يحط من قدر مصر.. كيف أهان السيسي منصب الرئيس؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"النتن"، لفظة عامية مصرية تستخدم للدلالة على البخل والدناءة، ذكرها رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسى (كان وقتها وزيرا للدفاع) في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، وتم تداولها على نطاق واسع في مقطع مسرب من إحدى ندواته المغلقة بالقوات المسلحة، تحدث فيها السيسي عن قيام ضابط أعلى منه رتبة بسبه داخل مكتبه ووصفه بـ "النتن".

حسب المقطع الشهير، قال السيسى: "كنت أجلس بمكتبي ووضعت دبوسا في الأستيكة (الممحاة)، وعندما دخل أحد الضباط الأعلى مني رتبة سأل، من فعل ذلك، فلم أرد، فأعاد سؤاله بغضب، فرددت حينها "أنا يا فندم"، فقال لي: "أنت ضابط نتن".

الضابط الكبير، حسبما نقل المعارض البارز أيمن نور، هو رئيس أركان القوات المسلحة السابق سامي عنان، الذي يحتجزه السيسي منذ مارس/ آذار 2018 على خلفية نيته الترشح لانتخابات الرئاسة الأخيرة.

هذه الواقعة وغيرها منذ انقلاب السيسي على رئيسه المدني (الراحل) محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2103، تظهر عن شخصية مختلفة لرئيس مصر الحالي (السيسي) مقارنة بمن سبقه من الرؤساء عبر تاريخ "المحروسة"، شخصية ضعيفة ومهزوزة وتفتقد لأدنى درجات الكاريزما.

هالة غامضة

في 11 فبراير/شباط 2011، وإثر ثورة يناير أعلن حسني مبارك تنحيه عن الحكم، كان السيسي وقتها مديرا للمخابرات الحربية، وقبلها بسنوات، كان السيسي قد أكمل دورة في الكلية الحربية التابعة للجيش الأمريكي في كارلايل بولاية بنسلفانيا. ولم يلحظه أحد من كبار المسؤولين الأمريكيين طوال تلك الفترة.

مجلة نيويوركر الأمريكية ذكرت أن ليون بانيتا، الذي أصبح وزيرا للدفاع الأمريكي في 1 يوليو/تموز 2011، وكان قبلها مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية، قال: "لا أتذكر أي نوع من الاهتمام في تقارير المخابرات بالسيسي. لم يعرفه المسؤولون الأمريكيون العسكريون، وكانت المعلومات المتعلقة بسيرته الشخصية ضئيلة للغاية".

وقال تشاك هيغل الذي خلف بانيتا في إدارة وكالة الاستخبارات المركزية، للصحيفة ذاتها: "الناس لا تعرف الكثير عن زوجته، ولا تعرف عن أطفاله. لا أعتقد ذلك من قبيل الصدفة، أعتقد أنه كان متعمدا في بناء هالة حول نفسه".

ناشطون انتقدوا ما وصفوه بالتناقض الفج من قبل السيسي بشأن طريقة تعامله مع الخارج في مقابل التعامل مع الداخل، حيث ذكروا أنه يظهر قاسيا خشنا متجبرا مع أبناء شعبه، بينما يظهر ضعيفا مع الخارج.

"قبلة الطائرة"

في 20 يونيو/ حزيران 2014، وبعد أيام قليلة من تنصيب السيسي كرئيس للجمهورية، هبطت الطائرة الملكية السعودية على أحد مدرجات مطار القاهرة الدولي، ولم يغادرها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، بل اعتلى السيسي السلم لمقابلته داخل الطائرة وعقد جلسة محادثات استغرقت قرابة 40 دقيقة.

الحادثة أثارت الجدل حول شخصية السيسي، وفتحت الأبواب للتساؤل عن مدى خضوعه وتبعيته للرياض وأبو ظبي. وبدا الأمر مثيرا للانتباه. وظلت الأسئلة مفتوحة، لماذا يصعد الرئيس المصري إلى طائرة الملك السعودي ويقبل رأسه مع ما في ذلك من مخالفة للأعراف الدبلوماسية؟.

قبلة السيسي على رأس الملك داخل الطائرة، كانت مثيرة للسخط على المستوى العام، وعلى مواقع التواصل، حيث اعتبرها كثيرون وسيلة للتزلف، وتحط من قدر دولة بحجم مصر، كانت تقود الأمة العربية قاطبة حتى وقت قريب.

لكن يبدو أن تنازل السيسي عن كرامته كشخص وكرامة مصر كدولة كانت، حسب مراقبين، ثمنا لتلقي الدعم المالي من السعودية وباقي دول الخليج، ووفق موقع "دويتشه فيله" الألماني، قدمت السعودية والإمارات والكويت، أكثر من 20 مليار دولار مساعدات لمصر لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية بعد عزل الرئيس مرسي.

البعض عقد مقارنات بين العلاقات المصرية السعودية على مدى التاريخ، التي رغم تميزها في كثير من الأحيان، كان طابع الندية مسيطرا على زمامها، وفي حالات كان يحدث الخلاف، ويمتد إلى أبعد من الفتور.

حدث ذلك في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز، خاصة عندما اندلعت الثورة اليمنية في سبتمبر/ أيلول 1962، وتباينت الرؤى بين القاهرة والرياض، وقتها تجاوز عبدالناصر كل الأعراف حينما فقد أعصابه ووجه "سبابا" مباشرا إلى الملك في إحدى خطاباته. 

ورغم أن العلاقات السعودية المصرية كانت في أسوأ مراحلها في عهد عبدالناصر، وتم الإصلاح في عهد السادات، وكانت جيدة في عهد مبارك، ومحددة المعالم في عهد مرسي، لكنها لم تخضع بهذه الطريقة إلا مع تولي السيسي، معتمدا على الدعم السياسي، والاقتصادي من الرياض.

"قدم إثيوبيا"

في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بمدينة سوتشي الروسية على هامش القمة الروسية الإفريقية، التقى السيسي برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في لقاء شهد واقعة مثيرة بسبب طريقة جلوس آبي أحمد والتي اعتبرت مهينة للسيسي.

أحدثت الصورة المتداولة جدلا على مواقع التواصل، خاصة بعدما ظهر فيها رئيس وزراء إثيوبيا وهو يضع "قدما على قدم" بينما يجلس السيسي معتدلا.

البعض فسرها دليل على ضعف موقف مصر في مفاوضات سد النهضة بسبب وثيقة إعلان المبادئ التي وقعها السيسي في مايو/ آيار 2015، وبموجبها أنجزت أديس أبابا شوطا واسعا في بناء السد الذي يهدد حصة مصر التاريخية في مياه النيل.

عقد البعض مقارنات بين السيسي ومن سبقه من رؤساء مصر في تعاملهم مع أزمة سد النهضة، ففي عهد مبارك، هدد الرئيس المخلوع بإعلان الحرب، عبر تسريب صوتي قال فيه إنه "مُستعد لضرب السد بطائرة (توبوليف)"، وهي قاذفة قنابل روسية.

وعقب ثورة يناير 25 يناير، عندما وضعت إثيوبيا حجر الأساس للسد، قام المجلس العسكري الذي كان يدير شؤون البلاد، بإرسال وفد الدبلوماسية الشعبية لأديس أبابا.

وقبل شهرين من عزله زار الرئيس الراحل محمد مرسي إثيوبيا لمناقشة ملف المياه، وعقد اجتماعا بقصر الاتحادية (تم بثه على الهواء)، جمع فيه مختلف الأحزاب واقترح بعض الحاضرين ضرب السد، لكن المفاوضات توقفت بعد انقلاب السيسي في 3 يوليو/تموز 2013، لتعلن أديس أبابا بعدها بدء العمل رسميا في بناء السد.

صورة مهينة 

في 4 أبريل/ نيسان 2017، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على حسابه الرسمي بتويتر، صورة له وهو يجلس على مكتبه، بينما السيسي يقف بجواره مع الوفد المرافق له في واشنطن، وهو ما أثار غضب كثيرين. وتساءل ناشطون عن مخالفة هذه الصورة للبروتوكول.

البعض قارن بين لقاء السيسي وترامب ولقاء أوباما ومبارك في 4 يونيو/ حزيران 2009، عندما صعد أوباما درجات سلم شُرفة قصر العروبة الرئاسي بالقاهرة، ليصافح مبارك.

في 14 سبتمبر/ أيلول 2019، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن ترامب وصف السيسي، بـ"ديكتاتوري المفضل"، قبيل لقائهما على هامش قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في فرنسا أغسطس/آب الماضي.

وقالت الصحيفة، نقلا عن شهود عيان: إن "ترامب كان واقفا وسط عدد من المسؤولين الأمريكيين والمصريين، ونادى بينهم بصوت عال قائلا: "أين ديكتاتوري المفضل؟"، في إشارة إلى السيسي. ونقلت الصحيفة عن الشهود إنهم "اعتقدوا أن ترامب طرح ذلك السؤال مازحا".

الرئيس الأمريكي ترامب جالسا، والسيسي بجواره واقفا

شخصية ضعيفة 

في 20 أغسطس/ آب 2018، قال المعارض أيمن نور، في شهادته على قناة "وطن" الفضائية، عن فترة ما قبل الانقلاب: "الدعوة التي وجهت لي من قبل السيسي وزير الدفاع آنذاك في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2012، كانت بمنزلة جس نبض لتنفيذ الانقلاب العسكري مبكرا".

وأكد نور خلال شهادته، أن "شخصية السيسي ضعيفة جدا أمام الشخصيات المشهورة، والأيام أثبتت أن هذا يمثل نقطة ضعف في شخصيته، وكان لديه شغف في أن يقف ويتصور مع الفنانين والسياسيين".

وأردف المعارض السياسي: أن "اللاعب الرئيسي في هذه المرحلة هي دولة الإمارات، والتي كانت قفازا تنفذ رغبة دول أخرى في المنطقة لم تكن مستريحة لفكرة الثورة والتغيير في مصر، وكان السيسي ومازال أداة وشريكا في تنفيذ هذا المخطط".

ونقل صفي الدين حامد مدير مركز العلاقات المصرية الأمريكية عن السيناتور الأمريكي "تيم كين" حديثه عن لقائه ‏الأول والأخير مع السيسي بعد الانقلاب، حينما كان وزيرا للدفاع ومرشحا للرئاسة فى مصر.

كين قال: "أنا لم أقابل طوال حياتي السياسية مثل هذا الرجل، فحينما دعاني إلى مكتبه توجهت بدون اصطحاب أي من معاوني بالسفارة لكي أقلل من الرسميات، لكنى ‏وجدت مكتبه (السيسي) مليء بالمساعدين، وفجأة بدأ في حديثه معى بمحاضرة طويلة مملة استمعت له بالصبر حتى انتهى".

مضيفا: "كان ردي نحن في أمريكا قد نصدقك أو نتظاهر بذلك لبعض الوقت، ولكني أؤكد لك: لا يوجد في أمريكا شخص سيقبل ما تفعله مع الصحفيين والإعلاميين من السجناء وتضييق غير مفهوم لنا، وأنا أول المعترضين".