لوفيجارو: مخاوف من حمام دم خلف أبواب إيران المغلقة

12

طباعة

مشاركة

بعد الحظر شبه الكامل للإنترنت، تخشى المنظمات الدولية من حمام دم بإيران، في ظل اشتداد الاحتجاجات التي تشهدها معظم أنحاء البلاد بسبب ارتفاع أسعار الوقود التي أعلنتها الحكومة.

وقالت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية: "في السنوات الأولى لإعلان الجمهورية الإسلامية، خضعت الرقابة السينمائية لقيادة دينية عمياء قررت حذف العديد من المشاهد".

تعتيم إلكتروني

وأوضحت: أن "هذا النهج القاسي والعشوائي يظهر صداه في إيران اليوم، حيث فرضت السلطات رقابة غير مسبوقة على شبكات التواصل الاجتماعي، في حين تشهد البلاد رياحا جديدة من التمرد".

وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أصبح التعتيم على الإنترنت بشكل كلي تقريبا، حيث توقفت حسابات موقع التواصل تويتر، "كما غابت العلامة المزدوجة التي تشير إلى تلقي الرسالة على الرسائل المرسلة عبر  واتساب، وتغيب الناشطون من مستخدمي موقع يوتيوب". 

كذلك على "فيسبوك"، لا توجد إلا مقاطع الفيديو الخاصة بالأيام الأولى من المظاهرات، والتي انطلقت يوم الجمعة 15 نوفمبر/ تشرين الثاني بعد الارتفاع المفاجئ بنسبة 50٪ على سعر البنزين، وقد رافقها قمع فوري، يعطي لمحة عن العنف السائد هناك.

وبينت أنه منذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من جانب واحد من الاتفاق النووي وعودة العقوبات أصبح الاقتصاد الإيراني ضعيفا بالفعل بسبب سوء الإدارة والفساد المستشري في البلاد.

وذكرت الصحيفة أن الهدف من رفع السلطات للأسعار هو ضخ المزيد من الأموال من أجل إنقاذ الميزانية العامة الفارغة، لكن في الجهة المقابل كان ذلك بمثابة شرارة أشعلت الحركة الاجتماعية التي كانت تختمر.

وتقول الصحفية الفرنسية: "خلال التظاهرات الحالية، جرى إطلاق الذخيرة الحية من قبل الشرطة على الحشود المحتجة، إضافة إلى قناصة مختبئين على الأسطح، والإفراط في استخدام الغاز المسيل للدموع". 

ونقلت "لوفيجارو" عن دبلوماسي غربي يتابع الشأن الإيراني قوله عن ما يجري هناك: "نحن نشعر بالعمى تجاه الوضع في إيران".

رقابة واسعة

وبحسب الصحيفة، بعد حوالي أسبوع من بدء الاحتجاج، منحت سلطة طهران نفسها احتكار المعلومات، فادعى المرشد الأعلى علي خامنئي، أنهم تمكنوا من "دحر العدو"، مضيفا: "ما حدث خلال الأيام الأخيرة كانت ممارسات أمنية وليست شعبية".

وفي اليوم الذي يسبقه، ادعت صحيفة "كيهان" المحافظة أن "قادة الاحتجاج قد تم القبض عليهم"، وأنهم "اعترفوا بعلاقاتهم مع دول خارجية"، ومن جهته بث التلفزيون الحكومي صورا لشبان ملثمين شاركوا في اشتباكات مع قوات الأمن. 

وتأكيدا على هذه الرقابة واسعة النطاق، وضع المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي، شرطا لعودة الإنترنت وهو "ضمان عدم إساءة استخدام الشبكة".

وحول أرقام المتظاهرين ذكر تقرير صادر عن جهاز المخابرات الإيراني، نقلته وكالة أنباء "فارس"، شارك 87000 شخص وصفوا بأنهم "مثيري الشغب" في المظاهرات بحوالي مائة مدينة بالبلاد، ولا سيما في مقاطعات خوزستان (جنوبا)، وطهران وكرمان (وسطا). 

وبحسب التقرير، ألقي القبض على "قرابة ألف شخص" وأصيب ألف مبنى عام بأضرار، أما بالنسبة لعدد القتلى الذين أكدتهم السلطات، فهو يصل إلى خمسة أشخاص فقط، بينهم ثلاثة من أفراد قوات الأمن الذين قُتلوا "بسكين" على أيدي "مثيري الشغب". 

وتبين "لوفيجارو" أن هذه التقارير الرسمية مغلوطة تماما من وجهة نظر منظمات حقوق الإنسان، فبحسب منظمة العفو الدولية غير الحكومية "قُتل 106 متظاهرين على الأقل في 21 مدينة، وفقا لمعلومات موثوق بها". لكن "عدد القتلى الفعلي قد يكون أعلى بكثير، حيث تشير المعلومات إلى مقتل 200 شخص". 

وتؤكد المنظمة التي أيدت هذه الشهادات ببعض أشرطة الفيديو القليلة المتاحة وفقا لعدة شهود عيان "قوات الأمن أزالت الجثث والجرحى من الشوارع والمستشفيات".

خنق المعارضة

وقال روبرت كولفيل، الناطق باسم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان: "إننا نشعر بالقلق بشكل خاص لأن استخدام الذخيرة الحية تتسبب في عدد كبير من الوفيات".  

من جهتها نقلت صحيفة "الإندبندنت" عن نادر هاشمي، مدير دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر في الولايات المتحدة أن عدد الضحايا ربما يكون أعلى. 

وقال إنه متأكد من ذلك لسببين: "حجب الإنترنت الذي يشير إلى أن الجمهورية الإسلامية لديها ما تخفيه؛ وسجل حقوق الإنسان الذي يؤكد أنها لا تلتزم بالقيود الأخلاقية عندما يتعلق الأمر بخنق المعارضة وتجاهلها".

وتنوه الصحيفة الفرنسية بأن وحشية النظام الإيراني ليست سرا على أحد، فخلال المظاهرات الطلابية عام 1999 - أول انتفاضة شعبية بعد سقوط الشاه عام 1979، واستيلاء رجال الدين على السلطة - جرى اعتقال الآلاف من الأشخاص وسجلت المنظمات عشرات الوفيات.

لكن في ذلك الوقت، كان نقص الشبكات الاجتماعية قد حد من قدرتها على إعداد حساب مفصل للضحايا. 

في عام 2009، تغير الوضع، إذ أتاحت مواقع تويتر وفيس بوك للعالم، الفرصة لمشاهدة البث المباشر للحملة العنيفة تجاه "الموجة الخضراء" ضد إعادة انتخاب الرئيس السابق أحمدي نجاد المتنازع عليه، والتي أودت بحياة حوالي 150 شخصا.

ورأت الصحيفة أن هذه الشفافية، التي يخشاها النظام بشدة - والتي حدثت مرة أخرى خلال الاحتجاجات 2017-2018 - هي واحدة من الأسباب الواضحة للحصار الحالي للإنترنت.  

وقال إيراني متخصص في علم الاجتماعي عبر واتساب، قبل حجب الإنترنت: "السخط ليس اقتصاديا فحسب، بل سياسي أيضا، وهو أكثر عنفا من الثورات السابقة! يهاجم المتظاهرون البنوك ويحرقون صورة خامنئي، قد لا تتمكن السلطة من إيجاد طرق لإسكاتنا".