رفضه المتظاهرون.. هل يُقر البرلمان قانون الانتخابات الجديد بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يعكف البرلمان العراقي على مناقشة قانون انتخابات جديد تمهيدا لإقراره خلال الأيام المقبلة، وذلك بعدما أعدته لجنة شكلها رئيس الجمهورية، في خطوة قال إنها تأتي استجابة لمطالب المتظاهرين، لكنها في المقابل أثارت جدلا بين الأوساط السياسية.

خلافات الكتل السياسية في البرلمان على القانون الجديد للانتخابات التشريعية، أرجأت إقراره لحين التوصل إلى صيغة توافقية ترضي جميع الأطراف، فضلا عن أن المتظاهرين أنفسهم رفضوه جملة وتفصيلا، مؤكدين أنه مناف لمطالبهم.

القانون الجديد

أعلنت رئاسة الجمهورية العراقية، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، الانتهاء من إعداد قانون الانتخابات الجديد، بمشاركة ممثلين عن الأمم المتحدة، وتسليمه إلى الحكومة، ويتألف القانون من 102 مادة.

ومن أهم فقرات القانون الجديد، هو تقليل عمر المرشح للبرلمان إلى 25 عاما بدلا من 30، وتقليص عدد المقاعد إلى 222 بعدما كانت عدد المقاعد في الدورات السابقة 329 مقعدا.

وفي تفاصيل أخرى عن القانون، كشف المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، أن مشروع قانون انتخابات مجلس النواب (البرلمان) يمنع كبار المسؤولين في البلاد من الترشح.

وأوضحت المتحدة باسم المكتب عاصفة موسى، أن مشروع القانون يمنع كبار المسؤولين في الحكومة، وحتى منصب، مدير عام، من الترشح للبرلمان، إلا بعد ترك المنصب بمدة لا تقل عن سنتين. كما يمنع الفائز من التحول من البرلمان لشغل منصب وزير أو بدرجة وزير.

لكن الجدل الذي فجره القانون الجديد بين الكتل السياسية، يتعلق بالدوائر الانتخابية، إذ يقسم القانون الدوائر الانتخابية على أساس دائرة انتخابية لكل قضاء في المحافظة، بعدما كان القانون القديم يعتبر العراق دائرة انتخابية واحدة.

وفي القانون الجديد، إذا كان عدد سكان القضاء أقل من مائة ألف نسمة فيجري دمجه مع أقرب قضاء مجاور أقل عددا منه ليكونا معا دائرة انتخابية واحدة. يكون الترشيح فرديا وليس ضمن قائمة. الفائز بالمقعد هو من يحصل على أعلى الأصوات في الدائرة الانتخابية.

القانون الجديد للانتخابات يناقش في البرلمان

"سانت ليغو"

ونقطة أخرى أثارت اعتراض الكتل السياسية، هو أن مشروع القانون الذي خرج من رئاسة الجمهورية ألغى العمل بقانون "سانت ليغو" من الانتخابات التشريعية (البرلمانية) والمحلية (مجالس المحافظات)، لكن اعتراض كتل برلمانية على القانون بعد وصول نسخة مشروع قانون الانتخابات من الحكومة قد يؤشر على إعادة العمل بـ"سانت ليغو".

واعتبرت كتلة "سائرون" المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أن "صيغة القانون المقترح كانت مخالفة لإرادة الشعب العراقي من خلال الإبقاء على النظام الانتخابي القديم (نظام القائمة وتوزيع المقاعد وفق سانت ليغو) الذي يكرس  هيمنة الأحزاب المتنفذة وإقصاء الآخر".

"سانت ليغو" طريقة ابتكرت عام 1912 على يد عالم الرياضيات الفرنسي أندرية سانت ليغو، والغاية من هذه الصيغة هي توزيع الأصوات على المقاعد الانتخابية في الدوائر متعددة المقاعد، وتقلل من العيوب الناتجة بين عدم التماثل في الأصوات وعدد المقاعد المتحصل عليها، وهو عيب تستفيد منه الأحزاب الكبيرة على حساب الكتل الصغيرة.

أما "سانت ليغو" المعدل، فهو صورة معدلة الغرض منها توزيع المقاعد بطريقة أكثر عدالة، إذ استخدامت هذه الصيغة لأول مرة في الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2014 ووزعت من خلال هذه الصيغة المقاعد النيابية في العراق، وكذلك انتخابات مجالس المحافظات للدورة نفسها، وكان من نتائجها أن حصلت القوائم الصغيرة على مقاعد في البرلمان العراقي ومجالس المحافظات.

واعتمد في ذلك الوقت القاسم الانتخابي 1.6 وكان من سلبياته أنه أظهر الكثير من القوائم الانتخابية، التي لا حصر لها ولا عدد، وانتشار الدعاية الانتخابية الهائلة التي أخذت مساحتها بقدر مساحة العراق.

ووفقا لـ"سانت ليغو"، فإنه يجري تقسيم أصوات كل قائمة على متوالية الأعداد الفردية فقط: "1.6، 3، 5، 7، 9، … "، ومن ثم توزع المقاعد حسب الترتيب التنازلي لنواتج القسمة، فالأرقام الناتجة عن عمليات القسمة هي (نواتج القسمة)، ثم تُرتب تلك النواتج ترتيبا تنازليا، وتوزع المقاعد حسب الترتيب بداية من أعلى رقم إلى أن ينتهي توزيع كل المقاعد.

وبسبب السجالات والخلافات والتوترات جرى تعديل هذا القانون، فكان أن رفعت هذه النسبة في التعديل الأخير الذي صوت عليه البرلمان العراقي في أغسطس/آب 2017، وجرى اعتماده بانتخابات البرلمان عام 2018، إذ أصبح القاسم الانتخابي 1.9 بدلا من 1.6.

هذا التعديل أزعج الكثير من القوائم الصغيرة كونه قد قضى على فرصهم في الفوز، بعد أن كان الحصول عليه بيسر وسهولة، متهمين الأحزاب الكبيرة بمحاولة احتكار السلطة، وضياع لأصوات الناخبين وإبعاد للكفاءات والنخب من العملية السياسية، وان هذا الأمر يشكل انحرافا في مسار العملية الديمقراطية، التي يجب أن يشارك فيها الجميع.

التقسيم لأقضية

القانون الجديد ذهب إلى تقسيم العراق إلى 222 قسما، وذلك بجعل كل قضاء دائرة انتخابية واحدة، بدلا من الدائرة الواحدة لكل محافظة (تضم عدد من الأقضية) في عموم محافظات العراق البالغة 19 محافظة (إذا جرى اعتماد تحويل مدينة حلبجة في إقليم كردستان إلى محافظة).

ورأى خبراء قانونيون، أن تقسيم قانون الانتخابات الجديد العراق إلى 222 قسما، هو خلاف لما ينادي به المتظاهرون، كما أنه يخالف الدستور الذي يقرر أن النواب يمثلون الشعب العراقي وليس القضاء الذي ينتخبهم كما فعل القانون الجديد.

وقال الخبير القانوني طارق حرب: إن "مشروع قانون الانتخابات الجديد بدأ لتقسيم العراق إلى أقضية، ويخالف أحكام الفقرة الأولى من المادة 49 بالدستور التي تقرر أن أعضاء البرلمان يمثلون الشعب العراقي بأجمعه، وهكذا فإن العراق سيقسم قانونا إلى أقضية، وواقعا سيقسم إلى أجزاء صغيرة بحيث نجعل كل نائب مشغول بالمصلحة الشخصية للقضاء الذي حصل فيه الانتخاب ولا علاقة له بالمصلحة العامة التي تتعلق بالعراق ككل".

وأوضح حرب في منشور على حسابه في "فيسبوك": أن "النائب المنتخب سيمثل القضاء ولا يمثل الشعب العراقي كما أوجب الدستور ذلك، ولا نعلم هل من كتب الدستور كان على إطلاع بما سيترتب على تقسيم العراق إلى أقضية بما يزيد على مائتي قسم وجزء، وهكذا بعد الإقليم والمحافظات التي كان أثرها واضحا في تشريعات ورقابة البرلمان، حيث تنادي جماعة بما يحقق فائدة للإقليم وتنادي جماعات أخرى بما يحقق فائدة للمحافظة التي انتخبوا منها".

وتابع حرب: "أما القانون الجديد فقد أوجد لنا بدل الإقليم الواعد (كردستان العراق) والمحافظات الخمس عشر، 222 قضاء وجزءا على الرغم من أن التظاهرات تنادي بالعراق فقط ولم تناد بالقضاء أو المحافظة وهكذا يتم العمل خلاف المطالب الشعبية".

ماذا عن المكونات؟

القانون الجديد بشكله الحالي لم يعترض عليه المكون الكردي، لا سيما وأن مقاعده مضمونة لأن الأكراد يتمركزون في الغالب بمحافظات إقليم كردستان العراق، وفي خارج حدود الإقليم أي بالمحافظات العراقية يعتبرهم القانون أقلية ويخصص لهم مقاعد وفق نظام الكوتا.

أما المكون السني، فقد رأى المحلل السياسي عدنان الناصري في حديث لـ"الاستقلال" أن من صالحهم أن تكون المحافظة دائرة واحدة وليست دوائر متعددة، لأن ذلك سيفقدهم مقاعد عدة من محافظاتهم إلى باقي المكونات.

وأشار إلى أن غالبية الكتل السياسية الشيعية، ليس لديها اعتراض على تقسيم العراق إلى دوائر انتخابية متعددة وفقا للأقضية، لكنهم يرغبون أن تكون العاصمة بغداد دائرة واحدة لأن التمثيل السني فيها سيرتفع.

وتابع الناصري: أن المحافظات السنية التي فيها وجود للمكون الشيعي، تفضل القوى السياسية الشيعية بأن تكون وفق الدوائر المتعددة لأنهم يتوقعون حصولهم على مقاعد إضافية فيها.

ولفت إلى أنه بشكل عام فإن الأحزاب ذات التنظيمات القوية قد تكون فرصها أكبر ضمن القانون الجديد، لكنه سيضعف المرشحين من أصحاب الرؤية الوطنية لصالح الذين يحرصون على كسب الجمهور من خلال مصالح يقدمونها، والفوز لمن يحظى بتأييد كبير داخل دائرته أو منطقته الانتخابية.

وأعرب الناصري عن اعتقاده بأن "الأحزاب المنظمة جيدا ستستفيد من القانون الجديد في كل دائرة سيكثر فيها المستقلون، وبالتالي يعطون الفرصة لمرشحي الأحزاب صاحبة التنظيم القوي لحصد المقاعد".

لافتة رفعها المتظاهرون في ساحة التحرير وسط بغداد

وأظهرت صور ومقاطع فيديو للاحتجاجات في ساحة التحرير وسط بغداد، اعتراض المتظاهرين على قانون الانتخابات الجديد، وقالوا إن الأحزاب الحاكمة تريد "سرقتنا وهدر دماء الشهداء بإقرار قانون انتخابات مناف لمطالبنا".

وتضغط المرجعية الشيعية في النجف التي يتزعمها المرجع علي السيستاني على التسريع في تشريع قانون الانتخابات الجديد، وقد طالبت في بيان، بـ22 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بسرعة تشريع القانون وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة "لتجاوز الأزمة الحالية".

وبحسب مراقبين، فإن كتابة قانون جديد للانتخابات يجب أن يكون بمشاركة ممثلين عن التظاهرات وشخصيات سياسية وأحزاب سياسية من خارج البرلمان حتى يكون محل إجماع ويحقق نسبة عالية من المشاركة في الانتخابات، لا أن يكون قانونا يخدم مصالح السلطة والطبقة السياسية الحالية وحسب.