أدانت الحكومة.. هل تطيح تصريحات وزير الدفاع العراقي بعبدالمهدي؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تصريحات أطلقها وزير الدفاع العراقي نجاح الشمري، عن قتل المتظاهرين بقنابل الغاز المسيلة للدموع، فتحت بابا واسعا للتساؤل حول توقيت ما أدلى به الوزير من معلومات وصفت بـ"الخطيرة".

تصريحات الشمري، التي أطلقها من باريس في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، اتهم خلالها "طرفا ثالثا" (لم يسمه) بالوقوف وراء قمع المتظاهرين وقتلهم باستخدام بنادق وقنابل غازية لم تستوردها الحكومة، وإنما جاءت خارج سياق الدولة، حسب تعبيره. فما الهدف من اتهام "طرف ثالث" في قمع المحتجين، وما تداعياتها على الحكومة؟.

"طرف ثالث"

منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قتل نحو 350 متظاهرا وأصيب أكثر من 16 ألف آخرين خلال احتجاجات شعبية، تطالب بالقضاء على الفساد ومحاربة البطالة وتحسين جذري للخدمات العامة، ثم تحولت إلى المطالبة بإقالة الحكومة والذهاب لانتخابات مبكرة بإشراف أممي.

الوزير العراقي قال: إن "البندقية التي تستخدم للغازات مداها من 75 إلى 100 متر والغاز الموجود والعتاد الموجود هو عتاد يستخدم في جميع دول العالم في مثل هذه الظروف".

الغريب بالأمر، بحسب الشمري، حدثت إصابات لأشخاص يبعدون عن القوات الأمنية أكثر من 300 متر، فبعد الذهاب إلى الطب العدلي واستخراج المقذوفات من أجساد القتلى ورؤوسهم وجدنا أن العتاد هذا لم يُستورد من أي جهة عراقية.

وأوضح: أن "البندقية المستخدمة في إطلاق القنابل والعتاد (الغاز المسيل للدموع) دخلت إلى البلاد ليس عن طريق الحكومة، فكان استخدامه سيء". مشيرا إلى: أن "وزن المقذوف الذي قتل المتظاهرين ثلاثة أضعاف وزن المقذوف الذي كانت تستخدمه القوات الأمنية المختصة".

ما أدلى به الشمري أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية العراقية، الأمر الذي دفع وزارة الدفاع إلى إصدار توضيحين في اليوم التالي، الأول قالت فيه: إن الوزير قصد بـ"الطرف الثالث" الذي يقوم باستهداف المتظاهرين السلميين والقوات الأمنية وقتلهم، هم "عصابات" تستخدم الأسلحة وتستخدم قنابل الدخان القاتلة ضد أبناء شعبنا من المتظاهرين والقوات الأمنية، ونبرئ الأجهزة الأمنية من استخدامها.

توضيح، إن ما يقصده وزير الدفاع، ممن وصفهم في تصريحه بـ"الطرف الثالث" الذي يقوم باستهداف المتظاهرين السلميين والقوات الأمنية وقتلهم،هم عصابات تستخدم الأسلحة وتستخدم رمانات الدخان القاتلة ضد أبناء شعبنا من المتظاهرين والقوات الأمنية، ونبرئ الأجهزة الأمنية من استخدام رمانات الدخان القاتلة

— وزارة الدفاع العراقية (@modmiliq) November 15, 2019

أما توضيح الوزارة الثاني، فقد قالت: إن "الشمري أشار في تصريحه إلى القوات المسلحة، في إشارة إلى الجيش والشرطة والحشد ومكافحة الإرهاب والبيشمركة، وإن هذه القوات لم تستورد القنابل الدخانية التي قُتل بها المتظاهرون، إنما استخدمها "الطرف الثالث" الذي أشار إليه الوزير".

وبخصوص "الطرف الثالث" قالت الوزارة: إنهم "عدد من الأشخاص ممن يحملون السلاح قاموا باستهداف القوات الأمنية والمتظاهرين لغرض زرع الفتنة فيما بينهم".

وتابعت: "القوات المسلحة تلتزم بأمر وتوجيه القائد العام للقوات المسلحة بعدم حمل السلاح باتجاه المتظاهرين، رغم سقوط المئات من القوات المسلحة بين شهيد وجريح".

اللافت أن التوضيح الأخير جاء بعد بيان للحشد الشعبي، رفض فيه اتهامات وجهت إليه عبر نشر وثيقة قال إنها "مزورة" تظهر بأنه هو من استورد القنابل المسيلة للدموع التي تقتل المتظاهرين، متهما مؤسسات دولية بشن حملة تسقيط ضده.

إدانة للحكومة

لم تمض سوى ساعات قليلة على تصريحات الشمري، حتى انهالت المطالبات من أعضاء في البرلمان وسياسيين طالبوا بتشكيل لجنة برلمانية وأخرى حكومية للتحقيق فيما كشفه وزير الدفاع، فيما اعتبرها آخرون بأنها إدانة للحكومة.

وقال ائتلاف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي: إن "تصريحات وزير الدفاع بشأن الأسلحة والبنادق التي تستخدم ضد المتظاهرين خطيرة"، داعيا لجنة الأمن والدفاع النيابية إلى "إجراء تحقيق في كل ما ورد في تلك التصريحات".

وأكد النائب عن الائتلاف فلاح الخفاجي أن رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي مطالب أيضا بـ"فتح تحقيق عاجل لمعرفة الطريقة التي وصلت بها هذه الأسلحة إلى العراق".

وأضاف: أن "مطالب المتظاهرين يجب الشروع بتنفيذها، والبدء بعزل الحكومة وتغيير قانون الانتخابات ومفوضيتها، والذهاب إلى انتخابات مبكرة".

وتابع النائب عن "النصر": أن تحالفه يبحث عن شركاء في هذا الاتجاه، إضافة إلى أنه "عازم على استجواب عبدالمهدي في البرلمان. هناك نواب كثر من كتل متفرقة يريدون إقالة الحكومة، بعد أن أصبحت لديهم قناعة تامة بأن عادل عبدالمهدي يسير بالبلاد إلى المجهول".

ورجح الخفاجي الذي قدم ائتلافه طلبا للبرلمان منذ بدء الاحتجاجات باستجواب عبدالمهدي، عدم مجيء رئيس الوزراء إلى البرلمان، مضيفا: "عندها سنذهب إلى تصويت غيابي لسحب الثقة عنه".

لكن كتلة "سائرون" المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قالت: إن "تصريحات وزير الدفاع تدين الحكومة، وتدل على عجزها في السيطرة على الدولة ككل والبلد بشكل كامل".

وأكد النائب عن الكتلة غايب العميري في تصريحات صحفية: أن "التصريح فيه خطورة، وننتظر تشكيل اللجنة البرلمانية لمعرفة مصداقية ما قاله الشمري، وأين هي الحكومة عن الطرف الثالث الذي يقتل ويقمع المتظاهرين؟".

وحسب قوله فإن تصريحات الشمري فيها حقائق ملموسة، إذ صرح قبله رئيس الحكومة بأنه لا يعرف من خطف اللواء في وزارة الداخلية (ياسر عبدالجبار) قبل أيام، مشيرا إلى: أن "وصول الحكومة إلى مرحلة من العجز بأنها لا تعرف من يخطف المتظاهرين والمسؤولين، فهذه مشكلة وعلى البرلمان أن يضع حلا لها".

مهدد بالإقالة

لكن تحالف "الفتح" الذي يعتبر الجناح السياسي لقوات الحشد الشعبي، قال: "تصريح وزير الدفاع بشأن وجود طرف ثالث غير موفق، ومحاولة لإثارة الفتنة وتأجيج للأزمة، إذا كانت لديه معلومات مدعومة بأدلة كان عليه تقديم استقالته قبل أن يطلق تصريحاته".

وقال النائب عن التحالف حنين القدو: "تصريح وزير الدفاع الحالي بشأن وجود طرف ثالث كان يقصد به الحشد الشعبي، العراق لا زال يعاني من مشكلة تباين المواقف وعدم الانسجام في الحكومة الحالية والحكومات السابقة".

لكن تقارير إعلامية نقلت عن مصادر سياسية رجحت أن "يكون الشمري قد تعمد إطلاق مثل هذه التصريحات، لأن حديثا يدور عن نية رئيس الحكومة استبداله ضمن 10 حقائب وزارية يسعى عبدالمهدي طرحها للتغير في البرلمان، ضمن خططه للإصلاح".

وعقب ذلك كشف مكتب رئيس الحكومة، أن عبدالمهدي ينوي استبدال 10 وزراء من كابينة حكومته، وتقديمهم في جلسة البرلمان الأسبوع المقبل، لكنه لم يذكر الوزراء الذين سيشملهم الاستبدال.

وتساءل التقرير عن أسباب حديث الشمري في هذا التوقيت تحديدا، ولا سيما أنه كان عضوا في لجنة حكومية كانت معنية بالكشف عن الجهات التي قتلت المتظاهرين في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي؟

الحشد الشعبي

إلا أن الشمري خرج بعدها في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، على قناة "فرانس24" وأكد أن القوات الأمنية لا توجد لديها أي أوامر لإطلاق النار، ومن يطلق النار هم طرف ثالث يستهدف القوات الأمنية و المتظاهرين بغية جر البلد إلى حرب"، كاشفا عن "توقيف 200 عنصر من القوات الأمنية متهمين بضرب المتظاهرين".

وعن تورط أطراف غير منضبطة من "الحشد الشعبي" في قتل المتظاهرين، قال الشمري: "أطراف غير منضبطة نعم، لكن لا أؤكد أنهم أطراف من الحشد الشعبي لأن الأخير هو جزء من المنظومة الأمنية العراقية".

ولم ينف الشمري وجود اختراق أمني في القوات الأمنية، وأكد أن الاختراق الموجود كبير، مشددا في الوقت ذاته على أنه لن يتم إخلاء ساحة التحرير (مكان التظاهر في بغداد) بالقوة.

وبخصوص الحديث عن توجيه قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني لقادة عراقيين بقمع المتظاهرين، قال وزير الدفاع: إنه "لم يلتق به إطلاقا، أو أي شخص تابع لإيران، منذ تسلمه المنصب"، مؤكدا أنه "سيقول لا لأي أوامر من قاسم سليماني".

ووفق مراقبين، فإن تصريحات الشمري فيها تهرب من المسؤولية ومحاولة النأي بنفسه عما يجري للمتظاهرين من قمع وقتل، فكيف يكون شخص بموقعه في الحكومة لا يستطيع تحديد الجهة التي قمعت المتظاهرين، وفوق ذلك كله لم يقدم استقالته من منصب وزير الدفاع.

في 7 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كشفت منظمة العفو الدولية، أن "جزءا كبيرا من المقذوفات الفتاكة هي قنابل غاز مسيل للدموع إم 651  - M651، وقنابل دخان إم 713 M713 صنعتها منظمة الصناعات الدفاعية الإيرانية".

وحسب "العفو الدولية"، فإنه على عكس معظم قنابل الغاز المسيل للدموع التي تستخدمها قوات الشرطة في جميع أنحاء العالم، يتم تصميم هذه الأنواع على غرار القنابل العسكرية الهجومية المصممة للقتال.

وتزن قنابل الغاز المسيل للدموع النموذجية المستخدمة من الشرطة والتي يبلغ قطرها 37 ملم، ما بين 25 و50 غراما، وتتكون من عدة عبوات أصغر تنفصل وتنتشر على مساحة ما.

وفي المقابل، تتألف القنابل العسكرية الصربية والإيرانية المستخدمة من العسكر والتي يبلغ قطرها 40 ملم، والموثق استخدامها في بغداد، من سبيكة ثقيلة واحدة، وهي أثقل وزنا ما بين 5 و10 أضعاف، وتزن 220 إلى 250 غراما.