تسريبات قضية الوردانين.. كيف هزت عرش حيتان المافيا في تونس؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أعاد ظهور نقيب في الحرس الوطني التونسي (جهاز شبه عسكري تابع لوزارة الداخلية) زياد فرج الله من خلال مقطع فيديو على موقع فيسبوك، الحديث مجددا عن ملف الإرهاب في تونس.

الضابط بالحرس الوطني حذر من عمليات إرهابية سوف تحصد آلاف الأرواح في تونس، كما تحدث عن كشفه لمخازن أسلحة في مدينة الوردانين الساحلية شرقي البلاد، وعن امتلاكه معلومات حول تسفير الشباب للالتحاق بالتنظيمات المسلحة في سوريا.

الضجة التي أثارها فرج الله، دعّمها ظهور شخص ثاني يدعى يوسف بن سالم، الشهير بـ"شوشو" يقيم أيضا في منطقة الوردانين، وقدم نفسه كونه كان شريكا لرجل الأعمال لزهر سطا خلال قيامه بأعمال مشبوهة وجرائم على علاقة بما ذكره النقيب فرج الله.

معلومات خطيرة

كشف النقيب بالحرس الوطني في المنستير، زياد فرج الله، عن توزيع أسلحة بكامل تراب الجمهورية، قد تهدد أرواح "آلاف التونسيين".

وأوضح زياد فرج الله، في فيديو بثه على فيسبوك، أن لديه قرائن وحجج وتسجيلات صوتية، تفيد بوجود مخازن للسلاح بالوردانين، تم توزيعها على الإرهابيين.

وقال فرج الله: "قمت بتسليم تقرير يحتوي على عشرات الأسماء وأماكن السلاح، والأطراف المتورطة، وكشفت في هذا التقرير أخطبوط الإرهاب والإرهابيين، وقدمته إلى إدارة الوحدة المختصة في جرائم الإرهاب، غير أنها لم تحرك ساكنا،  وتم تسريب التقرير حتى أصبحت مهددا مع عائلتي بالتصفية".

وتابع النقيب: "هذه المرة سينشر السلاح لدى المجرمين من الخارجين عن القانون، للقيام بعملية إرهابية".

أحيل بعدها النقيب زياد فرج الله للنيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، التي قررت إطلاق سراحه، وفتح تحقيق فيما تم تداوله بصفحات التواصل الاجتماعي حول الفيديوهات المتداولة وتعهد أحد قضاة التحقيق بالملف.

وأكدت وزارة الداخلية في بيان، أن التصريحات التي أدلى بها فرج الله حول الكشف عن مخزن أسلحة بمنطقة الوردانين ووجود مخططات إرهابية هي "تصريحات مجانبة للحقيقة".

وأضافت أن فرج الله لا ينتمي إلى اختصاصات مكافحة الإرهاب أو الوحدة المختصة للحرس الوطني، مثلما ذكر في الفيديوهات، ويتمتع حاليا بإجازة مرضية، مشيرة إلى أنه تم الاستماع له من قبل الإدارة على خلفية تصريحات سابقة وتم فتح بحث إداري في الموضوع.

الناطق الرسمي باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب والمحكمة الابتدائية بتونس سفيان السليطي، أفاد في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 لوكالة تونس إفريقيا للأنباء: أن النيابة العمومية بالقطب أذنت بفتح تحقيق بخصوص ما نشره النقيب زياد فرج الله.

ووصف السليطي، في وقت سابق، ما جاء في الفيديو: بأنه "لا أساس له من الصحة ومعطيات زائفة من شأنها تعكير صفو الأمن العام". 

مافيا "شوشو"

في الوقت الذي بدأ الشارع التونسي يتجاوز تصريحات النقيب زياد فرج الله، خرج يوسف بن سالم المعروف بـ "شوشو" بتصريحات على إذاعة "نجمة أف أم" يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، اعترف خلالها بتورط رفقة رجل الأعمال لزهر سطا  بارتكاب جرائم وممارسات مخالفة للقانون.

"شوشو" أكد أن رجل الأعمال سطا هو المخطط لأحداث الوردانين عام 2011، والتي أدت لسقوط قتلى وجرحى، مبينا أن المذكور طلب مشاغبة رجال الأمن ومواجهتهم لأنه كان شريكا لصهر زين العابدين بن علي، رجل الأعمال بلحسن الطرابلسي.

وتعود أحداث الوردانين إلى العام 2011 ، بعد يوم واحد من فرار الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، حين تمكن ابن شقيقه قيس بن علي من الفرار بمساعدة وحماية عناصر من قوات الأمن اتهموا في القضية وبواسطة سيارات إدارية تابعة لمنطقة الشرطة بالمنستير، وبعلم وتخطيط وتسهيل من رئيس المنطقة.

كان رجال الأمن حينها يحملون أسلحة نارية متفرقة من رشاشات ومسدسات، وهم في طريقهم لتهريب قيس بن علي، مروا بمنطقة الوردانين حيث اكتشف أمرهم، وقام الأهالي بإيقاف السيارات الإدارية بعد أن تشككوا في وجودها دون موجب وتنفيذا لدعوة عناصر الجيش إليهم بإيقاف كل سيارات الأمن في تلك الفترة.

وأثناء فحص السيارات تأكد الأهالي من وجود قيس بن علي فيها، ما جعلهم يرفضون السماح بمرورها إلى حين قدوم عناصر الجيش، إلا أن رجال الأمن أطلقوا الرصاص الحي باتجاه الأهالي وقتلوا 4 منهم كما أصابوا عددا آخر بجروح متفاوتة.

وتحدث "شوشو" عن تورط ما وصفها بعصابة لزهر سطا في تهريب الآثار وترويج المخدرات وتسفير الشباب إلى سوريا وإثارة الفوضى، متحدثا بالخصوص عن تعمد مجموعة شبابية بإيعاز من رجل الأعمال المذكور القيام بأحداث شغب في مباراة كرة قدم بين الترجي الرياضي التونسي والنجم الساحلي.

كما أكد أن المجموعة التي سكبت البنزين على عضو مكتب محلي لحركة النهضة زهير قريسة، بمناسبة تنصيب المجلس البلدي في الوردانين عام 2018 تلقت تعليمات من لزهر سطا وابنته أمينة المترشحة حينها لرئاسة البلدية.

وأكد "شوشو" أن سطا كان يتواصل مع عدد من الشخصيات العامة منها بالخصوص المستشار السابق في رئاسة الجمهورية نورالدين بن تيشة، وناجي جلول والإعلامي محمد بوغلاب.

وقال: إن رجل الأعمال المذكور يحظى بحماية عبر علاقات دولية وعلاقاته مع إعلاميين في تونس، مؤكدا أن لديه جميع الإثباتات حول كل ما قاله، من بينها تسجيلات فيديو.

جرائم العصابة

واتخذ القضاء قرارا بتوقيف رجل الأعمال والمدير السابق لشركة إسمنت قرطاج المُصادرة، لزهر سطا في قضايا فساد مالي. وقرار التوقيف هو حكم استئنافي وجاء على خلفية قضية كانت شركة إسمنت قرطاج قد رفعتها عليه وتم إيقافه بعد صدور بطاقة إيداع ضده.

وفي شباط/ فبراير الماضي، أصدرت الدائرة الجناحية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي، حكما بعدم سماع الدعوى في حق لزهر سطا، الذي كان شريك بلحسن الطرابلسي شقيق ليلى الطرابلسي زوجة بن علي.

وتعليقا على تصريحات "شوشو" طالبت حركة النهضة في بيان النيابة العمومیة بتتبع الذين دعوا وحرضوا على ارتكاب هذه الجرائم وإحالتها للقضاء وتتبع كل الضالعین في هذه المخططات الإجرامیة". مشيرة إلى أن شوشو اعترف بما يفید التخطیط المسبق لمحاولة قتل الكاتب العام المحلي بالوردانین حرقا خلال الانتخابات البلدية مع ذكر العديد من الجرائم الأخرى المرتكبة من نفس الجهة.

المحامي والناشط السياسي سمير بن عمر قال لإذاعة "راديو ماد": "المدعو شوشو يشعر أنه ستتم تصفيته، وهو يتعرض للعنف والممارسة السيئة من أجل ترهيبه وتخويفه حتى لا يتكلم ويكشف المزيد من الحقائق الأخرى، لقد تم الاستماع له من طرف قاضي التحقيق، يوم 25 نوفمبر /تشرين الثاني".

حسب مراقبين، لا يزال الملف الأمني في تونس ما بعد الثورة محل جدل واسع ما بين مختلف الأطياف السياسية والمجتمعية، ومحل اهتمام شديد من قبل الرأي العام الوطني.

ورغم التحسن الملحوظ الذي شهدته البلاد خاصة في التعاطي مع ملف العمليات الإرهابية، إلا أن تونس ما زالت بؤرة ساخنة في أكثر من مناسبة، كان آخرها يوم 25 يوليو /تموز الماضي حين استهدف انتحاريان تجمعا لعناصر أمنية وسط العاصمة.