لماذا يحاول النظام العراقي حصر المظاهرات في ساحة التحرير؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تشهد العاصمة العراقية بغداد عمليات كر وفر بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية، إذ تحاول الأخيرة حصر الاحتجاجات داخل ساحة التحرير ومنع تمددها، لكن تلك المحاولات لم تجدِ نفعا حتى الآن، لا سيما بعد سيطرة المحتجين على ساحة الخلاني المجاورة لـ"التحرير".

واستأنف العراقيون مظاهراتهم الشعبية في 25 أكتوبر/تشرين الثاني، في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، للمطالبة بإقالة الحكومة وحل البرلمان والذهاب لانتخابات مبكرة، وأدى اندلاعها إلى سقوط 320 قتيلا وإصابة 16 ألفا آخرين.

"الخطة الرديئة"

في خطوة تحسب للمحتجين، استعاد المتظاهرون سيطرتهم على ساحة الخلاني القريبة من ساحة التحرير وسط بغداد، بعد أن نجحت قوات الأمن خلال الأيام الماضية في إبعادهم عنها وإغلاق الطريق المؤدي لساحة التحرير بالحواجز الإسمنتية.

وسيطر المحتجون كذلك على بناية مرآب (كراج) جسر السنك في بغداد الذي أطلقوا عليه "جبل شهداء ساحة التحرير"، وتمركزوا عند الحاجز الأمني الأول حيث توجد قوات مكافحة الشغب عند الحاجز الثاني القريب من الضفة الأخرى للجسر.

هذه التطورات جاءت بعد عمليات كر وفر بين المتظاهرين والقوات الأمنية، وذلك بعدما كشفت تقارير أن الحكومة بدأت بتكتيكات جديدة تحاول من خلالها حصر المظاهرات في ساحة التحرير ببغداد.

ونقلت عن مسؤول أمني كبير (لم تذكر اسمه): أن "هناك تكتيكات جديدة تم إقرارها في محاولة لحصر المظاهرات في ساحة التحرير بالعاصمة التي تعد مفترق طرق يؤدي مباشرة إلى جسر الجمهورية الذي يمر فوق نهر دجلة ويعتصم المتظاهرون فيها منذ أسابيع".

وأضاف المسؤول الأمني: "القوات الأمنية تعمل بهدوء لإحكام الطوق على ساحة التحرير ومن كل الاتجاهات" وتوقع أن تلي ذلك حملة اعتقالات في محاولة للحد من القوة الدافعة للاحتجاجات.

هذه التكتيكات يصفها خبراء أمنيون بأنها "الخطة الرديئة" التي نصحت بها إيران السلطات العراقية، بأن تضيق على المتظاهرين وحصرهم في مكان محدد، وأنها مبنية على أن تحييد المظاهرات أولى من احتوائها أو تهدئتها، وما يجري نوع من أنواع التحييد.

اختراق المظاهرات

رافقت الاحتجاجات الشعبية في ساحة التحرير وسط بغداد، عمليات خطف وتغييب قسري طالت العديد من الناشطين المدنيين، الأمر الذي فسرته تقارير على أنها واحدة من أهداف حصر المظاهرات في مكان واحد ليسهل استهداف محركي الاحتجاج والعناصر الفعالة.

وفي حديث لـ"الاستقلال" أكد الناشط "لؤي" أن المتظاهرين في ساحة التحرير والمعتصمين في بناية المطعم التركي المعروف بـ"جبل أحد" على علم بأن قوات الأمن موجودة بلباس مدني بين صفوفهم.

وأوضح أن اعتقال عدد كبير من الناشطين بمجرد خروجهم من ساحة التحرير دليل على ذلك، ومنهم اختطاف الناشطة صبا المهداوي وعلي هاشم وماري محمد وآخرين، مضيفا: "نعتقد أنها تمت بإخبارية من داخل التحرير ولا يفعل ذلك إلا عناصر تابعة للدولة".

وتفيد تقارير بأن حصر المتظاهرين في ساحة التحرير يسهل على الدولة اختراقها وزج عناصرها فيها، لمعرفة تفاصيل ما يجري ومن يدير الاحتجاجات وكيف يخطط المتظاهرون ومن يوفر لهم الدعم المالي.

ومنذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ارتفع عدد الأشخاص الذين سُجل اختفاؤهم في مراكز الشرطة ببغداد وجنوبي العراق ووسطه إلى 24 عراقيا بين ناشط ومدون، بينهم فتاتان من بغداد، قاسمهم المشترك تأييد التظاهرات.

وبعد إخفاء قسري دام لأسابيع، حالف الحظ عددا من الناشطين في إطلاق سراحهم، لكن السلطات أو المختطفين أنفسهم الذين أفرج عنهم لم يتحدثوا حتى الآن عن ظروف اختطافهم أو ملابساته والجهة التي تقف وراء ذلك ودافع اختطافهم ثم إطلاق سراحهم.

محاولات لإجهاضها

ونقلت تقارير عن مسؤول أمني في وزارة الداخلية العراقية، قوله: إن بعض ممن أُعلن اختطافهم ثبت لذويهم أنهم لدى وزارة الداخلية.

لكن المسؤول في الداخلية العراقية أشار إلى أن أكثر من 20 حالة اختفاء لناشطين وناشطات تعتقد الشرطة أنهم لدى مليشيات مسلحة مقربة من إيران تقف ضد التظاهرات، مبينا أن الشرطة تسعى للوصول إلى أي خيط أو معلومة توصل إليهم.

وتدور اتهامات اختطاف الناشطين واستهدافهم حول عدد من المليشيات المرتبطة بإيران، ومن أبرزها المرتبطة بـ"الحرس الثوري الإيراني"، وهي: كتائب "حزب الله"، و"سرايا الخراساني"، و"النجباء"، و"العصائب"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"النجباء".

وبحسب خبراء أمنيون: فإن "عمليات الخطف والاعتقال تنفذها جهات أمنية، وكذلك مليشيات تابعة للأحزاب، وهناك الكثير من الاعتقالات تجري دون أي أوامر قضائية".

وعن السبب وراء اختطاف الناشطين، قال الخبراء: إن "هدف المليشيات من الاعتقال والخطف، إجهاض التظاهرات، فهي طرف مستفيد من هذه الحكومة، خصوصا مع اتساع رقعة الفساد والفوضى".

وفي حالات غريبة شهدتها ساحة التحرير في بغداد مؤخرا، ظهرت عدد من النساء يرقصن بطريقة فاضحة، وسط عدد من الشباب وأخرى لوحدهن في مناطق قريبة من مكان المظاهرات.

وقد عبر ناشطون مدنيون من داخل ساحة التظاهر عن استيائهم من هذه الحالات الا أخلاقية التي لا تتناسب مع مطالبهم المشروعة، عادين هذا الأمر جزءا من التدخلات الخارجية التي تهدف إلى تحويل مسار التظاهر.

وتعبيرا عن حالة الرفض لهذه الأفعال، وجه الناشطون في ساحة التحرير عبر مكبرات الصوت نداءات للمتظاهرين بمنع حالات الرقص والاكتفاء بالنشيد والابتعاد عن الأغاني المتهتكة ودعوات للحشمة في اللباس.

وبعد ذلك، بث ناشطون صورا من ساحة التحرير لفتيات ناشطات يرتدين الحجاب ويقرأن القرآن في محاولة للرد على من يسعى إلى تشويه الاحتجاجات الشعبية.

وفي السياق ذاته، أكد مراقبون للشأن السياسي، أن أجندة خارجية تعمل على تحريف مسار التظاهر من خلال ضخ الأموال وبث الاشاعات المغرضة والدفع بنساء غير محتشمات داخل ساحات التظاهر.

إطالة الاحتجاجات؟

ومع محاولة حصر الاحتجاجات في ساحة التحرير وسط بغداد، يبرز تساؤل ملح عن مصير المظاهرات ومن يعول على عامل الوقت الحكومة أم المتظاهرون لحسم المعركة بين الطرفين؟

ففي الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن عامل الوقت لم يدخل حتى الآن في إستراتيجية طرفي الخلاف، يؤكد آخرون أن إطالة عمر الاحتجاجات يصب في النهاية لصالح المتظاهرين.

أصحاب الرأي الأول يستندون إلى أن الحكومة تعتقد أن هذه المظاهرات بلا قيادة، وبالتالي هي بلا خطاب ولا منهج ولا إستراتيجية، ولذلك لا تميل الحكومة إلى مفاوضة المتظاهرين، فهي الآن هي تفاوض حصرا أحزاب المولاة والمعارضة، لأنها لم تجد من يفاوض من المتظاهرين.

 ولأن المظاهرات لا تمتلك قيادة فهي حاليا توضع تحت مسمى الانفجار الشعبي، وهذا الانفجار غالبا يأكل نفسه قبل أن تأكل شظاياه خصمه، وبالتالي إن لم يتدارك المحتجون الوقت ويخرجون قيادة تمثلهم، فهي أشبه بالانفجار الذي يأكل نفسه قبل خصمه.

 لكن أصحاب الرأي الثاني، يرون عكس ذلك تماما، فبحسب قولهم فإن الرابح الأكبر في استمرار الاحتجاجات هم المتظاهرون أنفسهم، وذلك لأنهم يكسبون الكثير من المتعاطفين معهم، والدليل موقف الأمم المتحدة، والجامعة العربية، والاتحاد الأوروبي، كلها عوامل تعزز من موقف المتظاهرين، والضغط باتجاه تلبية مطالبهم.

وبحسب اعتقادهم، فإن القوى المهيمنة، التي لا تستطيع تلبية مطالب الشعب، محشورة في الزاوية، على عكس ما كانوا يتصورون بالتعويل على عامل الزمن والتعب لانحسار هذه المظاهرات، فالاحتجاجات اليوم تتسع رقعتها أكثر فأكثر.

ويقارن أصحاب الرأي ذاته، مظاهرات ساحة التحرير ببغداد بما حصل مع ميدان التحرير في القاهرة، إذ إن الشواهد أثبتت بأن احتشاد المتظاهرين في التحرير بالقاهرة كانت نتيجته سقوط نظام حسني مبارك، وحققت نجاحا للثورة.

ويحتشد المتظاهرون منذ أكثر من ثلاثة أسابيع في ساحة التحرير وسط بغداد، مطالبين بـ"إسقاط النظام" وتغيير الطبقة السياسية الحاكمة، التي تدير البلاد منذ 16 عاما، محملينها  أسباب تردي الأوضاع في العراق.

ورغم تراجع زخم الاحتجاجات في الأيام الماضية جراء العنف من القوات الأمنية، عاد المتظاهرون في بغداد وعدة مدن جنوب البلاد إلى الساحات مدعومين بالطلاب ونقابة المعلمين التي ساندتهم بالإضراب.