك لهم خيارات أخرى

غياب الخيارات

وفق ما نقلته "سي. إن. إن " عن رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، فإن ترامب لم يترك لهم خيارات في قضية عزله، ونصحت ترامب قائلة: "أطلب من رئيسنا المضي قدما في مذكرات الإقالة". وأضافت: "الرئيس لم يترك لنا خيارا أخر، لأنه يحاول إفساد الانتخابات مرة أخرى لصالحه، وأنه أساء استخدام سلطته لمصلحته السياسية الشخصية على حساب أمننا من خلال حجب المساعدات العسكرية واجتماع حاسم للمكتب البيضاوي مقابل الإعلان عن تحقيق في مزاعم حول منافسه السياسي".

تصريحات بلوسي الساخنة تزامنت مع تقرير لجنة الاستخبارات في الكونجرس، والتي دعت اللجنة القضائية للبدء في الإجراءات الخاصة بعزل ترامب، وصياغة بنود الاتهام المتعلقة بطلب عزله، وذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، العديد من الأسباب التي جاءت في تقرير لجنة الاستخبارات التي انتهت لتقريرها بعد عقد العديد من جلسات الاستماع، بناء على النظام الداخلي لعمل الكونجرس فيما يتعلق بإجراءات عزل الرئيس.

وجاء فيما نشرته الصحيفة الأمريكية، أن لجنة الاستخبارات قالت في تقريرها الخاص والسري، إن الأدلة التي تتطلب عزل ترامب وعرقلته لعمل الكونجرس هائلة، وأن الاتصال الذي جرى في 25 يوليو/ تموز الماضي، بين ترامب ورئيس أوكرانيا كان تصعيدا مثيرا لحملة استمرت شهورا لتحقيق "مكاسب سياسية".

ويري مراقبون أن تسارع إجراءات الكونجرس لعزل ترامب، أربك الأخير بشكل كبير، خاصة وأنه بعد يوم واحد من تقرير لجنة الاستخبارات في الكونجرس، بدأت اللجنة القضائية بمجلس النواب، في عقد جلسات الاستماع لعلماء ومختصين دستوريين للإدلاء بشهاداتهم حول ملابسات قضية الاتصال التليفوني بين ترامب ورئيس أوكرانيا، وهل ينطبق على هذه الحالة الإجراءات التي حددها الدستور الأمريكي لعزل الرئيس أم لا؟

الملاحظات الخمس

وبالعودة لما نشرته "واشنطن بوست"، فإن تقرير لجنة الاستخبارات الذي كان يخشاه ترامب بشكل كبير، حدد المعالم الرئيسية والاتهامات المحددة التي تنتظره، والتي تركزت على عدة ملاحظات أساسية، أهمها أن ترامب استخدم سلطات منصبه لعدة شهور من أجل التماس تدخل أجنبي لصالحه في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وأنه استغل صلاحيات منصبه ومارس سلطته على الفرع التنفيذي، بما في ذلك سيطرته على آليات الحكومة الاتحادية، للضغط بشكل متزايد على الرئيس الأوكراني وحكومته للإعلان عن تحقيقات تنطوي على دوافع سياسية بناء على رغبة ترامب.

وفجر التقرير مفاجأة عندما أعلن فشل الديمقراطيين في إثبات أن ترامب هو من وضع بنفسه خطة المنفعة المتبادلة مع أوكرانيا، بالتهديد بحجب تقديم المعونة العسكرية عنها ليضغط على رئيسها فولوديمير زيلينسكي لفتح التحقيق مع مرشح الحزب الديمقراطي المحتمل لانتخابات الرئاسة الأميركية 2020 جو بايدن وابنه هانتر.

إلا ان التقرير عاد وأكد أنه بسبب امتناع كبار مساعدي ترامب الامتثال لطلبات الاستدعاء، فقد اعتمدت لجنة التحقيق على أشخاص لم يكونوا على اتصال مباشر مع الرئيس، ومنهم السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي غوردون سوندلاند، الذي شهد أمام اللجنة بأنه سمع بمخطط المنفعة المتبادلة من رودولف جولياني المحامي الشخصي لترامب.

وفي نقطة أخرى اتهم التقرير كل من: نائب الرئيس مايك بنس، وكبير موظفي البيت الأبيض ميك مولفاني، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ووزير الطاقة السابق ريك بيري وكبار المساعدين في البيت الأبيض، بالتورط في القضايا قيد التحقيقات، حيث كان هؤلاء الأشخاص "على دراية بمخطط الرئيس، بل ساهموا في بعض الحالات في التمهيد له ودعمه، وحجبوا معلومات بشأن المخطط المذكور عن الكونجرس وعامة الأمريكيين".

ترامب يرد

الرئيس الأمريكي رد على تقارير الكونجرس، بمزيد من العناد الظاهر، في حين اتخذ خطوات رسمية أخرى اعتبرها ردا على تحركات الديمقراطيين، بمنعه البيت الأبيض من حضور جلسات الاستماع والتحقيق التي دعت إليها اللجنة القضائية في الكونجرس.

وحسب ما نشرته "نيويورك تايمز"، فإن ترامب رد على تقارير الكونجرس من خلال حسابه على "توتير"، وقال: إنه سوف ينتصر في النهاية على تحركات الديمقراطيين، وطالبهم في الوقت نفسه بـ"التحرك سريعا لو كانوا يعتزمون مساءلته حتى يتسنى لمجلس الشيوخ، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، التعامل مع القضية، وحتي يتسنى لبلادنا العودة للعمل".

وأضاف ترامب قائلا: "هذا سيعني أن إجراء المساءلة المهم، والنادر الاستخدام، سيتم بشكل روتيني لمهاجمة الرؤساء في المستقبل، ليس هذا ما كان الآباء المؤسسون يفكرون فيه".

بينما وصف البيت الأبيض على لسان المتحدثة باسمه ستيفاني غريشام، التقارير الصادرة عن لجان الكونجرس بأنها: "لا تعكس سوى إحباط الديمقراطيين"، ووصفتها في تصريحات لوكالة "فرنس برس" بأنها عبارة عن "هلوسات لمدون رخيص، يحاول إثبات أمر ما، في حين أن ليس هناك شيء".

وبعيدا عن تعليق غريشام، فقد نشرت الصحف الأمريكية رد البيت الأبيض الذي أصدره قبل انقضاء المهلة النهائية للدعوة للدفاع عن ترامب بساعات قليلة والتي كان آخرها مساء الجمعة ديسمبر/كانون الأول الجاري، ووجه محامي البيت الأبيض "بات سيبولون"، رسالة لرئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب إلى السيناتور الديمقراطي جيرولد نادلر قائلا: "كما تعلمون تحقيقكم لا أساس له بالكامل"، ووجه رسالة أخرى للديمقراطيين، قائلا: "أضاعوا ما يكفي من وقت أمريكا في هذه التمثيلية".

وعلقت "الواشنطن بوست"، على رد البيت الأبيض، بأن "الرسالة المؤلفة من فقرتين لم تذكر بشكل صريح ما كان ينوي الفريق القانوني لترامب القيام به"، مؤكدة أن موقف البيت الأبيض يمهد الطريق أمام لجان مجلس النواب لمناقشة واعتماد مواد المساءلة في أقرب وقت، بما يسمح بالتصويت عليه في مجلس النواب بحلول 20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، باعتباره اليوم التشريعي الأخير من العام الحالي.

غريشام وصف تحركات الديمقراطيين ضد ترامب بأنها تمثيليةقبل خط النهاية

ووفق تحليل موسع للكاتب الأمريكي جاكسون ديل، نشره في موقع "بلومبيرج نيوز سيرفس"، فإن الديمقراطيين يسابقون الزمن من أجل تسريع إجراءات عزل ترامب، دون انتظار المحاكم، لتفرض على الشهود الرئيسيين الإدلاء بشهاداتهم بقوة القانون.

وبرر الكاتب رأيه بالقول: إن حملة انتخابات 2020 باتت تلوح في الأفق، والمواطنون الأمريكيون يريدون أن يسمعوا عن شيء غير أوكرانيا، وطول أمد العملية لن يعمل سوى على تقوية حجج من يقولون إن الناخبين، وليس مجلس الشيوخ، هم من ينبغي أن يقرروا ما إن كان ينبغي عزل الرئيس ترامب من منصبه.

وحذر الكاتب، الديمقراطيين، من التعامل بسرعة في موضوع العزل، دون أن يبحثوا بأنفسهم عن أدلة إدانة ترامب، في ظل رفض كبار المسؤولين في البيت الأبيض الإدلاء بشهادتهم للكونجرس، ولأن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون لم يقم بعزل ترامب، فالأهم هو أن يكون الأمريكيون على اطلاع كامل على تفاصيل "الملف الأوكراني" قبل أن يذهبوا إلى مكاتب الاقتراع في انتخابات الرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل. وهذا هدف قد يستحق بعض الدعاوى القضائية لفرض الاستدعاءات بقوة القانون ولمزيد من التحقيق على الأقل.

خلل عقلي

وبعيدا عن السجال القانوني والبرلماني بين البيت الأبيض والديمقراطيين، قدم 350 مختصا في الصحة الذهنية، مذكرة رسمية للكونجرس يحذرون فيها من الحالة الصحية لترامب، وتأثيرات الضغوط التي يعيش فيها بسبب إجراءات عزله، على صحته النفسية وقراراته العقلية، وناشد المتخصصون النفسيون، اللجنة القضائية التابعة لمجلس النواب الأمريكي، بسرعة النظر في الوضع النفسي "الخطير" للرئيس ترامب، والذي نشأ عن "إحساسه الهش بتقدير الذات".

وفي تحليل موسع لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية، قالت الدكتورة باندي لي البروفيسورة في كلية الطب التابعة لجامعة "ييل"، وأحد ثلاثة خبراء تقدموا بالمذكرة للكونجرس: أنها وزملاءها شعروا بأهمية التقدم للكونجرس بهذا العرض للمرة الثانية، لأن الرئيس ترامب: "يكثف كلامه على نظريات المؤامرة ويظهر مقدارا كبيرا من القسوة والانتقام في تغريداته المتسارعة والمتكررة، وهو ما يدلل على أنه يضخم أوهامه ويضاعفها مرتين وثلاثا".

وأشارت الدكتورة لي إلى أن الاعتقاد المستمر لدى الرئيس بنظريات المؤامرة، كان في الواقع مسألة تتعلق بالصحة العامة، وذلك بسبب قدرته على جذب أفراد من الجمهور إلى "هوس مشترك على المستوى الوطني". ورأت أن "انفصاله عن الواقع... ومرضه يكتسبان في الحقيقة قاعدة أسرع من قدرة الجهات الفاعلة العقلانية على إظهار الحقائق".

ووفق تعليق الدكتور جورج زينر، الباحث في "المعاهد الوطنية للصحة العقلية"، للصحيفة نفسها، فإنه "يجب تحذير أعضاء الكونجرس من الخطر الذي يجسده قرار العزل، عندما يكون شخص ما لديه وضع ترامب المرَضي، الذي يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية".

وحسب الخبير في الصحة النفسية، فإن مسألة العزل تشكل التهديد الأكبر لتقديره لذاته الذي مر به حتى الآن، ونحن قلقون للغاية من أن غضبه سيكون أكثر تدميرا مما كان عليه في الماضي، مشيرا إلى أن الجمهوريين، الذين يدافعون عن ترامب من خلال وصفهم أسلوبه بانه أسلوب رجل أعمال من نيويورك يتحدث بصراحة، "هو بكل بساطة، تعبير عن جهل لمجمل النطاق النفسي الذي يخص الرئيس الأمريكي".