اقتربت من حكومة الوفاق.. سر تحول موقف أمريكا في ليبيا

مهدي محمد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

اقتراب جديد من الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الملف الليبي، بعد فترة من التذبذب بين التدخل المباشر والابتعاد، أعقبت العملية العسكرية التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر للسيطرة على العاصمة طرابلس، في أبريل/نيسان الماضي.

فهل يمكن الجزم بأن هذا الاحتكاك الأمريكي المباشر يعني أن واشنطن ستدخل بثقلها في الأزمة الليبية، وإلى أي مدى وحدود قد يكون هذا التدخل ولصالح أي طرف، وهل ستصبح البلاد ساحة جديدة للصراع الروسي الأمريكي؟

الوفاق وواشنطن

التغير في الموقف الأمريكي شكلته مطالبة وزارة الخارجية مايك بومبيو، خليفة حفتر، بوقف الهجوم على طرابلس، في أعقاب الحوار الأمني المشترك بواشنطن، وجاء في بيان الوزارة: "أطلقت الحكومة الأمريكية وحكومة الوفاق الوطني الليبي، ممثلة بوزير الخارجية محمد سيالة ووزير الداخلية فتحي باشاغا حوارا أمنيا أمريكيا وليبيا في واشنطن".

الخارجية الأمريكية أشارت إلى: أن ذلك سيؤدي إلى تسهيل مزيد من التعاون بين الولايات المتحدة وليبيا "لمنع التدخل الأجنبي غير المبرر، وتعزيز سلطة الدولة الشرعية، ومعالجة القضايا الأساسية المسببة للصراع".

الوفد الأمريكي المشارك في الحوار أكد دعمه: "لسيادة ليبيا وسلامة أراضيها في مواجهة محاولات روسيا لاستغلال الصراع ضد إرادة الشعب الليبي".

هذا الموقف الجديد يدفع للتساؤل: هل نجحت حكومة الوفاق في استمالة الولايات المتحدة، أم أن تطورات الأوضاع الميدانية التي رجحت كفة السلطة المعترف بها دوليا دفعت واشنطن نحو هذا التوجه، أم تبقى مصالحها هي المحرك الأول والأخير لها؟

تتبع ردود أفعال ومواقف إدارة ترامب منذ هجوم حفتر على طرابلس، تكشف عن تذبذب شديد بين الميل نحو طرف على حساب الآخر، أو على أقل تقدير تضارب بين مؤسسات الحكم فيها، بين البيت الأبيض وكل من وزارتي الدفاع والخارجية.

فبعد أيام من شن عمليته، أجرى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اتصالا هاتفيا مع خليفة حفتر، أثنى فيها على جهوده "في محاربة الإرهاب وتأمين المصادر النفطية الليبية" وفقا لبيان البيت الأبيض.

واعتبرت تصريحات ترامب تحولا مخالفا لموقف واشنطن المعلن مطلع أبريل/نيسان الماضي، والذي جاء على لسان، وزير الخارجية، مايك بومبيو، إذ قال حينها: "أوضحنا أننا نعارض الهجوم العسكري لقوات خليفة حفتر على الحكومة في طرابلس ونحث على وقفها فورا".

باتريك شاناهان، القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي علق بالقول: إن "البنتاجون والسلطة التنفيذية متوازيان حول ليبيا"، مؤكدا: أن "الحل العسكري ليس ما تحتاجه ليبيا".

وفي يوليو/تموز الماضي، عرقلت الولايات المتحدة إصدار بيان لمجلس الأمن الدولي يدين الجريمة التي ارتكبتها قوات حفتر بقصف مركز لاحتجاز المهاجرين في تاجوراء شرقي ليبيا أوقعت 44 قتيلا على الأقل.

وخلال جلسة طارئة مغلقة عقدها المجلس قدمت بريطانيا مشروع بيان يدين الضربة الجوية التي شنها حفتر، داعيا إلى: وقف إطلاق النار في ليبيا والعودة إلى طاولة الحوار، لكن بعد ساعات من النقاش انتهى الأمر دون الحصول على موافقة الولايات المتحدة.

بين هذا وذاك، فجر عثور قوات الوفاق على صواريخ مضادة للدروع أمريكية الصنع في مدينة غريان بعد استعادتها من قبضة حفتر، في يونيو/حزيران الماضي، جدلا كبيرا، وأشادت حكومة الوفاق بموقف الولايات المتحدة فتح تحقيق في كيفية وصول تلك الأسلحة لأحد طرفي النزاع بليبيا.

سر الدور الأمريكي

مثّل مقتل السفير الأمريكي في ليبيا "كريستوفر ستيفنز" عام 2012 نقطة مفصلية في السياسة الأمريكية تجاه ليبيا، حيث احتفظت الولايات المتحدة بمسافة كبيرة عن الملف، واقتصر اهتمامها على قتال متقطع ضد التنظيمات المصنفة لديها "إرهابية" في منطقة الشمال الإفريقي عبر قيادة قواتها في القارة السمراء "أفريكوم".

ومع وصول ترامب للبيت الأبيض، وبعيدا عن التذبذب بين الاقتراب والابتعاد، ارتكزت السياسة الأمريكية في ليبيا على بُعدين أساسيين يحددان شكل العلاقة وتفاصيلها، هما: مكافحة الإرهاب وشن ضربات جوية على التنظيمات المسلحة ومنع عودة تنظيم الدولة، والثاني ضمان التدفقات النفطية من الحقول الليبية.

ووفق تقرير سابق نشرته "الاستقلال": فإن رغبة الولايات المتحدة في إفساح المجال لإنهاء الأزمة الليبية عبر عملية سياسية يعد مبدأ يحفظ مصالحها، غير أنها بين الحين والآخر تسعى لفتح طريق أمام الدور العسكري عله يحسم الأمور.

إلا أنه وبعد أشهر من عدوان حفتر الرامي للسيطرة على طرابلس، وما مُني به من هزائم متتالية فضلا عن فشله في تحقيق هدفه، فإن التركيز الأمريكي ينصب حاليا على دعم انطلاق العملية السياسية.

ولعل ما يؤكد هذا التوجه، حرص الولايات المتحدة على الاحتفاظ بعلاقة قوية بطرف النزاع الآخر المتمثل في حكومة الوفاق الوطني، إلى الحد الذي اعتبر معه أحمد معيتيق عضو المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق: أن حكومته في طرابلس وليس حفتر هي الحليف الرئيسي للولايات المتحدة كقوة لمحاربة الإرهاب في ليبيا وشمال إفريقيا.

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي الليبي والمستشار السابق لحفتر، محمد بويصير: إن العلاقات بين واشنطن وحكومة الوفاق جيدة ويمكن أن تكون أفضل من علاقتها بحفتر

إحياء حفتر

وعلى الرغم من أن الظاهر في ميل الولايات المتحدة إلى جانب حكومة الوفاق ورفضها استمرار هجوم حفتر، هو القضاء على حلم الجنرال في السيطرة على العاصمة ومن ثم حكم البلاد منفردا.

إلا أن ثمة رأي آخر يذهب إليه كثيرون، ينسجم مع التحليلات التي رافقت انطلاق عملية حفتر العسكرية، رأت أن الغرض منها ليس السيطرة على طرابلس ولكن كسب أراض جديدة وتحقيق تقدم ميداني يكون ورقة قوة في مفاوضات الحل النهائي.

وبهذا، يكون التدخل الأمريكي الحالي مرسوم مسبقا ومحدد المعالم والأهداف، بإحياء حفتر المنهزم عسكريا، عبر عملية سياسية تعيده إلى الواجهة من جديد، مرتكزا على واقع ميداني مسيطر على الشرق وموجود في الغرب أيضا.

بعيدا عن هذا السيناريو، يبقى التساؤل الأبرز في تلك المسألة: إلى أي مدى يكون التدخل الأمريكي في الأزمة الليبية مستقبلا؟

في تصريحات معيتيق سالفة الذكر، فإن حكومة الوفاق ربما تعول على بذل الولايات المتحدة المزيد من الجهد لممارسة الضغط واستخدام نفوذها الدبلوماسي من أجل إنهاء الحرب.

هذا الضغط ليس فقط على طرفي النزاع في الداخل الليبي، بل إن واشنطن تعد القوة الوحيدة القادرة على ممارسة أقصى أنواع الضغوط على ثلاثي القوى الإقليمية الداعمة لحفتر (مصر، الإمارات، السعودية) لإجبارهم على الجلوس على طاولة المفاوضات.

قد تكون تلك الضغوط رامية إلى دفع تلك الدول لقطع خطوط الإمداد عن حفتر، ووقف الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه له، مرورا إلى استخدام النفوذ الدبلوماسي والسياسي القوي للولايات المتحدة بتلك الدول للمضي قدما في خطط واشنطن تجاه الملف الليبي.

ولعل من بين الأوراق التي يمكن أن تلجأ لها الولايات المتحدة في حال قررت التصعيد ضد حفتر الذي يحمل جنسيتها، مسألة المقاضاة، حيث لوحظ مؤخرا حراكا ليبيا من بعض المنظمات الحقوقية الليبية والجالية والعائلات المقيمة بأمريكا، لتقديم دعاوى وشكاوى ضد حفتر.

ووفق تصريحات السياسي البويصير المقيم في الولايات المتحدة: فإن عائلات أمريكية من أصل ليبي رفعت دعاوى قضائية ضد جرائم ارتكبها حفتر وقواته وأبنائه، فضلا عن ملفات لدى المدعي العام بالإضافة إلى مطالبة من أعضاء في الكونجرس لفتح تحقيق معه، كما أن اختفاء النائبة عن بنغازي، سهام سرقيوة يلقى هناك صدى وتساؤلات.

وعن فائدة تلك التحركات، قال: إن هذه "خطوات هامة جدا، فالولايات المتحدة تقوم على القانون والرئيس نفسه يخضع له".

وفي مقال نشره "معهد واشنطن": فإنه قد حان الوقت لإعادة إحياء الدبلوماسية الأمريكية بشأن ليبيا، داعيا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للتواصل مع داعمي حفتر الرئيسيين وتحذيرهم من أنه إذا لم يسحب قواته، فسيخضع لعقوبات أمريكية بموجب سلطة طبقتها إدارة ترامب مرتين ضد أفراد "شكلوا تهديدا لسلام وأمن واستقرار ليبيا".

وبحسب المقال، الذي رأى: أن عملية حفتر العسكرية تهدد مصالح الولايات المتحدة في ليبيا، فإنه سيتم تشديد هذه العقوبات إذا هدد الاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوات مماثلة وستعزل حفتر، مشددا على: ضرورة أن تكون هناك عواقب على ازدرائه بالمجتمع الدولي وعملية السلام المدعومة من الأمم المتحدة.

ساحة صراع

لم تخفِ الولايات المتحدة أن تدخلها المستجد بالملف الليبي، يأتي كمواجهة لنفوذ روسي متعاظم في البلد الغنية بالنفط، بل عبرت عن ذلك بصراحة في بيان وزارة خارجيتها المشار إليه ببداية التقرير.

إذن، فأمريكا التي أهملت ليبيا كثيرا تبدو عازمة على العودة في وجه الدب الروسي الذي تقول تقارير: إنه بات صاحب اليد العليا في البلاد عبر دعم متزايد لقوات حفتر، وهو ما تأكد بالتحقيق الذي نشرته "واشنطن بوست" وكشف تورط مرتزقة من شركات أمنية روسية في القتال إلى جانب قوات حفتر.

وفق التحقيق: فإن المئات من المرتزقة الروس، المدربين والمسلحين بشكل جيد ويقاتلون إلى جانب حفتر "يقدمون قوة نيران فتاكة وأساليب جديدة في ساحة المعركة"، كما أنهم يهددون بإطالة أمد الصراع في البلاد.

وبحسب ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز": فإن روسيا أدخلت إلى ساحة الصراع في ليبيا طائرات سوخوي المقاتلة، وضربات الصواريخ المنسقة، والمدفعية الموجهة بدقة، إلى جانب القناصة، وهي الأدوات نفسها التي استخدمتها في الحرب السورية.

وفي يناير/كانون الثاني 2017، دخلت حاملة الطائرات الروسية "الأميرال كوزنيتسوف" المياه الإقليمية الليبية، ما اعتبر أنه أحد أوجه الرد على الدرع الصاروخية الأمريكية المنصوبة شرقي أوروبا، وتعتبرها موسكو تهديدا مباشرا لأمنها القومي.

وبحسب مراقبين: فإن إقامة قاعدة بحرية روسية في ليبيا، يتيح للجيش الروسي الوجود على مسافة أقرب من أوروبا والقواعد الأمريكية في جزيرة صقلية الإيطالية، وهو ما لا تقبله واشنطن.محللون فسروا الصمت الأمريكي على مدار سنوات من النزاع تجاه التمدد الروسي في ليبيا: بأنه يهدف إلى توريط روسيا أكثر في مستنقع النزاعات الدولية بالشرق الأوسط.