"ثورة الفلاحين".. هل أيقظت الدراما روح الحراك في لبنان؟

أحمد علي حسن | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

ظروف حياة قاسية، وضرائب فرضت بكثير من الجبروت، وتركيز للثروة في يد فئة طاغية لم تأبه مطلقا لهموم الشعب ومعاناته، فكانت كل تلك العوامل مجتمعة وقودا يُصب على نار الثورة.

هذا المشهد مقتبس من واقع الحياة المعيشية والسياسية في لبنان، لكنه يعود إلى القرن التاسع عشر، وتمت معالجته في إطار عمل درامي يحاكي –إلى حد كبير- ما تعيشه البلاد حاليا.

مسلسل "ثورة الفلاحين" الذي تم إنتاجه في 2018، يروي جزءا من تاريخ لبنان، وتحديدا بين عامي 1858 و1860، أي زمن اندلاع الثورة التي قادها "طانيوس شاهين" ضد النظام الإقطاعي آنذاك.

العمل الفني يعالج القصة في 60 حلقة، بسيناريو للكاتبة كلوديا مارشليان، وإخراج لفيليب أسمر، ومن إنتاج جمال سنان، ويشترك في بطولته نخبة من الفنانين اللبنانيين، أبرزهم ورد الخال، وباسم مغنية، ووسام حنا، وغيرهم.

قمع واستعباد

"الاستقلال" تابعت مجريات المسلسل الذي جرت أحداثه قبل قرنين من الزمن، إذ كان الرابط المشترك يتمثل في احتكار ثروة البلاد من قبل النظام الحاكم (البكاوات)، والذي لا يختلف حاله كثيرا عن الفساد الحكومي الذي يشهده لبنان اليوم.

التشابه أيضا يتضح من خلال الظلم الواقع على الشعب في القرنين التاسع عشر والواحد والعشرين، حيث يخرج الناس عن صمتهم ضد الحاكم في مشهد ثوري رافض للاستعباد والقمع.

العمل الدرامي يروي قصة عائلة تعيش إقطاعها المُسيّج بالحرس والعسكر في ضيعة لبنانية، حيث يعيش الفلاحون أيضا ضمن بيوت صغيرة جهزتها لهم في البساتين، ووزعت عليهم الأعمال والمهام، للعمل لديها وتحت رحمتها.

كان الفلاحون في تلك الآونة يعملون تحت إمرة عائلة البكاوات وجنودها، في ظروف قاسية يعتريها كثير من الظلم والقهر، حيث كان الحاكم يسلط جنوده لإجبار الشعب على العمل بالقوة، ومن ثم تحصيل الضرائب (الإتاوات).

من يخالف الأوامر يتعرض للتعذيب والسجن وربما للإعدام أحيانا على مرأى ومسمع الناس ليكون عبرة للآخرين، في أسلوب يزرع الرعب في قلوب الشعب الذي كان يتوق للثورة بداخله لكنه غير قادر على التحرك.

تكتل عفوي

وكما أن لكل قاعدة شواذ، فإن من بين الناس من كان يرفض الخوف ويؤمن بالثورة ضد الظلم، فبدأ بعض الشباب ممن لا يهابون الحاكم بتكوين تكتل عفوي انتظم لاحقا.

كخروج الوردة من أكمتها، خرجت الثورة الفلاحية من حارات الضيعة بجهود فردية، لكنها اصطدمت بضعف التمويل وسطوة الحاكم وجنوده الذين كانوا يضربون كل معارض بيد من حديد.

استغل هؤلاء الظروف المربكة التي تعيشها العائلة نتيجة وفاة "البيك الكبير"، فبدأت شخصية "نورس" التي يجسدها الفنان اللبناني وسام حنا بالتمرد على الظلم الواقع على حبيبته التي كانت تنتمي إلى الطبقة الفلاحة.

بدأ المؤمنون بفكر "نورس" التجمع حوله والتخطيط سرا لثورة كبيرة ضد البكاوات، محاولين توفير مصدر دعم لشراء السلاح من أجل مواجهة جنود العائلة الحاكمة الذين كانوا مدججين بالنار والبارود.

تجمع المؤمنون بالثورة حول بعضهم وبدؤوا بشكل عفوي

وبقياس تلك الظروف مع حال لبنان اليوم، فإنها تشابهت حين انتفض الشعب في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ضد الفساد الحكومي في مظاهرات أشعلها قرار فرض ضرائب على مكالمات تطبيق "واتسآب"، مطالبين بإسقاط الحكومة.

لكن المفارقة بين ثورتي اليوم والقرن التاسع عشر، أن مظاهرات لبنان 2019 لم تحركها فئة معينة تقود الثورة، إنما جاءت بشكل عفوي حين خرج الناس بكل أطيافهم وانتماءاتهم الحزبية إلى الشارع، رافعين شعار رحيل الساسة "كلن يعني كلن".

انقلاب عسكري

يتضح تأثير الأطراف الداخلية في العائلة الحاكمة من خلال شخصية "رامح" التي يؤديها باسم مغنية، والذي جاء إلى قصر البكاوات لتوسيع هوة العقد بين خاله "نسر بيك" وأولاده من جهة، والشعب من جهة ثانية.

أطماع "رامح" بالسلطة حاول تحقيقها بسبل مشروعة وأخرى غير ذلك، ابتداء بتأليب الحاكم على أولاده لإحداث انشقاقات داخل العائلة، ومرورا بمحاولة انقلاب عبر قتل البيك، وصولا إلى التنكيل بالشعب.

آخر أساليب "رامح" كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير في تشكل الثورة وخروجها، إذ زاد الرجل في حقده وانتهاكاته ضد الشعب، وأصبح ينفذ إعدامات عشوائية، ويفرض الضرائب والأحكام اللامنطقية، مع تشديد قبضته على المحكومين.

بعد نجاحه في تحقيق ذلك، بدأ بعزل أفراد العائلة واحدا تلو الآخر، وصولا إلى فرض الإقامة الجبرية على زعيم البكاوات واتخاذ قرارات مصيرية انطلاقا من جنونه وهوسه بالسلطة، كان أبرزها وضع العسكر تحت إمرته.

عند انتصاف المسلسل يصبح الصراع بين "رامح" و"نورس" الذي استطاع أن يوسع رقعة الثوار، مستغلا أطماع "رامح" وسياسته التي أحدثت شرخا بين أفراد العائلة.

عقبة تسليح الثورة استطاع "نورس" تجاوزها من خلال جذب أبناء "نسر بيك" الذين خرجوا عن سلطة "رامح" واصطفوا إلى جانب الثوار بعتادهم وأموالهم.

تدخلات خارجية

على اختلاف الثورتين نجد أن التدخلات والإملاءات الخارجية لم تكن جديدة على لبنان، ففي "ثورة الفلاحين" تسلل إلى القصر صديق العائلة الذي جاء من بريطانيا ويدعى "جايمس"، ليبدأ لعبته باستغلال الثروة.

استغل "جايمس" الذي جسد شخصيته الفنان اللبناني وسام صباغ، العقل الجنوني والتصرفات غير الآدمية التي يفعلها "رامح"، فدخل إلى القصر واضعا نصب عينيه طريقة للاستيلاء على الذهب والأموال.

لم يكتفِ بذلك، بل إنه حرّك "رامح" الذي فرض إقامة جبرية على خاله "نسر بيك"، لاتخاذ قرارات مجحفة وقاسية ضد الفلاحين، كان أبرزها اغتصاب فقيرتين لإجبارهما على التعاون مع العسكر.

انسياق "رامح" إلى رغبات "جايمس" تشبه كثيرا التدخلات التي فرضت على لبنان خلال السنوات الأخيرة، سواء من طرف "حزب الله" (الموالي لإيران) المسيطر على الحكومة، أو من جهة السعودية التي تسعى لوضع رئيس الوزراء سعد الحريري تحت تصرفها.

عداء الرياض لطهران الداعمة لحزب الله وأمينه العام حسن نصر الله، جعلها تدخل يدها في قلب لبنان لإحداث توازن في فرض السيطرة التي يتغلب فيها حزب الله.

تلك التدخلات طفت على السطح بشكل واضح خلال الاحتجاجات التي ظهر فيها موقف الحزب ضدها، في مقابل موقف داعم من السعودية للتظاهرات التي ترى فيها محركا لإزاحة "حزب الله" عن المشهد، وبالتالي تهديد المشروع الإيراني.

أبرز ملامح التدخل السعودي ظهرت في نوفمبر/تشرين الأول 2017، عندما احتجز ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الحريري، في السعودية وأجبره على تقديم استقالته، إذ أن علاقة الرجلين تدهورت بسبب الحرب بالوكالة مع إيران.

أما إيران فتركز نفوذها عبر "حزب الله" الذي يرفض التظاهرات المطالبة برحيل حكومة الحريري، بل سعى أيضا إلى وقفها عبر الضغط على الحكومة ووسائل الإعلام بطرق مباشرة وأخرى خفية.

وأنشأت طهران وكلاء لها في بيروت، ومنحتهم السلطة من خلال التمويل والأسلحة، وساعدتهم على التسلل إلى مؤسسات الدولة، بهدف حماية المصالح الإيرانية.

بالعودة إلى ثورة الفلاحين التي نجحت -بعد جملة من الترتيبات العفوية والمنظمة- في اقتحام القصر، نجد أنها اقتصّت من "رامح" بعد أن تخلى عنه "جايمس" وتركه وحيدا وسط آلاف من أفراد الطبقة الفلاحة.

الواقع المتشابه

حول تشابه مجريات الثورة القديمة والحديثة، يقول المخرج السينمائي عمار التلاوي: "محاولة تشبيهها أمر صعب بسبب الحالة المعقدة التي يعيشها لبنان تاريخيا، ويرجع ذلك إلى التعدد الطائفي المتشابك".

ويضيف التلاوي لـ "الاستقلال": "الحكم على مدى صحة القصص والقضايا التي يناقشها المسلسل هو أمر أشبه بحفر نفق طويل جدا بإبرة".

وفق اعتقاده، فإن عرض المسلسل على شبكة "نتفليكس" العالمية، تزامنا مع الثورة "هو محض الصدفة ليس أكثر"، حيث بدأ عرضه على شاشات التلفزة اللبنانية في سبتمبر/أيلول 2018، "ولا أرى أي ربط بين توقيت العرض والثورة".

 لكن التلاوي يؤكد أن المسلسل "نجح في معالجة قضية الثورة ضد الفساد والاستبداد والحكم الإقطاعي من خلال القصص التي تطرق إليها بشكل مبسط، ووجد المشاهد فيه متنفس للتفريغ عن حالة القهر التي تعاني منها غالبية الشعوب".

ويزيد المخرج بالقول: "الدراما والسينما لطالما لعبتا دورا مهما في التأثير على قضايا الرأي العام في العالم، وكان لهما تأثير واضح على الجمهور".

ولربما ساعد انتشار المسلسل في لبنان على تأليب الرأي العام على الدولة ومؤسساتها، والخروج في مظاهرات ضدها، لأن العمل يدعو للثورة على الفاسدين، حسب التلاوي.

ويستدرك: "لكن اعتقد برأي الشخصي أن هناك احتمالا ضعيفا وغير وارد، خصوصا مع شعب موزع ومقسم بين طوائف وأحزاب"، معتبرا أن "المسلسل يفتقد إلى الشفافية كما تدعي بعض جهات وفئات من الشعب اللبناني".

فنانو الثورة

"رامح" في المسلسل ليس كما هو في الواقع، إذ انقلب دور "باسم مغنية" ليقف إلى جانب الثوار ويشارك مع أبناء شعبه في المظاهرات التي شهدتها "ساحة الشهداء" وسط بيروت.

وفي لقاءات صحفية عقب بث المسلسل، اعترف مغنية بأن العمل "قد يحمل إسقاطات على الواقع اللبناني الحالي وإن كانت الظروف مختلفة بين الزمنين والظلم له وجوه كثيرة".

وأضاف: "في أيام ثورة الفلاحين كانت الانتفاضة ضد ظلم الإقطاع الذي كان يستعبد الناس، أما اليوم فهناك أمور حياتية ومعاناة يومية يعيشها اللبناني وهي التي تشكل ظلما بحد ذاته يثقل كاهل المواطن الساعي إلى لقمة العيش".

الحال ذاته بالنسبة للفنانة "ورد الخال" التي أدت دور "لميس" ابنة "نسر بيك"، فقد اختارت صورة لها من المسلسل من أجل التعليق على ما يحصل على الساحة اللبنانية.

واستعانت "الخال" عبر حسابها الخاص في "إنستجرام" بأقوال الروائي والقاص غسان كنفاني لتكتمل الصورة مع الكلام، في وصف ينطبق على ما يعانيه اللبنانيون اليوم مع الطبقة الحاكمة.

وكتبت الفنانة اللبنانية: "يسرقون رغيفك... ثم يعطونك منه كسرة... ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم... يا لوقاحتهم! - غسان كنفاني".

أما "وسام حنا" فكان الثورجي واقعا وتمثيلا، فمنذ اليوم الأول للتظاهرات، دخل محمولا على الأعناق إلى شارع رياض الصلح وساحة الشهداء، وسط هتافاته وقبضاته العالية. 

لم يكتف بالمشاركة في الحراك، بل راح تارة يسجل فيديوهات يدعو فيها للبقاء في الشارع، وتارة أخرى يحمل "الميكرفون" ويخطب في المتظاهرين بلغة رفع المعنويات.

شخصية وسام هي نفسها في "ثورة الفلاحين" وحراك لبنان، تحول بين ليلة وضحاها "قائدا" للتظاهرات، وظهر ذلك من خلال خططه اليومية التي كان يعرضها على حساباته في مواقع التواصل.