بأكواب أنيقة وإبريقين.. تعرف على طقوس تقديم الشاي التركي

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بأكواب أنيقة مخصّرة كأنها زهرة التوليب، وإبريقين أحدهما فوق الآخر، ومكعبات سكر تتناثر في محيط طبق التقديم، يشرب الأتراك الشاي الأحمر المشع، في أجواء تبدو وكأنها طقوس مقدسة.

هكذا يبدو المنظر جاذبا للزائر والمقيم وهو يشاهد الأتراك يتبادلون كؤوس الشاي، ويتعاطونها بينهم على رأس الساعة، حيث يعد الشاي جزءا من ثقافة الشعب التركي، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالنشاط اليومي للأتراك، فلا يخلو جدول المواطن التركي من احتساء عدد من كؤوس الشاي كل يوم.  

في الصباح والمساء، وعقب الأكل، والفترات التي تتخلل الوجبات، كلها أوقات يشرب فيها الأتراك الشاي، وجميعها ظروف مناسبة لتناوله. وفي الغالب، يغلي الشاي على نار هادئة طوال اليوم، في البيوت والمتاجر التركية، وذلك ليتمكن الأهالي من شربه أو تقديمه للضيوف ساخنا في أي وقت.

بحسب لجنة الشاي العالمية، فإن الأتراك، يعدون من أكثر الشعوب استهلاكا للشاي في العالم، حيث يتراوح معدل شربهم بين ثلاثة وخمسة أكواب يوميا في الصيف، وخمسة وعشرة أكواب يوميا في فصل الشتاء البارد، و بمعدل يصل إلى ألف وثلاثمائة كوب سنويا و5 كيلو جرامات للشخص الواحد.

ويشرب نحو 96 من كل 100 شخص الشاي بشكل مستمر. ويستهلك الأتراك نحو 245 مليون كوب من الشاي يوميا، سواء في المنازل أو أماكن العمل أو المقاهي. 

ويدمن الأتراك على شرب الشاي، فقد أظهرت تجارب اجتماعية ردود فعل عنيفة لأتراك أخبروا بعدم توفر الشاي في مطعم يتناولون فيه الإفطار.

تحضير فريد

للأتراك طريقتهم الخاصة في تحضير الشاي بآنية فريدة، وطريقة مميزة، حيث يستخدمون إبريقين أحدهما فوق الآخر، ولذلك لضمان جودة مذاقه.

في الإبريق السفلي يضعون الماء ويتركونه يغلي على نار هادئة، وفي العلوي يضعون أوراق الشاي المنقوعة تغلي على بخار الماء المتصاعد من الإبريق السفلي بكثافة وحرارة شديدة كفيلة بإنضاج الشاي وتخمّره.

وعند صب الشاي، فإنهم يصبون قدرا من المركّز بما يساوي ثلث الكأس تقريبا، ويعدلونه بإضافة الماء المغلي في الإبريق السفلي،  وذلك للتحكم بكثافة وتركيز الشاي بحسب الرغبة.

لا يضيف الأتراك السكر لإبريق الشاي، بل للأكواب بحسب الرغبة، والجدير بالملاحظة أن معظم الأتراك يستخدمون السكر على شكل مكعبات، وذلك لضبط كمية السكر، حيث يحتوي المكعب الواحد على كمية موحدة ومعلومة في جميع مناطق تركيا.

بالنسبة لشانول يلدز، وهو طالب تركي، فإنه لا يحب إضافة السكر، كما هو حال الكثيرين.

يقول يلدز لـ"الاستقلال": لا أضيف السكر لسببين: الأول لأنه يفسد المزاج بالنسبة لي، حيث لا أحقق مزاجا عاليا إلا بشربه بدون سكر.

أما السبب الثاني فإني "أشرب كؤوسا كثيرة في اليوم، تصل لعشرة أكواب أحيانا، فلو شربت هذه الكمية مضافا إليها السكر بشكل يومي، لكان هذا انتحارا، وذلك للضرر الذي يلحقها السكر بالصحة".

عادات تركية 

احتوت الثقافة التركية عادات وتقاليد حلّت محل التصريح ببعض الرغبات، ويستخدمها الأتراك لتجنب الإحراج في التصريح بطلب الشيء ونحوه، وتشمل تلك العادات كثير من الممارسات اليومية، ومنها عادات وتقاليد متعلقة بشرب الشاي.

تقول زينب كايا، وهي مواطنة تركية في حديث لـ"الاستقلال": "الشاي طريقة للترحيب بالضيوف، وهي وسيلة لكسر الحواجز إذا كان الضيف أجنبيا، وليس من اللطيف رفض الدعوة لشرب الشاي. إذا تم تقديمه لك فاشرب منه رشفتين أو ثلاث، حتى ولو لم تكن راغبا به، لأن رفض الشاي يبقي الحاجز كما هو".

تضيف زينب: "من العادات التركية أن الضيف إذا وضع الملعقة الصغيرة داخل الكأس، فيعني أنه يرغب بالمزيد، أما إذا وضعها بجانب الكأس، فيعني أنه اكتفى".

ومن العادات التركية أنه "إذا ترك الشاي في الكأس، ولم يشرب منه الضيف، فإن كانت المعلقة بداخل الكأس، فإن الضيف يرغب بتسخين الشاي، بإضافة شاي ساخن عليه، وإذا كانت الملعقة خارج الكأس فهو يعني أن الضيف لم يعد يرغب بشرب الشاي".

أما في الجلسات الاجتماعية، فإن المضيف إذا عرض على الضيوف شرب القهوة، بعد تناول الشاي، فهي إشارة إلى أنه يرغب بإنهاء الجلسة، فإذا كان الضيوف في بيته فعليهم أن يستأذنوا ويغادروا.

ويبدو أن هذه العادة تماثلها عادة في بعض المجتمعات الخليجية واليمنية، في تبخير المكان بالعود، وهي تعني أن المضيف يرغب بإنهاء الزيارة أو الجلسة، ويقول المثل: "بعد العود ما في قعود". 

قصة البداية

اكتشف الشاي في القرن الرابع قبل الميلاد، في جبال الهملايا، ثم انتقل إلى الصين كأعشاب مريحة للأعصاب، وبقي هناك مشروبا نخبويا، واستمر هناك حتى القرن الثامن عشر ميلادي، حيث انتقل إلى أوروبا، وكان الإنجليز أول من أدخله إلى الثقافة الأوروبية، عبر شركة ويست إنديا الإنجليزية.

غير أنه بقي مشروب الأوساط الأرستقراطية في أوروبا. ومع الثورة الصناعية وزيادة العرض تحول الشاي إلى مشروب شعبوي، يشربه عمال المصانع والطبقات الفقيرة.

في تركيا عرف الأتراك الشاي في القرن التاسع عشر، غير أنه لم يصبح مشروبا مفضلا لديهم إلا مع حلول القرن العشرين، أي بعد سقوط الدولة العثمانية، بعد أن أصبح استيراد القهوة مكلفا في ظل اقتصاد متدهور مرت به تركيا في تلك الفترة.

حينها شجع  مصطفى كمال أتاتورك شعبه على التحوّل من القهوة للشاي، وذلك لسهولة زراعته في تركيا، والاستعاضة به عن القهوة ذات الكلفة العالية، ليصبح ثاني أكثر مشروب بعد الماء في تركيا.

زراعة الشاي

يعد الشاي من أهم المنتجات الزراعية في تركيا، و تتميز مدينة ريزا الواقعة في شمال شرق تركيا، والمطلة على البحر الأسود، بزراعة الشاي، وتحوي مساحات شاسعة من تلك المزارع. 

وقد بدأت زراعة الشاي في مدينة ريزا عام 1924 مع تأسيس دولة تركيا الحديثة، بعد الحصول على الإذن من البرلمان التركي، قبل نحو 100 عام تقريبا.

تأتي مدينة طرابزون ثانيا بعد ريزا، ويُعد المناخ مناسبا لزراعة الشاي في مدن الشمال الشرقي على البحر الأسود، وذلك لارتفاعها عن مستوى سطح البحر، وخصوبة التربة ووفرة الأمطار، وتعد تركيا  خامس أكبر منتج للشاي في العالم، حيث أنتجت في العام المنصرم نحو 175 ألف طن وتصدر لنحو 103 دول حول العالم.  

ويتوقع تقرير مُنظمة الأغذية والزراعة استمرار الارتفاع في معدل الاستهلاك والإنتاج العالمي للشاي نتيجة الطلب القوي عليه في البلدان النامية والناشئة، وهو ما تراه المنظمة فرصة لخلق فرص جديدة للدخل القروي وتحسين الأمن الغذائي في الدول المنتجة للشاي، ومن بينها تركيا.

ويشهداستهلاك الشاي تزايدا كبيرا، بعد تنويع إنتاجه ليشمل أنواعا أخرى مثل شاي الأعشاب والشاي الممزوج بنكهات الفاكهة والنكهات المميزة الأخرى.

وترجع الزيادة في استهلاك الشاي، عموما إلى زيادة الوعي حول فوائده المضادة للالتهابات والأكسدة وفقدان الوزن، إذ من المتوقع أن يرتفع الإنتاج العالمي من الشاي الأسود سنويا بنسبة 2.2 بالمائة خلال العقد القادم ليصل إلى 4.4 ملايين طن عام 2027،  بحسب منظمة الأغذية العالمية.