"لا يعتبرونهم بشرا".. هذا هو وضع العمالة الإثيوبية في السعودية

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على مدار العقد الماضي، دفعت الظروف الاقتصادية السيئة وانتهاكات حقوق الإنسان، مئات الآلاف من الإثيوبيين للهجرة إلى المملكة العربية السعودية، أملا في النجاة والحصول على فرصة عمل.

أغلب هؤلاء، واجهوا معاملة إنسانية سيئة، لا تقل سوءا عن المعاملة التي لاقوها في بلدانهم، حيث تم القبض على الآلاف منهم، واحتجازهم في ظروف مهينة، ثم ترحيلهم إلى بلدانهم مرة أخرى.

ترحيل قسري

في تقرير حقوقي صدر منتصف أغسطس/آب الماضي، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش": "المهاجرون غير النظاميين من الجنسية الإثيوبية يواجهون انتهاكات وظروف احتجاز مسيئة في السعودية، قبل ترحيلهم قسرا إلى أديس أبابا دون اتباع الإجراءات الواجبة، ودون اتخاذ تدابير تُذكر من قبل المملكة للحد من العنف الذي يواجهونه، أو حتى في التحقق من الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن التابعة لها".

وحسب صحيفة الغارديان البريطانية، فإن المحتجزين الإثيوبيين يعودون إلى أديس أبابا فارغي الأيدي، محملين بانتهاكات جسيمة على يد عناصر الشرطة السعودية والسجانين، وبعضهم عاد يحمل جروحا وإصابات لم تعالج، وأضافت الصحيفة إن المهاجرين الإثيوبيين يواجهون الضرب والاستهداف بالرصاص في وقت زادت حملات الترحيل بحقهم من المملكة.

لم توقع السعودية على معاهدة جنيف الدولية بشأن احتجاز المهاجرين، لهذا فإن المهاجرين المحتجزين عادة ما يتم الزج بهم في سجون المجرمين، وتحت ظروف احتجاز سيئة، بدون خضوع ممارسات الاحتجاز لإشراف مستقل، وكانت آخر زيارة للسجون السعودية من قبل منظمة إنسانية مستقلة قد سجلت في العام 2006.

يتم احتجاز الاثيوبيون في السعودية في ظروف احتجاز سيئة يتم تعرضهم للضرب والتعذيب

معاملة سيئة

لم تقتصر تلك الانتهاكات على المقيمين في المملكة بشكل غير نظامي، بل طالت حتى أولئك المقيمين بشكل قانوني، حيث تعرض الكثير منهم للتعسف والاعتقال، ثم الترحيل.

في تقرير لمنظمة حقوق الإنسان، فإن بعض الإثيوبيين يتعرضون للتعسف والاعتقال من بينهم مهاجر شرعي يدعى "إبراهيم" كان مهاجرا قانونيا يعمل في السعودية، بحسب إفادته، لكنه سافر إلى جيزان لمساعدة أخته التي احتجزتها السلطات السعودية بعد عبورها من اليمن بطريقة غير شرعية.

وفور وصوله إلى جيزان، اتهمته السلطات بالإتجار في البشر واعتقلته ثم حكمت عليه بالسجن عامين، قضى جزءا منهما في سجن جيزان المركزي، في ظروف احتجاز سيئة للغاية.

لم تلتفت السلطات السعودية للظروف الإنسانية التي فر منها المهاجرون الاثيوبيون

وحسب وكالة رويترز، فإن كثيرا من الإثيوبيات اللاتي كن يعملن في السعودية بشكل نظامي كخادمات في منازل أو مربيات أطفال، عملن في ظل ظروف صعبة، وأضافت الوكالة أن منظمات حقوقية دولية انتقدت دول الخليج، وبينها السعودية، بسبب تعاملها مع العاملين الإثيوبيين.

وأوردت الوكالة إفادة عاملة إثيوبية تدعى تيرهاس فيسيها، قالت: إنها عاشت وعملت في السعودية لخمس سنوات، "لم تتلق فيها أي تعاطف من قبل السعوديين، وأن السعوديين لا يعتبرونهم بشرا".

ونظم مئات الإثيوبيين احتجاجات في أديس أبابا منددة بالمعاملة التي يتلقاها مخالفو نظام الإقامة في السعودية، والتي وصلت لحد مقتل 3 عمال إثيوبيين، أثناء حملة لترحيل مهاجرين غير نظاميين.

تشكو العمالة الأثيوبية في السعودية من التعسف وسوء المعاملة

احتجاز وترحيل

حسب المنظمة الدولية للهجرة، فإن عدد المهاجرين الإثيوبيين في السعودية وصلوا لنحو 500 ألف مهاجر، عندما باشرت الرياض حملة الترحيلات في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أي قبل نحو عامين، وقد بلغ عدد من قامت السعودية بترحيلهم، حتى مارس/آذار 2019، نحو 260 ألف إثيوبي.

ويهاجر كثير من الإثيوبيين السعودية بشكل نظامي، أو بتأشيرة عمرة، لكنهم يخالفون بعد ذلك شروط إقامتهم، بالتخلف عن دفع الرسوم السنوية، أو بتغيير أعمالهم، فيصبحون مهاجرين غير نظاميين.

في حين يهاجر عدد منهم عبر اليمن، ويعبرون الحدود السعودية بصورة غير نظامية، ويفتقرون إلى الوضع القانوني لدى وصولهم للمملكة، وعادة ما يكونون عرضة للاحتجاز والملاحقة القضائية والترحيل.

ومع أن المهاجرين الإثيوبيين معظمهم من قبيلة الأرومو المسلمة الذين يتعرضون للاضطهاد والتعذيب من قبل قبيلة تيغراي، إلا أن السلطات السعودية لم تلتفت لهذا الظرف، ولم تمنحهم وضعا استثنائيا أو إقامة إنسانية مؤقتة تتيح لها البقاء بشكل قانوني حتى تسوية وضعهم.

تأتي إجراءات التضييق والترحيل، في وقت صادقت الرياض على قرار يمنح مواطني 49 دولة تأشيرة سياحية صلاحيتها عام كامل بتكلفة لا تتجاوز 120 دولار.

أطلقت السعودية حملة رحلت من خلالها نحو 260 ألف أثيوبي

قتل على المعابر

كشف  تقرير لمنظمة حقوق الإنسان أن الحراسة في المعابر السعودية لا تتردد في إطلاق النار الحي بشكل مباشر على المهاجرين، فتقتل البعض وتصيب البعض الآخر، واستنادا على شهادات جمعتها المنظمة، قتل وجرح عدد من المهاجرين غيرالنظاميين، وتعفنت جثث القتلى.

وقال أحد المهاجرين الإثيوبيين ويدعى "أبيبي" في شهادة أدلى بها لمنظمة هيومن رايتس ووتش: "حرس الحدود السعوديين أطلقوا النار على مجموعته أثناء عبورهم ففر الجميع، ثم أطلقوا النار على الفارّين وأصيب أحد أصدقائه في ساقه، كما أصيب شخص آخر في صدره وقُتل.

وأضاف أبيبي: "أرغمنا حرس الحدود السعودي على حمل صديقنا الذي قتل إلى مكان كان فيه حفارة كبيرة، ولم يدعونا ندفنه، بل قامت الحفارة بعمل حفرة ثم دفنوه فيها".

ووصف شاهد آخر يدعى "برهانو" للمنظمة  المشهد في المنطقة الحدودية قائلا: "كان هناك العديد من القتلى على الحدود، كنا نعبر فوق الجثث، لم يأت أحد لدفنها"، وأضاف شاهد ثالث يدعى "غيتاشو": "المكان كالمقبرة، لا كلاب أو ضباع لتأكل الجثث، كانت الجثث في كل مكان".

يقطع الأثيوبيون البحر والصحارى هربا من الاضطهاد وسوء المعيشة

وتطال الانتهاكات حتى الممتلكات والأوراق الشخصية للمهاجرين، وحسب الغارديان البريطانية، فإن الشرطة السعودية في الحد الجنوبي وضعت عددا من أغراض المهاجرين الشخصية، بما فيها الأوراق الخاصة بهم، وقامت بوضعها على الأرض وإحراقها، وهذا ما حصل على أحدهم، ويدعى "طيب محمد".

وكانت وزارة الداخلية السعودية قد أعلنت إيقافها لـ 61 ألفا و125 مهاجرا، بتهمة عبور الحدود بصورة غير قانونية إلى المملكة، 51 بالمئة منهم إثيوبيون.

تطلق السلطات السعودية الرصاص الحي على المهاجرين غير النظاميين موقعة قتلى وإصابات منهم

ترانزيت الموت 

الانتهاكات التي يتلقاها المهاجرون الإثيوبيون من قبل السلطات السعودية، طالتهم وهم في اليمن، ولكن عبر تشكيلات مسلحة تتبع الإمارات في أراض يمنية.

وتحكم الإمارات سيطرتها على عدد من المدن الجنوبية في اليمن، كشريك لتحالف عسكري تقوده السعودية في اليمن منذ 2015.

ومع أن اليمن تعد بالنسبة للمهاجرين الإثيوبيين محطة ترانزيت لكن كثيرا ما يتم اعتراضهم ثم اعتقالهم في سجون تابعة للحزام الأمني المدعوم إماراتيا بعدن، أو في سجون تابعة لميلشيات يمنية تعمل لصالح الإماراتيين خارج عدن، حيث يتم تعذيبهم وابتزازهم، وأحيانا كثيرة اغتصاب المهاجرات الإثيوبيات.

تتعرض كثير من الاثيوبيات المهاجرات إلى التعذيب والاغتصاب من قبل ميلشيا تابعة للإمارات جنوب اليمن

كشف تحقيق استقصائي لوكالة أسوشيتد برس مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن تعرض مهاجرين إثيوبيين غير نظاميين للاحتجاز على يد عصابات تهريب بمجرد وصولهم إلى شواطئ منطقة رأس العارة بمحافظة لحج جنوبي اليمن، وهي منطقة تخضع للتشكيلات المسلحة التابعة للإمارات، وكشف التحقيق عن حالات تعذيب واغتصاب لعدد من المهاجرات الإثيوبيات. 

وفي أبريل/نيسان 2018، قالت "هيومن رايتس ووتش": إن مسؤولين في عدن عذبوا واغتصبوا وأعدموا مهاجرين وطالبي لجوء من القرن الإفريقي بمركز احتجاز بمدينة عدن الساحلية جنوبي اليمن، ورحلت مهاجرين بشكل جماعي في ظروف خطيرة عبر البحر.


المصادر