قلق شعبي.. ماذا لو فشلت مفاوضات مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة؟

12

طباعة

مشاركة

سلطت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، الضوء على الخلافات المصرية الإثيوبية بشأن سد النهضة، والتأثيرات الكارثية التي يمكن أن يسببها للمصريين، مشيرة إلى: أن الصدام بين البلدين يعرض السلام إلى الخطر، ولهذا فإن على المجتمع الدولي التدخل.

وقالت المجلة في مقال للكاتب عماد حرب، مدير قسم البحوث والتحليل في "المركز العربي" بواشنطن: إن إثيوبيا ماضية في مساعيها في سد نهر النيل، الأمر الذي قد يؤدي في نهايته إلى نشوب حرب بين مصر وإثيوبيا بسبب التأثيرات الكارثية لسد النهضة الإثيوبي على الأمن المائي لمصر، وتعريضها لخطر الفقر المائي.

تجنب الصراع

"فورين بوليسي" قالت: إنه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فاز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام عن عمله في بدء مفاوضات السلام مع إريتريا. لكن بلاده لا تزال في خضم نزاع رئيسي آخر يهدد الاستقرار الإقليمي، وتحديدا خطط إثيوبيا لبناء سد النهضة الكبير على نهر النيل، إذ تعتبر مصر أن السد يشكل تهديدا وشيكا لبقائه. بينما ترى إثيوبيا من ناحية أخرى، أن التعهد ضروري لتطويره، إذ سبق أن تعهدت بمواصلة المشروع بغض النظر عن التداعيات.

وأضافت: أن كلا من مصر وإثيوبيا تعتبران من أكثر دول إفريقيا قوة من حيث عدد السكان، وأن أي مواجهة مستمرة بينهما تشكل تهديدا كبيرا للسلام، ولهذا السبب يجب على المجتمع الدولي الضغط من أجل تسوية منصفة".

وأشارت المجلة إلى: أن كلا من البلدين يرغبان في تسوية طويلة الأمد عبر التفاوض، لكن الطريق هناك لم يكن سلسا، فقد فشلت جولة من المفاوضات في أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول - بعد العديد من المفاوضات الأخرى خلال السنوات القليلة الماضية - في التوصل إلى حل وسط، ففي الوقت الذي تتهم فيه مصر إثيوبيا برفض الاعتراف بالمخاوف التي أثارها مسؤولوها بشأن تهديد أمنها المائي، تصر إثيوبيا على أنه سيتم حل القضايا المعلقة قبل الانتهاء من السد.

في هذه الأثناء أكدت المجلة: أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا كانتا تسعيان إلى التوسط بين الدولتين لحل النزاع، فعقد آبي أحمد وعبدالفتاح السيسي اجتماعا على هامش القمة الروسية الإفريقية في مدينة سوتشي، الروسية، في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، حيث اتفقا على السماح للجنة فنية بمواصلة عملها، في الوقت الذي  تعهد مضيفهم، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بمساعدتهم في الوصول إلى حل يرضي الطرفين ويحافظ على مصالح الدولتين.

وذكرت: أنه استمرار للجهود الدولية لرأب الصرع بين الدولتين، حيث دعت الولايات المتحدة مصر وإثيوبيا والسودان، والتي تتأثر أيضا بالنزاع، لإجراء مناقشات في واشنطن، وتم عقد لقاء وزاري للدول الثلاث تحت رعاية أمريكية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حضره أيضا وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين ورئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، حيث اتفق وزراء خارجية الدول الثلاث على عقد أربعة اجتماعات فنية حول السد، آملين  في التوصل إلى اتفاق بحلول 15 يناير/كانون الأول المقبل.

وأردفت الصحيفة: لكن إذا فشل ذلك، فإن وزراء المياه في الدول سيحيلون القضية إلى رؤساء دولهم سعيا إلى مزيد من الوساطة الخارجية، حيث بات من الصعب معرفة ما إذا كان تدخل واشنطن سيساعد في التوصل إلى اتفاق قبل الموعد النهائي الجديد، مما يجعل المساعدات الأمريكية الحقيقية محورية في هذا المسعى.

يعتبر نهر النيل أهم مورد طبيعي لـ 10 دول على الأقل يتاخم روافده الأبيض والأزرق وهي: بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإثيوبيا وكينيا ورواندا وجنوب السودان والسودان وتنزانيا وأوغندا، لكن النزاع الحالي لا يشمل سوى مصر وإثيوبيا والسودان، وهو يدور حول استخدام إثيوبيا للنيل الأزرق، وهو الرافد الأكبر الذي ينبع من بحيرة تانا الإثيوبية، يعبر إلى السودان وينضم إلى النيل الأبيض في الخرطوم عاصمة السودان، في رحلته شمالا عبر مصر إلى البحر الأبيض المتوسط.

نزاع حتمي

وقاد اتفاقان، من عام 1929 إلى عام 1959، استخدام نهر النيل شمال إثيوبيا حتى الآن، حيث  تم توقيع المعاهدة الإنجلو-مصرية عام 1929 من المملكة المتحدة، القوة الاستعمارية في معظم أنحاء شرق إفريقيا في ذلك الوقت، ومصر الملكية - التي كانت تحت الاحتلال البريطاني - لتخصيص حقوق المياه على طول الحوض.

ووفقا للمعاهدة هذه، تم ضمان إمداد سنوي لمصر بـ48 مليار و 4 مليارات متر مكعب، على التوالي، من إجمالي سنوي يقدر بـ 84 مليار متر مكعب من مياه النيل، وهناك اتفاق آخر في عام 1959 بين المملكة المتحدة ومصر المستقلة زاد حصة مصر إلى 55.5 مليار متر مكعب والسودان إلى 18.5 مليار متر مكعب، مع بقية الدول الأخرى على طول النهر. أكدت المعاهدة الجديدة أيضا على بند أساسي من اتفاقية 1929: كان لمصر الحق في الاعتراض على أي مشاريع بناء قد تعيق تدفق المياه إلى النيل.

وأفادت المجلة: بأن النزاع الواقع اليوم بين الدولتين هو نتيجة حتمية للاتفاقيتين الموقعتين في عامي 1929 و 1959، وكان من المفترض أن يتخيل هؤلاء الذين يتفاوضون معهم أن إثيوبيا - في الواقع، جميع الدول الواقعة على طول النهر بخلاف مصر والسودان - ستواجه مشكلة في الالتزام بالشروط وكذلك في الحفاظ على سكانها. أدت التوقعات الديموغرافية الحديثة لمبادرة حوض النيل لعام 2050 إلى جعل سكان مصر والسودان أقل بكثير من عدد سكان البلدان الثمانية الأخرى في المبادرة، مما يجعل اتفاقيات المياه القديمة تبدو أقل عدلا كل يوم.

واستطردت: لم يكن مفاجئا أن تعلن إثيوبيا في عام 2011 عن خطط لبناء سد كبير للطاقة الكهرومائية بقيمة 5 مليارات دولار على النيل الأزرق بالقرب من الحدود بين إثيوبيا والسودان، وسيحتوي خزان سد النهضة الإثيوبي الكبير على ما يصل إلى 67 مليار متر مكعب من المياه وسيستغرق ملء سبع سنوات على الأقل، مما يقلل تدفق النهر لمدة لا تقل عن 25 في المائة، بالنسبة لإثيوبيا.

يعتبر السد ضرورة قصوى لتلبية احتياجاته من المياه والتنمية الاقتصادية، حيث من المقرر أن يزود البلاد بأكثر من 6 آلاف ميغاواط من الكهرباء، وهي ضرورية للتنمية الزراعية والصناعية في البلاد ، لكن الأمر سيكون مدمرا لمصر ، التي تعتمد على النهر في الري والصيد والنقل.

وبحسب المجلة: فإن مصر اقترحت في آخر مفاوضات أن يتم ضمان ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من المياه سنويا، وأن إثيوبيا تستغرق وقتا أطول لملء خزانها، لكن نفوذ القاهرة كان محدودا ليحدث الأثر الإيجابي ويجعل إثيوبيا توافق على المقترح المصري ، ولذا عرضت إثيوبيا 31 مليار متر مكعب، وهو ما يزيد قليلا عن نصف الكمية التي تضمنها اتفاق 1959، إن مثل هذا العرض لا يلبي أبدا احتياجات مصر المائية، ناهيك عن تلبية فخرها القومي كواحدة من أكثر دول القارة الإفريقية تاريخيا، بينما السودان، من جانبه، أقل قلقا بشأن حصته بسبب إمداداته من مياه الأمطار.

واختمت "فورين بوليسي" بالقول: إن المفاوضات الثلاثية تستمر بين مصر والسودان وإثيوبيا برعاية أمريكية هذه المرة آملين في التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، بينما الشعب المصري يظل مترقبا قلقا من مآلات وأخطار سد النهضة على اقتصاده المنهار أساسا وعلى حياته اليومية.


المصادر