مجزرة جديدة.. لماذا يُتهم الحشد الشعبي بقتل المتظاهرين؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ انطلاق المظاهرات مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وحتى الآن، تلاحق قوات "الحشد الشعبي" بالعراق اتهامات مباشرة بقمع الاحتجاجات والوقوف وراء عمليات القتل التي طالت متظاهرين في العاصمة بغداد ومدن وسط وجنوب البلاد.

لعل ردود الفعل الغاضبة من متظاهرين ضد عدد من فصائل الحشد الشعبي، كانت داعمة لتلك الاتهامات، لاسيما في محافظة النجف، التي قتل فيها 25 شخصا وإصابة نحو 400 آخرين، الأسبوع الماضي.

في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شهدت مدينة النجف حرب شوارع، بعدما أطلقت مليشيات مسلحة النار على متظاهرين بعد حرق مبنى مرقد (قبر) الزعيم الشيعي مؤسس "المجلس الإسلامي الأعلى في العراق" محمد باقر الحكيم.

ولأول مرة تصرح جهات رسمية باسم تلك المليشيات وتوجه إليها الاتهامات بشكل مباشر، فبحسب محافظ المدينة لؤي الياسري، والنائب عنها بالبرلمان ومحافظها الأسبق عدنان الزرفي، فإن مليشيات "سرايا عاشوراء" المنضوية في الحشد الشعبي هي من قتلت المتظاهرين.

وقال الياسري في مداخلة تلفزيونية: "طلبت من سرايا عاشوراء، الانسحاب من مرقد الحكيم، بعد اقتحامه من متظاهرين، لكنها لم تستجب وأطلقت النار على المحتجين الذين حرقوا المرقد، وجرت بعدها اشتباكات بين الطرفين، وسقط عدد من القتلى والمصابين". 

وفي السياق ذاته، طالب عدنان الزرفي رئيس كتلة ائتلاف "النصر" البرلمانية، التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، العشائر في النجف بـ"طرد المسلحين الموجودين في مرقد الحكيم وحمايته من قبل العشائر والشرطة المحلية"، في إشارة إلى سرايا عاشوراء التي تتولى حماية المبنى.

وعلى الفور أعلنت "سرايا عاشوراء" الجناح العسكري لتيار "الحكمة الوطني" بزعامة عمار الحكيم، عزمها مقاضاة كل من رئيس الحكومة المحلية في محافظة النجف لؤي الياسري، وممثلها في البرلمان عدنان الزرفي، مطالبة إياهم بالكشف عن الجهات التي تقف وراء مهاجمة الضريح.

وقالت "السرايا": "ما صدر من تصريحات غير مسؤولة وعارية عن الصحة من محافظ النجف لؤي الياسري والنائب عدنان الزرفي تجعلنا أمام تساؤلات عديدة أهمها هل هو تنصل عن المسؤولية أم أنها أجندة خارجية تريد تشويه صورة الحشد الشعبي؟".

لكن ناشطين ردوا على مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر مقاطع فيديو تظهر مسلحين ملثمين قرب مرقد الحكيم، يطلقون الرصاص الحي على المتظاهرين، كما أظهر مقطع آخر يظهر وجود مسلحين على أسطح المبنى يقنصون المحتجين.

"الطرف الثالث"

ما صدر من اتهامات للحشد الشعبي بقتل المتظاهرين في النجف، يأتي بعد تصريحات لوزير الدفاع نجاح الشمري أثارت جدلا واسعا في الوسط الشعبي، اتهم فيها "طرفا ثالثا" بقتل المتظاهرين، فسرت من قوى سياسية أنها كانت تقصد الحشد الشعبي.

وقال وزير الدفاع خلال مؤتمر صحفي أثناء زيارته إلى باريس، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: "الطرف الثالث هم عصابات تستخدم الأسلحة وتستخدم قنابل الدخان القاتلة ضد أبناء شعبنا من المتظاهرين والقوات الأمنية، ونبرئ الأجهزة الأمنية من استخدامها".

وتسببت قنابل الدخان في مقتل العشرات خلال التظاهرات التي انطلقت أول أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، وذلك بإصابات مباشرة اخترقت جماجم المتظاهرين.

لكن تحالف "الفتح" الذي يعتبر الجناح السياسي لقوات الحشد، قال: "تصريح وزير الدفاع بشأن وجود طرف ثالث غير موفق، ومحاولة لإثارة الفتنة وتأجيج للأزمة، إذا كانت لديه معلومات مدعومة بأدلة كان عليه تقديم استقالته قبل أن يطلق تصريحاته".

وقال النائب عن التحالف حنين القدو: "تصريح وزير الدفاع الحالي بشأن وجود طرف ثالث كان يقصد به الحشد الشعبي، العراق لا زال يعاني من مشكلة تباين المواقف وعدم الانسجام في الحكومة الحالية والحكومات السابقة".

كما قالت ميليشيا "كتائب حزب الله" في العراق: إن ملكية القنابل المسيلة للدموع التي استخدمت في التظاهرات الأخيرة تعود لوزارة الدفاع، نافية بذلك تصريحات الشمري اتهم فيها "طرفا ثالثا" باستيراد هذه القنابل التي تقتل المتظاهرين في بغداد ومدن جنوبي البلاد.

ونقلت وسائل إعلام محلية مقربة من المليشيا تصريحات للمسؤول الأمني في الكتائب أبو علي العسكري قوله: "القنابل المسيلة للدموع التي استخدمت في التظاهرات تم استيرادها من صربيا لوزارة الدفاع واستعملت ضمن السياقات الرسمية".

وأضاف العسكري في تصريحاته: أن "ما قاله وزير الدفاع نجاح الشمري حول وجود طرف ثالث هدفه التنصل من المسؤولية أو قد يكون بسبب تعرضه لضغوط خارجية".

فضيحة القنص

مع انطلاق الاحتجاجات أول أكتوبر/تشرين الأول بساحة التحرير وسط بغداد، قتل العشرات وجرح المئات بنيران قناصة اعتلوا أسطح البنايات المحيطة بمكان المظاهرات.

وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول، أي بعد مرور أسبوع واحد على الاحتجاجات، قتل أكثر من 100 متظاهر وإصابة 6 آلاف آخرين في أنحاء العراق خلال الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد، حيث أشارت اتهامات المتظاهرين لـ"قناصة" و"مثلمين" من مليشيات شيعية منضوية بالحشد الشعبي يعمدون إلى قتل المحتجين.

وعلى لسان ناشطين ومتظاهرين عراقيين، فإن الملثمين يتبعون لميليشيات "سرايا الخراساني" و"كتائب سيد الشهداء" المنضوين تحت قيادة "الحشد الشعبي"، حسب مقطع فيديو تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وفي تقرير مطول لوكالة "رويترز" كشفت فيه عن تكليف مدير أمن الحشد الشعبي المعروف بـ"أبو زينب" اللامي بإخماد المظاهرات، عن طريق قمعها بالقوة.

ونقلت عن مسؤولين أمنيين عراقيين، قولهما: إن "فصائل مدعومة من إيران نشرت قناصة على أسطح البنايات في بغداد خلال أكثر الاحتجاجات المناهضة للحكومة دموية منذ سنوات".

وأوضح المصدران، أن قادة فصائل متحالفة مع إيران قرروا من تلقاء أنفسهم المساعدة في إخماد الاحتجاجات الشعبية على حكومة عادل عبدالمهدي الذي تحظى إدارته منذ تولت السلطة قبل عام واحد بدعم من جماعات مسلحة قوية مدعومة من إيران ومن فصائل سياسية.

وقال أحد المصدرين الأمنيين: "لدينا أدلة مؤكدة بأن القناصين كانوا عناصر من المجاميع المسلحة والذين يتلقون الأوامر من قادتهم بدلا من القائد العام للقوات المسلحة". وتابع: "إنهم ينتمون إلى فصيل مقرب جدا من إيران".

ونقلت عن مصدر أمني عراقي آخر يحضر اجتماعات يومية لإطلاع الحكومة على الوضع الأمني: إن رجالا يرتدون ملابس سوداء أطلقوا النار على المحتجين في اليوم الثالث من الاضطرابات الذي ارتفع فيه عدد القتلى من نحو ستة إلى أكثر من 50 قتيلا.

وأضاف المصدر الثاني، أن هؤلاء المقاتلين يقودهم "أبو زينب اللامي" مسؤول أمن الحشد الشعبي، وهو تجمع معظمه من قوات شيعية شبه عسكرية مدعومة من إيران.

وقال المصدر: إن قائد الحشد مكلف بإخماد الاحتجاجات بواسطة مجموعة من قادة كبار آخرين لفصائل مسلحة. ولم يذكر المصدران عدد القناصة الذي نشرته الفصائل المسلحة.

وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية سعد معن: إن قوات الأمن لم تطلق النار مباشرة على المحتجين واتهم عناصر وصفها "بالخبيثة" بالمسؤولية عن سقوط عدد كبير من القتلى والمصابين. وأكد في مؤتمر صحفي في 6 أكتوبر/ تشرين الأول، أن الحكومة فتحت تحقيقا لتحديد مطلقي النار على المحتجين ومن الذي أمر به.

والتأكيد على عدم مشاركة قوات الأمن في العنف يتناقض على ما يبدو مع بيان سابق أصدرته الحكومة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وأقر باستخدام قوات الأمن القوة المفرطة وتعهد بمحاسبة المسؤولين عن العنف مع المدنيين.

ردود عنيفة

مع انطلاق استئناف المظاهرات في 25 أكتوبر/ تشرين الثاني، شن المتظاهرون في محافظات وسط وجنوب العراق هجوما على مقرات جميع المليشيات التي اتهمت بإطلاق النار على المتظاهرين ولا سيما في محافظات ذي قار وواسط وبابل وميسان.

وفي ردة فعل عنيفة من المتظاهرين، أقدمت مجموعة من المحتجين على قتل قائد في مليشيا "عصائب أهل الحق" المنضوية في الحشد الشعبي وسام العلياوي، وذلك بالانقضاض على سيارة إسعاف كان تقله جراء إصابته بجروح إثر مهاجمة المتظاهرين لمقر العصائب الذي يديره في محافظة ميسان.

واتهم المتظاهرون القيادي في "عصائب أهل الحق" التي يتزعمها المعمم الشيعي المقرب من إيران قيس الخزعلي، بإعطاء أوامر لأفراد من الميليشيات بإطلاق النار من مبنى المكتب في محافظة ميسان ضد المتظاهرين.

ونشر ناشطون على مواقع التواصل، مقطع فيديو يظهر اعتلاء عدد من عناصر "عصائب أهل الحق" فوق سطح مبنى المقر الذي كان يوجد فيه العلياوي، وهم يطلقون النار على المتظاهرين.

وبعد تقرير أصدرته لجنة تحقيق تابعة للحكومة وصفه مراقبون بأنه يغطي على المليشيات ولا يكشف من هم "القناصة المجهولون"، يبقى التساؤل الأبرز: إلى متى تستمر السلطات الحكومية في كشف قتلة المتظاهرين من المليشيات التابعة للحشد الشعبي، رغم كل الشواهد الحاضرة؟.