اللوبي اليهودي في بريطانيا يشن حملة ضد كوربن.. لماذا الآن؟

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل أيام من الانتخابات البرلمانية الحاسمة في بريطانيا، بدأت الدوائر اليهودية النافذة بشن حملة شرسة على زعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربن، واتهامه بمعاداة السامية.

ورغم أنها اتهامات أطلقتها الجاليات اليهودية قبل أكثر من عام، إلا أن تجديدها على لسان كبير حاخامات بريطانيا، يشير إلى صعوبة المعركة الانتخابية التي بات طرفاها الرئيسيان هما حزبا المحافظين والعمال.

كوربن الذي وصف اتهامه بمعاداة السامية، بأنها دعاوى شريرة، يواجه أزمة داخل أركان حزبه، بعد استقالة عدد من أعضائه متأثرين بالحملة الصهيونية على الرجل الذي وعد بوقف بيع السلاح لأي دولة تنتهك حقوق الإنسان، في إشارة واضحة للسعودية، وأخرى مبطنة لدول مثل إسرائيل ومصر.

ورغم أن استطلاعات الرأي منذ أن بدأ الحديث عن الانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تشير لتقدم حزب المحافظين، إلا أن البرنامج السياسي الذي قدمه كوربن لحزب العمال، وتحركاته على الأرض، تشير إلى أنه لن يترك الساحة سهلة لهم، كما أن المفاجآت يمكن أن تلعب دورا مع الرجل الذي يعتبر داعما للحق العربي والفلسطيني، ضد الاحتلال الإسرائيلي.

السم الصهيوني

في مقال مطول نشرته صحيفة "التايم" البريطانية، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اتهم كبير حاخامات المملكة المتحدة أفرايم ميرفس، جيرمي كوربن بالعجز عن منع انتشار "سم" مناهضة السامية في حزبه، مؤكدا أن "الطريقة التي عالجت بها قيادة حزب العمال، موضوع العنصرية بحق اليهود، لا تتطابق مع القيم البريطانية التي نفخر بها وهي الكرامة واحترام الجميع".

وأوضح ميرفس أن "اليهود البريطانيين يشعرون بالقلق قبل انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن كوربن "لا يصلح لتولي رئاسة الوزراء بسبب فشله في حل المشكلة داخل حزبه".

وذكر أن "سما جديدا، برضا القيادة، تغلغل في حزب العمال" ما يجعل يهود المملكة المتحدة "يتملكهم القلق"، ثم وجه خطابه بشكل صريح للناخبين البريطانيين وخاصة اليهود قائلا: "عندما يحين موعد 12 ديسمبر/ كانون الأول، سأطلب من الجميع التصويت وفق ضميرهم. لا شك في ذلك، إن روح أمتنا على المحك".

ووصفت العديد من التحليلات التي علقت على مقال ميرفس، بأنها محاولة لتفتيت شعبية كوربن، قبل أيام قليلة من الانتخابات. وحسب تحليل راديو "مونت كارلو"، فإنها المرة الأولى التي يتدخل فيها رجل دين بهذا الشكل لمحاولة تغيير مسار الانتخابات البريطانية.

واعتبرت الإذاعة في تقرير مطول لها، أن كبير الحاخامات اختار توقيت نشر المقال بعناية، حيث تزامن مع نفس اليوم الذي عرض فيه حزب العمال الجزء الخاص من برنامجه، المتعلق بتعزيز مكافحة التمييز في حال فوزه في الانتخابات.

ويهدف البرنامج الذي أطلقه كوربن في نفس يوم نشر مقال كبير الحاخامات، بتعهد الحزب في حال فوزه بتشكيل الحكومة، بإلزام الشركات على نشر إحصائيات بشأن فوارق الأجور التي تطال السود والآسيويين والأقليات الأثنية.

شرير وخاطئ

من جانبه رد كوربن، على اتهامات كبير الحاخامات بمعاداة السامية بأنه أمر "شرير وخاطيء"، مؤكدا على أن حزبه لديه "نظام سريع وفعال" للتعامل مع الشكاوى المتعلقة.

ونفى كوربن في الوقت نفسه وجود أي شكل من أشكال معاداة السامية، مؤكدا أنه لن يتم التسامح معها في أي مكان في بريطانيا المعاصرة أو في حكومة العمال.

وقال كوربن خلال إطلاق حزبه لبرنامج "العرق والدين" في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: "في القضايا التي يتم إبلاغنا عنها، لدينا نظام سريع وفعال للتعامل معها، وهذه العملية تخضع لمراجعة مستمرة".

وفي رده على اتهامات كبير الحاخامات قال المجلس الإسلامي البريطاني في بيان له: إن حزب المحافظين الحاكم فشل كذلك في التعامل مع شكاوى معاداة الإسلام في صفوفه، وأكد البيان "هذه قضية حادة بشكل خاص في حزب المحافظين الذي تعامل مع الإسلاموفوبيا بالإنكار والتجاهل والخداع".

ووفق رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم، عبد الباري عطوان، فإن الحملة التي يتعرض لها كوربن حاليا، ليست جديدة، وقد بدأت قبل أكثر من عام، وأدت بسبب شراستها إلى حدوث انشقاقات داخل حزب العمال، واستقالة بعض النواب الذين يمثلونه في البرلمان، وانضمام بعضهم إلى أحزاب أخرى، في محاولة لإضعاف الحزب وتقويضه من الداخل، والإطاحة بزعيمه.

ويتفق عطوان، مع تحليلات أخرى نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية، بأن دخول كبير الحاخامات اليهود إلى الحلبة، وكتابته مقالا في صحيفة “التايمز” البريطانية المحافظة، يتهم فيه حزب العمال بمعاداة السامية، وأن زعيمه كوربن عاجز عن الحكم لأنه فشل في مواجهة هذه الأزمة، وأن الجالية اليهودية تشعر بالقلق.

هذا الدخول غير المسبوق يعكس تدخلا مباشرا في الحملة الانتخابية البريطانية، ويعتبر تهديدا مباشرا لزعيم أحد أبرز حزبين في بريطانيا، ومحاولة واضحة لتحريض الناخبين على عدم إعطائهم أصواته في الانتخابات، وفق الفرنسية.

وبحسب عطوان الذي زامل كوربن طوال 35 عاما في المؤتمرات الداعمة لحق الشعب الفلسطيني، فإن الرجل لم يكن معاديا للسامية ولن يكون، وجريمته الكبرى أنه يقف في خندق القضية الفلسطينية، ويدين المجازر الإسرائيلية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، ويطالب باحترام قرارات الشرعية الدولية التي تطالب باستعادة هذا الشعب لحقوقه وإقامة دولته المستقلة.

واعتبر عطوان أن بنيامين نتنياهو وصديقه توني بلير، واللّوبي اليهودي المساند لدولة الاحتلال الإسرائيلي، نجحوا في جعل أي انتقاد لإسرائيل وحروبها، وضحاياها من الفلسطينين الأبرياء عداء للسامية، واستخدموا هذه التهمة “الزئئفة” في مطاردة أي بريطاني أو مسلم أو عربي، يتجرّأ على الظهور في وسائل الإعلام والمحاضرات الجامعية ومنعه من التعبير عن وجهة نظره.

لوبي داخلي

ما تحدث عنه عطوان، سبق أن حذر منه الكاتب البريطاني المهتم بالقضية الفلسطينية جوناثان كوك، في مقال نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية، أكد فيه أن أمام كوربين الكثير من التحديات.

وأشار كوك في مقاله إلى المظاهرة التي نظمتها الحركات اليهودية الكبرى بإنجلترا، في سبتمبر/ أيلول 2018، تحت شعار “طفح الكيل”، بمشاركة نواب برلمان بارزين من حزب العمال، لاتهام كوربن بالوقوف في صف معادي السامية.

وحسب كوك فإنه قبل تولي كوربن زعامة حزب العمال، لم يكن لدى الهيئة البرلمانية البريطانية للشؤون الداخلية أي دليل موثوق وملموس، عن حضور مشكلة معاداة السامية في حزب العمال أكثر من حضورها في التشكيلات السياسية الأخرى.

 لكن لا بد من فهم هذه الاتهامات ضمن سياق أوسع، أي كرد فعل لوجود كوربن على رأس حزب العمال. فمنذ انتخابه المفاجئ من قبل أعضاء الحزب، قبل حوالي ثلاث سنوات، أصبح هدفا لهجمات لا تهدأ من قبل وسائل الإعلام البريطانية، ومن بينها "بي بي سي" وصحيفة الجارديان اليسارية.

ويؤكد كوك أن الذي لم يباح عنه في "أزمة معاداة السامية"، المزعومة أنها متعلقة بدعم كوربن للقضية الفلسطينية منذ زمن بعيد، ومعارضته الشرسة للحروب الإمبريالية، وتعاطفه التاريخي مع حركات التحرر في العالم الثالث.

ولذلك فإن مجموعات الضغط اليهودية الرئيسية داخل الحزب، وخاصة حركة العماليين اليهود، التي تعد المنظمة الشقيقة لحزب العمال الإسرائيلي في بريطانيا، تخشى  ترأس كوربن، لأنها ستكون أول حكومة في أوروبا تعطي الأولوية لفلسطين لا إسرائيل.

فرص الفوز

كوربن حسب المتابعين للانتخابات البريطانية، لا يواجه حربا شرسة فقط بسبب معاداة السامية، وإنما بات في صراع آخر مع داعمي الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وهو ما دعا صحيفة الغارديان، إلى التحذير صراحة من انتخاب "العمال"، حتى لا تذهب محاولات الخروج من الاتحاد هباء.

ووفق مقال نشره الكاتب والسياسي البريطاني "جون هاريس" في الصحيفة يوم 2 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، فإن هناك مجموعة من التحولات الثقافية الطويلة الأجل وتداعيات استفتاء عام 2016، أدت لتغيير في الخريطة الانتخابية، وأصبح هناك نوعان من الأماكن الإنجليزية مفضلة لحزب العمال مثل كانتربري وكنسينغتون، وبعض ضواحي المقاطعات الرئيسية.

ويصف هاريس الدوائر الانتخابية المؤيدة لحزب العمال بـ"الجدار الأحمر"، ولكنها في الوقت نفسه يمكن أن تصوت لصالح المحافظين بسبب رفض كوربن الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وهو ما يرفضه سكان المناطق الواقعة بين ولفرهامبتون ودارلينجتون، الذين دعموا العمال في السابق، ولكنهم الآن يمكن أن يصوتوا لصالح المحافظين بسبب البريكست.

ويرى محللون بريطانيون آخرون أن حزب العمال، بدأ في إيجاد مساحات أخرى بعيدا عن أزمة بريكست التي يركز عليها حزب المحافظين في برنامجه الانتخابي، مثل الصحة والسكك الحديدية والمساواة في الأجور والوظائف، وهي أزمات لم يهتم بها المحافظون، بينما يعتبرها العمال رأس الحربة في حملته الانتخابية.

ووفق تحليل لصحيفة التايم، فإن كوربن تعهد بخفض 40% من قيمة تذاكر السفر بالسكك الحديدية إذا فاز حزب العمال في الانتخابات العامة، وارتكز الحزب في ذلك على توجيه النسبة المخصصة من أسعار التذاكر لبناء الطرق، ومقدارها 40%، للمواطنين من خلال تخفيض أسعار التذاكر بهذه القيمة، وهو ما يمكن أن يوفر 1000 جنيه إسترليني لكل راكب سنويا.

وحسب "أندرو غريس" الكاتب السياسي في صحيفة "إندبندنت"، فإنه يجب على حزب العمال التركيز على قضايا الصحة في حملته الانتخابية، بعد أن تصدر وضع "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" NHS" النقاش الدائر، فيما يتعلق بالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، خصوصا عندما يُطلب من البريطانيين أن يختاروا ضمن قائمة قضايا عن تلك التي يمكن أن تحدد اتجاه التصويت لديهم.

ويستند غريس في تأكيد نظريته على بحث أجرته "إيبسوس موري" المتخصصة في مجال استطلاع اتجاهات الرأي العام، أكدت فيه تقدم موضوع قطاع الصحة في المملكة المتحدة بنسبة (60 في المئة) على مسألة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (56 في المئة). فقضية "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ورد ذكرها كثيرا على لسان الأشخاص الذين ساندوا حزب "العمال" في انتخابات العام 2017 بنسبة (68 في المئة).

لكن اللافت أيضا، أنه في ما يتعلق بأولئك الذين صوتوا لحزب "المحافظين" في الانتخابات السابقة، تحدث نحو 58 % منهم عن مسألة الصحة، ووضعوها في المرتبة الثانية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (69 %). ومع ذلك، تشير استطلاعات أخرى للرأي العام إلى أنه عندما يتعيّن على الناس اختيار القضية الأكثر أهمية، فإن موضوع "بريكست" يتفوق على الصحة.

ويرى الكاتب السياسي أن قضية "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" تعد وسيلة لحزب "العمال" لتحويل النقاش الانتخابي عن موضوع "بريكست"، الذي لا يرغب الحزب في الحديث عنه.


المصادر