الجزائر والعراق ولبنان.. هذه العوامل حركت الاحتجاجات فيها

12

طباعة

مشاركة

نشر موقع مركز "يونايتد وورلد إنترناشيونال" التركي مقالا للباحث أونير سنان جزلتان، رصد فيه دور "الديناميكيات" (الحركية) الداخلية والنفوذ الخارجي في اندلاع الاحتجاجات التي شهدتها مؤخرا دول العراق ولبنان والجزائر، للوقوف على أسباب هذه المظاهرات.

وبحسب مقال الباحث، فقد برزت وجهات نظر مختلفة في تحليل الاحتجاجات الجماهيرية في العراق ولبنان والجزائر: الأولى، هناك "قوى خارجية" وراء هذه الاحتجاجات. أما الثانية، يتفاعل المواطنون بشكل شرعي مع الأزمة الاقتصادية والفساد الحكومي. وتستخدم الحكومة ببساطة مزاعم التدخل الأجنبي لإضعاف الاحتجاجات.

إفرازات الاستعمار

وقال الكاتب: "هناك معلومات ذات صلة فيما يتعلق بوجهتي النظر التي يجب وضعها في الاعتبار عند تحليل الموقف".

وتابع: "قبل البدء في مناقشة ما إذا كانت الديناميكيات الداخلية أو التأثير الخارجي، وراء الاضطرابات الأخيرة، من المهم التأكيد على نقطة مهمة حول العالم العربي بشكل عام، لا يمكن الحديث عن (عالم عربي واحد) بسبب اختلافات التطور التاريخي والاختلافات الاجتماعية والاقتصادية للدول العربية الواقعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

وأردف بقوله: "في الوقت نفسه، لا يمكن إنكار وجود ارتباط قوي بين الدول العربية نتيجة للغة والدين المشتركين". وأوضح: أنه "قبل أن نقع في فخ التعميمات والاختزال، من المهم الإشارة إلى أن هناك مشاكل هيكلية في البلدان التي تحدث فيها هذه الاحتجاجات".

وبيّن الباحث أن "كُتبت الدساتير اللبنانية والعراقية بتوجيه من القوات الغازية، فإنها مؤلفة من بنود تؤكد وتضفي الطابع المؤسسي على الاختلافات العرقية والطائفية في هذه البلدان".

وأردف قائلا: "في كلا البلدين، يتم اختيار رؤساء المؤسسات التشريعية والتنفيذية وفقا لانتمائهم العرقي و/أو الطائفي. ونتيجة لذلك، مُنعت مختلف مجموعات الأقليات التي تعيش داخل حدود البلدان من أن تصبح أمة".

وأضاف الكاتب: "في الجزائر، على الرغم من أن مبادئ الدولة القومية على الطريقة الفرنسية هي السائدة، إلا أنه بسبب التردد العلماني هناك أيضا مشاكل تتعلق بدمج البربر الذين يعيشون في منطقة القبائل".

ورأى أن "عملية إضفاء الطابع الوطني غير المكتملة أدت إلى مشاكل هيكلية في جميع البلدان الثلاثة. عندما يتم فحص الاحتجاجات، وخاصة في لبنان، يتضح أن الوضع يتأثر بشدة بالعلاقة المتناقضة بين فكرة الأمة الفريدة وهذه الانقسامات العرقية / الطائفية".

مخلفات اقتصادية خطيرة

ومضى الكاتب يقول: "بصرف النظر عن هذه المشاكل الهيكلية الأوسع، تعاني هذه البلدان من مخالفات اقتصادية خطيرة. في هذا الصدد، من المفيد أن نتذكر مفهوم نعومي كلاين "مبدأ الصدمة"، وهي إستراتيجية علاقات دولية حشدتها الإمبريالية الأمريكية لدفع أجندتها في جميع أنحاء العالم".

وبحسب قوله، فإن البرنامج الاقتصادي الليبرالي الجديد لمدرسة شيكاغو لميلتون فريدمان، التي تدعو إلى الحد من تدخل الدولة في الاقتصاد وفتح الباب أمام الخصخصة. أصبحت هذه النظرة المبدأ الاقتصادي الموجه في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الثمانينيات من قبل رونالد ريغان ومارجيت تاتشر على التوالي".

وتابع: "نفذت الجيوش الإمبريالية الغربية عمليات عسكرية ضد العديد من زعماء العالم والجماعات السياسية والدول الذين رفضوا برنامج رأس المال الدولي، وفرضوا الليبرالية الجديدة عليهم بالقوة".

وأشار الكاتب  إلى أن الإطاحة بالرئيس الاشتراكي المنتخب سلفادور أليندي في تشيلي في 11 سبتمبر/أيلول 1973 وانقلاب 1980 في تركيا وحل يوغوسلافيا أبرز الأمثلة.

واستطرد قائلا: "تعرض العراق أيضا إلى مبدأ الصدمة بعد الاحتلال الأمريكي. وفقا للبنك الدولي، إذ يعيش 25 بالمئة من الشعب العراقي على خط الفقر أو بالقرب منه، بينما يعيش حوالي 40 مليون عراقي على 6 دولارات فقط في اليوم. وتلعب العوامل العرقية والطائفية دورا في توزيع دخل النفط في العراق، البلد الذي يتمتع بنظام فيدرالي".

ونوه إلى أن "عقيدة فريدمان كانت سائدة في الحروب الأهلية والاحتلال في لبنان مما دمر مؤسسات الدولة في البلاد. اليوم، يعيش ربع سكان البلاد بالقرب من خط الفقر".

التحكم بالثروات

وبحسب رأي الكاتب: "لقد أفقدت خسائر الدولة معظم قوتها في هذه العملية، بينما سيطرت مجموعات صغيرة من النخب الاقتصادية التي تعمل بالتعاون مع رأس المال الدولي. غالبا ما يتم حجب هذه الجماعات بسبب انتماءاتهم العرقية أو الطائفية".

وزاد قائلا: "تمكنت الجزائر من النجاة من عملية مماثلة على الرغم من الفوضى الناجمة عن الحرب الأهلية الدموية التي أثارتها القوى الإمبريالية. لقد فعلت ذلك من خلال الحفاظ على الوحدة بفضل جبهة التحرير الوطني التي قاتلت بنجاح الاستعمار الفرنسي".

وتابع الكاتب: "مع ذلك، منذ ذلك الحين، ازدهر الفساد والتآكل. أصبحت زمرة ضيقة تسيطر على البلاد منذ استقلالها عام 1962". وأشار إلى أنه لا يمكن فهم التركيز على الأزمة الاقتصادية والفساد في المظاهرات في العراق ولبنان والجزائر إلا عندما تؤخذ كل هذه العوامل في الاعتبار.

وأكد الكاتب أن "المشاكل الهيكلية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية في جميع البلدان الثلاثة أدت إلى عدم المساواة الاجتماعية والطبقية الاقتصادية". وتابع: "في هذه البلدان تتمتع مجموعة أساسية من النخب الغنية التي تعمل جنبا إلى جنب مع أصحاب رأس المال الدولي (الذين استولوا على غالبية الثروة الطبيعية لهذه الدول) بقدر لا يصدق من القوة وتأثير قوي على سياسة الحكومة".

ولفت الكاتب إلى أن "الاحتجاجات الأخيرة تطورت إلى حد كبير في معارضة هذه الجماعات النخبة وسياساتها". وأردف: "إذا نظرنا إلى الوراء للأسباب التاريخية لهذه المشاكل، فمن الواضح أن الإمبريالية (التي وصفها لينين بأنها أعلى مرحلة من الرأسمالية) لا تزال عاملا سائدا".

وتوصل الكاتب في مقاله إلى أنه "مع ذلك، فإن هذا في الوقت نفسه نتيجة لقيادة هذه البلدان لإدارة حكوماتها التي خلقت أساسا لنفوذ الإمبريالية للحصول على موطئ قدم، فضلا عن الافتقار إلى بدائل للرأسمالية الغربية وتفاقم الظلم الاقتصادي".

واختتم مقاله بالقول: "التظاهر بأن هذه المشكلات نتيجة بحتة لقوى خارجية يمكن أن يؤدي بنا إلى التغاضي عن الأخطاء والمشاكل الهيكلية لهذه الأنظمة الحكومية".