لماذا صمتت أمريكا عن خاشقجي ورفعت صوتها بقضية مولوي؟

شدوى الصلاح | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

كعادتها، سارعت الولايات المتحدة باتهام إيران، باغتيال مواطنها المعارض مسعود مولوي في إسطنبول، مستندة إلى تقارير لا تحقيقات، بينما تغض الطرف عن ولي العهد السعودي الذي يواجه اتهامات دولية بقتل مواطنه الصحفي جمال خاشقجي في ذات المدينة التركية.

وقال وزير الخارجية مايك بومبيو في تغريدة على تويتر في 27 نوفمبر/تشرين الثاني: إن "قسوة النظام الإيراني لا حدود لها بعد التقارير التي تحدثت عن اغتيال معارض إيراني في تركيا".

وفي وقت سابق من هذا الشهر، قُتل الثلاثيني مولوي، الذي كان يدير موقعا معارضا للتواصل الاجتماعي، بالرصاص في تركيا وتحديدا بإسطنبول، وفق ما أوردت وسائل إعلام تركية ودولية.

في المقابل، لم يخرج أي من أفراد الإدارة الأمريكية موجها الاتهام ذاته للنظام السعودي الذي يقوده ابن سلمان، عقب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين أول 2018.

كما لم تلحق الإدارة الأمريكية تلك التوصيفات التي استخدمتها في توصيف حادث اغتيال "مولوي" بالنظام السعودي، ولا بولي العهد بل أعطته مزيدا من الحصانة، رغم الأدلة المتراكمة التي تثبت تورطه بعملية الاغتيال.

وهذا بالرغم من أن الأمر الثابت أن كلا البلدين لديهما سجل حافل بالانتهاكات الحقوقية وعلى رأسها ممارسة الاغتيالات والقتل والاعتقال خارج إطار القانون.

ويقول مراقبون: إن الدولتين موصومتان بسمعة سيئة في ملفاتهما الحقوقية، ولكن يبدو أن المصالح المشتركة والتحالفات هي المحرك الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية، والتي تضعها في موضع مشبوه، خاصة أنها تحاضر عن حقوق الإنسان وتتغنى بها.

تعهد ترامب

وتعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد 10 أيام من اغتيال خاشقجي، ‏بمعاقبة المملكة إذا ثبت تورطها في الحادث، وقال: إنه ينتظرها "عقاب شديد".

ترامب كان أكثر وضوحا بشأن علاقة المنفعة القائمة بينه وبين السعودية، حين صرح أكثر من مرة أنه لا يريد اتخاذ خطوات قد تضر بتوفير وظائف للأمريكيين إذا منعت صفقات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية، وذلك في الوقت الذي كانت المملكة تصر على أن اتهاماتها بإصدار تعليمات بقتل "خاشقجي" أكاذيب لا أساس لها.

وتوالت نتائج التحقيقات والأدلة التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك تورط شخصيات سعودية وعلى رأسها ولي العهد في الحادث، أبرزها ما توصلت إليه وكالة الاستخبارات المركزية CIA بعد شهر من الحادث، بأن "ابن سلمان" أمر باغتيال خاشقجي.

وأفاد مصدر مطلع على القضية لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية التي كان خاشقجي أحد كتابها، بأنه "لا يمر أي أمر دون علم ولي العهد أو مشاركته باعتباره حاكما فعليا للبلاد، بجانب تأكيد مسؤولين أوروبيين أن الواقعة لم تكن لتحدث دون توجيه من ابن سلمان، فضلا عن أن أعضاء فريق القتل لهم تواصل مباشر معه".

وأضاف المصدر المطلع أن تقييم CIA هو الأكثر دقة حتى الآن، ويعقّد مساعي إدارة ترامب للحفاظ على علاقتها مع حليف وثيق. 

موقف الإدارة الأمريكية خاصة بعد تقرير الـCIA، بات أكثر وضوحا بأنها لا تلقي بالا بالملف الحقوقي بالمملكة وأكثر ما يشغلها هو كيف تحافظ على حليف تعتبره مصدرا أساسيا في جمع الأموال.

ما خلصت إليه الاستخبارات الأمريكية عارضه الرئيس الأمريكي وتلاعب بألفاظه، فيما ضاعف وزير الخارجية الأمريكي من دعم بلاده اللامحدود لابن سلمان، حين امتنع عن التعليق على تقييم الـCIA، مصرحا بعدم وجود دليل مباشر على تورط ولي العهد السعودي بقتل خاشقجي، وأن علاقة بلاده بالسعودية مهمة وتهدف للحفاظ عليها.

وهو التصريح الذي قاله لـCNN، على هامش قمة العشرين التي عقدت في يونيو/حزيران الماضي، بمدينة أوساكا باليابان والتي كانت بداية مساعدة الإدارة الأمريكية لولي العهد السعودي وإعادته للظهور مرة أخرى بعد أن كان منبوذا من المجتمع الدولي بعد حادث خاشقجي. 

تلك المواقف الواضحة من الإدارة الأمريكية والتي تحمل تفان ملحوظ في حماية ولي العهد السعودي، وغيرها مواقف أخرى كالإصرار على توطيد العلاقات بين البلدين على كافة الأصعدة، جعلت واشنطن محل انتقاد قوي على المستويين الداخلي والخارجي.

فقد وجه أعضاء الكونغرس الأمريكي انتقادات حادة لترامب وإدارته بشأن تعامله مع الجريمة، كما حذره الإعلام الأمريكي من أن دفاعه عن ابن سلمان سيلطخ سمعته وبلاده، فيما هاجمته الصحف العالمية ومنظمات حقوق الإنسان، ودعته لاتخاذ إجراءات أكثر حسما ضد المسؤولين عن الاغتيال.

 تأهيل ابن سلمان 

إلا أن الرئيس الأمريكي ضرب بعرض الحائط كل ما يقال بهذا الملف، معلنا صراحة أنه سيتجاوز عن تورط ابن سلمان في الجريمة وسيواصل الشراكة مع المملكة لحماية مصالح بلاده، وواصل جهوده لإعادة تأهيله حاكم المملكة الفعلي.

وقد نشرت واشنطن بوست مقالا للكاتبين شين هاريس وجون هدسون يقول: إن ترامب ساعد في إعادة تأهيل ابن سلمان وإعادته للساحة الدولية، بالرغم من أنه كان منبوذا في المجتمع الدولي.

الصحيفة أشارت إلى الصورة التذكارية التي جرى التقاطها للمشاركين في قمة العشرين الأخيرة والتي ظهر فيها "ابن سلمان" متوسطا المنصة بين الرئيسين الأميركي والياباني، والتي تعد مؤشرا واضحا على الترحيب به مجددا، ولو على مضض، في المجتمع الدولي.

وقالت الصحيفة: إن "ابن سلمان" الذي خلصت تحقيقات الأمم المتحدة ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) إلى مسؤوليته عن جريمة قتل خاشقجي لم يكن ليحظى بذلك الترحيب من قبل زعماء العالم لولا جهود ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو التي مهدت الطريق لذلك.

الصحيفة أوردت أيضا مواقف الرئيس الأمريكي واستخدامه حق الفيتو لمواصلة تصدير السلاح للحكومة السعودية.

ما خلصت إليه صحيفة الواشنطن بوست أكدته صحيفة نيويورك تايمز أيضا في تقرير لها بعنوان تحت عنوان "دعوة إفطار تساعد على بناء موقف ولي العهد"، والذي أشار إلى دعوة ترامب لابن سلمان أثناء القمة للإفطار معه.

 

الصندوق الأسود

كل ما سبق ذكره كان كاشفا للسياسة التي انتهجتها الإدارة الأمريكية في التعامل مع حادث اغتيال خاشقجي، والتي اختلفت كليا مع اغتيال المعارض الإيراني ‏المنشق مسعود مولوي  الذي أكدت الشرطة التركية مقتله بـ11 طلقة في 14 نوفمبر/تشرين ثاني.

وبحسب شبكة BBC، فإن "مولوي" يبلغ من العمر 32 عاما وقدم  نفسه لمتابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي بصفة "عالم ومخترع"، وحاصل على شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة و"أحد عباقرة الذكاء الاصطناعي"، ويتعاون مع  السلطات التركية في تصنيع طائرات مسيرة (درون).

"مولوي" قتل عندما كان يسير مع أحد الأصدقاء في حي شيشلي بإسطنبول، وفق وكالة ديميرورين للأنباء، وعثر على غلاف رصاصات في مكان الحادث، وأظهرت تسجيلات مصورة نشرتها وكالة إخلاص للأنباء، ما يبدو أنه لحظة القتل.

وكان مولوي يساعد في إدارة قناة على تطبيق تلغرام تدعى "الصندوق الأسود"، كانت تنشر اتهامات بالفساد بحق أعضاء في الحكومة وجهازي القضاء والاستخبارات، وتقول إن لديها صلات من داخل الحرس الثوري.

وبالرغم من أن الشرطة التركية لم تعلن عن الجهة التي نفذت الاغتيال وتكتفي بالإشارة إلى أن التحقيقات مازالت جارية، اعتقلت 5 أشخاص على علاقة بالواقعة، إلا أن ناشطين اتهموا النظام الإيراني مشيرين إلى أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية لها وجود ملحوظ في تركيا.

ازدواجية أمريكا

وتحت عنوان "تُدين واشنطن أعداءها في الشرق الأوسط على انتهاكاتهم، لكنها تمنح ضوءا أخضر لأصدقائها"، أصدر مركز كارينغي للشرق الأوسط، بحثا يرصد بشكل واضح ازدواجية الموقف الأمريكي بشأن ملف حقوق الإنسان، إذ رصد موقف الإدارة الأمريكية من الملف الحقوقي في إيران والسعودية.

ويجزم المركز بأن الوضع الحقوقي في البلدين المشار إليهما سيئ، مبينا أن وزير الخارجية الأمريكي كثير تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، موضحا أن الأمر بلغ ذروته في خطاب ألقاه في 22 يوليو/تموز 2018، بعنوان "دعم الأصوات الإيرانية". 

وبين أن الإدارة الأمريكية اختارت التركيز على انتهاكات إيران لحقوق الإنسان كدعامة محورية في حملتها ضد الجمهورية الإسلامية. 

وتحدث البحث عن استمرار إدارة ترامب في  تقديم مساعدات عسكرية للحملة السعودية والإماراتية في اليمن، على الرغم من المخاوف المتزايدة التي يعبّر عنها مسؤولون في الأمم المتحدة من أن الهجمات التي يشنها التحالف ضد المدنيين ربما تندرج في إطار جرائم الحرب.

البحث وصف السياسة الخارجية الأمريكية بأنها "عمل فوضوي"، يتخذ سلوكا متشددا نحو إيران، ومتغاضيا نحو السلطويين، بما فيهم السعودية، التي يتواصل فيها تطهير المعارضين الذي بدأ منذ خريف 2017، وعمدت إلى توقيف المدافعين عن حقوق المرأة.

الرياض وطهران اتخذتا الاغتيالات منهجا للتعامل مع المعارضين، بالإضافة إلى قمع الحريات، فإيران لديها تاريخ طويل من العمل مع مجموعات إجرامية من أجل تنفيذ الاغتيالات، بينما تعمد السعودية لاستخدام فرق مختلفة حسب احتياجها أبرزها فرقة النمر التي نفذت اغتيال خاشقجي.

ويرى مراقبون أن الاغتيالات التي تعرض لها مثقفون وسياسيون إيرانيون كثيرة، إذ تعد صاحبة سلسلة اغتيالات مروعة ارتكبتها ضد خصومها في الخارج في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ومازالت تواصل مسيرتها حتى الآن. 

واستخدمت تلك الآلية بقوة منذ العام الماضي بالتخطيط لأكثر من عملية اغتيال لخصومها في بلدان أوروبية أبرزها فرنسا وألمانيا والدنمارك وهولندا، إلا أن الجمهورية الإسلامية لم تعترف بأي منها.

وبدورها دعت منظمة العفو الدولية المجتمع الدولي لإدانة إيران علنا بسبب تدهور سجلها في مجال حقوق الإنسان، متحدثة عن معدلات الإعدام المروعة والاضطهاد لمستمر للمدافعين عن الحقوق، والتمييز المتفشي ضد النساء والأقليات، وصولا إلى الجرائم المستمرة ضد الإنسانية.

أما السعودية، فقد فتحت جهات إعلامية وحقوقية ملفها بعد حادث اغتيال خاشقجي. وكشفت هيئة الإذاعة البريطانية BBC، تفاصيل جديدة ومثيرة بشأن ملف اغتيال المعارضين السعوديين داخليا وخارجيا، مؤكدة أن جمال خاشقجي ليس الأول.

وخلصت تحقيقات صحفية إلى  وجود فرقة سعودية سرية أُطلق عليها اسم "فرقة النمر"، تشكلت بأوامر قيادات عليا جدا في المملكة، وأوكل إليها تنفيذ عمليات خارج نطاق عمل الأجهزة الأمنية السعودية، إلا أن مقتل خاشقجي فضح أمرها.

وتتلخص مهمة الفرقة في تصفية كل من يعارض ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولا يقتصر الأمر على المواطنين السعوديين.

المصلحة السياسية

علي الدبيسي -الناشط الحقوقي السعودي رئيس المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قال: إن موقف بومبيو من اغتيال مسعود مولوي يؤكد أن ما يحرك أمريكا ليس إيمانها بالحقوق أو أنها ترى ما حدث انتهاكا حقوقيا وإنما تتحرك وفق المصالح السياسية.

واعتبر في حديثه مع "الاستقلال" أن من الخطأ أن نفسر السلوك الأمريكي بأنه يتحرك وفق بوصلة حقوق الإنسان، مؤكدا أن تعويل شعوب المنطقة على ذلك يمثل خطرا عليها.

وأضاف "الدبيسي": "أمريكا حينما تتحرك لحماية حقوقنا في السعودية، سأكون أكثر قلقا على مستقبل البلاد"، مشيرا إلى أن الطريق لاسترداد وصيانة وحماية حقوق الشعب السعودي يبدأ بالوعي أن أمريكا هي واحدة من أهم أسباب التدهور الحقوقي في السعودية، وقضية خاشقجي أبلغ مثال.

وجزم بأن أمريكا لا تتحرك وفق العداوة، فهي يمكن أن يصبح عدوها صديق وتجلس معه، ويمكن لصديقها أن تتأمر عليه، أي أن المسألة في المصلحة السياسية، وليست بالحب أو البغض.

المحلل السياسي الدكتور أحمد غانم، عقب على ازدواجية الموقف الأمريكي في التعامل مع حالتي الاغتيال السعودي والإيراني، قائلا: إن الإدارة الأمريكية ليس لديها معايير أخلاقية يمكن القياس عليها، ومعيارها الأساسي هو المصلحة السياسية الأمريكية.

وأوضح في حديثه مع "الاستقلال" أن الإدارة الأمريكية عامة وإدارة ترامب خاصة تأخذ الموقف الذي يناسب السياسة الأمريكية ومصالحها، بغض النظر عن أخلاقية ذلك من عدمه.

وأضاف "غانم": أن الرئيس الأمريكي أعلن تلك السياسة بصراحة بينما باراك أوباما كان يمارسها بشكل دبلوماسي، والحقيقة أن السياسة الأمريكية الخارجية لم تتغير منذ الستينات وحتى الآن ومصلحتها الأساسية هي ما يخدم مصالحها وليس مصالح الشعوب أو مساعي الديموقراطية.

وأضاف:  "إذ طبقت أمريكا معيار المصلحة، ستجد أن المصلحة السياسية الأمريكية العليا في دعم الكيان الإسرائيلي، لأنه يعتبر الكيان الموالي لأمريكا في الشرق الأوسط وفي دعم الديكتاتوريات العربية".