أعادت الأمل للسوريين.. حملات تطارد رموز وضباط نظام الأسد بأوروبا

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

ضمن إطار المحاولات الجادة لملاحقة المسؤولين عن التعذيب والقتل دون محاكمة وجرائم الحرب الأخرى في سوريا والسعي لمقاضاتهم وفرض عقوبات عليهم، تظهر بين الحين والآخر حملات وإجراءات تتخذ في عدد من الدول الأوروبية ضد رموز ورجالات النظام السوري.

ورغم أن هذه الخطوات لا تزال خجولة، إلا أن منظمات حقوقية وناشطين يبذلون منذ انطلاق الثورة السورية في 2011، جهودا مضنية من أجل تحقيق العدالة وملاحقة المسؤولين عن الجرائم الهاربين من القانون، خاصة في الدول التي تؤوي لاجئين سوريين.

حملة أوروبية

أطلق لاجئون سوريون في النرويج، منتصف الشهر الجاري، حملة أوروبية تطالب بمقاضاة المسؤولين عن التعذيب والقتل دون محاكمة وجرائم الحرب الأخرى، التي ترتكب في سوريا، مطالبين الحكومة النرويجية بالتحقيق فيها.

وأدلى خمسة من الناجين من التعذيب بشهاداتهم عما تعرضوا له في السجون السورية، وقدموا أدلة على ضلوع 17 من كبار المسؤولين في النظام السوري في ذلك.

وأفاد تقرير لصحيفة "الغارديان" بأن قصصا مروعة وروايات مفصلة عن الفظائع، التي ترتكب في سوريا، بدأت تتسرب منذ اندلاع الصراع المسلح في 2011، ولكن المجموعة الدولية ترددت في محاسبة المسؤولين عنها.

ولم توقع سوريا على اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، كما أن روسيا والصين تستخدمان حق النقض أمام أي محاولة لتكليف المحكمة بإنشاء محكمة خاصة بسوريا.

ويعتمد الناشطون في النرويج على بند في القانون الجنائي يسمح بالتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة خارج البلاد من قبل أفراد غير نرويجيين.

ويسمح القانون في السويد وألمانيا والنمسا أيضا بالتحقيق في مثل هذه الجرائم. واستغل الناشطون والحقوقيون هذه المادة من القانون لرفع قضايا ضد المشتبه فيهم في هذه البلدان.

ويأمل الناشطون أن تشجع الخطوة الألمانية بمحاكمة الضابطين السوريين دولا أخرى على المضي قدما في ملاحقة المتهمين بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا.

ولا تخص القضايا المرفوعة في النرويج، جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في الماضي فحسب، لأن رئيس النظام السوري بشار الأسد، لا يزال متحكما في السلطة بمساعدة روسيا وإيران، ولا تزال السجون السورية ممتلئة بالسجناء المهددين بالتعذيب والقتل. 

هذه الخطوة تأتي بعد قرار الادعاء العام التاريخي في ألمانيا بتوجيه تهم جرائم الحرب لضابطين سابقين في مخابرات النظام السوري، وفتح بذلك الباب لمقاضاة الضالعين في التعذيب في سوريا في شتى أنحاء العالم.

وقبض على الرجلين في ولايتي برلين وراينلاند بفالتس- أحدهما رئيس قسم سابق في الاستخبارات وأحد مرؤوسيه- جاء بسبب القيام بعمليات تعذيب جماعي وانتهاكات بدنية بحق معارضين الأمر الذي يتعلق بالاشتباه في ارتكاب المتهمين لجرائم ضد الإنسانية.

وأفادت بيانات الادعاء العام الألماني بأن الرجلين ينتميان إلى أحد أقسام الاستخبارات المسؤول عن الأمن في محيط العاصمة السورية دمشق، وكان المتهم الأكبر سنا ويدعى "أنور" يترأس قسم التحقيقات والسجن الملحق به.

ولفت الادعاء الألماني إلى أن أنور خلال توليه هذا المنصب في الفترة بين أبريل/نيسان 2011 حتى سبتمبر/ أيلول 2012 كان يأمر بعمليات تعذيب منهجي ووحشي.

وتعتقد السلطات الألمانية أن المتهم الآخر ويدعى "إياد" كان يتولى مؤقتا مهمة التوقيف والقبض على منشقين ومعارضين ومشتبه بهم آخرين عند إحدى نقاط التفتيش.

وذكرت السلطات أنه كان يلقي القبض يوميا على نحو 100 شخص ويودعهم السجن التابع لأنور ويعذبهم، ولهذا تشتبه السلطات في أن إياد ساعد في قتل شخصين وتعذيب وإساءة معاملة ما لا يقل عن ألفي شخص.

وبحسب بيانات الادعاء، فقد غادر الرجلان سوريا في 2012، وكان الادعاء العام الفرنسي أصدر أمرا أمس بالقبض على مساعد آخر في القسم التابع لأنور، ونوه الادعاء الألماني إلى أن القبض على الأشخاص الثلاثة تم بالتنسيق بين السلطات الألمانية والفرنسية.

وأوضح "المركز الأوروبي للحقوق الدستورية والإنسانية" الذي يدعم ضحايا التعذيب السوريين بصفتهم شركاء في المرافعات القانونية، أن "14 شاهد عيان شاركوا في التحقيقات الألمانية".

ونقل "المركز" عن سوري (لم تُحدد هويته) تعرض للتعذيب في سجن "الخطيب" حيث كان المشتبه بهما يعملان: "هذه العملية في ألمانيا تعطي أملا، حتى وإن كان كل شيء يستغرق وقتا طويلا ولا يحصل شيء غدا، أو حتى بعد غد". وأضاف: "واقع استمرارها (العملية) يعطينا نحن الناجين أملا بتحقيق العدالة... أنا على استعداد للإدلاء بشهادتي".

خطوة مهمة

الخطوة الألمانية هذه ليست جديدة، فلا يزال كثير من الدعاوى القضائية معلقا ضد نظام بشار الأسد في ألمانيا، التي استقبلت أكثر من 1.2 مليون طالب لجوء منذ 2015 بينهم مئات آلاف السوريين.

وفي العام الماضي أصدر المدعون الألمان مذكرة توقيف دولية بحق اللواء جميل حسن، رئيس إدارة الاستخبارات الجوية السورية المتهم بالإشراف على تعذيب وقتل مئات المعتقلين.

ورُفعت الدعاوى بموجب مبدأ التحكيم الدولي القانوني، الذي يسمح لأي دولة بملاحقة جناة بغض النظر عن المكان الذي ارتُكبت فيه الجريمة، رغم عدم وقوع التجاوزات المفترضة في ألمانيا.

من جهته، انضم "المركز الأوروبي للحقوق الدستورية والإنسانية"، (منظمة غير حكومية مقرها برلين)، إلى ضحايا التعذيب الناجين في تقديم دعاوى جنائية بحق 10 مسؤولين سوريين كبار، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، رحبت المنظمة، بتوجيه الاتهامات، وقالت: إن "أول محاكمة في العالم بتهمة التعذيب الذي تمارسه الدولة في سوريا، يُتوقع أن تبدأ في ألمانيا مطلع 2020... خطوة مهمة في مكافحة الإفلات من العقاب".

وصوّر المدعون نظاما من الاستجوابات الوحشية بحق أفراد من المعارضة يشمل أساليب مختلفة للتعذيب؛ بينها "ضربات بالقبضات والهراوات والأنابيب والكابلات والسياط والخراطيم... وكذلك الصدمات الكهربائية".

وتعرض السجناء إلى تعليق في السقف من معاصمهم، وضربهم، والاعتداء جنسيا عليهم، وحرمانهم من النوم، وتهديدهم بإلحاق الأذى بأحبائهم.

وقالت النيابة العامة الألمانية: إن "سوء المعاملة الجسدية والنفسية الوحشية بشكل منهجي عمل على انتزاع الاعترافات والمعلومات حول حركة المعارضة".

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أصدر القضاء الفرنسي مذكرات توقيف دولية بحق ثلاثة مسؤولين رفيعين في النظام السوري، بتهم "التواطؤ مع أعمال تعذيب، التواطؤ في الإخفاءات القسرية، التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وجنح حرب".

ويأتي على رأس الملاحقين بحسب القرار الفرنسي، مدير مكتب الأمن القومي التابع للنظام السوري، علي مملوك، والذي يشرف على "كل الجهاز الأمني" التابع للنظام، إضافة إلى مدير إدارة المخابرات الجوية جميل حسن، المتهم بأنه أحد منفذي القمع الرئيسيين في سورية، ورئيس قسم التحقيق في جهاز المخابرات الجوية أيضا عبد السلام محمود، المسؤول عن قتل الكثير من المعتقلين السوريين تحت التعذيب.

ويندرج هذا القرار الفرنسي، غير المسبوق، في إطار تحقيق قضائي مفتوح، انطلق في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بـ"تهم جرائم اختفاء قسري وتعذيب، يشكلان جرائم ضد الإنسانية وتواطؤا مع هذه الجرائم". وفُتح التحقيق يومها ارتكازا على ملف "قيصر"، وهو الاسم المستعار الذي مُنِحَ لمصوّر من الشرطة العسكرية السورية، هرب من سورية في يوليو/تموز 2013 حاملا معه 50 ألف صورة لجثث سجناء موتى من الجوع والمرض أو التعذيب في سجون بشار الأسد بين 2011 و2013.

وبحسب تقارير، فإن القرار الفرنسي يمثل اختراقا مهما في ملف تقديم رموز نظام الأسد إلى محاكم دولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة خلال سنوات الثورة السورية التي أدت إلى مقتل وتشريد ملايين السوريين.

محاكمة الأسد؟

الإجراءات الأوربية الرسمية والحملات التي تقودها منظمات حقوقية وناشطين، دفعت صحيفة "الجارديان" البريطانية إلى القول في تقرير لها إن محاكمة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لا تزال ممكنة، بمساعدة أوروبا.

وذكر التقرير، أن السلطات الألمانية والفرنسية اعتقلت في الفترة الأخيرة ثلاثة من أفراد المخابرات السورية بتهمة التعذيب، وأن هذه الاعتقالات خطوة إيجابية في اتجاه محاكمة رموز النظام السوري الضالعين في جرائم القتل والتعذيب.

وأشار إلى أن المسألة قد تأخذ وقتا طويلا، ولكن المحققين الجنائيين سيصعدون في سلم المسؤوليات إلى أن يصلوا إلى "الديكتاتور المسؤول عن قتل شعبه" في الأعوام الثمانية الأخيرة، وأن محامين وناشطين يحضرون في أوروبا بكل حزم لليوم الذي يمثل فيه من ارتكبوا الجرائم في سوريا أمام المحاكم ليحاسبوا على ما فعلوا.

وتقر الصحيفة البريطانية بأن موازين القوة مالت لصالح بشار الأسد منذ أن تدخلت روسيا وإيران لمساعدته. فقد عملت روسيا على عرقلة جهود الأمم المتحدة لوقف نزيف الدم أو إحالة سوريا للمحكمة الجنائية الدولية. وخذلت الولايات المتحدة السوريين بجمودها أمام الجرائم البشعة، وكذلك كان موقف أوروبا، بحسب الكاتبة.

وأشارت إلى أن الحديث الآن كله عن هزيمة تنظيم الدولة وما الذي ستفعله الدول الأوروبية مع مواطنيها الذين التحقوا بالتنظيم، بينما نسي الجميع معاناة السوريين أنفسهم، مثل اختناق الأطفال بغاز السارين وأسلحة كيمياوية أخرى، وزنزانات التعذيب، والاختفاء القسري، والمدن والأحياء التي تعرضت لهجمات بصواريخ سكود والبراميل المتفجرة.

وأوضح التقرير أن أحد اللاجئين السوريين تعرف على واحد من الموقوفين، قال: إنه عذبه في سجن بسوريا، وتلقى خبر اعتقاله بالدموع والابتسام، لأن عملاء بشار الأسد، على حد تعبيره، سيواجهون العدالة في أوروبا.

ورأت الصحيفة، أن طريق تحقيق العدالة للسوريين سيكون طويلا غير أن التاريخ علمنا أن انتهاكات حقوق الإنسان الجماعية لا تفلت من العقاب مهما طال الزمن. فمحاكمة الخمير الحمر (في كمبوديا) تمت بعد عقدين من وقوع الإبادة الجماعية. وتم إيقاف بينوشي بعد ثمانية أعوام من سقوط حكمه في تشيلي. ومات سلوبودان ميلوسيفيتش في السجن، وليس في قصر.

وإذا لم تستطع العدالة الدولية إنصاف السوريين فإن المحاكم الوطنية تستطيع القيام بهذه المهمة، وإن المحققين سيصلون إلى هدفهم، فأمامهم كميات كبيرة من الأدلة، التي سيبحثون فيها لإثبات المسؤولية وفي أعلاها يجلس الأسد، الذي لا يزال في سن 53 عاما، بحسب التقرير.