بعد شهور من تفجيرات الفصح.. رجل سريلانكا القوي يعمق مخاوف المسلمين

آدم الصبّاح | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

يشي انتخاب "جوتابايا راجاباكسا" رئيسا في سريلانكا، بتجدد الاضطهاد والتحريض ضد المسلمين، والذي علت موجته بشدة في أعقاب هجمات عيد الفصح الدموية التي شهدتها فنادق وكنائس عدة في أبريل/نيسان الماضي وراح ضحيتها المئات.

واشتهر راجاباكسا بقبضته الحديدية كوزير سابق للدفاع من جهة، وميوله البوذية المتطرفة تجاه أقليات سريلانكا وفي القلب منهم المسلمين من جهة أخرى، فهل يدفع المسلمون الذين وقفوا ضده في الانتخابات، فاتورة التركيبة العرقية والدينية المعقدة هناك؟

نيران الفصح

بعد أشهر من هجمات الفصح، أعلنت لجنة الانتخابات العامة في سريلانكا، 16 نوفمبر/تشرين الثاني، فوز وزير الدفاع السابق "جوتابايا راجاباكسا" في انتخابات الرئاسة بأكثر من 52% من أصوات الناخبين، مقابل 42% لمرشح الحكومة "ساجيت بريماداسا".

ولم يتمهل الرئيس المنتخب كثيرا، وأعطى إشارة واضحة عما سيكون عليه مستقبل البلاد في عهده، عندما أعلن عزمه أداء اليمين الدستورية في مدينة أنوراد هبورا جنوب البلاد، وهي مدينة بوذية مقدسة، بعد أن تبنى في برنامجه الانتخابي سيادة الثقافة السنهالية البوذية في البلاد‬.

وتحظى عائلة راجاباغسا بشعبية كبيرة لدى الغالبية السنهالية في سريلانكا، بعد أن دحرت متمردي التاميل الانفصاليين وطوت في 2009 صفحة حرب أهلية استمرت 37 عاما.

ربما لا يمكن فصل إعلان نتائج الانتخابات عن بعض السياقات ذات الصلة، فقبل ساعات من الاقتراع تعرضت قافلة حافلات لناخبين مسلمين في شمال سريلانكا، لهجوم بأسلحة نارية والرشق بالحجارة، بحسب جماعة رقابية محلية.

وذكر مسؤول في الشرطة أن المهاجمين أحرقوا إطارات على الطريق وأقاموا حواجز لنصب كمين للموكب الذي يتألف من أكثر من مئة حافلة في شمال الجزيرة.

سياق آخر سبق الانتخابات بأشهر، وتحديدا في يونيو/حزيران الماضي، عندما أعلن مسؤولون كبار في الحكومة السريلانكية ينتمون إلى الأقلية المسلمة استقالتهم من مناصبهم.

ووقع 22 مسؤولا ووزيرا عريضة بهذا الشأن في أعقاب استقالة محافظيْن مسلميْن بسبب ضغوط من قوميين سنهاليين ومتطرفين بوذيين لإقالة المحافظيْن في غرب العاصمة كولومبو وشرقي البلاد ووزير التجارة والصناعة إرشاد بديع الدين.

وتظاهر الآلاف من القوميين السنهاليين في مقاطعة كاندي للمطالبة بوضع حد لما يسمونه نفوذ المسلمين في الحكومة، ودعما لأحد قادة المتطرفين البوذيين الذي أعلن إضرابه عن الطعام قبلها بأربعة أيام للمطالبة بإقالة المسؤولين المسلمين.

مخاوف متجددة

وبطبيعة الحال فإن مخاوف المسلمين في سريلانكا من تداعيات فوز راجاباكسا، تبدو منطقية، خاصة بعد تعرضهم لهجمات جماعية أعقبت تفجيرات الفصح مستهدفة مساجدهم ومتاجرهم، حتى خارج العاصمة كولومبو.

ففي مايو/أيار الماضي، أطلقت شرطة سريلانكا الغاز المسيل للدموع على حشود هاجمت مساجد ومتاجر مملوكة لمسلمين، وفرضت حظر تجول في أنحاء البلاد بعد أسوأ تفجر لأعمال عنف طائفية منذ تفجيرات الفصح.

وقال سكان في المناطق التي يقطنها مسلمون في الإقليم الشمالي الغربي من البلاد: إن حشودا هاجمت مساجد وألحقت أضرارا بمتاجر وشركات يملكها مسلمون، بعد عشرات الشكاوى التي تلقتها جماعات مسلمة من مختلف أرجاء البلاد من تعرض أشخاص لمضايقات.

وبحسب وسائل إعلام محلية، اندلع العنف في مدينة تشيلو، ذات الأغلبية الكاثوليكية، بعدما أساء أحد السكان فهم منشور على فيسبوك اعتبره تهديدا للمسيحيين، وقالت السلطات: إنها ألقت القبض على الشخص الذي كتب المنشور على فيسبوك واسمه عبد الحميد محمد هسمار (38 عاما).

قبلها بنحو أسبوع اندلع اشتباك عنيف بين مسلمين ومسيحيين بعد خلاف مروري في مدينة نيجومبو التي قتل فيها أكثر من 100 شخص في هجمات عيد القيامة، وحجبت الحكومة وسائل التواصل الاجتماعي أيضا بعد ذلك الاشتباك.

على جانب آخر وبعد أيام من التفجيرات أعلن الرئيس السريلانكي، حينها، مايتريبالا سيريسينا، حظر ارتداء البرقع (النقاب) واصفا إياه بـ"الخطر الأمني".

بعدها بأيام أيضا قال وزير الداخلية السريلانكي، فاجيرا أبيواردينا: إن بلاده طردت 600 أجنبي، بينهم 200 من الدعاة المسلمين، منذ وقوع التفجيرات، وقال: إن الدعاة المطرودين دخلوا البلاد بشكل قانوني، إلا أنه تبين عقب التفجيرات أنهم تجاوزوا المدة المحددة في تأشيرات الدخول، فتم تغريمهم وطردهم من البلاد.

"تسنيم نذير" البريطانية السريلانكية المسلمة نشرت مقالا في موقع "لوب لوج" الأمريكي، رصدت فيه المضايقات التي يواجهها المسلمون بسريلانكا بعد التفجيرات في البلاد لتقول إن حياة المسلمين هناك تغيرت إلى الأبد.

وأوردت أن أفراد عائلتها المقيمين هناك لم يبرحوا منازلهم خشية وقوعهم ضحية أعمال عنف، كما أن بعض أبناء عمها لم يذهبوا للعمل منذ ذلك الحين، ولم يرسل أي منهم أطفاله للمدرسة، وأغلق آخرون متاجرهم خوفا من أن يحملهم البعض مسؤولية الهجمات التي لم تكن لهم أي علاقة بها والتي يدينونها بشدة.

وكشفت أن جمعية علماء سريلانكا، وهي أعلى هيئة إسلامية بالبلاد، قدمت للحكومة في يناير/كانون الثاني الماضي تقارير حول "جماعة التوحيد الوطنية" – التي تتهمها الحكومة بالتورط في التفجيرات - ودعت أيضا إلى اعتقال أفرادها، إلا أن دعواتهم لم تلق أي اهتمام.

الرجل القوي

في أعقاب تفجيرات الفصح، اتهم راجاباكسا، الحكومة بـ "الجهل الشديد" بتركيزها الكبير على حقوق الإنسان والمصالحة بدلا من الأمن القومي، على حد وصفه.

وتحدث راجاباكسا عن فترة حكم أسرته وقال: "إن الحكومة الحالية لم تقم حتى بأقل الاجراءات لمنع ذلك، كما فعلنا نحن فقد طاردناهم واعتقلناهم واتخذنا إجراءات لمنع تلك الحوادث. إن فقدان الأمان هو فقدان كل شيء، هل هناك مصالحة الآن؟ هل هناك حرية الآن؟".

تعبر تلك الكلمات بشكل كبير عن العقلية الأمنية التي يتبناها الرئيس الجديد في التعامل مع الأزمات، وبما يوحي أنه سيعيد نهج أخيه في حكم البلاد بالحديد والنار، كما يصف مراقبون.

"الرجل القوي" كما يطلق عليه مؤيدوه، قاد حملة عسكرية وصفت بالوحشية ضد متمردي نمور التاميل قبل 10 سنوات عندما كان وزيرا للدفاع، كما تلاحقه اتهامات بالإشراف على ما أصبح يعرف بـ"فرق الموت" الموكلة بتصفية الخصوم السياسيين للسلطة لحاكمة.

ولد جوتابايا راجاباكسا يوم 2يونيو/حزيران 1949 في بالاتوا بمقاطعة ماتارا، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في معهد آناندا بالعاصمة كولومبو.

نشأ في عائلة سياسية، إذ تقلد والده عدة مناصب في الدولة، كما كان نائبا في البرلمان وناشطا سياسيا مستقلا في البلاد، والتحق بالجيش السريلانكي عام 1971 إلى العام 1992 ووصل إلى رتبة مقدم.

أكمل تعليمه العالي وحصل على شهادة الماجستير في الدراسات الدفاعية من جامعة مدراس عام 1983. كما حصل على شهادة في تكنولوجيا المعلومات من جامعة كولومبو عام 1992.

عام 1998 هاجر مع عائلته إلى الولايات المتحدة، ثم عاد إلى سريلانكا عام 2005 عندما فاز أخوه ماهندا برئاسة البلاد، وفي العام نفسه، عُين وزيرا للدفاع وللتنمية الحضرية، وبقي في منصبه حتى العام 2015.

من أبرز إنجازاته، إنهاء الحرب الأهلية في سريلانكا بعد 30 عاما من النزاع مع متمردي التاميل، وبينما يُتهم بارتكاب جرائم وحشية، تعتبره الأغلبية السنهالية بطلا قوميا.

تحولات البوذيين

صحيفة "نيويورك تايمز"، رصدت في تحقيق مطول ما قالت: إنه "تحول كبير" طرأ على سلوك البوذيين في سريلانكا بعدما كانوا من أكثر الشعوب تعايشا، إلى محرضين على قتل المسلمين.

ونقل التحقيق خطبة ألقاها كبير الرهبان البوذيين "سومداناندا ثيرو"، وصف فيها المسلمين بالجشعين، وقال: "هدف المسلمين هو الاستيلاء على أرضنا كلها وكل ما نقدره. فكر في كل الأراضي التي كانت بوذية مثل أفغانستان وباكستان وكشمير وإندونيسيا، دمرها الإسلام كلها".

وقالت الصحيفة: إن البوذيين دخلوا حقبة القبلية المتمردة، ونصبوا أنفسهم محاربين روحيين عليهم الدفاع عن عقيدتهم ضد قوى خارجية، وذلك بتحريض ودعم من شبكة قوية سياسيا من الرهبان المؤثرين مثل "ثيرو".

وأشارت إلى أن "راجاباكسا" تعهد بحماية الدين في الدولة التي تضم أطول سلالة بوذية مستمرة، كما يعتزم إعادة تشكيل الحالة الأمنية في سريلانكا.

صعود الرئيس الجديد بجانب شقيقه الرئيس السابق، كان لافتا للغاية بحسب الصحيفة، حيث زُينت جدران المعابد بصورهما، وتدفق المال على المجموعات البوذية المتطرفة التي شجعت أعمال شغب مات فيها مسلمون.

ومُنح أحد مؤسسي منظمة "بودو بالا سينا BBS"، أو جيش القوة البوذي، أرضا مميزة في كولومبو لبناء مركز ثقافي بوذي متعدد الطوابق، وأضافت خدمة الاتصالات الوطنية شارة بودو بالا سينا الموسيقية إلى مجموعة نغماتها.

زعيم المنظمة "جالاجودا آثا جانسارا ثيرو"، والذي حصل على عفو رئاسي أواخر مايو/أيار الماضي، ترأس بعدها بشهرين فقط اجتماعا لآلاف الرهبان، وقال في مقابلة مع نيويورك تايمز: "كنا حراس البوذية لـ2500 عام، الآن هذا واجبنا، تماما كما هو واجب رهبان ميانمار أن يحاربوا للدفاع عن جزيرتنا المسالمة ضد الإسلام".

أقلية مضطهدة

يتمتع المسلمون في سريلانكا بحضور ثقافي وسياسي كبير، ولكنهم يتعرضون للاضطهاد وتستهدف أرواحهم وأملاكهم من قبل جماعات بوذية متطرفة، تعمل على التحريض ضدهم.

وارتبط وصول الإسلام إلى سريلانكا بوصوله إلى الهند وجزر إندونيسيا، ووفد إلى هذا البلد في نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني مسلمون من التاميل الهنود ومسلمون من الملايو وإندونيسيا.

وتتباين الأرقام بشأن عدد مسلمي سريلانكا، ففي حين تؤكد إحصائيات رسمية نشرت عام 2012 أنهم يشكلون نحو 10% من عدد السكان البالغ 21 مليون نسمة، تقول مصادر أخرى إنهم يشكلون 7% من عدد السكان، بينما يشكل البوذيون 70% من السكان، في حين يشكل المنتمون لعرق التاميل، الذين يدين أغلبهم بالهندوسية، نحو 13%. 

يتركز أغلب المسلمين في شرق ووسط سريلانكا، خاصة في منطقة كاندي (وسط)، ويقدر عدد مساجدهم بألفي مسجد موزعة على المدن والقرى المهمة التي ينتشرون فيها، كما أن لهم مدارس ومعاهد إسلامية خاصة، وتشير بعض المصادر إلى أنهم يعتبرون الفئة الأكثر تعليما في البلاد.

يشارك المسلمون في سريلانكا في الحياة السياسية، ولهم ممثلون في البرلمان والوزارات، ولهم هيئات تمثلهم على غرار المجلس الإسلامي السريلانكي الذي يضم ممثلين من المجتمع المدني.

غير أنهم يتعرضون رغم ذلك للإقصاء، وتستهدف مساكنهم ومتاجرهم ومساجدهم، وعانوا بشدة من الحرب بين التاميل والسنهال خلال الفترة بين عامي 1983 و2009، إذ شردت حركة التمرد التاميلية حينذاك أكثر من 70 ألف مسلم من شمال البلاد.

في مارس/آذار 2006، قتل أربعة مسلمين وأصيب آخرون بجروح في انفجار قنابل يدوية ألقاها مجهولون على مسجد مدينة أكاراباتو التي تبعد 350 كيلومترا شرق العاصمة كولومبو، حيث كان مئات الأشخاص يصلون.

كما شن بوذيون هجمات عنيفة على مسجد بأحد أحياء العاصمة في أغسطس/آب 2013، مما جعل المسلمين يغلقون المسجد وينقلون مكان عبادتهم إلى مسجد قديم.

وتجددت أعمال العنف التي استهدفت المسلمين في يونيو/حزيران 2014، مستهدفة منطقتين سياحيتين ساحليتين تسكنهما أغلبية من المسلمين، ووقف وراءها بوذيون، أدت إلى مقتل أربعة أشخاص وإحراق مئات المنازل والمحلات.

وفي عام 2017، تم تنفيذ أكثر من 20 هجوما على المسلمين على مدى شهرين في منطقة "جينتوتا" على بعد 115 كيلومترا جنوب العاصمة، تضمنت إحراق شركات يملكها مسلمون وهجمات بقنابل بنزين على المساجد.

وفي بداية مارس/آذار 2018، دُمرت منازل ومتاجر مملوكة للمسلمين في منطقة كاندي على خلفية اشتباكات بين بوذيين ومسلمين أدت إلى سقوط قتلى، ودفعت السلطات لإعلان حالة الطوارئ.