شباب مناضل ونظام عميل.. كيف بقيت فلسطين حية في قلوب المصريين؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عز منير خضر، شاب مصري (19 عاما) يدرس في كلية الآداب قسم اللغة العبرية بجامعة عين شمس، قبض عليه في استاد القاهرة الدولي، والتهمة "رفع علم فلسطين".

اللقطات أظهرت رجلين يرتديان الزي المدني وهما ينتزعان العلم الفلسطيني من الشاب عز، واقتاداه من مدرجات الملعب إلى الخارج أثناء مباراة منتخبي مصر وجنوب إفريقيا بكأس الأمم الإفريقية تحت 23 سنة لكرة القدم، يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وفي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قررت نيابة أمن الدولة العليا في مصر حبس عز 15 يوما على ذمة التحقيق، ما أثار غضبا واستنكارا واسعا.

لم يكن الشاب المصري، هو الحالة الاستثنائية المتضامنة مع القضية الفلسطينية، في الملعب الذي كان يعج بعشرات الآلاف من الجماهير، التي صاحت خلال المباراة "بالروح بالدم نفديكِ يا فلسطين".

كما وضع اللاعبان المصريان أسامة جلال ومصطفى محمد، يديهما على عينيهما تضامنا مع الصحفي الفلسطيني معاذ عمارنة، الذي فقد إحدى عينيه برصاصة مطاطية قبل أيام.

الواقعة أعادت إلى الأذهان حادثة تضامن النجم المصري محمد أبو تريكة مع غزة عام 2008، أثناء بطولة الأمم الإفريقية في غانا.

افتتاح السفارة

واقعة الشاب عز، وقبلها أبو تريكة وغيرهما ليست بالغريبة على الشعب المصري الرافض للتطبيع والداعم لقضية فلسطين، ففي يوم الثلاثاء 26 فبراير/ شباط 1980، امتلأت نوافذ وشرفات شارع ابن مالك في محافظة الجيزة (وسط) بالمصريين الذين ذرفت أعينهم بالدموع وهم يرون العلم الإسرائيلي يرفع على المبنى رقم 6 المطل على كوبري الجامعة والقريب من نهر النيل وتمثال نهضة مصر وجامعة القاهرة.

بعض المارة والجيران انفجر في البكاء، وبعضهم ظل يصرخ غير مصدق ما يرى، فيما انصرف آخرون من المكان لعدم قدرتهم على تحمل المشهد المؤلم.

اليوم بعد مرور سنوات طويلة، جاء نظام لم يكتف فقط بالحفاظ على وجود علم إسرائيل وحمايته في قلب القاهرة، بل بالغ في تطرفه وخيانته لقضية الأمة إلى حد تجريم رفع علم فلسطين داخل الأراضي المصرية.

الصحفي المصري حسام زايد، قال لـ"الاستقلال": "تضامن الشعب المصري، والجماهير العريضة مع قضية فلسطين أمر طبيعي، وبديهي، والعكس هو الغريب والمستهجن، فمصر وفلسطين شيء واحد، وليس هذا حديث شعارات، فلو نظرنا لحجم الترابط بين الشعبين، فسنجده في أبسط الأشياء، منها كرة القدم على سبيل المثال".

زايد يضيف: "هل يوجد مكان في العالم خارج مصر، يوجد فيه روابط مشجعين للأندية المصرية، كالأهلي والزمالك؟ إلا في قطاع غزة، فهناك أولتراس أهلاوي، والوايت نايتس الخاصة بالزمالك، وأبناء غزة منقسمون ما بين أهلاوي، وزملكاوي". 

وتابع: "ذلك النسيج من الصعب كسره وتجاوزه، مهما كانت الأحداث الدولية، والمواقف الحكومية، بالإضافة أن قضية فلسطين تمثل للشعب المصري عمق ديني، وقومي، باعتبارها أرض مقدسة للمسلمين والمسيحيين، ووجود أولى القبلتين، وثالث الحرمين في زمامها". 

واختتم الصحفي المصري حديثه: "فلسطين ليست قضية حزبية، أو سياسية محدودة، لذلك فالتعامل معها من ذلك المنطلق أمر خاطيء، ورفع العلم الفلسطيني داخل الإستاد، ليس جريمة، ولا تهمة، بل هو مدعاة للفخر والاعتزاز، خاصة وأن الواقعة جاءت في سياق هجوم من دولة الاحتلال على الشعب الشقيق، في ظل تضامن عربي واسع، ومصر لا تتأخر عن دورها الأدبي، والتاريخي".

إنزال العلم 

في عام 2008، برزت لافتات في شوارع القاهرة من أجل غزة، رفعها متظاهرون في الميادين، كتوجه شعبي للاحتجاج على جرائم الاحتلال الإسرائيلي في القطاع.

بلغ هذا التضامن أقصى قوته بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، حين خرج الآلاف في مظاهرات تدعم غزة، حين العدوان عليها في 2012.

في 9 سبتمبر/ أيلول 2012، تعرض المقر القديم للسفارة الإسرائيلية في القاهرة للاقتحام من قبل آلاف المتظاهرين القادمين من ميدان التحرير.

وجرى اقتحام المقر ونثر الوثائق الموجودة داخله، للمتظاهرين أسفل شرفاته وسط هتافات ترج المباني "غزة غزة رمز العزة"، وكان العلم المصري يرتفع في شرفة المقر ليرفرف فوق النيل بدلا من العلم الإسرائيلي.

ومثلت واقعة اقتحام السفارة بداية لسياسة مصرية جديدة تجاه إسرائيل، وعقب العدوان الإسرائيلي على نهاية العام 2012، أعلن الرئيس المصري الراحل محمد مرسي (لم يذكر أبدا لفظ إسرائيل في خطبه)، تضامنه مع غزة علنا، وقال: "لن نترك غزة وحدها"، ثم أرسل رئيس الوزراء المصري هشام قنديل إلى القطاع دعما للفلسطينيين. 

وشهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية، حينها فتورا في الفترة الممتدة من بداية الثورة، وحتى الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، وهي الفترة التي عبر فيها قادة وسياسيون إسرائيليون عن قلقهم من وجود رئيس ينتمي للإخوان المسلمين على رأس السلطة في مصر.

نفس هؤلاء القادة والسياسيين هم من عبروا عن سعادتهم للإطاحة بمرسي، وتولي السيسي، مؤكدين أن الأخير سيغير دفة العلاقات المصرية الإسرائيلية على المستوى الحكومي، نحو تطبيع غير مسبوق.

صديق حميم

في معظم كلمات السيسي، برزت الإشارة لإسرائيل كصديق، ففي خطابه بالأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2017، أكد على ضرورة "سلامة المواطن الإسرائيلي"، وفي أبريل/نيسان 2017 أعلن السيسي خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التزامه بما سماها "صفقة القرن" وهو المصطلح الذي تبرأ منه السيسي لاحقا.

توطيد العلاقات بشكل أكبر مع تل أبيب، وصل إلى التنسيق العسكري بين الجيشين المصري والإسرائيلي في سيناء، عندما أعلن السيسي في لقائه مع قناة "فرانس 24"، بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أنه لن يسمح أن تشكل سيناء منطقة خلفية لتهديد أمن إسرائيل.

جاءت تصريحات السيسي، خلال مقابلته مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس" الأمريكية، يوم 7 يناير/ كانون الثاني 2019، صادمة للكثيرين، في ظل التقارير المتكررة عن التنسيق بين القاهرة وتل أبيب على أرض سيناء، واستعانة الجيش المصري بسلاح الطيران الإسرائيلي لشن غارات تستهدف القضاء على عناصر تنظيم "ولاية سيناء".

ورغم طلب السفير المصري في واشنطن ياسر رضا، من القناة عدم إذاعة المقابلة، لكن القناة الأمريكية تمسكت ببثها كاملة، وقامت بنشر تقرير على موقعها الإلكتروني، تحت عنوان "المقابلة التي لا تريدها الحكومة المصرية أن تذاع على التلفزيون".

وتمثلت إستراتيجية عمل النظام المصري بقيادة السيسي تجاه إسرائيل في عدد من المحاور، بداية من القيام بإخلاء الحدود الدولية مع دولة الاحتلال، وتهجير السكان في منطقة رفح المصرية والعريش، لينفذ الطلب الإسرائيلى القديم بإنشاء منطقة عازلة، رغم ما يمثله ذلك من خطر جسيم مع عدو متخصص فى اغتصاب واستيطان الأراضى العربية.

ثم الانحياز إلى "إسرائيل" فى عدوانها المتكرر على قطاع غزة، وشارك فى إحكام الحصار عليها، وهدم الأنفاق التى رفض مبارك هدمها، مع إغلاق معبر رفح وهو المعبر العربى الوحيد لأهلها. وعلق إعادة إعمار غزة، على شرط نزع سلاح المقاومة، حين اشترط أن تتسلم السلطة الفلسطينية مسؤولية غزة، وهى التى تلتزم بموجب اتفاقيات أوسلو، بنزع السلاح الفلسطينى.

كما أعرب السيسي عن تفهمه للمخاوف الإسرائيلية من الاتفاق النووى الإيرانى،  وفي أغسطس/ آب 2017، لأول مرة في التاريخ العربي تصوت مصر لصالح إسرائيل في عضوية مجلس الأمن.