أقرّها لأجلهم.. لماذا لا يكترث المتظاهرون لقرارات برلمان العراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تشهد الدورات السابقة للبرلمان العراقي منذ عام 2003، تعطلا للقوانين وإخفاقا في التشريعات النيابية كالدورة الحالية، التي اكتفت خلال عام كامل بتمرير قانون الموازنة العامة المرحّل من الدورة السابقة.

لكن مع انطلاق الاحتجاجات العراقية مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دارت عجلة إقرار القوانين بشكل لافت حتى أن البرلمان أقر 5 قوانين تعتبر مهمة، وبقي اثنان يجري العمل عليهما لدفعهما إلى مرحلة التصويت.

من أبرز القوانين التي أقرت في شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني 2019: "إلغاء المفتشين العامين بالوزارات، إلغاء الامتيازات المالية للمسؤولين بالدولة، قانون التقاعد الموحد، اللجنة الأوليمبية، إنهاء عمل مجالس المحافظات".

كما أن البرلمان يعكف حاليا على مناقشة وقراءة قانوني الانتخابات التشريعية، ومفوضية الانتخابات المستقلة، وهذان القانونان يعتبران الأهم من بين القوانين الأخرى، إذ أنه قد يغير مسار العملية السياسية بالكامل.

وتأتي أهمية القانونين اللذين لم يصوت عليهما البرلمان بعد، لأن المفوضية الحالية متهمة بتزوير الانتخابات، وعدم الاستقلالية، كما أن قانون الانتخابات السابق يمنح الكتل والأحزاب الكبيرة فرصا أكبر للفوز على حساب المستقلين والأحزاب الصغيرة.

ويرفض المحتجون القوانين التي يصدرها البرلمان، لأن أغلب وجوهه السياسية مساهمة في العملية السياسية منذ عام 2003 وحتى الآن، والكثير منها تسبب في إيصال البلد إلى وضعه الحالي.

ليست قانونية

في سابقة لم تحدث في جميع دوراته السابقة منذ 2003، صوت البرلمان في 8 أكتوبر/ تشرين الثاني على 20 قرارا وتوصية دفعة واحدة، في محاولة لامتصاص غضب المتظاهرين.

وشملت قرارات البرلمان حزمة إجراءات إصلاحية أولية تتضمن الإفراج الفوري عن جميع المتظاهرين الذين لم يعتدوا على الممتلكات العامة، وتعويض عوائل من قتل في خلال الاحتجاجات بمن فيهم العناصر الأمنية.

ووافق البرلمان أيضا على تأسيس صندوق للبطالة وصندوق للتنمية لمساعدة الخريجين والشباب العاطلين في إيجاد وظائف، على أن يتم تمويلهما عبر استقطاعات من رواتب كبار المسؤولين الحكوميين.

بالإضافة إلى ذلك، سيتم تأمين رواتب شهرية للأسر التي ليس لديها دخل ثابت. وتقرر كذلك إعادة جميع الموظفين في الوزارات والأجهزة الأمنية الذين فسخت عقودهم الوظيفية.

إلا أن تلك التوصيات والقرارات كانت غير ملزمة لأنها فيها جوانب مالية، لأنها يجب أن ترجع إلى الحكومة وهي من تقدمها كمشروع قانون إلى مجلس النواب، أما المجلس فلا يحق له تشريع أي قانون فيه التزامات مالية، بحسب برلمانيين.

وحمّل نواب، رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، خطأ تمرير هذه القرارات الـ20، مشيرين إلى "أنها جاءت لامتصاص غضب الجماهير، لكنها يجب أن تكون قانونية، وليس بالصورة التي أقرت فيها"، على حد تعبيرهم.

فات الآوان

رغم أهمية بعض القوانين، والتي سبق أن طالب المحتجون بإقرارها مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، قبل تحول مطالبهم إلى إقالة الحكومة وحل البرلمان، إلا أنها لم تلق أي اهتمام من المحتجين.

ولم يوقف المتظاهرون احتجاجاتهم حتى بعد إقرار مجموعة من القوانين، لأن الاحتجاجات اليوم حسب محللين سياسيين، أصبحت غير مرتبطة بإلغاء الامتيازات ومحاربة الفساد، وإنما تحولت إلى جوانب سياسية مرتبطة بشكل النظام واستقالة الحكومة والذهاب لانتخابات مبكرة.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال المحلل السياسي عدنان الناصري إن "جزءا من الموضوع متعلق بالفكرة التي انطلقت منها التظاهرات وهي الإصلاح الشامل وصولا إلى تغيير النظام السياسي بكل ما تحمله الكلمة من معنى".

وأضاف: "وجزء آخر متعلق بالتجارب الماضية التي أصابها الإخفاق، وسياسة التسويف والترقيع التي طالما تكررت دون نتيجة. وجزء ثالث يدور حول بعض الأطراف المؤدلجة التي لها أهداف وارتباطات مختلفة".

ورأى الناصري أن ثمة أمرين مهمين أيضا هما: "إدارة الحكومة للأزمة والذي لم يكن موفقا، إذ كان يعتمد في جزء منه على عامل الوقت وهو ما زاد من حدتها وتعقيدها ورفع سقف المطالب، فبينما كان إعلان الاستقالة يوم 25 / 10 كافيا لإنهاء الاحتجاجات لم يعد اليوم ملبيا للطموح الذي غذته دماء الضحايا وستفتح قائمة ربما لن تنتهي من المطالب".

والأمر الثاني، حسب الناصري، هو أن "مادة التظاهرات هي من بسطاء الناس الذين دفعتهم حاجتهم للخروج، وهؤلاء ربما لا يهتمون بمدى التعقيد الذي عليه إدارة الدولة ويريد تبويب كل شيء يطلبه دون أي اعتبار للالتزامات الدستورية وغيرها".

واختتم الناصري حديثه بالقول: "باختصار المشهد يزداد تعقيدا، وربما تخف حدة الأمور قليلا، لكن قمع التظاهرات بالقوة المفرطة يمنحها الفرصة للبقاء".

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي عمار الحميداوي في حوار مع قناة "فراس24"، إنه "رغم الإصلاحات التي تجريها الكتل السياسية والحكومة، فإن الشارع العراقي لم يكترث لها، وأصبح كحوار الطرشان بين الحكومة والمتظاهرين".

ولفت إلى أن سبب ذلك يعود إلى أن المتظاهرين يطالبون برحيل الطبقة السياسية التي تدير مقاليد الحكم في العراق منذ 16 عاما، ومحاكمة الفاسدين الذين نهبوا أموال البلاد، وليس بتقديم إصلاحات وقرارات.

تقصير حكومي

أما النائب في البرلمان عبد الخالق العزاوي، فرأى أن "أغلب القوانين ومنها قانون إلغاء الامتيازات، هي مئة بالمئة جاءت بناء على مطالب المتظاهرين، لكنهم مؤخرا رفعوا سقف مطالبهم".

وأوضح العزاوي في تصريحات صحفية، أن "المتظاهرين في البداية كانوا يطالبون بالوظائف وقوانين موحدة للتقاعد وإلغاء الامتيازات للمسؤولين، لكن بعد إقرار هذه القوانين رفعوا سقف مطالبهم".

ولفت إلى أن "أغلب القوانين تأتي إلى البرلمان من الحكومة تلبية لمطالب المتظاهرين"، مشيرا إلى أنها لاقت رضى من الشارع، لكن هناك تباين ثقافي بين المحتجين أنفسهم، فالبعض يقتنع بها وآخرون يقطعون الطرق ويغلقون الموانئ للضغط على الحكومة".

وبخصوص تأخر إقرار القوانين حتى انطلاق المظاهرات، نفى النائب أن يكون البرلمان يؤخر إقرار مثل هذه القوانين في السابق، ملقيا بالمسؤولية على الحكومة لأنها هي من ترسلها البرلمان لإقرارها، حسب قوله.

لكن النائب أكد وجود قوانين من الصعوبة بمكان إقرارها في الوقت الحالي لحساسيتها الكبيرة، مثل قانون النفط والغاز، والمناطق المتنازع عليها. فهذه كيف تقر في البرلمان وعليها خلافات سياسية؟.

وفي الوقت ذاته، أوضح العزاوي: "صحيح أن الاحتجاجات دفعت لإقرار هذه القوانين مؤخرا، لكن هناك رضى من البرلمانيين أيضا للتصويت عليها ولم تواجه اعتراضا".

"برلمان التزوير"

النائب في البرلمان مثنى أمين قال في وقت سابق لـ"الاستقلال": "تأخر التشريعات في البرلمان إلى ما بعد إتمام عام من عمره يعود إلى ضعف رئاسة البرلمان الحالي، والإرباك السياسي الذي يشهده البلد".

وأشار إلى أن ما يجري من تعطل للقوانين "يعد سابقة أولى، فهذه الدورة البرلمانية هي الأسوأ من بين الدورات السابقة، لأسباب كثيرة من أهمها أنها جاءت أساسا من عدم شرعية الانتخابات البرلمانية التي جرت في آيار/مايو الماضي، والتزوير الواسع الذي حصل فيها".

ولفت أمين إلى "وجود أكثر من 17 نائبا قضاياهم (شرعية عضويتهم) يجب أن تحسم من السلطات القضائية، لكن هناك تدخل من السلطة التنفيذية والقيادات السياسية والمافيات بأن لا تمشي هذه القرارات".

وتابع النائب: "هناك للأسف نظام سياسي مرتبك وملتبس بكثير من الإشكالات التي تعيق العمل الصحيح لمجلس النواب".

وحول أهم القوانين المعطلة، قال النائب: "القوانين التي تحتاج إلى إقرار، كثيرة جدا، ومنها ما يتعلق بأصل النظام السياسي والتي تأخرت من الدورات السابقة وكان يجب أن تشرّع".

وبيّن أمين، أن "من القوانين المهمة هي: قانون مجلس الاتحاد وقانون النفط والغاز، وقانون المحكمة الاتحادية وقوانين أخرى من هذا النوع، كلها تتعلق بتشكيلة الدولة، وأخرى لها علاقة بحاجات المواطنين".

ورغم تقديم رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالهدي، استقالته إلى البرلمان السبت 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إلا أن المظاهرات حافظت على زخمها، ما يؤكد حسب مراقبين، أن المتظاهرون بات سقفهم أبعد من ذلك، فهم ينظرون إلى حل البرلمان وإزالة الطبقة السياسية الحالية من المشهد.