ياسر سليم.. ما سر القبض على ضابط المخابرات المصري النافذ إعلاميا؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يلقب في الأوساط الإعلامية، والمخابراتية بـ"القبطان"، وهو من كتيبة ضباط المخابرات السابقين، الذين سيطروا على مجال الإعلام، وصناعة الدراما، والسينما في مصر في عهد نظام عبد الفتاح السيسي.

برز اسمه باعتباره إحدى الشخصيات التي أشرفت على إعداد قائمة "في حب مصر"، البرلمانية التابعة للسيسي، وهو أيضا أحد المتداخلين بقوة في إدارة حزب "مستقبل وطن" أقرب كيان سياسي للسلطة الحاكمة حاليا. بالإضافة إلى امتلاكه أنشطة استثمارية أخرى في مجال المطاعم السياحية والفنادق وتجارة السيارات، بالشراكة مع رجال أعمال آخرين.

ياسر سليم الذي أعده النظام ليكون "إمبراطور" أو "أخطبوط" الإعلام المصري، ورغم سطوته ونفوذه البارز، ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه يوم الجمعة 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، فلماذا سقط هذه السقطة؟ ولماذا تعمد النظام تسريب صورة القبض عليه لوسائل الإعلام والتي وصفت بـ"المهينة" لنشرها للرأي العام؟.

ضابط المخابرات

ياسر سليم هو الضابط القادم من جهاز المخابرات العامة، والذى بدأ يظهر فى الوسط الصحفى والإعلامى بشدة خلال السنوات الماضية، في ظل معلومات أنه أعد ليكون "إمبراطور الإعلام الجديد في مصر"، يحركه ويرسم سياسته التحريرية، نيابة عن الأجهزة الأمنية والمخابراتية فى الدولة.

وفي 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، نشر الناشط السياسي والمسؤول السابق في حملة ترشح السيسي للرئاسة حازم عبد العظيم (معتقل حاليا)، مكالمة صوتية بينه وبين ضابط في جهاز المخابرات العامة كشف فيها ترتيب الجهاز لقائمة "في حب مصر"، الموالية للسيسي للسيطرة على مقاعد البرلمان، وهو ما حدث بالفعل، فالقائمة الآن تشكل أغلبية مقاعد مجلس النواب.

وحسب عبد العظيم، المكالمة تمت في يونيو/حزيران 2015، وكشفت دعوة ضابط بالمخابرات (لم يذكر اسمه وقتها)، إلى حضور اجتماع لجان التنسيق للقوائم الانتخابية، وهو ما رفضه الأخير مبررا بأنه انسحب من القائمة وابتعد عن السياسة، فرد عليه ضابط المخابرات بأنه لا يعلم ذلك حيث جاءته التعليمات من "سيادة" الوكيل إيهاب "وكيل المخابرات" بدعوته لحضور الاجتماع في "المقر".

وفي نوفمبر/ كانون الثاني 2016، كشف عبد العظيم عن هوية الضابط الذي وصفه بـ"أنه من يدير ملف الإعلام داخل جهاز المخابرات وأحد القائمين الرئيسيين على تشكيل المشهد الإعلامي لدعم السيسي، هذا الضابط هو ياسر سليم".

الرجل القوي

في يوليو/تموز 2015، تم افتتاح مطعم "باب الخلق" في منطقة التجمع الأول بالقاهرة الجديدة، بحضور مجموعة من أبرز نجوم الفن والإعلام في مصر، ورغم أن الحدث كان يبدو عاديا، لكن اللافت هو بداية ظهور اسم "ياسر سليم"، بشكل متداول وسط نخبة المجتمع، ووسائل الإعلام.

أما البداية الحقيقية لتلك الشخصية المجهولة على المستوى العام، في يونيو/ حزيران 2014، عندما فازت شركة "بلاك أند وايت"، وشركة "برومو ميديا" والتي رأس مجلس إدارتها رجل الأعمال نجيب ساويرس، بالحقوق الحصرية لإعلانات جريدة اليوم السابع المطبوعة والموقع الإلكتروني.

و"بلاك أند وايت" هي شركة للإنتاج الفني، كانت قد دخلت إلى المجال حديثا، وياسر سليم هو الذي شغل منصب رئيس مجلس إدارتها.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2015، وقع سليم عقدا مع اتحاد الإذاعة والتلفزيون لإنتاج أضخم برنامج توك شو للتلفزيون "أنا مصر"، والذي رأس تحريره دندراوي الهوراي، وهو أيضا رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة اليوم السابع، ومندوب الجريدة سابقا في الجيش، وقدم البرنامج كل من أماني الخياط، شريف عامر، وريهام السهلي، وإيمان الحصري، ومحمد نشأت، ورضوى الشربيني، ونيفين الفقي، وجميعهم من الإعلاميين المحسوبين على نظام السيسي.

ومنذ ذلك الحين بدأت الهيمنة الفعلية لياسر سليم، على سوق الإنتاج الفني والإعلامي، فدخلت شركته "بلاك أند وايت" بقوة في المجال، وعمل معه عدد كبير من مشاهير الإعلام في مصر. 

ولم يقف التوغل عند ذلك الحد، فامتدت يد ياسر سليم لتستحوذ على موقع "دوت مصر" الإخباري، وأصبح رئيس مجلس إدارته، بعد أن اشترت شركة "مصر الآن" التي يملكها سليم، الموقع بعد وفاة مؤسسه عبدالله كمال، وبعد ذلك تم بيع الموقع لمجموعة "إعلام المصريين" التابعة لجهاز المخابرات العامة. 

ضابط المخابرات ياسر سليم وسط مجموعة من الفنانين

هيمنة مطلقة

في 9 أيار/ مايو 2016، أُعلنت شراكة بين "بلاك أند وايت"، وشركة "سينرجي"، التي يترأسها المنتج تامر مرسي، تحت اسم "سينرجي وايت"، وبدأوا بإنتاج عدة مسلسلات منها "الطبال" و"أزمة نسب" و"سبع أرواح". 

كما أنتج ياسر سليم بنفسه، مسلسلات "مأمون وشركاه"، لعادل إمام و"أبو البنات" و"القيصر" و"شهادة ميلاد" و"كفر دلهاب"، و"عفاريت عدلي علام"، و"أرض جو" و"الكبريت الأحمر" و"الكبير قوي" و"سرايا حمدين".

لم يكتف ضابط المخابرات السابق بالمسلسلات، بل اتجه لإنتاج ألبومات غنائية للفنانين "محمد عباس، ومي حافظ، وهاني حسن الأسمر، ودينا عادل، وأيمن الجندي، ونور سليم، ومروة ناجي، وعبدة سليم".

وفي يوليو/ تموز 2018، صدر قرار بتعيين ياسر سليم نائبا لرئيس مجلس إدارة مجموعة إعلام المصريين. ثم أصبح العضو المنتدب ورئيس مجلس إدارة فضائيتي "الحياة" و"العاصمة " وإذاعة وراديو "النيل"، واشترى صحيفة "صوت الأمة".

وفضائية "الحياة" تحديدا، التي كانت مملوكة لرجل الأعمال السيد البدوي رئيس حزب الوفد، تم بيعها لـ "شركة تواصل"، في صفقة كبرى بقيمة 1.4 مليار جنيه، وبعد ساعات من بيعها، تولى ياسر سليم، رئاسة مجلس إدارتها. 

سقوط مدو

في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، تم تداول نبأ القبض على "المنتج الهارب" ياسر سليم، كما نص الإعلام الموالي للنظام المصري. وذكرت المواقع المملوكة للمخابرات بصياغة موحدة أن سبب إلقاء القبض على سليم هو "اتهامه بإصدار شيكات من دون رصيد للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية".

وتناقلت وسائل إعلام النظام صورة مهينة لسليم في سيارة "ميكروباص"، وبجانبه عنصران أمنيان غير واضح ما إذا كانا تابعين للشرطة أو جهاز آخر.

واللافت أن الشركة الشاكية التي تُعتبر من الشركات الجديدة في مجال الإنتاج الإعلامي، هي إحدى شركات مجموعة إعلام المصريين التي كان سليم نائبا لرئيسها، ويرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال المقرب من المخابرات العامة تامر مرسي، الذي عيّن ياسر سليم نائبا له في رئاسة المجموعة.

وسائل الإعلام قالت: إن سليم كان "هاربا"، وبعض المواقع الإلكترونية التي نشرت الخبر على عجالة، كانت قد نشرت صورا لاحتفاليتين أقامهما سليم الشهر الحالي، دعا فيهما عددا كبيرا من الفنانين، في أحد المطاعم التي يملكها بالقاهرة الجديدة.

وحسب تقارير إعلامية، تم إبعاد سليم سرا عن منصبه كنائب لمجموعة إعلام المصريين منذ 5 أشهر، في إطار حركة "إعادة هيكلة" للمجموعة وشركات الدعاية والقنوات والصحف التابعة لها. وبمعنى أوضح، تم إبعاد سليم عن ممارسة دوره كواجهة لإدارة أموال المخابرات وشخصيات كبيرة بالنظام.

لكن المفارقة أن سليم، لم يبعد فقط، بل تم اعتقاله، ليصبح هذا الإجراء هو الأقسى بحق شخصية على هذا المستوى الاستثنائي من النفوذ والقرب من السيسي ونجله محمود ومدير مكتبه عباس كامل. لتبرز التساؤلات عن سبب هذا الإجراء الشديد بحق ضابط المخابرات السابق، والواجهة الإعلامية للمخابرات.

لحظة القبض على ضابط المخابرات السابق ياسر سليم

صراع خفي

الإعلامي المصري علي حمد، المذيع في قناة وطن الفضائية، قال لـ"للاستقلال": "نظام السيسي يشهد بشكل مستمر صراع أجنحة معقد، وخلال الفترة الماضية تصاعدت الخلافات بشكل واضح، لتصل إلى أروقة وسائل الإعلام، وكان تقرير (مدى مصر) الأخير عن إبعاد محمود السيسي، والمقدم أحمد شعبان خير دليل". 

وأضاف الإعلامي المصري: "الربط بين تقرير مدى مصر، واقتحام مقر الموقع، واعتقال الصحفيين، وبين القبض على ياسر سليم، في اليوم التالي، هو ربط منطقي، وسبب وجيه، لأن يكون سليم هو أحد مصادر المعلومات الواردة في تقرير مدى مصر، لذلك تم القبض عليه والتنكيل به مباشرة". 

وأكد حمد: "السيسي لا يثق بشكل مطلق في أحد، باعتباره رجل مخابرات، لكنه يولي العسكريين ثقة أكثر من المدنيين، لذلك أدخل رجال المخابرات بشكل مباشر في إدارة المؤسسات الإعلامية، والصحفية، كما أدخل المزيد من العسكريين في جميع مفاصل الدولة، مثل حركة المحافظين الأخيرة". 

وفي 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال الحساب الرسمي للموقع الإخباري "مدى مصر" على مواقع التواصل الاجتماعي: إن "قوات أمنية بزي مدني"، اقتحمت مكتبه في القاهرة". 

واتهمت النيابة المصرية، الموقع بأنه تابع لجماعة الإخوان المسلمين، ويقوم "بنشر أخبار وشائعات كاذبة لتكدير الأمن العام".

وجاء هذا الإجراء بعد أن صعدت قوات الأمن المصرية ضغوطها على "مدى مصر" فداهمت مقره، واحتجزت 3 من كبار المحررين، بالإضافة للقبض على الصحفي شادي زلط من منزله، لما أشيع أنه محرر التقرير المتعلق بـ "نجل السيسي.

وفي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، نشر موقع "مدى مصر" تقريرا، مفاده أن السيسي وافق على إبعاد نجله من المخابرات بعد سلسلة إخفاقات وأزمات داخلية هددت استقرار نظامه، ونسب الموقع المعلومات الواردة في التقارير لمصادر أمنية داخل جهاز المخابرات العامة.

إعادة هيكلة

في 22 مايو/ آيار الماضي، منعت مؤسسة الأهرام، طباعة عدد صحيفة الأهالي لسان حال حزب التجمع اليساري، بسبب تحقيق صحفي عن شركة "إيغل كابيتال" المملوكة لجهاز المخابرات.

وتترأس الشركة وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد زوجة رئيس البنك المركزي طارق عامر، وتستهدف الاستحواذ على شركات كبرى في مجالات مختلفة، ومنها العاملة في مجال الإعلام ممثلة في عدد من القنوات الفضائية والصحف.

وجاء في التحقيق الذي مُنعت بسببه الصحيفة أن "رئيسة الشركة ارتكبت مخالفات جسيمة، مستغلة نفوذ زوجها للضغط على البنوك لمنع الحجز على شركة مدينة بـ 450 مليون جنيه (نحو 25 مليون دولار)". 

ثم جرت الإطاحة بعدد من الأسماء الإعلامية كان آخرها الإعلامي أسامة كمال، وسبقه تامر عبد المنعم، وإبراهيم عيسى، ولميس الحديدي، التي عادت أخيرا إلى قناة سعودية، وعشرات الصحفيين والمعدين لأسباب غامضة رغم خدماتهم الجليلة للنظام.

وفي فيديو سابق، قال المذيع المستبعد تامر عبد المنعم: إن ياسر سليم هو سبب أزمته، متهما إياه باستغلال اسم الأجهزة الأمنية للسيطرة على الإعلام، مؤكدا أن سليم هو من يشيع عن نفسه ارتباطه بالمخابرات، فيما هو رجل مدني ليست له علاقة بالأجهزة الأمنية.