كيف تحوّلت مصر إلى سجن كبير للنساء؟

أحمد مدكور | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"أنا بسمة رفعت، طبيبة مصرية حاصلة على ماجستير في الأمراض الروماتيزمية والمفاصل، لدي طفلان يبلغان من العمر الآن بالترتيب 5 سنوات ونصف، وعامين! تم القبض علي منذ عام أنا وزوجي وتحديدا في 6  مارس|آذار 2016، وحبست في ظروف صعبة بالغة السوء، وفطمت طفلي فطاما قهريا؛ مما تسبب له ولي في مشكلات صحية ونفسية، أنا طبيبة أساهم في المجتمع بشكل فاعل، ولست خطرا على الأمن القومي". "بسمة رفعت 5/2/2017"

أمنيات الخروج للطبيبة المصرية القابعة في أقبية سجون قاسية تصطدم بواقعية دراماتيكية مخيفة، لنظام اتخذ من العنف الممنهج والقمع وسيلة لإخماد معارضيه، مثلها كمئات الضحايا اللواتي افترسن بوحشية على يد الأجهزة الأمنية.

تعرضت المرأة المصرية للعديد من الانتهاكات الأمنية منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد في الثالث من يوليو| تموز 2013، مع وصول عدد المعتقلات المصريات الباقيات في الحبس حتى العام 2019 إلى 52 معتقلة على ذمة قضايا سياسية، من بينهن 16 امرأة صدرت بحقهن أحكام بالفعل، و36 أخريات محبوسات احتياطيا، بالإضافة إلى السيدات اللاتي تعرضن للإخفاء القسري في مدد مختلفة، ثم ظهرن بعد ذلك ويقدرن بحوالي 1993 امرأة، منهن قاصرات لم يتخطين الـ 18 عاما.

وتتصاعد الاتهامات ضد السلطة الحاكمة في مصر بارتكاب مخالفات جسيمة في حق النساء، وليس فقط مجرد اعتقالهن وإيداعهن السجون في ظروف بائسة، بل وصل الأمر إلى تقارير تشير إلى تعرضهن لصنوف مختلفة من الإيذاء النفسي واللفظي، بل والاعتداء الجسدي.

المحكوم عليهن.. معاناة لا توصف

الطبيبة بسمة رفعت

قبل أن يحكم عليها بالسجن 15 عاما في قضية اغتيال النائب العام المصري السابق هشام بركات، وفي 17 سبتمبر/أيلول 2016، أكدت  الطبيبة بسمة رفعت، أنها اعترفت بالاشتراك في الواقعة تحت التهديد بالاغتصاب وقتل زوجها من قبل ضباط الأمن الوطني (جهاز استخبارات داخلي تابع لوزارة الداخلية).

وأضافت خلال جلسة القضية، أنه تم اقتيادها إلى مكان غير معلوم، وهناك تعرضت للتعذيب بطرق عديدة من بينها صعق جسدها بالكهرباء.

وفي 5 فبراير/ شباط 2017، وجهت الطبيبة بسمة، رسالتها إلى التحالف الوطني لحماية المرأة بالقانون (غير حكومي)، وجمعية رعاية أطفال السجينات (أهلية)، لدعوتهما للتحرك الحقوقي للإفراج عنها.

وجاء في الرسالة: "أنا بسمة رفعت، طبيبة مصرية، ماجستير في الأمراض الروماتيزمية والمفاصل، لدي طفلان يبلغان من العمر الآن بالترتيب 5 سنوات ونصف، وعامين تقريبا! تم القبض علي منذ عام تقريبا في 6|3|2016، أنا وزوجي" وأضافت: "تم إلصاق تهمة موتورة لا أساس لها من الصحة وهي معروفة طبعا، الانتماء إلى الإخوان، تهمة بلا دليل ولا أحراز، فقط لكوني أعرف طبيبا من الإخوان زميلا لي في نفس التخصص، التقيت به مرتين فقط في حياتي في إحدى المؤتمرات العلمية، وهو متهم رئيسي في تلك القضية التي تمّ الزجّ بي أنا وزوجي فيها، وهي القضية 314/ لسنة 2016 (قضية النائب العام).

وقالت الطبيبة في رسالتها: "قبض علي وحبست احتياطيا، وكان طفلي يبلغ 14 شهرا فقط، وفطمته من الرضاعة فطاما قهريا؛ مما سبّب لي ولطفلي مشاكل صحية ونفسية أعاني منها حتى الآن"، مضيفة: "أنا وزوجي محبوسان في نفس القضية، ومن باب أولى إخلاء سبيل أحدنا؛ لأنه حبس احتياطي".

وطالبت الطبيبة المعتقلة بأن تعود لتمارس عملها كطبيبة قائلة: "كنت أساهم في المجتمع بشكل فاعل ومؤثر، فلست خطرا على الأمن القومي، ولم أُخرب منشآت، ولا تظاهرت بدون ترخيص، ولم أشارك في إراقة دماء، وتهمتي ليس لها علاقة بمسرح أحداث القضية، وهي أصلا تهمة باطلة".

إسراء خالد سعيد

ضغوطات نفسية وجسدية تعرضت لها إسراء خالد سعيد، ابنة الـ 23 عاما، منذ اعتقالها في 20 يناير/كانون الثاني 2015، بداية مما أصدرته محكمة جنايات غرب القاهرة العسكرية بالسجن 5 سنوات في القضية رقم 43 لسنة 2017، أو ما أصدرته محكمة بني سويف العسكرية فى 13 مايو/ آيار 2018 بسجنها 5 سنوات، في القضية رقم 1223 بني سويف 2015 بالإضافة إلى حكم سابق بسجنها 9 سنوات، على خلفية اتهامات ملفّقة لا صلة لها بها.

ورغم إجمالي الـ 19 سنة سجنا التي صدرت بحقها، لم تترك الأجهزة الأمنية سجنا للنساء في مصر بين المنيا العمومي (جنوب) والقناطر (شمال) إلا ووضعوا فيه إسراء خالد، التي تعرضت لأبشع أنواع التنكيل من إهانات وشتائم وسباب، حتى انهارت عصبيا عقب إبلاغها بوفاة والدها المعتقل خالد سعيد؛ إثر نوبة كبدية وإهمال طبي، بعد شهرين من اعتقالها.

وواجهت إسراء التي كانت تدرس في كلية الهندسة، سلسلة من الاتهامات التي وصفت من قبل حقوقيين بالهزلية مثل (حيازة أر بي جي، وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تحتوي على عبارات سبّ ضباط الجيش وزوجاتهم، وحرق محولات كهربائية).

محتجزات على ذمة قضايا.. وجه آخر للمأساة

علا القرضاوي

"ابنة القرضاوي" تلك جريمة لا تغتفر لدى النظام المصري، في 30 يونيو/ حزيران 2017، ألقت قوات الأمن القبض على السيدة علا القرضاوي البالغة من العمر 55 عاما، وزوجها من مسكنهما بالساحل الشمالي، حيث كانا يقضيان إجازة عيد الفطر المبارك.

وذلك على ذمة قضية انضمام إلى جماعة إرهابية أسست على خلاف أحكام القانون؛ الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، حزمة تهم انتقامية صاغتها النيابة العامة بشكل دارج ومألوف، وديباجة متكررة.

وفي يونيو/ حزيران 2018، دخلت علا القرضاوي بشكل مؤقت في حالة إضراب عن الطعام؛ نتيجة للإجراءات التعسفية ضدها واحتجازها في أوضاع غير إنسانية.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش: إن "السلطات المصرية تستمر في انتهاك حقوق علا ابنة الشيخ يوسف القرضاوي، وزوجها حسام خلف، بعد اعتقالهما من دون مذكرة قضائية وحجزهما في الحبس الانفرادي".

وأوضحت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة سارة ليا ويتسن أن "وزارة الداخلية المصرية لا تعتدي على سلطة القضاء المحاصر فحسب، بل على الحقوق الأساسية للمصريين مثل علا القرضاوي وحسام خلف كل يوم، قضيتهما مثال محزن لما أصبح مألوفا بالبلاد".

سمية حزيمة

سمية ماهر حزيمة، هي ابنة المهندس المصري، ماهر حزيمة، المعتقل في السجون على ذمة القضية 233 لسنة 2014 جنايات عسكرية بالإسكندرية، وصدر بحقه حكما بالسجن 15 عاما.

سمية تبلغ من العمر 25 عاما، حاصلة على بكالوريوس علوم جامعة الأزهر، كيميائية بشركة تحاليل.

فجر الثلاثاء 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 تم اقتحام منزل المهندس "ماهر حزيمة" عضو مجلس الشورى السابق عن محافظة البحيرة، وتم اعتقال زوجته وابنته سمية وابن خالها، واقتيادهم جميعاً إلى وجهة غير معلومة.

أطلقت قوات الأمن سراح الأم عقب ذلك، ثم جرى إخفاء سمية قسريا وإخفاء مقر احتجازها لمدة عام كامل! ومنع المحامين من معرفة مكانها، إلى أن ظهرت بعد ذلك في مقر نيابة أمن الدولة.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 قررت محكمة جنايات القاهرة ، تجديد حبس المعتقلة "سمية ماهر حزيمة" على ذمة التحقيقات في القضية 955|2017 حصر أمن دولة عليا.

وأسندت النيابة إليها تهمة الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون، والتخابر مع تركيا.

حنان بدر الدين

بدأت رحلة حنان بدر الدين يوم 27 يوليو/تموز 2013 حين كان زوجها في محيط مدينة نصر بالتزامن مع اشتباكات بين قوات الأمن ومعتصمي ميدان رابعة العدوية. وشاهدت زوجها على التلفزيون يعالج من إصابة بسيطة، وينقل إلى سيارة الإسعاف، فذهبت لتطمئن عليه ولم تجده، ومنذ ذلك الحين بدأت البحث عن زوجها في أقسام الشرطة والمستشفيات وثلاجات حفظ الجثث والسجون.

قامت حنان بعد ذلك بمقابلة بعض أهالي المختفين قسريا، ونظموا حملة بحث عن ذويهم المفقودين بصورة جماعية بعد تصاعد وتيرة تلك الظاهرة من قبل أجهزة الأمن.

ويوم القبض عليها كانت في سجن القناطر لزيارة أحد المسجونين المتجاوزين لمرحلة الإخفاء القسري؛ لمعرفة أية أخبار بخصوص زوجها، فقام حراس السجن باحتجازها من داخل سجن القناطر يوم 6 مايو/أيار 2017 وتم اتهامها بالانضمام إلى جماعة محظورة، وإدخال ممنوعات إلى السجن، ومنذ ذلك الحين وهي قيد الحبس.

وفي 17 أغسطس/ آب 2018 طالبت 6 منظمات حقوقية مصرية، في بيان مشترك، بإنقاذ حياة الدكتورة حنان بدر الدين، زوجة المختفي قسريا خالد عز الدين، والتي بدأت إضرابا جزئيا مفتوحا عن الطعام منذ 6 أغسطس/آب 2018 للمطالبة بالبت في حبسها احتياطيا، وذلك بسبب تدهور حالتها الصحية، والإهمال الطبي الذي تتعرض له داخل سجن القناطر شمال القاهرة.

وقالت المنظمات: "عانت حنان من سوء حالتها الصحية منذ بداية حبسها، ولم تتم الاستجابة للمطالب المتكررة بتوفير الرعاية الصحية اللازمة لها".

وتعاني بدر الدين من حمى البحر المتوسط وهو مرض مزمن يسبب ارتفاع درجة الحرارة، وآلام في البطن والصدر، وعدم القدرة على الأكل، إلى جانب التهاب أعصاب مفاصل يديها.    

الإخفاء القسري بحق المعتقلات.. أداة فائقة التنكيل

ضمت إحصائية النساء المختفيات بحسب التنسيقية المصرية للحقوق والحريات (أهلية) حوالي 11 سيدة غير معلوم مكان احتجازهن حتى الآن، وعدد السيدات اللاتي تعرضن للإخفاء القسري ثم ظهرن بعد ذلك منذ يوليو/ تموز 2013، حوالي 1993 سيدة.

نسرين عبد الله سليمان

من مدينة العريش وتبلغ من العمر 35 سنة، من قبيلة الفواخرية، متزوجة ولديها 5 أطفال، اعتقلتها قوات الأمن وهي في طريقها لزيارة إحدى صديقاتها بمدينة العريش شمال سيناء، في يوم 30 أبريل/ نيسان 2016، وصادف مرورها وجود حملة أمنية، فقامت باعتقالها على مرأى ومسمع من الأهالي، وتم اقتيادها لجهة غير معلومة، ولم يعرف مكان احتجازها.

آية الله محمد السيد

23 عاما خريجة آداب إعلام قسم صحافة، وفي يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، اقتحمت قوات الأمن منزلها بمحافظة القليوبية وألقت القبض عليها، وتم اقتيادها لجهة غير معلومة، ولم يعرف مكان احتجازها.

عبير ناجد عبد الله مصطفى

45 عاما، وفي يوم 25 سبتمبر/ أيلول 2018، اقتحمت قوات الأمن منزلها بمحافظة الإسكندرية، وألقت القبض عليها، وتم اقتيادها لجهة غير معلومة.

إيمان همام القاضي

في يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، كانت في مطار القاهرة في طريقها للسفر إلى فرنسا، وتم القبض عليها، وانقطع اتصالها مع ذويها، وتم اقتيادها لجهة غير معلومة.

عام المرأة.. فظائع التفاصيل

وكان عبد الفتاح السيسي في أبريل/ نيسان 2016 قد أعلن أن العام 2017 سيكون (عام المرأة)، وبحسب تصريحه فإنه يحرص على أن تمكّن سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا.

ومن قبل أن يعلن ومن بعد إعلانه، كانت سلسلة الاعتقالات التي استهدفت النساء لم تتوقف.

وكشف مركز "هشام مبارك لحقوق الإنسان" عن تعرض أكثر من 90 سيدة للقتل خارج إطار القانون، إلى جانب وقوع 50 حالة اغتصاب، وأكثر من 500 حالة فصل من الجامعة.

وفي سبتمبر/ أيلول 2017 نشرت جريدة الجارديان البريطانية واسعة الانتشار تقريرها عن (واقع السجون المصرية)، يتهم سلطات الأمن بتعذيب المعتقلين لديهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية. وقد استندت الصحيفة في تقريرها على ما تقول إنها شهادة محام في حقوق الإنسان، اختطفه الأمن المصري بشكل غير قانوني، وقضى في السجن 6 أسابيع، وهو المحامي طارق حسين الذي قال نصا في شهادته: "إن أصوات السجناء الذين يخضعون للتعذيب كانت تسمع في أروقة السجن على الدوام؛ لاسيما خلال تعرضهم للتعذيب بالصعقات الكهربائية".

ضربة خاطفة للناشطات الحقوقيات

في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 شنّت الأجهزة الأمنية المصرية، حملة اعتقالات موسعة بحق عدد من الناشطين العاملين في مجال حقوق الإنسان، من بينهم عدد من السيدات العاملات في ذلك المجال وهن:

  • هدى عبد المنعم
  • عائشة خيرت الشاطر
  • سمية ناصف
  • سحر حتحوت
  • راوية الشافعي
  • علياء إسماعيل
  • إيمان القاضي
  • مروة أحمد مدبولي
  • سلوى عبد الكريم

أولئك النسوة تعرضن للإخفاء القسري، وسط مطالبات حقوقية ودولية بضرورة الإفراج عنهن ومعرفة مصيرهن، وذلك قبل أن يظهرن بعد 3 أسابيع من تلك الحادثة يوم 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، في نيابة أمن الدولة العليا التي قررت حبسهن 15 يوما على ذمة التحقيق؛ بتهمة الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، والإضرار بالاقتصاد القومي للبلاد.