العراق بعد استقالة عبد المهدي.. عدم يقين أم خطوة نحو النصر؟

12

طباعة

مشاركة

قوبل قرار رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي تقديم استقالته والحكومة للبرلمان يوم الجمعة 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، بفرح عارم في ميدان التحرير بالعاصمة بغداد، كأول قرار من نوعه يشهده العراق منذ عام 2003.

وقَبِل البرلمان العراقي الأحد 1 ديسمبر/ كانون الأول استقالة عبد المهدي، التي جاءت استجابة للمظاهرات التي تشهدها البلاد منذ أكثر من شهرين؛ احتجاجا على الفساد وتدخلات طهران، لكن هل تنجح في إصلاح النظام الطائفي الذي أنشئ تحت رعاية الولايات المتحدة؟

تقول صحيفة "لا كروا" الفرنسية: إنه "بعد هذا الإعلان، طالب ائتلاف سائرون، الذي جاء أولا في الانتخابات التشريعية الأخيرة، من البرلمان أن يجتمع بشكل عاجل لمناقشة الأمر، ولاحقا قرر الأخير قبول الاستقالة".

وأوضحت أن إعلان عبد المهدي المدعوم من إيران، جاء إثر دعوة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر إلى استقالته بعد يوم من أعمال عنف نادرة وقمع شهدته العديد من مدن الجنوب، ودعوة مماثلة في اليوم التالي من المرجع علي السيستاني للبرلمان العراقي بسحب ثقته من الحكومة.

ورغم أن رئيس البرلمان أعلن أنه سيطلب من رئيس الجمهورية تعيين رئيس وزراء جديد، قال زيد آل علي، وهو خبير دستوري، على تويتر: "قد يستغرق الأمر وقتا طويلا'" وخلال هذه الفترة، وفقا للمادة 81 من الدستور العراقي، يتولى الرئيس برهم صالح  منصب رئاسة الوزراء.

تصاعد العنف

ووفقا للصحيفة الفرنسية، فإنه "منذ 1 أكتوبر/ تشرين الأول، أصبح جنوب البلاد يتأرجح بين الحركة الاجتماعية والانتفاضة الثورية، فالمحتجون يطالبون بوظائف، ونهاية الفساد وتطوير الخدمات العامة. 

وبمرور الوقت، أصبحوا يدعون لـ "سقوط النظام" الذي أنشئ بعد عام 2003 تحت رعاية الولايات المتحدة وبدعم من السيستاني، البالغ من العمر 89 عاما.

ونوهت الصحيفة إلى تصاعد العنف ضد المحتجين يوم الخميس 28 من الشهر الماضي، عقب إرسال الحكومة قوات "لاستعادة النظام"، بعد إحراق المتظاهرين القنصلية الإيرانية في النجف، حيث أنه مع نهاية اليوم سقط العشرات من القتلى، مشيرة إلى أن أكثر من 400 على الأرجح لقوا مصرعهم منذ بدء الانتفاضة  وجرح الآلاف.

ونقلت عن المؤرخ بيير جان لويزارد القول: إن "جميع الأطراف تريد جعل عبد المهدي المسؤول الوحيد عن الكارثة المستمرة"، خاصة "الذين يسعون إلى نسيان الآخرين تورطهم".

وأضاف: "تحت رعاية السيستاني، جرى إنشاء مليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران، والذي ينتقدها هو اليوم، كما أنه بارك دستور عام 2005 والانتخابات المتعاقبة التي عززت فقط الطائفية وحرضت العراقيين ضد بعضهم البعض دون أن تقدم لهم مساحة مشتركة".

أما بالنسبة للزعيم الديني والسياسي مقتدى الصدر، فقد أثبت مرة أخرى "تقلبه".

فبحسب بيير جان لويزارد: "بعد فشله في تولي رعاية الحركة الاحتجاجية في مهدها، منعه نوابه بالبرلمان في المضي قدما أبعد من ذلك"، لافتا إلى أن مقتدى الصدر نموذج لهذا النظام السياسي العراقي القائم على "السجن المجتمعي والفساد" والذي "لم يعد لدى الفاعلين فيه إرادة حرة".

ماذا بعد؟

وتقول "لاكروا": إنه إلى جانب فرحة المتظاهرين لنجاحهم في إقالة رئيس الوزراء، فإن مسألة من يخلفه ليست واضحة على المدى القصير.

من جهته أوضح عادل بكوان، مدير مركز علم الاجتماع العراقي أنه "بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أخذت الأحزاب العراقية بالفعل ستة أشهر للاتفاق على اسم رئيس الوزراء".

ويضيف: أنه "في السياق الحالي، يبدو العثور على إجماع بين الأحزاب الشيعية والسنية والكردية وكذلك إيران والسعودية والولايات المتحدة ، مهمة مستحيلة. بالنسبة إلى ميدان التحرير، فالمحتجون غير قادرين على إرسال وفد للتعبير عن رغباتهم".

ورغم أنه على المدى الطويل، تظهر مسألة تغيير محتمل للنظام، يقول عادل بكوان: إن إيران تأمل من خلال هذه الاستقالة في "كسب الوقت".

من جهته يؤكد بيير جين لويزارد "ستكون طهران مخطئة إذا اعتقدت أن المتظاهرين سيعودون إلى ديارهم، لقد أظهروا في الأيام الأخيرة أنهم مستعدون للموت حتى النهاية".

لكن المشكلة كما يقول أن هذا النظام السياسي الطائفي لا يمكن للمسؤولين فيه أن يتركوا مناصبهم بسلام، لا يمكن للسياسيين التفكير في الإصلاحات التي تجعلهم يفقدون سلطتهم الخاصة".

نحو النصر

من جهتها قالت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية: إن إجبار المتظاهرين رئيس الحكومة على الاستقالة، خطوة نحو النصر.

وذكرت أنه قبل توليه المنصب في أكتوبر/ تشرين أول 2018، تولى عادل عبد المهدي، الخبير الاقتصادي، وزارة المالية ثم النفط، ما سمح له بتقديم نفسه كفني.

ونقلت عن لولوة الرشيد، من مركز كارنيجي للشرق الأوسط: "قدم نفسه كخبير اقتصادي قادر على القيام بإعادة تشكيل الاقتصاد، لأن النظام لا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة".

لكن وعوده لم تنجح، تقول الصحيفة، ففيما يعتمد الاقتصاد العراقي فقط على النفط، تعاني أسعار الخام من الركود، وفي حين ترى الدولة أن ريعها ينهار، يصل معدل البطالة بين الشباب إلى 25٪ بينما يظل الفساد مستوطنا. 

ونوهت بأنه في واحدة من أكثر دول العالم ثراء بالنفط، فإن البنية التحتية في حالة يرثى لها، ولم يتم تجديدها على الإطلاق، كما أن ما يعادل ضعف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد خلال ستة عشر عاما قد تبخر في جيوب السياسيين ورجال الأعمال الفاسدين.

وذكرت أنه في منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول، بينما انتشرت الاحتجاجات في العراق، قيل إن عبد المهدي مستعد للاستقالة، لكن إيران أرسلت على الفور إلى البلاد قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري، الجنرال القوي قاسم سليماني، لمطالبة الحكومة بعدم الخضوع للمحتجين وبقي عبد المهدي في منصبه.

وبينت أن رئيس الوزراء المستقيل يتمتع بعلاقات وثيقة مع طهران، منذ إقامته بفرنسا خلال نفيه منذ عام 1969، ثم إيران. 

ولفتت "ليبراسيون" إلى وثائق السرية التي حصلت عليها نيويورك تايمز والتي تصف فيها أجهزة الاستخبارات الإيرانية العلاقة بأنها "خاصة"، ورغم أن المصطلح غامض لكن منذ رحيل القوات الأمريكية في عام 2011، واصلت طهران تجنيد العملاء والتدخل أكثر في السياسة العراقية.

بيد أن الناشطين العراقيين يرون من جانبهم أن استقالة رئيس الحكومة "خطوة أولى نحو النصر"، ويظهرون عزمهم على مواصلة حركتهم، حيث هتف المتظاهرون، من ميدان التحرير، بشعارات مشابهة لشعارات المحتجين اللبنانيين "كلن يعني كلن".

وأكدت الصحيفة أن الحال في بغداد مشابه لبيروت حاليا، حيث أن رحيل الطبقة الحاكمة بأكملها هو المطلوب.