سر تأجيل محاكمات العودة والقرني.. ما الذي يخشاه ابن سلمان؟

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تمضي السعودية بقدم إلى الأمام وأخرى للخلف، في طريق محاكمة معتقلي الرأي الذين زجّت بهم في سجونها بعد منتصف عام 2017، وعلى رأسهم الداعيان الإسلاميان، سلمان بن فهد العودة وعوض القرني، إذ جرى تأجيل محاكمتهما لأكثر من مرة دون ذكر الأسباب.

التردد في الموقف تارة، وعدم الوضوح تارة أخرى، يتوسط حالة من الانتقادات التي تتعرض لها المملكة على صعيد سجلها الحقوقي الذي عجّ خلال العامين الأخيرين بمئات حالات الاعتقال.

يضاف إلى ذلك حالة السخط الحقوقي الدولية ضد السعودية، والتي تصاعدت في أعقاب جريمة قتل مواطنها الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية الرياض في إسطنبول التركية يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

ومنذ التاريخ ذاته، تعقد السلطات السعودية جلسات محاكمة للعودة، ولمعتقلين آخرين بتهم مختلفة، في وقت تتعالى فيه الأصوات الحقوقية الدولية، لكن صداها لم يقع في المملكة.

ارتباك متكرر

ما إن تنعقد محاكمة لأحد الشخصين، وسط إجراءات أمنية وسرية مشددة، حتى يعقبها تأجيل من دون أسباب تفصح عنها المملكة، التي تواصل اعتقال عشرات النشطاء والدعاة وأصحاب الرأي.

الشيخ العودة مثلا، الذي تطالب النيابة العامة السعودية بقتله تعزيرا (إعداما)، أُخضع -على مدار عامين تقريبا من اعتقاله- لسلسلة محاكمات؛ كلها جرت بعيدة عن وسائل الإعلام، ومن دون حضور من ذويه.

في مسح أجرته "الاستقلال" بين أكتوبر/تشرين الأول 2018، ونوفمبر/تشرين الثاني 2019، تبيّن أن السلطات السعودية أجلت محاكمة العودة 7 مرات، وسط أسباب مبهمة لم تدل بها الرياض.

أول تأجيل كان من 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018 إلى تاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، ثم توالت التأجيلات إلى تواريخ 3 فبراير/شباط 2019، و1 مايو/أيار، و28 يوليو/حزيران من العام ذاته.

بعد ذلك تـأجلت المحاكمة للمرة السادسة من تاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول، إلى 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بحسب ما ذكر نجله عبدالله العودة عبر حسابه في تويتر.

الأمر كذلك بالنسبة للقرني الذي كان من المفترض أن يعرض على المحكمة -لأول مرة- في 28 أكتوبر/تشرين الماضي، ثم تأجلت إلى 21 نوفمبر/كانون الثاني من العام نفسه، لكن ذلك لم يحصل أيضا.

وعلى الرغم من الأسباب والظروف المبهمة بالنسبة لتأجيل محاكمات العودة، فإن إرجاء محكمة القرني الأخيرة كانت لسبب كشفه حساب "معتقلي الرأي" (معني بأخبار معتقلي الرأي في السعودية).

لماذا التأجيل؟

التأجيل المتكرر وغير المبرر يطرح سؤالا حول أسباب إرجاء المحاكمات، وهو ما يجيب عنه المعارض السعودي ماجد الأسمري في حديثه لـ"الاستقلال".

في تصور الأسمري، فإن السلطات السعودية تطيل أمد المحاكمة بتأخير النطق بالحكم على الشيخين "بسبب تخوفها من ردة فعل محتملة، كونهما من المرضي عنهم في عهد الملك (الراحل) عبدالله بن عبدالعزيز".

يقول أيضا: "إن لهما شعبية كبيرة لدى عامة الناس، وموظفي الدولة سواء من المدنيين والعسكريين المتعاطفين معهما، وأنهما من الشخصيات المخلصة لآل سعود، مؤكدا أن "تخوف ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان واضح جدا".

‏وحول تخوف ابن سلمان، يضيف الأسمري: "هو خائف من ردة فعل شعبية محتملة، كونهما يمثلان رأي فئة كبيرة من الموالين للدولة والغاضبين بصمت من أفعال ولي العهد في جميع القضايا التي عبث بها داخليا وخارجيا".

سألنا الأسمري عن أسباب تتعلق بظروف صحية أصابت المعتقلين دفعت إلى التأجيل، فأجاب بالنفي، قبل أن يستدرك بالقول: "لكن ترددت أخبار عن مرض الشيخ القرني".

وأضاف: "بطبيعة الحال، من يمرض في سجون المباحث فهو عرضة لتدهور حالته الصحية بسبب الإهمال الذي يعاني منه جميع المعتقلين ويتم تعمده بحق البعض أحيانا كثيرة، ولا أستبعد أن يكونا ممن يفعل معهما ذلك".

محاكمات صورية

يكشف الأسمري عن أن "جميع القضايا التي تعرض على المحكمة الجزائية المتخصصة يتم إجراء محاكمات صورية أو مسرحية لها"، على حد قوله، مضيفا: أن "الأحكام معدة مسبقا من السلطات".

وأوضح المعارض السعودي أن "الأحكام سابقا كانت تصدر عن وزير الداخلية السابق نايف بن عبدالعزيز، ثم ابنه ولي العهد السابق محمد بن نايف، وهي الآن في يد ابن سلمان".

وتابع: "صدرت الأحكام مسبقا، ولم يتبق سوى إصدار الحكم (بشكل علني) ثم استئنافه وتمييزه ليكون نهائيا أمام الناس وتنتهي المسرحية، فيتم تنفيذه بعد ذلك".

وبيّن الأسمري: "إذا صدر حكم بدائي بالإعدام، واعترض عليه المدعى عليه في محكمتهم الصورية، فقد يأخذ شهرا آخر أو أكثر في مداولات استئنافه حتى يتميز ويصبح نهائيا قابلا للتنفيذ في أي وقت بتوجيه ابن سلمان".

وبرأيه، فإن هذه المحكمة "ليست سوى مسرحا تمثيليا مغلقا عن العالم، ومن تريد آل سعود قتلهم يصدر بحقهم صك حكم، ولا تختلف إعداماتهم كثيرا عن القتل خارج القانون إلا شكليا فقط".

الخوف ليس سببا

وقال الأسمري: إن "الخوف من الضغط الإعلامي والحقوقي والدولي الذي قد يتبع الحكم بالإعدام لا يخشاه ابن سلمان، بقدر ما يخاف من انعكاساته على الحكم"، بمعنى أنه سيكون قلقا على منصبه.

أما المستشار القانوني في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، محمد عماد، فيقول: إنه منذ بداية الاعتقالات غير المبررة لنشطاء الرأي وعلماء الدين، وخاصة العودة والقرني، لم تقدم السلطات السعودية أي مبرر قانوني لتوقيفيهما.

وأضاف عماد لـ"الاستقلال": إن عشرات التهم غير المنطقية التي وجهها الادعاء السعودي لهما، فُهم منها أسباب سياسية ومحاولة لإضافة الشرعية على تلك الاعتقالات.

وتابع: "منذ تلك اللحظة لا يعلم أحد ما يجري في تلك المحاكمات، عدا ما يتم نشره من أقارب الموقوفين"، معتبرا أن "تكرار تأجيل جلسات المحاكمة تشير إلى تسيسها، في مخالفة للقوانين الجزائية السعودية".

وعن خوف السعودية، يؤكد عماد أن سجل الانتهاكات الحقوقية الممتد بحق النشطاء السياسين ورجال الدين في المملكة، "يعكس عدم اكتراثها بالأصوات والمطالبات الحقوقية التي تدين تلك الانتهاكات".

وشدد على أن ما يعزز موقف تلك السلطات، هو غياب الدور الحقيقي للمجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي لم يصدر عنها أي موقف حقيقي يطالب المملكة بضرورة الإفراج الفوري عن أولئك النشطاء.

واستطرد: "بل على العكس، زادت العلاقات بين السعودية وأمريكا بشكل كبير، لكن واشنطن لم تلتفت إلى المطالبات الحقوقية التي وجهت لها من أجل الضغط على سلطات الرياض لإطلاق سراح كافة نشطاء الرأي".

انتهاكات صارخة

وفي معرض رده على سؤال حول الانتهاكات من زاوية حقوقية، قال المستشار القانوني: إنها تتحقق عبر الظروف الإنسانية الصعبة التي رافقت توقيف العودة والقرني منذ بدايته إلى اليوم.

وزاد في توضيح الانتهاكات قائلا: "جلسات تحقيق مطولة واعتداء بالضرب واللفظ على الموقوفين، وعدم السماح بمرافقة أي ممثل قانوني أو محام لهما، إضافة لعدم تقديم الادعاء السعودي دلائل حقيقية تثبت جدية الاتهامات الموجهة".

ويوم 4 سبتمبر/أيلول 2018، بدأت المحكمة الجزائية المتخصصة أولى جلسات محاكمة العودة، ووجهت له 37 تهمة متعلقة بـ"الإرهاب"، مطالبة بما سمته "القتل تعزيرا" ضده.

أما القرني فقد اتهمته النيابة العامة السعودية بـ"الخروج على ولاة الأمر"، وطالبت بإعدامه، وسط أجواء محاكمات وصفت بأنها غير شرعية نتيجة لسريتها وعدم وجود هيئة دفاع عن المتهمين، إضافة إلى تعذيبه، وفق ما تقول عائلاتهم.

وهنا يؤكد عماد أن تلك الإجراءات تمثل انتهاكا واضحا وصارخا للمواثيق الدولية كافة، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية التعذيب التي حظرت مجتمعة توقيف أي فرد دون تهمة واضحة.

تلك الاتفاقية أكدت أيضا "ضرورة حصول الفرد على التمثيل القانوني الكامل، والسماح لأي فرد بلقاء محاميه، والحصول على ضمانات توقيف قانونية دون انتقاص"، بحسب مستشار الأورومتوسطي.

لو صدر الإعدام؟

في هذا الإطار قال عماد: إنه في حال أصدرت السعودية حكم الإعدام وطبقته على العودة والقرني، فسيكون هناك تحرك من أجل الضغط على المجتمع الدولي، بهدف استصدار قرار يوقع العقوبات على سلطات المملكة.

والسبب في ذلك "مخالفتها الواضحة لقواعد القانون الدولي التي حصنت الحق في الحياة، ووضعتها على سلم أولويات الحماية"، كما يقول، وبالتالي فإن الأمم المتحدة ومجلس الأمن سيكونا مطالبّين باتخاد خطوات حقيقة تضمن حماية المعتقلين.

وقبل أن يختم حديثه، أكد أن المؤسسات الحقوقية -على اختلاف ساحات عملها- تخاطب جميع الجهات الدولية وصناع القرار، منذ بدء الاعتقالات، من أجل إطلاق سراح هؤلاء.

الجدير ذكره أن السلطات السعودية اعتقلت العودة والقرني في سبتمبر/أيلول من عام 2017، ضمن حملة اعتقالات واسعة طالت دعاة وأمراء ونشطاء، وذلك بعد أشهر من تولي ابن سلمان منصب ولي عهد المملكة.