"الاستبداد الرقمي".. كيف استخدمته الأنظمة العربية ضد المعارضين؟

12

طباعة

مشاركة

رغم أن شبكات التواصل الاجتماعي، خلقت مساحة كبيرة من الحرية لشعوب منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها تستخدم اليوم من قبل الدول الاستبدادية كسلاح هائل للسيطرة على المعارضين.

من بين هؤلاء إياد البغدادي، ناشط اجتماعي فلسطيني الأصل، ولد في الكويت وهو الآن لاجئ في النرويج، جرى ترحيله من الإمارات عام 2014 بعد تغريدة عن وفاة صديقه الناشط المصري باسم صبري.

ويحكي البغدادي عن تجربته قائلا: "بدأ كل شيء في عام 2014، قبل ثلاثة أشهر من إلقاء القبض علي، كنت ضعيفا للغاية لأنني لاجئ عديم الجنسية أعيش في البلد الوحيد الذي أعرفه، لكنني لم أكن أريد ذلك".

"الاستبداد الرقمي"

ويضيف لصحيفة "لوريان لوجور" الفرنسية: "كنت خائفا في ذلك الوقت لأن النظام الإماراتي كان يتتبعني ويريد إلقاء القبض علي".

منذ نفيه القسري، لم يوقف إياد البغدادي نشاطه على الشبكات الاجتماعية، ولا يزال هدفا للقمع الرقمي لسلطات المنطقة، وهي قصة يتعرض لها مئات الأشخاص الآخرين.

وأكدت الصحيفة: أنه خلال بضع سنوات، انتشر "الاستبداد الرقمي" في جميع أنحاء المنطقة لتعقب المعارضة. 

فوفقا لتقرير بعنوان "Freedom on the net" صدر في 5 نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري عن منظمة "فريدم هاوس" غير الحكومية: فإن الشرق الأوسط هو المنطقة الوحيدة في العالم التي لا يتوفر فيها للناس مطلقا حرية الوصول إلى الإنترنت، الحرية المقاسة على أساس ثلاثة عناصر: حواجز تسجيل الدخول وحدود المحتوى وانتهاكات حقوق المستخدم.

منى سيف تشهد أيضا على هذا الأمر، وهي ناشطة مصرية في مجال حقوق الإنسان، وشقيقة علاء عبد الفتاح، الناشط المسجون منذ 29 سبتمبر/ أيلول من قبل نظام عبد الفتاح السيسي بسبب تعليقاته على الشبكات الاجتماعية، بعد ستة أشهر فقط من الإفراج عنه تحت إشراف قضائي.

وتقول منى سيف: "بصفتك ناشط في مصر، يجب أن تضع في الاعتبار أنك مراقب على الإنترنت على مدار 24 ساعة في اليوم". إذ يُعتبر الناشط عبد الفتاح الذي عرف أيضا بـ"أيقونة الثورة" خلال الربيع العربي عام 2011، ولديه 800 ألف متابع على تويتر، أحد تلك الأصوات التي تزعج السلطة. 

وتضيف منى سيف: "لم يخبره أحد بأنواع الجماعات الإرهابية التي اتُهم بمساعدتها، وما هي أنواع الأخبار الكاذبة التي كان ينشرها أو ماذا يعني استخدامه الشبكات الاجتماعية بطريقة مسيئة".

وتقول الصحيفة: "من خلال قوانين مرنة أو الاستعانة بمصادر خارجية أو القرصنة أو التصيد، يتنافس المستبدون في الإبداع لكبح المعارضة".

ونقلت عن جيمس شيرز، أستاذ مساعد بجامعة ليدن: "في دول الخليج، ينصب التركيز على الجرائم الإلكترونية، أما في مصر، فغالبا ما تكون قوانين الأخبار الكاذبة هي الأكثر استحضارا".

وتوضح منى سيف: ذلك من خلال إحدى التهم الموجهة ضد شقيقها، مؤكدة: أن أي شيء يتعارض مع حقوق الإنسان يمكن وضعه من قبل السلطة في إطار الحرب على الإرهاب. 

ووفقا لتقرير فريدم هاوس: "ساعدت مجموعة من القوانين الجديدة السلطات في حجب أكثر من 34000 موقع في مصر".

وأشارت صحيفة "لوريان لوجور"، إلى: أن نفس الأساليب تستخدم في البحرين، حيث قُبض على الناشط نبيل رجب في 31 ديسمبر/ كانون أول 2018 وحُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بسبب تغريدة عن دور المملكة العربية السعودية في الحرب على اليمن وندد باستخدام التعذيب في السجون.

ويقول ابن عمه نضال السلمان، الذي  تولى مكانه كرئيس لمركز البحرين لحقوق الإنسان: "لقد كان صوت البحرين حقا، صمت الجميع، الكل أصبح خائفا، خاصة بعد عام 2011 في ظل الانتقام والتعذيب والاعتقالات كان نبيل هو الشخص الوحيد الذي استمر في الكلام".

حرب إلكترونية

وبحسب الصحيفة: تشهد هذه الحرب بين المستبدين والمعارضين على الشبكات الاجتماعية طفرة غير مسبوقة من عام 2011، وتوثيق المعارضين لأحداث الربيع العربي على الإنترنت، فمن أول ثورة شعبية في تونس أو مصر أو ليبيا أو سوريا، سارع الخبراء إلى تسمية هذه الظاهرة باسم "الثورة 2.0" أو "ثورة فيس بوك". 

وأكدت: أن هذه كانت أول مرة، يحصل المتظاهرون فيها على أدلة ملموسة على نطاق واسع تبين أنهم ليسوا وحدهم، فتتشارك مطالبهم مع أقرانهم في البلدان التي غالبا ما يتم فيها استخدام الانقسامات الاجتماعية بواسطة السلطات لاستمرار حكمهم.

ويشير نضال السلمان إلى: أنه "في عام 2011، كانت الشبكات الاجتماعية السلاح الوحيد الذي كنا ننظر من خلاله إلى ما يجري في البحرين".

فالشبكات الاجتماعية التي باتت لا غنى عنها اليوم، تستقطب عددا متزايدا من المستخدمين، على سبيل المثال، يوجد على فيس بوك الآن 164 مليون مستخدم شهريا في العالم العربي، مقابل 56 مليون مستخدم قبل أكثر من خمس سنوات.

ويقول سمير، الذي كان يبلغ من العمر 22 عاما فقط، عندما وصل الربيع العربي إلى سوريا: "أردنا أن نظهر للعالم ما كان يحدث في سوريا من عنف النظام"، أما ليث الذي لديه حساب على فيس بوك منذ 2009، مع الثورة في سوريا عام 2011، فاستبدل اسمه بآخر مستعار، ويقول اليوم: "نستخدم ألقابا مثل أسد الثورة أو صقر الثورة خوفا من النظام".

تتطلب السيطرة على الشبكات الاجتماعية قوة عاملة كبيرة ودراية فنية بأحدث التقنيات في السوق، وتقول منى سيف: "في مصر، ينفذ النظام في كل شهر موجة جديدة من الهجمات الرقمية التي تستهدف رسائل البريد الإلكتروني وحسابات فيسبوك للناشطين البارزين، سواء عن طريق القرصنة أو التصيد". 

في إيران، تقول السلطاتك: إن لديها جيشا يضم 42000 متطوعا للسيطرة على المواقع الإلكترونية، حسبما جاء في أحدث تقرير من فريدم هاوس.

أما في السعودية، فينفذ هذه المهمة سعود القحطاني، المستشار السابق لولي العهد محمد بن سلمان.

وبحسب الصحيفة: منذ صعوده مع تولي ولي العهد منصبه عام 2015، ازدادت قوته في المجال الرقمي للمملكة، فهذا الرجل الملقب بـ"أمير الظلام"، قاد جيشا على تويتر، أطلق عليه ناشطون: "الذباب الإلكتروني"، مهمته على مدار اليوم تتبع معارضي النظام السعودي، مما تسبب في موجات من الإهانات والتهديدات الموجهة إليهم، وأيضا نشر تغريدات تمجد الملك سلمان ونجله.

وأكدت: أنه "في أغسطس/ آب 2017، ذهب المستشار الملكي إلى أبعد من ذلك وشجع السعوديين على الإبلاغ مباشرة على تويتر عن أي شخص يغرد لصالح قطر وذلك بعد شهرين من بدء الحصار عليها". 

وأوضحت: أن تويتر يعتبر بمثابة البرلمان السعودي لدى بعض مستخدمي الإنترنت، وهو منجم ذهب حقيقي للمملكة لمعرفة نبض الشارع السعودي، ولكن قبل كل شيء، فإنه يستخدم لملاحقة المعارضين، حيث يوجد على المنصة 11 مليون مستخدم نشط في الجزيرة العربية.

غير أن الضجة التي أثارها اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين أول 2018، غير الوضع، حيث جرى إقالة سعود القحطاني، المتهم بكونه العقل المدبر للعملية الوحشية، من منصبه، وبعد ذلك تباطأ نشاط المتصيدين السعوديين على الشبكات الاجتماعية.

لكن وفقا للصحيفة: على الرغم من الموارد المستثمرة، من قبل السلطات فإنهم ما زالوا بعيدين عن الفوز بالحرب الإلكترونية، فالناشطون مستمرون في المقاومة عبر الإنترنت ويمكنهم الاعتماد على دعم المنظمات غير الحكومية مثل Front Line Defenders ، التي تعزز "الحماية الرقمية". 

فمن خلال هذه العلاقات، تمكنت Front Line من مساعدة الناشطين في إزالة المحتوى الضار ودعم حساباتهم وحمايتهم من القرصنة أو الاستهداف.