"معهد بروكنجز": الثورة الإيرانية والإخوان المسلمون.. لعنة النموذج

الاستقلال - قسم الترجمة | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

نشر  معهد بروكنجز للأبحاث والتحليلات المستقلّة في واشنطن، تقريرا بعنوان "لعنة النموذج: الثورة الإيرانية والإخوان المسلمون"، اعتبر أنّ "الثورة الإيرانية كانت أول ثورة إسلامية في العصر الحديث؛ ولذلك ليس من المستغرب أن تظل نموذجًا مغريًا بالاتباع بعد أربعين سنة من انطلاقها. ليس فقط لإيران والشيعة فحسب، ولكن للإسلاميين السنة أيضا".

وقال الباحث المتخصص في الإسلام السياسي في العالم العربي، شيران جريول، والباحث السابق في معهد بروكنجز الدوحة، شادي حميد: إن "تراث الثورة الإيرانية كان مختلطا؛ ففي البداية، شجعت الثورة الإسلامية الجماعات الإسلامية السنية، وحفزت أتباعها على التفكير بإمكانية استنساخ الثورة في أماكن أخرى. لكن سريعًا ما تخلى الإسلاميون السنة عن التعلق بالتجربة الإيرانية؛ بسبب الخلافات الأيديولوجية، والعداء الطائفي، والاعتبارات الإستراتيجية".

ورأى الباحثان أن "أعضاء ومسؤولين من الإخوان المسلمين والجماعات التابعة لهم في جميع أنحاء المنطقة، لم يذكروا أن إيران نموذج يحتذى به، لكن إرث الثورة الإيرانية يستمر في تلوين العدسات التي ينظر بها الغرب إلى الجماعات الإسلامية السائدة مثل جماعة الإخوان المسلمين".

واعتبر تقرير المعهد، أن "الثورة أصبحت عائقا وعبئا على جماعات الإسلام السني بعد أن كانت مصدر إلهام لهم"، قبل أن يتساءل الكاتبان "كيف ولماذا تغير الحال؟"

تشجيع الإسلاميين

"على الرغم من راديكالية روح الله الخميني والنخبة الشيعية الثورية، فقد كانوا يسعون دائما لتجنب إبعاد وعزل السنة. ولكونهم يحملون صفة "الإسلامية"، رأوا في الحركات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين حلفاء محتملين يمكن التودد إليهم"، بحسب المصدر ذاته.

واعتبر الكاتبان أن انقسام السنة والشيعة منذ البداية والخلافات الطائفية لم تكن بالحدة التي هي عليها اليوم.

موضّحينِ: أن "الثورة بحد ذاتها كانت جزءًا من الإحياء الديني، الذي امتد نطاقه عبر الطوائف في جميع أنحاء المنطقة. فقد كانت الأيديولوجية المشتركة حول مركزية دور الإسلام في السياسة مقدّمةٌ على الطائفة، أو على الأقل بدا أنها كذلك. وبعبارة أخرى، فقد رأى الإسلاميون السنة أن القواسم المشتركة التي تجمعهم مع الإسلاميين الشيعة تفوق روابطهم مع العلمانيين من السنة. وعندما أعلن الخميني بأن [الإسلام ليس شيئًا سوى السياسة]، إنما كان يردد مقولة قالها الإسلاميون السنّة منذ فترة طويلة".

وأفاد التقرير أن "فكرة الخميني السياسية، قامت على مباينة لرؤية المؤسسة الشيعية التقليدية؛ حيث رأى أن مباشرة رجال الدين للسياسة لا تحتاج إلى انتظار عودة الإمام الغائب". وأضاف: إنه "لم يؤثر أي مفكر سني في إيران كما أثرت كتابات سيد قطب، آخر الثوريين الحقيقيين في جماعة الإخوان المسلمين، إذ تُرجمت أعماله ونشرت باللغة الفارسية".

ونقل التقرير عن يوسف أونال قوله: "لقد كان سيد قطب شخصية مؤثرة لدى الثوريين الإيرانيين؛ حيث لعبت أفكاره دورًا فاعلًا في صياغة الخطاب الإسلامي في مرحلة ما قبل الثورة الإيرانية".

وتابع المصدر ذاته: "من المفارقات العجيبة أن راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة التونسي، والذي يعد أكثر القيادات الإسلامية تقدميةً واعتدالًا في هذا الوقت، كان متعاطفًا بشدة مع أهداف الثورة الإيرانية. فخلال دراسته في باريس شارك في جمعية طلابية كان يرأسها طالب إيراني".

وأكد الكاتبان أن "الطالب الإيراني هو من عرّف الغنوشي على أعمال مهدي بازركان المعارض الإيراني الشهير، الذي كان أول رئيس وزراء لإيران بعد الثورة في شهر فبراير من عام 1979".

واستند التقرير إلى كتاب عزام التميمي، عن سيرة راشد الغنوشي، الذي ورد فيه: "كان هذا النظام يعكس درجة عالية من التسامح، فلا تأثير لشيعية الطالب أو سنيّته على ترشحه لرئاسة المجتمع الذي يشكل فيه السنة أغلبية".

ويكتب الغنوشي عن تلك الفترة متذكرًا: "في الوقت الذي كنا نستعد لقبول فكرة وجود صراعات غير إيديولوجية كالصراعات السياسية والاجتماعية، جاءت الثورة الإيرانية لتعطينا مجموعة جديدة من الخطابات الإسلامية. وقد مكننا ذلك من إضفاء طابع إسلامي على بعض المفاهيم الاجتماعية اليسارية واستيعاب الصراع الاجتماعي في سياق إسلامي"، بحسب التقرير.

خيبة الأمل أو التحرر من الوهم

رأى الباحثان المتخصصان في الإسلام السياسي، أن "المودة لم تدم طويلا بين الإيرانيين وحركات الإسلام السني، وتحولت التجربة الإسلامية في إيران إلى عبء على الإسلاميين على امتداد بلدان العالم الإسلامي".

وعاد التقرير إلى كتاب التميمي، قائلا: "سرعان ما اتضح للغنوشي أن الجمهورية الإسلامية أخذت تتطرف في ديكتاتوريتها وقسوتها على معارضيها. وبدأ الغنوشي، في عام 1984 بانتقاد نظام آيات الله في إيران؛ لتقديمهم أنفسهم على أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، ويحتكرون فهم الإسلام الصحيح، وأن ثورتهم هي الطريقة الشرعية الوحيدة للتغيير".

وصل تقرير "بروكنجز" إلى سنوات الثمانينات، عندما "بدأ يظهر تغيّر مهم على مستوى الحركات الإسلامية، وقرر الإسلاميون اغتنام انتشار الصحوة الإسلامية ودخول البرلمانات والمعترك السياسي، وقد أذنت الحكومات بهذه المشاركة اضطرارًا؛ نظرًا لشعبية الإسلاميين".

وتابع: "حصل تحالف جماعة الإخوان المسلمين في مصر مع حزب الوفد العلماني، على ثمانية وخمسين مقعدًا في الانتخابات البرلمانية عام 1984، محققين بذلك أفضل نتيجة للمعارضة في تاريخ مصر السياسي".

وعاد الكاتبان إلى انتخابات 1984 و1987، معتبرين أنها كانت "أكثر انتخابات تنافسية شهدتها مصر حتى ذلك الحين (رغم أنها كانت بعيدة كل البعد عن الحرية والنزاهة)".

وانتقلا إلى الأردن قائلين: "بدا أن عملية الانتقال تحمل وعوداً أكبر. ففي عام 1984، نافس الإخوان المسلمون الأردنيون على ثلاثة مستويات؛ مستوى الجامعة والبلدية والمستوى الوطني، متجاوزين التوقعات في كل منها. واجتاح التيار الإسلامي انتخابات الاتحاد الطلابي في الجامعة الأردنية، بينما تم عقد انتخابات فرعية حرة على المستوى الوطني لأول مرة منذ عام 1967 على ثمانية مقاعد شاغرة في البرلمان، فحقق الإخوان فوزًا مريحًا بكسبهم لمقعدين اثنين".

"ومع سعي حركات إسلامية سنية إلى التحول الديمقراطي التدريجي من خلال الانتخابات، أصبحت السلطوية الإيرانية ونموذجها للتغيير الثوري غير محبذ لدى الإسلاميين"، بحسب المصدر ذاته.

وأفاد التقرير أن "استيلاء الخميني على السلطة من خلال الإطاحة بالنظام كان مختلفًا تمامًا عن محاولة الفوز بعدد قليل من المقاعد البرلمانية هنا وهناك. وبهذا أصبح الثناء على التجربة الإيرانية أو تقديم إيران كمصدر إلهام من شأنه أن يزيد من المخاوف الغربية الكبيرة من أن الهدف الحقيقي لجماعة الإخوان هو الثورة الشاملة بدلاً من الإصلاح التدريجي".

ورصد معهد التحليلات التسلسل الزمني للأحداث، مشيرة إلى "التطورات الجيوسياسية، التي جاءت بعد ذلك؛ لتلعب دورًا في ترسيخ الفجوة بين الإسلاميين من السنة والشيعة. فبعد الثورة الإسلامية مباشرة، ظلت العلاقات بين النظامين الإيراني والسوري متوترة لعدة سنوات".

"بتعزيز إيران لتحالفها مع النظام السوري الذي كان يشن حربًا ضد الإسلاميين في الداخل وقتها، أخذت فروع الإخوان المسلمين في المنطقة بالنظر بارتياب إلى إيران. ومع اشتداد قمع الأسد للإخوان المسلمين في سوريا أخذ نقد الإخوان لنظام الأسد بالاختلاف، وأصبح يميل إلى خطابٍ أكثر صراحةً في معاداته للشيعة. (في السابق، لم يرَ الإسلاميون السنّة الطائفة العلوية لأسرة الأسد على أنها شيعية بحد ذاتها، وحتى معظم رجال الدين الشيعة من الاثني عشرية لم يعتبروا العلويين شيعة حقيقيين)"، بحسب المصدر ذاته.

فوزهم ليس كافيا

واعتبر الكاتبان أن "المسافة تستمر في الاتساع بين الإسلاميين السنة وإيران، حين يكتشف الإسلاميون أن فوزهم في الانتخاباتِ ليس كافيًا لتولي السلطة، بمقدار أهمية تطمينهم للغرب بأنهم لن يتبعوا نموذج إيران في الحكم".

ولتعزيز فكرتهما؛ استعرض التقرير أحداث عام 1992، عندما فازت جبهة التحرير الإسلامية في الانتخابات البرلمانية في الجزائر، "ولكن الجيش الجزائري وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ألغى الانتخابات وأمر بحلّ الحزب؛ مطلقًا بذلك شرارة لحرب أهلية دامت لعشر سنوات".

وكذا نموذج فلسطين، "عندما فازت حماس، في عام 2006، بشكل ساحق في الانتخابات البرلمانية بغزة، ومع ذلك لم تكتف الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب بعدم الاعتراف بفوز حماس فحسب، بل فرضوا عقوبات وحصارا اقتصاديا على غزة".

وخلص التقرير إلى أن "الحادثتين تذكير بموقف الولايات المتحدة في عدم رغبتها في وصول الإسلاميين إلى السلطة، وتكرار شبح الجمهورية الإسلامية".

"وفي سبيل تحييد المعارضة الأمريكية لمشاركتهم الانتخابية، ركز الإسلاميون في أماكن أخرى في المنطقة على إقناع الجماهير الغربية بأنهم لا يريدون ثورة على الطراز الإيراني"، بحسب التقرير قبل أن يضيف: "أشار مجدي عاشور النائب البرلماني المنتسب إلى جماعة الإخوان إلى "أننا نرغب في تغير ما يعتقده الغرب عنا، نحن لا نريد دولة على النمط الإيراني،والذي يرى أنه يحكم بتفويض إلهي".

وحتى في وسط اضطرابات الانتفاضة المصرية في عام 2011، يوضح الكاتبان، خصصت قيادات الإخوان وقتا للكتابة في شتى الصحف الغربية الكبرى لتقديم تطمينات للغرب. "فقد كتب محمد مرسي الذي سيصبح لاحقًا أول رئيس منتخب لمصر "هذه الثورة ليست ثورة الإخوان"، وكتب زميله عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح مؤكدين أن الإخوان يريدون الديمقراطية والتدرج في الإصلاح، ولا يرغبون في ثورة إسلامية"، بحسب المصدر ذاته.

وكذلك في تونس، "حين عاد الغنوشي من منفاه في شهر مارس/ آذار 2011 أصدرت النهضة توجيهاتها لجمهورها بعدم التوجه إلى المطار لاستقبال زعيمهم، حتى لا تعود صورة استقبال الجماهير الإيرانية للخميني إلى الأذهان".  

تعميم أمريكا

ورأى التقرير أن "التوتر ازداد بين الإسلام السني والجمهورية الإسلامية بعد دعمها لحزب الله في الثورة السورية وتأييد بشار الأسد. حيث أدان القيادي في جماعة الإخوان المسلمين جمال حشمت، ما أسماه بـ"مشروع إيران التوسعي في المنطقة"، وهدد العريان بأن "الربيع العربي سيصل إلى إيران". وفي شهر يونيو/ حزيران 2013، أدان الشيخ يوسف القرضاوي إيران وذراعها اللبناني حزب الله، داعيًا الأخير "بحزب الشيطان""، بحسب بروكنجز.

وأفاد تقرير المعهد، أنه "على الرغم من انتقادات الإسلاميين السنة لإيران، فلا تزال الحركات الإسلامية السنية رهينة لإرث الثورة الإيرانية".

واعتبر الباحثان أن "كبار صناع السياسة في الولايات المتحدة يواصلون التعميم على جميع الإسلاميين من السنة والشيعة، ووضعهم في إطار واحد. "كلهم يسبحون في البحر نفسه"، كما وصفهم وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس. كما نصح دينيس روس الولايات المتحدة بـ "عدم التواصل مع الإسلاميين" واضعًا تنظيم الدولة والإخوان المسلمين والنهضة وإيران في سلة واحدة. "فكلهم مشتركون في الانتماء للهوية الإسلامية ... وعقيدتهم لا تتوافق مع التعددية والديمقراطية"".

وخلص التقرير إلى أن "الجماعات الإسلامية لا تزال مرتبطة على نطاق واسع بالثورة الإسلامية، ومتهمة بإخفائها نيات سرية في اتباع المسار الإيراني؛ فبعد أربعة عقود من الثورة الإيرانية، ما زال الإسلاميون مقيدين بالإرث الذي لا يبدو أنه سيتغير".