"نار تحت الرماد".. هل تنفجر درعا بوجه الأسد مجددا؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن "مهد الثورة السورية" محافظة درعا، على موعد مع ثورة جديدة ضد النظام السوري قد تنفجر في أية لحظة وذلك بعد أكثر من عام على "اتفاق التسوية" بين نظام الأسد والمعارضة، وترحيل الفصائل من جنوب سوريا إلى إدلب التي لا تخضع إلى سيطرة الأسد.

وفي يوليو/ تموز 2018 سيطرت قوات النظام وأجهزته الأمنية على محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، إثر اتفاق المصالحة الذي أبرم بين روسيا والمعارضة السورية، على أن تكون موسكو الضامن للاتفاق.

اغتيالات وهجمات

شهدت درعا تصاعدا ملحوظا في الهجمات التي تطال قوات النظام السوري والشخصيات المرتبطة به، وكانت من أبرزها اغتيال قصي نادر الحلقي قائد ومؤسس ميليشيا اللجان الشعبية في مدينة "جاسم" بريف درعا الغربي، وشقيق رئيس الوزراء السابق في النظام وائل الحلقي.

وأفادت تقارير: بأن عملية الاغتيال جرت داخل عيادته الطبية القريبة من الساحة العامة وسط المدينة، في 16 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وذلك باستخدام مسدس كاتم للصوت، ويعتبر قصي من أشد الموالين لنظام الأسد.

وحارب "قصي" وشقيقه "وائل" الثورة السورية، تقربا من نظام الأسد، حيث شغل الأخير مناصب عدة في حكومة النظام كان آخرها شغل منصب رئيس الحكومة.

كما اندلعت اشتباكات بين قوات النظام السوري ومجهولين في 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في مدينة الصنمين (50 كم شمال مدينة درعا) جنوبي سوريا.

وسبق أن أغلقت المدارس والمؤسسات التابعة للنظام السوري في مدينة الصنيمين الثلاثاء 22 من الشهر ذاته، بسبب اشتباكات بين قوات النظام ومجموعة مسلحة استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة وقذائف الـ"آ ر بي جي".

كما أصيب عنصران من قوات الأسد بجراح في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري نتيجة استهداف حاجز للاستخبارات الجوية شرقي بلدة السهوة بريف درعا بقذيفة صاروخية. وقُتل ضابط للنظام برتبة نقيب، بعد إصابته بطلق ناري مجهول استهدف حاجز الاستخبارات العسكرية المتمركز بين منطقة غرز وبلدة أم المياذن بريف درعا.

وقتل 3 عناصر من قوات الأسد على حاجز الأمن العسكري الواقع بين منطقة غرز وبلدة أم المياذن بريف درعا الشرقي، إثر استهدافهم برصاص مجهولين. 

وفي مدينة الحارة شمال غرب درعا، أقدم مجهولون، الجمعة 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، على إطلاق النار ضد مفرزة الأمن العسكري، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين المهاجمين وقوات النظام لم تسفر عن تسجيل إصابات.

وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان": أن مسلحين مجهولين استهدفوا، الجمعة الماضية، منزلين لعناصر في صفوف شعبة الاستخبارات العسكرية في مدينة الصنمين بقذائف "آر بي جي".

وأشار المرصد إلى: ارتفاع أعداد الهجمات ومحاولات الاغتيال بأشكال وأساليب عدة، عبر تفجير عبوات وألغام وآليات مفخخة وإطلاق نار خلال الفترة الممتدة من يونيو/حزيران الماضي حتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، إلى أكثر من 169 محاولة.

لفت إلى: أن عدد قتلى النظام والمتعاونين معه خلال الفترة ذاتها، بلغ 62 شخصا، من بينهم عناصر من فصائل المعارضة السورية أجروا تسويات ومصالحات، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية.

قصي نادر الحلقي قائد ومؤسس ميليشيا اللجان الشعبية في مدينة

يضاف إلى هؤلاء، عناصر من المليشيات السورية التابعة لـ"حزب الله" اللبناني والقوات الإيرانية في المنطقة، وكذلك عناصر ما يُعرف بـ"الفيلق الخامس" الذي أنشأته روسيا. ووثق "المرصد" مقتل مدني من أبناء قرية دير البخت بريف درعا تحت التعذيب، بعد اعتقال دام نحو عام في سجون النظام.

وفي عملية أخرى قتل عنصر متطوع بصفوف قوات النظام السوري، الخميس 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، برصاص مجهولين يستقلون دراجات نارية في بلدة المزيريب بمحافظة درعا الخاضعة لسيطرة الأخير جنوبي سوريا.

وقبل ذلك فرضت قوات النظام السوري في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حظر تجوال على الدراجات النارية داخل مدينة داعل (16 كم شمال مدينة درعا) جنوبي سوريا، بعد حادثة إطلاق نار من مجهولين.

كما أقامت قوات النظام حواجز وصادرت عدة آليات من دون التعرض لأصحابها. وسبق أن تعرض مخفر الشرطة التابع للنظام في المدينة لإطلاق نار  من قبل مجهولين يستقلون دراجة نارية، ما أدى لإصابة عنصرين بجروح خطيرة نقلا على إثرها إلى المشفى "الوطني".

سوريون عبروا عن رفضهم لحزب الله ومليشيات إيران بكتابات على الجدران

شعارات ومظاهرات

في مشاهد تعيد المدينة إلى الأذهان بداية انطلاق الثورة السورية في 2011، عادت الشعارات ضد النظام السوري تكتب على الجدران، والمظاهرات الليلية المنددة بممارسات أجهزة الأسد وحلفائه من المليشيات والإيرانيين تجوب شوارع درعا.

وكتب مجهولون، الجمعة الماضية، عبارات للمطالبة بالمعتقلين في سجون النظام السوري وخروج المليشيات الإيرانية في قرية الكرك الشرقي وبلدة الغارية الشرقية (24 كم شرق مدينة درعا) جنوبي سوريا.

ومن ضمن الشعارات على الجدران في بعض الشوارع والمدارس، "إيران وحزب الشيطان لا بقينا إن بقيتم" و"الحرية للمعتقلين، صرخات المعتقلين أمانة، بصمتكم لن يخرجوا".

وركزت الكتابات في أرياف درعا على المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، خصوصا ممن تم اعتقالهم بعد اتفاق التسوية جنوب سوريا صيف عام 2018، بالإضافة إلى وقف حملات الاعتقال التي تشنها قوات النظام بشكل شبه يومي بحق المعارضين.

وبالوقت الذي عادت إلى المنطقة الجنوبية الخاضعة لسيطرة النظام بشكل كامل، التحركات المدنية المعارضة له، من خلال كتابة عبارات ضد النظام، فإن تمزيق صورة لرئيس النظام عاد إلى بعض مدن درعا.

وبعد سيطرة قوات النظام على درعا بفعل المصالحات وبدعم روسي، لجأ النظام السوري إلى إزالة الكتابات المناهضة لهم، واستبدلتها بشعارات موالية، وأخرى تحيّي ميليشيا "النمر" و "الفرقة الرابعة".

نقض العهود

لعل الأسباب الرئيسة لخروج أهالي درعا ضد النظام السوري، هو نقض الأسد التزاماته كافة التي ضمنها اتفاق التسوية في درعا، ولا سيما الإفراج عن المعتقلين، بل زاد من اعتقال المعارضين له بعد الاتفاق، وسمح للإيرانيين بالتوسع في المحافظة الحدودية مع الأردن وفلسطين المحتلة.

ويذهب البعض إلى أنه ربما تأثر بالموجة الثانية من الحراك الاحتجاجي الثوري الذي يعم المنطقة العربية، فإن ذلك شجع خروج العشرات من أهالي قرى وبلدات اليادودة وطفس والعجمي والمزيريب في ريف درعا الغربي، في مظاهرات ليلية.

وانطلقت التظاهرات بعد تنسيق استمر لأيام بين أبناء المنطقة، في محاولة لإحياء روح الثورة، وإجبار الضامن الروسي على الوفاء بالتعهدات التي قدمها قبيل اتفاق "التسوية" مع فصائل المعارضة.

لم يكن حراك الجمعة الماضي، الأول من نوعه في المحافظة بعد "التسوية"، إذ سبق وشهدت درعا البلد وعتمان وطفس وداعل تحركات مماثلة رفعت الشعارات ذاتها وأكدت على الاستمرار في الثورة حتى تحقيق الأهداف التي خرجت من أجلها.

سوريون طالبوا النظام بالإفراج عن المعتقلين تطبيقا لاتفاق التسوية

ويأتي أيضا بالتزامن مع وصف رئيس النظام السوري، الجمعة الماضية، المتظاهرين بالمرتزقة، واتهمهم بتلقي أموال من الخارج مقابل الخروج في المظاهرات مطلع الثورة في العام 2011، وهو ما ينفيه أبناء المنطقة الذين خرجوا مطالبين بالحرية والكرامة، وهذه الشعارات لم تتغير طيلة السنوات الماضية.

وعقب توقيع اتفاق التسوية في 2018 شنت مخابرات النظام حملة اعتقالات بحق المدنيين والعناصر السابقين في فصائل المعارضة، طالت أكثر من 600 شخص في حوران، وأفرج عن عدد قليل من المعتقلين بعد ضغط من لجان المفاوضات.

ولا يزال ملف المعتقلين في سجون قوات النظام عالقا في ظل عدم التزام النظام بالإفراج عن المعتقلين الذين يتجاوز عددهم 4500 من حوران فقط، أو حتى بيان أوضاعهم إن كانوا على قيد الحياة أم لا.

نار تحت الرماد

توقع ناشطون سوريون تصاعد الحراك في درعا ضد النظام في الفترة المقبلة، وأن الأسباب المباشرة التي تقف وراءه هي: "القبضة الأمنية والاعتقالات والاغتيالات من قوات النظام بحق المعارضين له في المحافظة".

وذكرت تقارير: أن معتقلين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام، ما يولد حالة غليان كبيرة في عموم المحافظة، في وقت لا تزال فيه إيران و"حزب الله" اللبناني يتوسعان في جنوب سوريا، ما يدفع كذلك إلى انتفاض أهالي درعا.

وحسب الناشطين: فإن السلاح الخفيف الذي بقي في أيدي الكثير من مقاتلي المعارضة، يعد مصدر قلق دائم لقوات النظام والمليشيات الإيرانية، مشيرين إلى: أن "انكشاف العملاء والخونة والسلاح الخفيف، يسهل الطريق أمام مهاجمة قوات النظام".

متظاهرون سوريون طالبوا بإخراج إيران وحزب الله من حوران

تستمر قوات النظام بتطويق مدينة درعا، في مخالفة واضحة لاتفاق التسوية، بالوقت الذي عمل سكان المدينة على تطبيق التزاماتهم بخصوص الاتفاق، مثل دخول مؤسسات الدولة إلى درعا البلد، ورفع علم النظام على مبنى البريد.

يرفض نظام الأسد حتى الآن إعادة الموظفين إلى أعمالهم وإعادة المهنيين إلى نقاباتهم، رغم التحذيرات من انفجار الوضع، خاصة في ظل تظاهر عدد من المدنيين مؤخرا للمطالبة بحقوقهم.

وأجرت لجان المفاوضات عن محافظة درعا العديد من الاجتماعات مع قيادات أمنية وعسكرية تابعة للنظام للنظر في مصير حاملي "أوراق التسوية"، لكن دون التوصل لجدوى. ونتيجة لذلك، يتهدد هؤلاء المدنيين بزجهم في قوات النظام أو الاعتقال، مما يجعلهم في موقف مواجهة مباشرة مع نظام الأسد.