إرسال محمود السيسي إلى روسيا.. امتصاص غضب أم تأهيل الوريث؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وقت اشتعال الثورة المصرية في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، كان عبد الفتاح السيسي يشغل منصب مدير جهاز المخابرات الحربية، وهو منصب غير مرئي فعليا للجمهور، وكان السيسي رجلا غامضا والمعلومات المتاحة عنه وعن شخصيته ضئيلة للغاية.

مع صعوده في السلك العسكري، ووصوله إلى منصب وزير الدفاع في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، في 12 أغسطس/ آب 2012، لم يكن المصريون يعرفون الكثير عن السيسي أو عن أسرته وأبنائه، وظل الجنرال الجديد حريصا طوال الوقت على بناء هالة حول نفسه، وأسرته. 

بعد انقلاب السيسي على رئيسه مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، وتوليه الحكم في يونيو/حزيران 2014، ظل "محمود" الولد الأكبر للسيسي بعيدا عن الأضواء، رغم ترقيته السريعة داخل جهاز المخابرات العامة، ووصوله إلى منصب الرجل الثاني (بعد عباس كامل رئيس الجهاز واليد اليمنى للسيسي) في الجهاز، وإدارته لملفات حيوية بالغة الأهمية، حسب تقارير صحفية وإعلامية غربية.

ومع اشتداد حالة الغضب ضد النظام انكشفت شخصية محمود السيسي رويدا رويدا، حتى بات حديث وسائل الإعلام، كان آخرها المعلومات التي نشرتها وسائل إعلام محلية وعالمية نقلا عن مصادر استخباراتية تفيد بنية السيسي إبعاد محمود إلى الخارج، وخروجه من المشهد، لتجاوز أزمة كبرى قد تأتي لاحقا، على غرار ما حدث مع الرئيس الأسبق حسني مبارك عندما سعى لتوريث نجله جمال.

إلى روسيا

في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، نشر موقع "مدى مصر" تقريرا، مفاده أن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، وافق على إبعاد نجله من المخابرات بعد سلسلة إخفاقات وأزمات داخلية هددت استقرار نظامه. 

ونقل الموقع عن مصدرين منفصلين داخل جهاز المخابرات العامة، مجموعة من المعلومات، أبرزها:

  • قرار صدر قبل أيام بندب محمود السيسي، للقيام بمهمة عمل طويلة في بعثة مصر العاملة في روسيا، بعدما أثرت زيادة نفوذه سلبا على والده.
  • القرار تم اتخاذه، على أن يكون تنفيذه في 2020، بعد فترة ابتعاث قصيرة لمحمود من المخابرات العامة إلى المخابرات الحربية.
  • القرار جاء بعد مشاورات مطولة داخل دائرة أسرة الرئيس والمجموعة الصغيرة المحيطة بها، وعلى رأسها اللواء عباس كامل، حيث اتفق جميع المشاركين على أن بروز اسم نجل الرئيس كأحد أهم صناع القرار في مصر، أضر كثيرا بصورة الرئيس والأسرة، بل وبات يشكل تهديدا واضحا لاستقرار النظام.
  • قرار إبعاد محمود السيسي جاء تنفيذا لمقترح إماراتي نقله محمد بن زايد الحليف الأقرب للرئيس المصري.
  • القرار يهدف لإخراج نجل الرئيس من المشهد بشكل لائق، يهدئ من حدة الانتقادات الموجهة إليه.

فشل الوريث

وحسب مصادر جهاز المخابرات العامة، كانت هذه أبرز الملفات التي فشل فيها محمود، وتسببت في استبعاده: 

  • ملف الإعلام، الذي يسيطر عليه مباشرة منذ أكثر من عام.
  • الفشل في إدارة ملف الفنان والمقاول محمد علي المعارض الأبرز والشرس للسيسي في الفترة الأخيرة.
  • أخفق السيسي الابن، عندما اقترح فكرة إعلان الإعلامي عمرو أديب عن استضافته (محمود السيسي)، في حلقة برنامجه الحكاية، يوم 22 سبتمبر/أيلول الماضي، ليتضح بعدها أن المقصود هو العضو المنتدب لمجموعة صيدليات 19011، التي انتشر حديث عن ملكية المخابرات لها، وهو ما تسبب في تداول اسم أسرة الرئيس بشكل أكبر، بدلا من الهدف الأساسي من الفكرة وهو نفي ملكية المخابرات العامة لسلسلة الصيدليات.

اعتقال الصحفي

في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، قال موقع "مدى مصر" الإخباري: "إن سلطات الأمن اعتقلت أحد صحفيه فجر اليوم السبت، وذلك عقب نشر الموقع تقريرا عن استبعاد محمود السيسي نجل الرئيس من المخابرات". 

وقال الموقع  في بيان: "أُلقي القبض على الصحفي شادي زلط من منزله، في الساعات الأولى من فجر اليوم، عن طريق 4 ضباط أمن في ملابس مدنية باب منزل شادي حيث يعيش مع زوجته وبنته".

وحسب البيان: "الضباط قالوا إنهم حضروا من أجل شادي دون أن يفصحوا عن هوياتهم أو يظهروا أمر ضبط وإحضار. بينما بقي عدد آخر من عناصر الأمن المسلحة خارج منزله. وصادرت الشرطة الحاسوب الخاص بالصحفي وزوجته وهاتفه الخاص".

حالة احتقان

في سبتمبر/ أيلول الماضي، نشر موقع الاستقلال مقالا تحت عنوان "ماذا خسر السيسي في حراك 20 سبتمبر؟"، قال: "من المشاهد التي كانت غائبة، ودفع الحراك إلى كشفها وتوضيحها، هو إظهار حقيقة الدور المؤثر الذي يقوم به محمود السيسي نجل رأس النظام".

وأضاف: "على غرار جمال مبارك - وربما أكثر فجاجة - أصبح محمود السيسي فعليا بمثابة الرجل الثاني في الدولة، وامتلك صلاحية إدارة الملفات الحساسة، وأنه أصبح الفتى المدلل الذي تمت ترقيته بشكل استثنائي".

وأردف: "لا شك أن دوره هذا يستفز قطاعات من القيادات العسكرية والشرطية، التي تؤمن بفكرة مركزية في الحياة العسكرية، وهي أولوية التراتبية في الصلاحيات بناء على الرتب العسكرية والسن، فذلك بلا شك يزيد من حالة الاحتقان عند مراكز القوى داخل النظام على المدى المتوسط والبعيد، تماما كما حدث مع نجل مبارك، عندما تبلورت تدريجيا حالة مكتومة من رفضه داخل أروقة السلطة، حتى ساهم ذلك في الإطاحة به وبأبيه".

وحسب الكاتب، فإن اعتماد السيسي على نجله محمود دليل على عدم ثقته في القيادات الطبيعية لمؤسسات الدولة، وبالتالي تخطى الجميع بنقل مركز ثقل القرار من المؤسسات إلى أضيق الدوائر الممكنة وهي أسرته.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي فجر محمد علي ضجة بكشفه عن تفاصيل إنفاق الرئيس وأسرته على مقار الإقامة، ودور محمود السيسي في ذلك.

مصادر رسمية مطلعة قالت للموقع قبل شهرين: "محمود السيسي كان مسؤولا عن تنفيذ تعليمات الرئيس، بالقمع وعمليات التوقيف الواسعة التي جرت في أعقاب مظاهرات 20 سبتمبر، التي جرت بينما السيسي يصل إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة، بناء على نصيحة كبار معاونيه وعلى رأسهم رفيق سنوات العمل الطويلة عباس كامل".

وفي الوقت الذي يفسر فيه البعض القرار المفاجئ بأنه "ركلة إبعاد"، لأكثر أبناء السيسي نفوذا، فإن هناك تفسيرا آخر بأن "الخطوة ربما تكون محاولة صقل له، بمنحه فرصة ترؤس مندوبية عسكرية في دولة لها أهمية بالغة بالنسبة لمصر، سواء في مجال التعاون العسكري بأشكال متعددة، أو في مجالات أخرى أهمها حاليا هو إنشاء مفاعل الضبعة النووي، حسب ما ذكرت مصادر لـ"مدى مصر".

رسائل إسرائيلية

في 13 يناير/ كانون الثاني 2017، أشار "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة"، الإسرائيلي، المرتبط بدوائر صنع القرار في تل أبيب، إلى أن "السيسي عيّن نجله الأكبر محمود بمنصب كبير في جهاز سيادي، كمسؤول عن الأمن الداخلي في المخابرات العامة".

مضيفا: "بات محمود يوصف بأنه الرجل القوي في الجهاز الذي يشارك في الاجتماعات الرسمية التي يعقدها والده، مع أوثق مقربيه، الذين باتوا يسيطرون على المخابرات العامة، بعد تنفيذ عمليات تطهير واسعة بالجهاز". 

سمحت الترقية التي حصل عليها محمود السيسي من رتبة "مقدم" إلى "عقيد" ثم "عميد" خلال 4 سنوات فقط لتسمح له بتولي منصب نائب مدير الجهاز الذي يرأسه اللواء عباس كامل "ربيب" السيسي. 

كامل أوكل للسيسي الابن مهمة قطاع الأمن الداخلي، بعدها تمكن والده من توجيه ضربات متتالية للحرس القديم داخل الجهاز، فأقال نحو 17 قيادة بالمخابرات العامة إثر أزمة التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية، إلى جانب التخلص من رئيس الجهاز السابق خالد فوزي ليصبح نجل السيسي الرجل الأهم بأقوى قسم في المخابرات المصرية.

سيناريو الرعب

ومع اندلاع حراك 20 سبتمبر/ أيلول الماضي تناولت الصحافة الإسرائيلية في تغطيتها الإخبارية للمظاهرات التي خرجت في مدن مصرية عدة، بشيء من التوجّس، والارتياب، واصفة إياها بأنها "نادرة"، منذ تولي السيسي مقاليد السلطة في مصر.

ورأى الكاتب الإسرائيلي اليميني أرئيل سيغل أنه "في حال عادت الحياة إلى ميدان التحرير، فإن هذا يُمثل أخبارا سيئة جدا لإسرائيل"، مؤكدا أن "مؤشرات عدم استقرار نظام السيسي، قد يجعل إسرائيل تواجه مجددا سيناريو الرعب الذي خشيته بعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير".

وعلقت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية على الاحتجاجات المصرية، بالقول: إنه "رغم وجود عدد قليل نسبيا من المتظاهرين في ميدان التحرير، إلا أن انتشار القصة على شبكات التواصل الاجتماعي يزيد من اكتسابها شعبية".

وقال الناشط الإسرائيلي "كوهين الياجوري" في منشور له على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": إن "سقوط الرئيس عبد الفتاح السيسي، هو سقوط للدولة المدنية بمصر وعودة الإرهاب لحكم مصر من جديد، وعودة الدعم العسكري لحركة حماس".

وفي ورقة بحثية صادرة عن معهد "القدس للدراسات الإستراتيجية والأمنية"، أعدها نائب مدير المعهد الدكتور عيران ليرمان، قال: إن "فُرص السيسي في تحقيق الاستقرار في مصر أفضل رغم التحديات التي يواجهها، بسبب الدعم المتواصل الذي تُقدمه إسرائيل للسيسي ونفوذ تل أبيب لدى واشنطن، واستغلال ذلك لتعزيز التحالف الإستراتيجي بالشرق الأوسط والدعم المالي والعسكري للقاهرة، مع تجديد الإمارات والسعودية ضخ الأموال ومساعدة الاقتصاد المصري".

مهندس الإعلام

لم يكن محمود السيسي فقط، من تم إبعاده حسب ما نقلت المصادر الاستخباراتية لـ"مدى مصر"، كاشفة عن "تزامن صدور قرار إبعاد محمود السيسي عن المشهد مع صدور قرار إبعاد مماثل، بحق المقدم أحمد شعبان، الضابط بالمخابرات العامة، والذي برز اسمه لسنوات كأحد مهندسي ملف الإعلام، بإرساله للعمل خارج مصر وتحديدا في بعثة مصر باليونان".

وأورد أن "ذلك بعد شهور قليلة من صدور قرار بإنهاء خدمته بالقوات المسلحة، كضابط في المخابرات الحربية، وتكليفه بالعمل في المخابرات العامة كضابط بها وليس كمنتدب من المخابرات الحربية كما كان سابقا".

فيما أشارت المصادر إلى أن "هناك قرارات أخرى صدرت في الأيام الأخيرة لضباط آخرين، إما بالندب للعمل خارج البلاد أو في مؤسسات حكومية أخرى في الداخل، في سياق إعادة ترتيب المسؤوليات داخل الجهاز، وإبعاد الأسماء التي صار اسمها متداولا على السطح أكثر مما تقتضي متطلبات الوظيفة".

وفي 3 يوليو/ تموز 2019، نشرت مجلة "إنتليجنس أون لاين" الفرنسية المتخصصة في شئون الاستخبارات، تقريرا أفاد أن "السيسي طلب من العقيد أحمد شعبان، إعداد الإصلاح الداخلي لجهاز المخابرات العامة، التي يرأسها الرجل المؤثر عباس كامل".

وذكرت المجلة الفرنسية أن "العقيد شعبان، عمل في رئاسة الأركان قبل استلام هذه المهمة الأخيرة. وأنه اشتهر برئاسة قسم الإعلام في المخابرات الحربية، وهو على مقربة من محمود السيسي".

وكشفت أن "العقيد السابق في المخابرات الحربية، هو الذي كتب مقالات في الصحف المصرية القريبة من أجهزة الأمن، مثل اليوم السابع، تحت اسم مستعار (ابن الدولة)".