رحل بن علي وبقي صراع التركة.. قناة "الحوار التونسي" نموذجا

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتربع "الحوار التونسي" على عرش القنوات التلفزيونية، باعتبارها القناة الأكثر مشاهدة منذ سنوات، وصاحبة الإنتاج الإعلامي والدرامي الذي يعتبر الأضخم في تونس، ويلقب صاحبها بإمبراطور الإعلام في البلاد.

مساء 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أوقفت النيابة العامة مدير القناة الخاصة، سامي الفهري بشبهة غسل أموال في قضايا ترتبط بـ"بلحسن الطرابلسي" صهر الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

وأكد الناطق الرسمي باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي سفيان السليطي: أن النيابة العمومية بالقطب قررت توقيف الإعلامي سامي الفهري، وإلهام الصوفي ترجمان المتصرفة القضائية لشركة "كاكتوس برود" ووكيل الشركة (كان يملك بلحسن الطرابلسي صهر الرئيس السابق زين العابدين بن علي 51% من رأس مالها).

التوقيف جاء بسبب جرائم شبهة غسل الأموال واستغلال موظف عمومي للإضرار ومخالفة القوانين والتراتيب الجاري بها العمل، حسب النيابة العمومية.

سبق أن وضع اسم الفهري وزوجته على قوائم الممنوعين من السفر من قبل القطب القضائي المالي والاقتصادي، كما سبق توقيفه على ذمة قضايا مشابهة في العام 2012.

وخلّف إيقاف سامي الفهري ردود أفعال كثيرة في الوسطين الإعلامي والفني أغلبها مدافعة عن الفهري فيما دعا آخرون أن تأخذ العدالة مجراها سواء بتبرئته من التهم الموجهة إليه أو إدانته.

توقيف الفهري أثار جدلا واسعا في تونس واتهامات بتسييس القضية، كذلك أثار إطلاق سراحه على ذمة القضية جدلا آخر حول تدخل أطراف سياسية من أجل إخراجه من السجن.

وفي الحالتين لا خلاف بين التونسيين على أن الفهري وقناته والقضايا الملاحق بها لا تخرج عن مربع الصراعات السياسية قبل الثورة وبعدها، إذ لا يخفى على التونسيين الدور الذي لعبته القناة ولا تزال في مختلف المحطات السياسية الفارقة في البلاد.

غسيل الأموال

أثار إيقاف صاحب القناة سامي الفهري ووكيل شركة ''آيت برود" حسن بن إبراهيم ضجة في الأوساط الإعلامية، فيما انتقد محاميه الإجراءات المتبعة في القضية وما تلا إيقافه من مداهمات.

تم إيقاف سامي الفهري بعد ساعات من التحقيق معه ومواجهته بالأدلة من قبل النيابة العمومية، وبعد صدور قرار بمنعه وزوجته والمتصرف القضائي لشركة كاكتوس من السفر يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وكشف عبد العزيز الصيد محامي سامي الفهري في تصريح لإذاعة موزاييك إف إم: أن الموضوع لم يكن حول "كاكتوس برود" بل كانت الأسئلة حول الشراكة مع سليم الرياحي وكيفية فض الخلاف بين الطرفين حول شركة "آيت برود''.

وتلا التحقيق مع الفهري وإصدار مذكرة إيقاف في حقه حملات مداهمة وتفتيش بمقر الشركة والقناة ومنزله ومنازل الأقرباء وبعض الأصدقاء، وفق عبدالعزيز الصيد الذي أشار إلى: أن التفتيشات والأبحاث تواصلت إلى ما بعد أذان الفجر.

ويتم التحقيق مع الفهري في قضية إبرام عقود وصفقات على خلاف الصيغ القانونية بناء على شكاية تقدم بها المكلف العام بنزاعات في حق وزارة أملاك الدولة ولجنة المصادرة، على اعتبار أن شركة ''كاكتوس برود'' مصادرة بمقتضى مرسوم صادر في فبراير/شباط 2011.

شبهة فساد

وأكدت مؤسسة المكلف العام بنزاعات الدولة في بيان: أن مصالحها تلقت ملفا من اللجنة الوطنية للتصرف في الأموال والممتلكات المعنية بالمصادرة أو الاسترجاع لفائدة الدولة وتولت تقديم شكاية جزائية ضد المتصرف القضائي لشركة Cactus Prod ووكيل شركة Prod Caméléon وكل من سيكشف عنه البحث من أجل شبهة فساد والإضرار بالمال العام على ضوء تقرير منجز من طرف هيئة الرقابة العامة للمالية الذي استند إلى تقرير اختبار منجز بواسطة 3 خبراء ومأذون به من طرف رئيسة دائرة الائتمان والتصفية بالمحكمة الإبتدائية بتونس سنة 2015.

كما تلاحق المتصرفة القضائية إلهام الصوفي ترجمان، وهي التي تمكنت من  المكوث على رأس الشركة رغم المطالبات المتكررة بتغييرها منذ العام 2011، وهو ما يعتبر حالة نادرة في الشركات المصادرة والتي تغيّر المتصرفون القضائيون المسيرون لها لأكثر من مرة منذ العام 2011.

وضمنت ترجمان حصرية تعامل شركة "كاكتوس برود" مع قناة الحوار التونسي وبالمقابل سعت إلى إزاحة بقية القنوات التلفزيونية من الانتفاع بعقود مع الشركة، خصوصا التلفزيون الوطني (الحكومي) الذي كان من المفترض أن يكون على رأس المنتفعين على اعتبار أن أكثر من نصف رأس مال "كاكتوس" تعود ملكيته إلى الدولة التونسية، وهو ما أكده تقديمها لطلب الحصول على رخصة بث تلفزيوني لصالح سامي الفهري. 

دعوات للمقاطعة 

توقيف الفهري مجددا جاء في فترة تتعرض فيها قناة الحوار التونسي لحملة واسعة تدعو لمقاطعتها، بعد احتجاجات على مواقع التواصل رفضا لانحياز القناة خلال فترة الانتخابات بشكل مطلق ضد قيس سعيّد.

وأطلق داعمو وأنصار قيس سعيّد حملة على "فيسبوك" ضد قناة "الحوار التونسي" رفضا لما اعتبر استهدافا وتشويها من المعلقين الصحفيين في البرنامج اليومي "تونس اليوم" لإرادة الناخبين.

الغاضبون من أداء القناة أطلقوا حملة للخروج من عضوية صفحة القناة الرسمية على فيسبوك، ما أدى إلى خسارتها قرابة المليون ونصف مليون متابع.

حينها نشر سامي الفهري تدوينة على حسابه الشخصي على إنستجرام ندد فيها "بالعنف والتعصب" السائد في العالم الافتراضي معربا عن تخوفه من وصول هذه الممارسات إلى السلطة.

النظام القديم

لا زال التونسيون يحتفظون في ذاكرتهم، بظهور سامي الفهري ليلة 13 يناير/كانون الثاني 2011، إثر خطاب الرئيس الراحل زين العابدين بن علي  والذي اشتهر بخطاب "فهمتكم"، في محاولة لإقناع الثائرين في مختلف مدن تونس بمجموعة من الإصلاحات التي كان ينوي تنفيذها لتهدئة الشارع.

وصور ذلك البرنامج الشهير في استوديوهات شركة "كاكتوس" للإنتاج الإعلامي، والتي كانت شراكة بين سامي الفهري وصهر الرئيس الراحل بلحسن الطرابلسي، والذي يعتبر أحد أبرز الأسماء الضالعة في الفساد المالي والإداري في تونس قبل الثورة.

الفهري تمكن من خلال هذه الشراكة من عمل ثروة طائلة عبر الاستيلاء على شركات عمومية ونهب مئات الهكتارات من العقارات والحصول على قروض ميسرة وغير قانونية، فضلا عن دوره اللافت في محاولة السيطرة على التلفزة التونسية.

وحسب لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد والتي ترأسها الراحل عبد الفتاح عمر، مباشرة بعد فرار بن علي من تونس: فإن المشرفين على مؤسستي الوكالة الوطنية للنهوض بالقطاع السمعي البصري والتلفزة الوطنية تعاقدوا مباشرة مع "كاكتوس" دون الالتزام بالقواعد المنظمة للصفقات العمومية.

وانطلاقا من 2006 بدأت الوكالة الوطنية للإنتاج السمعي البصري ومن بعدها التلفزة التونسية بالتعاقد مع هذه الشركة المنتجة بصيغة المقايضة حيث لا تقوم التلفزة بدفع ثمن الإنتاج بل تمكن الشركة المنتجة من مساحات بث مقابل ثمن يتم الاتفاق عليه، ثم تتولى الشركة بيع هذه المساحة إلى وكالات الدعاية والإعلان.

بعد 6 أشهر من هروب الرئيس الأسبق أصبحت الدولة مالكة لـ51 % من رأس مال شركة كاكتوس للإنتاج وذلك بمقتضى قرار مصادرة تم تنفيذه في 28 يونيو/حزيران 2011، وهي النسبة التي تعود إلى بلحسن الطرابلسي، صهر الرئيس الأسبق.

في حين لم تشمل المصادرة بقية الأسهم التي تعود ملكيتها إلى سامي الفهري، ولكن هذا الأخير كان موضع تتبع قضائي منذ 25 أبريل/نيسان 2011، كما اتُّخِذت ضده قرارات بمنع السفر وتجميد الأموال إلى أن صدرت في حقه بطاقة إيداع بالسجن في أغسطس/آب 2012، ولم يغادره إلا في 11 أيلول /سبتمبر 2013.