"جمهورية جديدة".. بوتفليقة يتعهد بإصلاحات في الوقت بدل الضائع

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قد يبدو الأمر غريبا خاصة في عالمنا العربي، عندما يأتي برنامج انتخابي لمرشح للرئاسة مبشرا بمرحلة انتقالية، وتغيير لشكل النظام القائم، الذي حافظ عليه طيلة 20 عاما منذ وصوله للسلطة عام 1999.

"الشعب يطالب بإسقاط النظام" كان هذا هو الشعار الثوري الذي خرجت به الملايين خلال ثورات الربيع العربي منذ اندلاعها في تونس في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، مرورا بمصر وليبيا وسوريا واليمن، وأخيرا في السودان والجزائر، لكن هذه هي المرة الأولى تقريبا الذي يفاجئنا، أحد الأنظمة العتيقة ويتعهد هو بذات نفسه بإسقاط النظام ولو شكليا أو في إطار المناورة وكسب الوقت لترتيب أوراقه.

رئيس الحملة الانتخابية للرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، عبدالغني زعلان، خرج للرأي العام، مساء أول أمس الأحد، وهو يعلن على لسان بوتفليقة في خطاب ترشح الأخير رسميا لولاية خامسة، بأنه يتعهد بإعداد دستور جديد يزكيه الشعب الجزائري عن طريق الاستفتاء، "يكرس ميلاد جمهورية جديدة، والنظام الجزائري الجديد" وهو ما اعتبره مراقبون بأنه "تعهد ثوري" جاء في الوقت بدل الضائع.

 

بوتفليقة تعهد في خطابه أيضا، بـ"وضع سياسات عمومية عاجلة، كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية، وبالقضاء على كافة أوجه التهميش والإقصاء الاجتماعيين، ومنها ظاهرة الحرقة (الهجرة غير النظامية)، بالإضافة إلى تعبئة وطنية فعلية ضد جميع أشكال الرشوة والفساد".

كما تعهد الرئيس المقعد منذ 6 سنوات، والبالغ من العمر 82 عاما، حال فوزه في الانتخابات المقررة في 18 نيسان/ أبريل المقبل، بتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة (مبكرة) طبقا لأجندة تعتمدها ندوة وطنية جامعة (حوار وطني)، مشددا على أنه لن يكون مترشحا فيها، وأن من شأنها ضمان استخلافه "في ظروف هادئة وفي جو من الحرية والشفافية".

ولعلم بوتفليقة بأنّ جل من يتظاهرون ضد استمراره في الحكم من الشباب، حرص في تعهده الخامس بـ"اتخاذ إجراءات فورية وفعالة، ليصبح كل فرد من شبابنا فاعلا أساسيا ومستفيدا ذا أولوية في الحياة العامة، على جميع المستويات، وفي كل فضاءات التنمية الاقتصادية والاجتماعية".

وجاء التعهد السادس والأخير بـ"مراجعة قانون الانتخابات، مع التركيز على إنشاء آلية مستقلة تتولى دون سواها تنظيم الانتخابات".

بيان حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، صباح الإثنين 04 مارس/ آذار، اعتبر أن "الالتزامات التي تعهّد بها الرجل في رسالته الموجهة للشعب، تؤكد في مضامينها وأبعادها القراءة الصحيحة والسلمية للمطالب المشروعة، التي نادى بها المواطنون وعبروا عنها من خلال مسيرات سلمية عبر مختلف جهات الوطن". وفي السياق أضاف البيان "لقد استمع الرئيس بأذن صاغية إلى مطالب الشعب، حيث التزم بمطلبه الأساسي القاضي بتغيير النظام".

الشعب يرد بالرفض سريعا

إصرار النظام الجزائري على ترشيح بوتفليقة، رغم الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد منذ أكثر من 20 يوما، قوبل برفض شعبي، فما أن انتهت الندوة الصحفية للحملة الانتخابية، التي بثها التلفزيون الرسمي، حتى خرج الآلاف من الجزائريين على امتداد مدن البلاد في مسيرات ليلية، مؤكدين رفضهم للعهدة الخامسة (فترة الولاية الخامسة) ومطالبين بإسقاط النظام وعدم وثوقهم في وعوده.

المعارض الجزائري والقيادي في حركة رشاد، محمد العربي زيتوت، قال: "لا أحد اليوم يصدق الجماعة الحاكمة في الجزائر، سبق وأعلنوا عن إصلاحات في ماي (مايو) 2011 ولم تنفذ، ورفعوا حالة الطوارئ في ظل المد الثوري العربي عام 2012 إلا أنهم زوروا الانتخابات بعد ذلك"،

وتابع في حديث لـ"الاستقلال": "الجديد في هذه التحركات أنها كانت عفوية ولم تسبقها دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن المتظاهرين سرعان ما استجابوا لدعوات بوقف الحراك الليلي خوفا من اختراقه وتحوّله إلى مواجهات مع قوات الأمن".

رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة البرلمانية في الجزائر، أعلن انسحابه من السباق الانتخابي "تماشيا مع رغبة الشعب الذي خرج في مليونيات مناهضة لترشح عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة"، حسب بيان الحركة.

كما أعلن رئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، الذي اعتبر المنافس الأبرز لبوتفليقة في انتخابات 2004 و 2014، انسحابه من خوض الانتخابات الرئاسية، التي وصفها بـ"الوهمية لمترشح وهمي"، قائلا: "لن أشارك في منافسة انتخابية رفض شعبنا بحدة شروطها وأساليب انعقادها، لقد نطق الشعب بكلمة الفصل ولم يكن في وسعي سوى أن أنصاع إليه".

ارتباك في صف النظام

ورغم أن ترشح بوتفليقة مرة أخرى للرئاسة لم يكن مفاجئا رغم حجم المعارضة التي قوبل بها القرار منذ فترة، الذي وصل إلى نزول مئات الآلاف من الجزائريين إلى شوارع جل المدن وفي قلب العاصمة، إلا أن الحراك يبدو أنه قد أربك أجندة النظام في الجزائر، الذي راهن على التمديد في مرحلة الاستقرار بوجود بوتفليقة، إلى حين إيجاد ظروف ملائمة لانتقال سلس في السلطة، إذ شهد الأسبوع المنقضي قرارا بإقالة مدير الحملة الانتخابية، عبد المالك سلال، الذي خلفه على رأس المهمة وزير النقل، عبد الغني زعلان.

ويكشف ترشح بوتفليقة رغم غيابه والغموض بشأن مكان تواجده (هل ما زال في سويسرا للعلاج أم عاد للجزائر؟)، أو غيبوبته (منذ نحو 6 سنوات) عن أزمة داخل النظام الجزائري الذي يبدو أنه لا يمتلك بديلا حقيقيا عنه.

إذ أكّد العربي زيتوت، أنّ جناح السلطة القائم يعيش صراعات بين أطرافه الثلاثة، جناح الرئاسة وقيادة الجيش والمخابرات، إلا أنهم يجتمعون حول الولاء لبوتفليقة ومساندته، في حين أن الجناح المطرود من السلطة قدّم الجنرال علي الغديري، كمرشح له للرئاسيات وكبديل محتمل في صورة انسحاب بوتفليقة، إلا أنه بتقديم الأخير لأوراق ترشحه تضاءلت آماله؛ حيث تحظر القوانين الجزائرية على كل مرشح (تقدم رسميا بأوراق الترشيح) الانسحاب من السباق الرئاسي أيا كانت الأسباب.

الخيار الثوري

في الوقت الذي لا يجد فيه النظام أوراقا كافية للمناورة بها أمام تصاعد الغضب الجماهيري المتجاوز لرفض ولاية بوتفليقة الخامسة إلى المطالبة بتغيير جذري في النظام، يبقى أمام الشارع خيارات مفتوحة عبّر عنها عدد من الفاعلين السياسيين والمعارضين والنشطاء من أجل تصعيد الحراك الثوري مع التأكيد على التمسك بالسلمية.

إذ دعت منظمة المحامين في قسنطينة، إلى مقاطعة جلسات المحاكم وتنظيم وقفات احتجاجية الخميس 7  آذار/ مارس الجاري، كما تجددت الدعوات للتظاهر يوم الجمعة المقبل 8 مارس/ آذار، وسط دعوات لتنفيذ عصيان مدني.

كما دعا القيادي في حركة رشاد، العربي زيتوت، عناصر القوات المسلحة إلى العصيان الفردي، وعدم الاستجابة لأوامر قياداتهم في صورة قمع المظاهرات السلمية، ودعاهم إلى الالتحاق بالحراك أو التزام البيت.

السيناريوهات المجهولة

الكل يعلم أن الرئيس بوتفليقة عمليا ليس الحاكم الفعلي للجزائر؛ لأسباب صحية لم يعد بالإمكان إخفاؤها، أو تجميلها لتسويقها داخل الجزائر أو خارجه، ويبدو أن إصراره على الترشح لولاية خامسة سوف يفتح الباب أمام سيناريوهات مجهولة، في ظل ما يعيشه النظام من حالة ارتباك وصراع داخلي، وغياب قيادة موحدة له، لكن الحراك السلمي المتواصل في الشارع، يسحب البساط أمام إحداث فوضى أو الوقوع في سيناريو الدم.

وحسب مراقبين، فالنظام مطالب بتقديم مبادرات جدية تحقق مطالب الجماهير الطامحة للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وإرساء نظام جمهوري فعلي، يكون فيه الشعب السيد على قراره واختياره لحكامه في ظل حياة سياسية تعددية وديمقراطية.

الترشح ورفضه الشعبي الواسع يثير تساؤلات عديدة عن السيناريوهات المحتملة للأيام المقبلة، بين الشارع ومؤسسات النظام التي يبدو أنها لا تمتلك أوراقا عديدة، سوى التي أعلن عنها "زعلان" في رسالة "ترشح" قيل أن بوتفليقة هو من كتبها وتعهد فيها بـ"إسقاط النظام".