تبادل السفراء.. ما الذي حرك المياه الراكدة بين واشنطن والخرطوم؟

سليمان حيدر | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد 23 عاما من القطيعة، تفتح الولايات المتحدة الأمريكية صفحة جديدة مع السودان، بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تبادل السفراء بين البلدين، بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك لواشنطن.

التغير في الموقف الأمريكي يؤشر لانفراجة في العلاقات بين البلدين، ربما يكون السودان أكبر المستفيدين منها بعد أن عانى خلال العقدين الأخيرين من ويلات كثيرة أهمها الحرب الأهلية والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تزداد يوما بعد يوم، كما أن واشنطن سيكون لها نصيب من تحسن الأوضاع السودانية.  

ويرى مراقبون أن إعلان بومبيو يعد بمثابة تصويت بالثقة من إدارة دونالد ترامب للحكومة السودانية الجديدة التي جرى تشكيلها في أغسطس/آب الماضي بعد عزل عمر البشير، وربما تكون خطوة كبيرة نحو رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. 

وزير الخارجية الأمريكي اعتبر في بيان أن هذه الخطوة ستساعد في تغيير النظم السياسية والاقتصادية في السودان بالإضافة إلى تعزيز التغييرات التي طالب بها المتظاهرون الذين خرجوا في الشوارع والمدن خلال الصيف الماضي وصمدوا أمام حملات القمع والقتل على أيدي قوات الأمن. 

وعن الأسباب التي أدت إلى تحرك الماء الراكد بين البلدين يقول بومبيو في بيانه: إن حمدوك منذ توليه منصبه هذا الصيف، أبدى التزاما بمفاوضات السلام مع جماعات المعارضة المسلحة، وأنشأ لجنة للتحقيق في العنف ضد المتظاهرين والتزم بإجراء انتخابات ديمقراطية، وهي التغييرات التي اعتمدت عليها واشنطن في اتخاذ موقف جديد من السودان.

زيارة حمدوك

في طريقه إلى واشنطن وقبل مغادرته الخرطوم، وجه رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك تحذيرا للولايات المتحدة مفاده أن بلاده على وشك الانهيار إذا استمرت الخرطوم على القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.

كما يرى حمدوك أن انهيار السودان يشكل بيئة خصبة لنمو الإرهاب والتطرف وقد يصبح ملاذا مفضلا لتنظيمي الدولة والقاعدة بجانب احتمال نشأة تنظيم آخر بنسخة سودانية.

وهي مخاوف ربما تنامت إلى أذهان الإدارة الأمريكية، التي قد تسعى نحو تحقيق نمو شامل في السودان حتى لا يكون مصدرا جديدا لما تسميها جماعات إرهابية أو متطرفة قد تسبب لها قلقا بالغا حال ظهورها.

ويسعى حمدوك من زيارته التي بدأها مطلع الشهر الجاري لمدة 6 أيام بدعوة من واشنطن لتحقيق هدف رئيس وهو رفع اسم بلاده من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وهو الهدف الذي سعى له آخرون من قبله خلال فترة حكم البشير إلا أن أحدا لم ينجح بتحقيقه. 

وخلال الزيارة التقى حمدوك بعدد من المسؤولين الأمريكين أبرزهم وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، ومساعد وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون الإفريقية تيبور ناجي، كما اجتمع بالمدير العام لوكالة المعونة الأمريكية، مارك غرين. 

وخلال اللقاءات دعا رئيس الوزراء السوداني البنوك الأمريكية إلى فتح فروع لها في الخرطوم ورغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع واشنطن، وضرورة إسقاط اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب.

المسؤولون الأمريكيون تلقفوا طلبات حمدوك بالتعبير عن إعجابهم بالتغيرات التي حدثت خلال الفترة الأخيرة في السودان واستعداد بلادهم لتقديم المساعدات الفنية والدعم اللازم للحكومة الانتقالية والخطوات اللازمة لإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب.

ويرى الكثير من السودانيين أن زيارة حمدوك لواشنطن واعدة، ومن بينهم المحرر العام لصحيفة الحداثة السودانية، يوسف حمد الذي وصفها بأنها كفيلة بتوضيح موقف الحكومة المدنية بالسودان وأهدافها، التي تتطابق مع الكثير من المطالب الأمريكية، لذلك فهو يعتقد أن الاختلاف بين الجانبين ليس كبيرا. 

لكن المتابع للشأن السوداني يرى أن الولايات المتحدة كانت ولا تزال تتبع نفس النهج الذي اتبعته في السابق مع إدارة الرئيس السابق عمر البشير، والتي كانت تنتهي بعدم وجود أي تقدم في هذا الشأن. 

فيما يرى مراقبون أن سعي حكومة حمدوك لتحقيق السلام في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، واهتمامها بحقوق الإنسان وحرية الأديان والحريات العامة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى جنوب السودان، قد يمهد الطريق لرفع اسم البلاد من قائمة الإرهاب. 

مؤشرات إيجابية 

يرى المحلل السياسي السوداني بكري عثمان سعيد أن أول هدية يجب أن تقدمها الولايات المتحدة للشعب السوداني هو رفع اسم الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب والذي يمهد الطريق لتطبيع العلاقات مع مؤسسات التمويل الدولية والتصرفات البنكية ويشجع على الاستثمار وينعش اقتصاد منهك ومنهار. 

لكن سعيد عاد ليقول في تصريحات إعلامية: إن أمريكا لها حساباتها وأجنداتها ولا يعتقد بأنها تغيرت، مضيفا: "كان هناك توقف واضح من الإدارة الأمريكية وأعتقد أن أحد أسباب ذلك شعور واشنطن بهشاشة الوضع في السودان بالإضافة إلى أن الإدارة الأمريكية لها مطالب محددة ظلت تطرحها على الحكومة السودانية".

كما أشار إلى أن واشنطن لها أجندة في الداخل السوداني ترتبط بعلاقات الخرطوم وتأثيرها على الدول المجاورة والوضع في جنوب السودان وليبيا.

تصريح لمسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قال فيه: إن الإبعاد المحتمل للسودان من القائمة سيظل قيد النظر.

ومع ذلك ربما تكون الآمال السودانية المتعلقة بالخروج من القائمة أقرب للحقيقة مع توالي التصريحات من داخل الإدارة الأمريكية التي تفيد بأن الخرطوم على موعد قريب من الخروج من القائمة. 

ففي الشهر الماضي قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية: إن بلاده قد تطرد السودان من القائمة وأن البلدين لم يعد بينهما علاقة عدائية، وهو التصريح الذي نقلته وكالة رويترز، وقالت أيضا على لسان المسؤول: إن قرار الإزالة يحتاج إلى موافقة الكونغرس.

وضمن المؤشرات الإيجابية التي يمكن أن يبنى عليها تبني مجلس الشيوخ الأمريكي قرارا قبل تشكيل الحكومة السودانية الحالية جاء فيه "إلى أن يتم الانتقال إلى حكومة مدنية ذات مصداقية وتعكس تطلعات الشعب السوداني، فإن عملية النظر في إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورفع العقوبات المتبقية على السودان، أو تطبيع العلاقات مع حكومة السودان، ستظل معلقة".

فمثل هذا القرار يعزز من تطلعات الولايات المتحدة لعودة العلاقات مع السودان إلى ما كانت عليه قبل عام 1993، خاصة بعد اعتراف واشنطن بشرعية عملية الانتقال الديمقراطي في السودان.

أسباب العقوبات 

جرى إدراج اسم السودان على القائمة الأمريكية للإرهاب خلال عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في عام 1993 أي قبل أكثر من ربع قرن وذلك بسبب مزاعم حول استضافة السودان لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ودعم حكومة البشير آنذاك لجماعات تصنفها الولايات المتحدة على أنها إرهابية.

كما فرضت واشنطن مجموعة من العقوبات الاقتصادية على السودان بدءا من عام 1997 واستمرت قرابة عقدين من الزمن تم بموجبها تجميد الأصول المالية السودانية ومنع تصدير التكنولوجيا الأمريكية إلى السودان.

فضلا عن منع إرسال المستثمرين الأمريكيين سواء أفراد أو شركات ووقف سبل التعاون الاقتصادي معها باعتبار السودان يمثل مصدرا لتهديد الأمن القومي للولايات المتحدة ولسياساتها الخارجية.  

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017 صدر قرار رفع العقوبات جزئيا عن السودان وعزت الولايات المتحدة رفع هذا القرار إلى الجهود السودانية الملموسة في مجالات عدة منها مكافحة الإرهاب وتحسين حالة حقوق الإنسان ومعالجة المخاوف الأمريكية المتعلقة بانتهاكها خصوصا في إقليم دارفور وتعزيز وقف إطلاق النار في مناطق النزاع. 

لكن استمرار إبقاء السودان في قائمة الإرهاب قلل كثيرا من التداعيات الإيجابية المترتبة على قرار رفع العقوبات الاقتصادية.

مكاسب مرتقبة

بالنظر إلى حجم الضرر الذي وقع على السودان بسبب العقوبات الأمريكية يمكن القول أن حجم المكاسب التي ستجنيها من قرار رفع العقوبات وخروجها من قائمة الإرهاب سيسهم بشكل كبير في حدوث نهضة تنموية كبيرة.

كما سيسهم بحسب مراقبين، بعودة المستثمرين إلى السودان وهو ما سيؤدي إلى إنشاء مشاريع استثمارية وصناعية وتجارية وزراعية تستوعب مئات الآلاف من السودانيين الذين يعانون البطالة وتساهم في انتعاشة اقتصادية كبيرة. 

وتشير دراسة أعدها مركز "الخرطوم" للدراسات إلى أن حجم الخسائر الاقتصادية جراء تلك العقوبات تقدر بنحو 500 مليار دولار أمريكي بالإضافة إلى خسائر أخرى غير مباشرة تبلغ بنحو 4 مليارات دولار سنويا. 

وكانت الخطوط الجوية السودانية أبرز المتأثرين بالقرارات الأمريكية بعد أن منعت من الحصول على قطع الغيار للأسطول الكبير الذي كان يغطي الأجواء الإفريقية، وامتد الأثر إلى خطوط السكك الحديدية وخطوط النقل البحري والنهري لنفس الأسباب، ما أدى إلى خسائر اقتصادية فادحة وتراجع التنمية.

كما توقفت العديد من المصانع عن الإنتاج نهائيا بسبب عجزها عن استيراد قطع الغيار من الخارج، وأخرى توقفت بسبب البرمجيات الغربية. 

وأوضحت الدراسة أن أكثر من ألف مصنع تأثروا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج وتسريح الكثير من العاملين، بالإضافة إلى تأثر القطاع الزراعي والثروة الحيوانية بسبب ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج بعد تراجع قيمة الجنيه السوداني  من جانب وشراء المستلزمات عبر الوسطاء ومن السوق السوداء من جانب آخر. 

كما حرمت العقوبات القطاع الصحي من الأجهزة الطبية والأدوية والمستحضرات الأمريكية وتضررت معامل التحاليل الطبية ما أثر سلبا على العديد من المرضى، بالإضافة إلى تأثر قطاعات أخرى بينها قطاع السياحة بعد إغلاق العديد من الفنادق.

لذلك فإن الآمال السودانية بالخروج من هذه القائمة سيفتح لها بابا واسعا من عودة المستثمرين الأجانب والسياحة والنهوض بالزراعة والصناعة والثروة الحيوانية بالإضافة إلى إمكانية الحصول على قروض خارجية سواء من البنك الدولي أو صندوق النقد أو دول مانحة للمساهمة في النهوض بالاقتصاد وتحسين سعر العملة المحلية وإنشاء بنى تحتية تساعد في توفير أجواء صحية للاستثمار. 

وبحسب الأمم المتحدة، فإن 50% من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر، في حين يبلغ معدل البطالة في البلاد 20.6%، وفق تصريحات سابقة لوزير العمل والإصلاح الإداري، أحمد بابكر نهار.

كما أن التقديرات الأممية تشير إلى أن 70% من السودانيين يجدون صعوبة في الحصول على الماء والغذاء والتعليم والخدمات الصحية.