المنتجات المصدرة لأوروبا.. ماذا يعني ملصق "صنع في المستوطنات"؟

مهدي محمد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"لاعتبارات أخلاقية"، قضت محكمة العدل الأوروبية في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بإلزام إسرائيل بوضع ملصق يوضح مصدر المواد الغذائية التي يتم إنتاجها داخل المستوطنات، في قرار كان بمثابة صفعة جديدة، واعتبرته تل أبيب "تمييزيا".

ووسط صدمة إسرائيلية وترحيب فلسطيني، تدخلت واشنطن سريعا، فأبدت قلقها وشككت بالحكم، واتهمت المحكمة بالانحياز، فيما تنذر هذه الخطوة بمعركة اقتصادية قادمة بين أوروبا وإسرائيل، قد تكون الولايات المتحدة طرفا فيها.

ويأتي القرار بعد أن طلبت المحكمة الفرنسية العليا توضيحا بشأن قوانين وضع الملصقات على السلع القادمة من الضفة الغربية بما فيها شرق القدس التي يعتبرها المجتمع الدولي أراض فلسطينية محتلة، إضافة إلى الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

صنع في المستوطنات

وقالت المحكمة: إن الإخفاق في تصنيف المنتجات بشكل صحيح قد "يضلل المستهلكين" للاعتقاد بأن البضاعة جاءت من مكان آخر غير "بلد المنشأ أو مكان المنشأ الحقيقي"، معتبرة: أنه "يجب ألا يكون خادعا".

وأكدت: أن قرارها، الذي أصدره 15 قاضيا "يجب أن يمكّن" المستهلكين من اتخاذ خيارات مُستنيرة فيما يتعلق بالاعتبارات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والأخلاقية".

وكانت محكمة العدل الأوروبية قالت عن تشريع أوروبي صدر في 2011: إن "ذكر مصدر المنتجات إلزامي عملا بهذا التشريع، لتفادي تضليل المستهلكين حول كون إسرائيل موجودة في الأراضي المعنية، كقوة محتلة وليس ككيان سيد".

رد فعل الاحتلال كان سريعا، فوصف عبر وزارة خارجيته الحكم: بأنه بمثابة "أداة للحملة السياسية ضد إسرائيل"، مضيفة: أن "هناك أكثر من 200 نزاع إقليمي في جميع أنحاء العالم، لكن المحكمة الأوروبية لم تفصل مطلقا في أي منها".

ورأت كذلك: أن "حكم اليوم سياسي وتمييزي ضد إسرائيل"، معتبرة: أنه "يقلل من فرص الوصول إلى السلام"، فيما قال وزير الخارجية، يسرائيل كاتس: إنه سيعمل مع زملائه في الاتحاد الأوروبي "لمنع تنفيذ هذه السياسة المعيبة بشكل خطير".

فلسطينيا، رحب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، بالحكم، داعيا "جميع الدول الأوروبية إلى تنفيذ الالتزامات القانونية والسياسية المترتبة"، ومشددا على ضرورة حظر منتجات المستوطنات من الأسواق الدولية، وليس وسمها فقط.

انتصار منقوص

ربما لا يختلف اثنان على أهمية الحكم، وما يمثله من هزيمة للاحتلال ولوبياته النشطة في أوروبا، لكن ثمة من يقلل من تلك الأهمية ويراها انتصارا منقوصا، فيما يعتبر آخرون الحكم تاريخيا.

يقول متابعون: إن مجرد وسم منتجات الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 1967 بصفة تميزها عن منتجات الاحتلال عموما ليس كافيا، فما حدث يعتبر تضييقا نسبيا عليها.

كما أن فرض هذا التصنيف على المواد الغذائية تحديدا، وفق هؤلاء: من شأنه أن يعفي منتجات أخرى منه، ومن بينها على سبيل المثال مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة التي تقوم على نهب المواد الطبيعية الفلسطينية وهي قطاع متعاظم ضمن اقتصاد الاستيطان ويدير تبادلات نشطة مع أوروبا.

على الجهة المقابلة، يصف آخرون الحكم: بأنه تاريخي، وهو ما ذهب إليه أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي، الذي قال: إن "هذا الحكم حسم كل جدل وخلاف وقطع أية احتجاجات إسرائيلية غير مستندة للقانون".

وأضاف سلامة في تصريحات صحفية: إن "أهمية الحكم ليست فقط في أنه حكم نهائي مبرم ملزم لكافة دول الاتحاد الأوروبي الـ28، ولكن أيضا لأن ذلك الحكم أصبح فور النطق به قانونا كأي تشريع داخلي في الدول الأعضاء بالاتحاد كافة، أي أنه لا تستطيع أي دولة أوروبية إصدار تشريع لاحق مغاير مناقض لذلك الحكم".

خطوة نحو المقاطعة

عندما اقترح الأوروبيون في 2015 اشتراط وضع العلامات على منتجات المستوطنات، شعر العديد من الإسرائيليين بالضيق إزاء هذا الأمر، ورأوا أنه يدعم بذلك "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" ضد إسرائيل.

وفي سبتمبر/أيلول 2015، التقى رئيس المجلس الأوروبي، حينها، دونالد تاسك، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فكشف له الأخير عن إحساسه بأن لدى بعض الأوروبيين "هوس بمعاداة إسرائيل ويريدون مقاطعتها".

الحديث عن المقاطعة الأوروبية للمنتجات الإسرائيلية، أعاد إلى الأذهان جهود حركة مقاطعة إسرائيل المعروفة اختصارا بـ (BDS) والتي يناصبها الاحتلال العداء منذ نشأتها.

تقول الحركة: إنها "نجحت في عزل النظام الإسرائيلي أكاديميا وثقافيا وسياسيا، وإلى درجة ما اقتصاديا كذلك، حتى بات هذا النظام يعتبر الحركة اليوم من أكبر الأخطار الإستراتيجية المحدقة بها".

تسمية الحركة بهذه الأحرف الثلاثة (BDS) يرجع إلى اختصار أهدافها المعلنة في مواجهة الاحتلال كالتالي: مقاطعة (Boycott)، سحب الاستثمارات (Divestment)، وفرض العقوبات (Sanctions).

وانطلقت شرارة الحركة عام 2005، حيث شارك أكثر من 170 كيانا من اتحادات شعبية ونقابات وأحزاب ولجان شعبية ومؤسسات أهلية فلسطينية في إطلاق النداء لمناشدة أحرار وشعوب العالم بمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.

أما المطالب فهي تتلخص في إنهاء الاحتلال وتفكيك جدار العزل، إنهاء كافة أشكال التمييز العنصري ضد فلسطينيي 1948، وحق اللاجئين في العودة لديارهم واستعادة ممتلكاتهم.

تداعيات كارثية

تماهيا مع جهود المقاطعة، تبدو السيناريوهات مفتوحة لاستثمار القرار الأوروبي، نحو مزيد من الخطوات التصعيدية، التي قد تجعل من تداعيات القرار كارثة قد لا يطيق الاحتلال تحمل آثارها.

ويرى البعض: إن القرار القضائي يعد توصية للمحاكم الأوروبية بأن تعمل بمقتضاه في قضايا مماثلة، بدءا من القضاء الفرنسي موضوع القضية. ويبقى السجال في هذه الحالة دائرا بين مدى استجابة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وضغوط الاحتلال لعرقلة الأمر.

وبالتالي فإن الحكم قد يفتح الباب على مصراعيه لدعاوى يرفعها مواطنو الدول الأوروبية لدى محاكمهم الوطنية، واستثمار تلك السابقة القضائية ربما خارج حدود الاتحاد الأوروبي.

ويقول مراقبون: إن الحكم يشكل ضغطا كبيرا على الشركات الإسرائيلية العاملة في تجارة المواد الغذائية مع أوروبا، ليقطع الطريق على محاولات التورية وطمس المنشأ التي تلجأ إليها تلك الشركات، ويحسم الحكم أيضا مفهوم "بلد المنشأ/ مكان الورود" بصفة تمنع اعتبار منتجات المستوطنات "منتجة في إسرائيل"، تأسيسا على الصفة الاحتلالية القائمة.

التأثير السلبي يمتد إلى داخل الأراضي المحتلة، حيث يهدد تمييز منتجات المستوطنات من المواد الغذائية على فرص هذه المستوطنات في الانتعاش والتوسع وما يتطلبه ذلك من نشاطات اقتصادية وإنتاجية وتجارية.

ويتوقف اتساع دائرة الحكم ليشمل عموم منتجات الاحتلال في المستوطنات على قدر الضغط الذي يمارسه المجتمع المدني والمنظمات العاملة في هذا المجال على الهيئات الأوروبية المعنية كي تعمم الإجراءات.

معركة شاملة

ورغم البعد الاقتصادي للقرار، فإن خلفياته السياسية لا يمكن إغفالها، فالقرار الأوروبي ينطلق من أساس رفض الاعتراف بشرعية هيمنة الاحتلال على الأراضي المحتلة عام 1967.

ويرى الفلسطينيون أن أهمية الحكم تزداد مع محاولة "إسرائيل"، في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شرعنة سيطرتها بإجراءات الضم وفرض الأمر الواقع بالقوة، بما في ذلك القدس والأغوار وما يسمى المنطقة "ج" عموما في الضفة الغربية والجولان.

بالعودة إلى الأبعاد الاقتصادية، يتحدث البعض عن معركة قد تمس اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل الموقعة عام 2010 والرامية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الطرفين.

وشهدت الفترة ما بين العامين 2010 و2011 ارتفاعا في صادرات الاتحاد الأوروبي إلى إسرائيل نتيجة اتفاقية الشراكة هذه، واستمر حجم الصادرات على هذا المستوى المرتفع حتى حصول ازدياد حاد بين عامي 2014 و2015 ومجددا بين عامي 2015 و2016.

وفي عام 2010، وهو آخر عام تتوافر فيه الإحصاءات، كان الاتحاد الأوروبي يصدر نحو 19 مليار دولار من السلع والخدمات إلى إسرائيل، وبحلول عام 2016، ارتفعت قيمة صادرات الاتحاد الأوروبي إلى "تل أبيب" إلى أكثر من 28 مليار دولار، في حين بلغت الصادرات الإسرائيلية إلى أوروبا 18 مليار دولار.

وهكذا، يبقى الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، حتى مع اقتراب آسيا والولايات المتحدة منه، ولذلك تبدو تلك الشراكة مهددة إلى حد كبير إذا أسس الحكم الأوروبي للمزيد من الخطوات التصعيدية المشابهة، على مستوى منتجات أخرى من ناحية، ومن جهة أخرى ربما الوصول إلى مرحلة المقاطعة.

واستبقت الخارجية الإسرائيلية الحكم ببرقية أرسلتها إلى سفاراتها في أوروبا دعتها فيها إلى العمل الحثيث ضد القرار وطالبت الدبلوماسيين بالزعم بأن وضع علامات على بضائع المستوطنات "لن يدفع السلام قدما".

وأكدت البرقية: أن "من شأن القرار أن يشجع جهات تقوض شرعية إسرائيل وتدفع حملات مقاطعة ضدها. وتطبيق القرار سينعكس سلبا على العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي وأعضائه".

وفي سياق الضغوط داخل الولايات المتحدة، أصدر حاكم ولاية نيويورك "أندرو كومو" في يوليو/تموز 2018، أمرا تنفيذيا يفرض عقوبات على حركة مقاطعة البضائع والاستثمارات الإسرائيلية.

وليس بعيدا عن هذه الحملة التي قادتها حكومة الاحتلال في الأسابيع الأخيرة للضغط على دول الاتحاد الأوروبي للتحذير من عواقب الحكم الأخير، طلب مسؤولو الاحتلال من الإدارة الأمريكية التدخل للضغط على المسؤولين الأوروبيين في هذا الشأن.

كما وجه أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي رسائل للجانب الأوروبي تتضمن تحذيرات من إمكانية إضرار خطوات في هذا الاتجاه بالشراكة التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.