أربعة جيوش تسيطر على الوضع العسكري بالعراق.. كيف تعمل؟

12

طباعة

مشاركة

نشر موقع "وور أون ذي روكس" تقريرا للصحفيين سردار عزيز وإيروين فان فين، سلطا فيه الضوء على التعقيدات التي يشكلها وجود أربعة جيوش بالعراق في ظل احتجاجات شعبية تعصف بالبلد منذ أكثر من شهر، مشيرين إلى: أنها تمثل معضلة ينبغي التكيف معها إلى حين.

وبحسب التقرير: فإن العراقيين خرجوا إلى الشوارع في بداية أكتوبر وهم يحملون صورا لرجل تم تخفيض رتبته على الرغم من سجله المثير للإعجاب كموظف مدني وضابط عسكري.

وتابع: "في حين أن نقل الجنرال عبدالوهاب السعدي من وظيفته كنائب قائد قوات مكافحة الإرهاب العراقية إلى وظيفة مكتبية في الوزارة يروي فقط جزءا من قصة الاحتجاجات ضد الفساد التي هزت البلاد، فإن اسمه ومصيره أصبحت صرخة للمحتجين".

وأشار التقرير إلى: أن "نظريات كثيرة ثارت حول سبب طرده. يقترح البعض أنه تم تخفيض رتبته لأنه عطل الفساد داخل قوات النخبة لمكافحة الإرهاب، وكذلك بين كبار قادة مكافحة الإرهاب ومسؤولين أمنيين آخرين. ويصر آخرون على أن نقله يعود إلى التنافس بين قوات الحشد الشعبي المرتبطة بإيران إلى حد كبير والجهاز الذي يعمل به".

وأردف: "النقاش حول نقله يسلط الضوء على بعض السمات الرئيسية للقوات التي تشكل بنية الأمن القومي المعقدة في العراق: القدرة الضعيفة، والاستقلالية الفردية، والتجزؤ ودوائر المصالح المختلفة، والنفوذ الأجنبي".

وشدد التقرير: على ضرورة أن "يسير تطوير القطاع الأمني ​​في العراق على قدم وساق مع الإصلاح السياسي. بدون تغيير سياسي، لن يكون من الممكن تحقيق تطويرات ذات معنى في قطاع الأمن، وبدون تطوير القطاع الأمني​​، ستبقى السياسة العراقية متقلبة وعرضة لاستخدام الإكراه والعنف".

في هذا السياق، يؤكد التقرير أن: "على العراق وشركائه الدوليين قبول بنية أمنية متعددة الأقطاب لبعض الوقت في المستقبل ، ولكن العمل على التنظيم والأدوار والمسؤوليات وكذلك الثقة بين قوات الدفاع المختلفة في العراق".

أربعة جيوش

ومضى يقول: "يمتلك العراق 4 قوات دفاع رئيسية مختلفة الأحجام والقدرات: جهاز مكافحة الإرهاب، والجيش العراقي، وقوات الحشد الشعبي، والبيشمركة الكردية".

وأشار التقرير إلى: أن "الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب ينظر إليهما باعتبارهما القوات المسلحة التقليدية التي تمتلكها معظم البلدان. بينما يعد الحشد الشعبي والبيشمركة الكردية قوات عسكرية بديلة لها وضع قانوني، ولكن لها أصول خارج الدولة الرسمية".

ونوه إلى: أنه "من حيث القوى العاملة، فإن قوات الحشد الشعبي وقوات البشمركة الكردية قابلة للمقارنة تقريبا، لكن الأولى غنية بأكثر من ضعف نظيرتها الكردية، بميزانية 2.16 مليار دولار مقابل 800 مليون دولار".

واستطرد التقرير: "في حين أن قوات الحشد الشعبي، مثل جهاز مكافحة الإرهاب، تقدم تقاريرها مباشرة إلى رئيس الوزراء، فإن البيشمركة الكردية تقدم تقريرا إلى حكومة إقليم كردستان بدلا من وزارة الدفاع في بغداد، على الورق على الأقل".

وأوضح التقرير: أن "هذه القوى الموازية تشكل بنية عسكرية أمنية متعددة الأقطاب بما يثير حتما مسألة كيف يمكن إدارة تطوير قطاع الأمن في العراق للاستجابة بشكل أفضل للمشاكل السياسية والأمنية التي لا تعد ولا تحصى في البلاد".

وتابع: "على الرغم من أن الوضع الحالي يرجع إلى تطور العراق العنيف ككيان سياسي بعد الغزو الأمريكي عام 2003، إلا أن الدولة والمجتمع في البلاد لهما علاقة مضنية مع قواتهما المسلحة التي تمتد إلى الوراء في التاريخ".

وأكد: أنه برغم أن العراق شهد أول انقلاب عسكري في المنطقة عام 1936، إلا أن دوره الضخم لم يظهر سوى في الثمانينات، حيث أدى غزو العراق لإيران عام 1980 إلى إنشاء جهاز عسكري هائل أثبت أنه غير قادر على اختراق المقاومة الإيرانية العنيدة.

وبين التقرير: أنه "بحلول عام 1988، وصل قوام الجيش العراقي إلى حوالي مليون، ولكن في ظل ديكتاتورية ذات اقتصاد مختل، كانت الجهود الجادة لتسريح الجنود غير واردة. كانت محاولة بغداد للاحتفاظ بالجيش يعمل بشكل مفيد أحد العوامل في غزو الكويت في عام 1991، والذي أدى إلى كل من الهزيمة المذهلة في حرب الخليج الأولى وعلى مدى أكثر من عقد من العقوبات الدولية، التي انتقل خلالها الأمن جزئيا للقوات والمليشيات القبلية".

 وأضاف: "في هذه الفترة أيضا، تحولت البيشمركة من عصابات تخوض حرب العصابات إلى قوة عسكرية شبه رسمية لإقليم كردستان العراق".

ومضى التقرير يقول: "تمت هزيمة الجيش العراقي وحله أثناء حرب العراق عام 2003 وبعدها من خلال مزيج من الخسائر والانشقاقات والإطاحة بالبعث. وعانى الجيش العراقي الذي أعيد بناؤه خلال النصف الثاني من عام 2000، تفككا كارثيا في مواجهة هجوم تنظيم الدولة عام 2014، ويعزى ذلك جزئيا إلى الفساد وضعف القيادة".

وواصل: "بالنظر إلى التاريخ الحافل للقوات العسكرية النظامية في العراق، فليس من المستغرب أن تكون هناك تشكيلات بديلة، مثل قوات الحشد الشعبي والبيشمركة. من الأفضل اعتبار هذه القوات ردود أفعال على القصور المتكرر للجيش العراقي في توفير الأمن للمجموعات السكانية الرئيسية".

وبحسب التقرير: فقد كان إنشاء البيشمركة استجابة واضحة لقمع صدام حسين لأكراد العراق، لأنه عندما فرضت منطقة حظر الطيران عام 1991 بعد حرب الخليج ، حصل لأكراد فترة راحة من قمع النظام. وتابع: "لم يضيعوا أي وقت في تحويل وحدات حرب البيشمركة إلى قوات مشاة خفيفة مهمتها ضمان الأمن الداخلي والخارجي للمناطق الكردية في العراق". 

وأشار إلى: أنه برغم الدور الذي لعبته في دحر قوات تنظيم الدولة، إلا أنها مع ذلك، كقوة عسكرية، لا تزال ضعيفة بسبب الانقسامات الداخلية وكذلك عدم وجود أسلحة ثقيلة وممتلكات جوية، كما كان واضحا في أكتوبر/تشرين الثاني 2017، عندما استعاد الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي منطقة كركوك دون قتال جدي.

الحشد الشعبي

وأضاف: "تعد قوات الحشد الشعبي ظاهرة أحدث مرتبطة بكل من القمع التاريخي للشيعة من قوات الأمن العراقية في عهد صدام حسين وفشل الجيش العراقي ضد الدولة. إن ارتباط التشكلات الرئيسية للحشد الشعبي بإيران يغمرها بتشدد ديني شيعي واضح، بما يعكس التحول نحو الحكم الشيعي للعراق العربي منذ عام 2003.

وتطرق التقرير إلى: أن الارتباطات الإيرانية لقوات الحشد الشعبي جعل منها قوات موازنة جيوسياسية ومحلية موازنة لجهاز مكافحة الإرهاب الذي تدربه الولايات المتحدة والجيش العراقي، وخاصة في سياق تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في أعقاب انسحاب الأولى من اتفاقها النووي مع إيران في عام 2018.

وبحسب التقرير: فإنه "على الرغم من أن قوات الحشد الشعبي تخلو من مشكلات الروح المعنوية والفساد التي يواجهها الجيش العراقي، إلا أن لديها مشكلتين رئيستين: الأولى: التنظيم المستمر للحشد يخاطر بأن تصبح المنظمة أكثر شبها بالجيش، لتكون مثقلة بمشاكل الفساد وغيرها، خاصة مع وجود مقاتلين يرون أن القتال وظيفة براتب بدلا من واجب ديني. الثانية: يتمتع الحشد بعلاقات معقدة مع الجماعات المسلحة مثل عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وحركة النجباء، وبعضهم يشارك في أنشطة خارجية، مثل القتال في سوريا".

ومضى يقول: "بشكل عام، يتم إعادة بناء جيش العراق التقليدي لكن المعاناة من تدني الروح المعنوية والفساد وضعف القدرة لا تزال موجودة". وأضاف: "القوى الحزبية في البلاد - البيشمركة الكردية وقوات الحشد الشعبي - لديها دوافع قوية، ولكن مع وجود جداول أعمال إستراتيجية حزبية وكذلك مرتبطة جزئيا بالتأثيرات الإيرانية وغيرها مما يتعارض جزئيا مع الدولة العراقية يمثل مشكلة".

ورأى التقرير: أن "النتيجة هي تعارض الهدف، وعدم كفاية القيادة والسيطرة ، والمخاطر الأمنية الداخلية والخارجية الرئيسية، وأن العواقب الأكثر عمقا للوضع الحالي للهندسة الأمنية في العراق تشمل استمرار استخدام الإكراه كأداة للتفاوض السياسي، وتشجيع الإقصاء المستمر للسنة، وترسيخ هياكل السلطة القائمة مثل الاحتكار السياسي للديمقراطيين الكردستانيين، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في إقليم كردستان".

اللغز الأمني

ومن الواضح، بسحب التقرير: "أن اللغز الأمني ​​للعراق يجب معالجته - لكن كيف؟ يتعين على الحكومة العراقية والشركاء الدوليين الاعتراف صراحة بأن العمل من أجل احتكار الجيش والشرطة التقليديين للاستخدام المحلي للقوة ليس مجديا في الوقت الحالي لأن مثل هذه السيطرة من قبل البعض ستعتبر تهديدا من قِبل آخرين. نتيجة لذلك، سيتعين التخلص من فكرة وجود مركز واحد للسلطة القسرية في العراق، على الأقل على المدى القصير إلى المتوسط. يجب أن تكون أنظمة السلطة والحكم المتعددة في العراق بمثابة نقطة انطلاق للإصلاح العسكري".

وتابع بالقول: "بسبب هذه الشبكة المعقدة من العلاقات بين السلطة والقوة العسكرية، لن يكون هناك أسلوب بسيط لتدريب المدربين؛ يجب أن يكون الشركاء الدوليون أكثر وعيا سياسيا. من الناحية العملية، هذا يعني أن العراق سوف يتميز بمشهد أمني تعددي في المستقبل المنظور. يجب أن يصبح التركيز الآن هو زيادة الثقة المتبادلة بين القوات العسكرية العراقية الأربع التي تمت مناقشتها هنا، وخلق وضوح أكبر حول الأدوار والمسؤوليات، وتنظيمها بشكل فعال. ويجب أن يمضي الإصلاح السياسي في طريق الإصلاح العسكري".

وعلى المدى القريب، يرى التقرير: أنه "ينبغي تبسيط بنية الأمن في العراق لتقليل مخاطر الأمن القومي إلى أقصى حد وزيادة السلامة المحلية. وهذا يعني تقليل استقلالية هذه القوات إلى مستوى يجعل العمليات الخارجية المستقلة أكثر صعوبة مع الحفاظ على وظائف توفير الأمن المحلي".

وأردف: "من الناحية العملية، يمكن تخفيض أعداد قوات التعبئة الشعبية وقوات البيشمركة إلى نطاق يتراوح بين 50 ألف و 60 ألف، عبر أساليب عدة منها الإحالة للتقاعد وتحفيز ذلك، وعلى المستوى التنظيمي من خلال إنشاء هيكل لاتخاذ القرارات المتعلقة بالأمن القومي يمنح كل قوة مقعدا على الطاولة بناء على مجموعة واضحة من السلطات".

قوات للسنة

واستطرد التقرير: "بالإضافة إلى ذلك، يجب إنشاء حرس وطني سني وتدريبه بشكل جيد في الجيش العراقي، لمعالجة الشعور العميق بالغربة والتهميش، على أساس الطائفة والدين، من الدولة في العراق للسنة". وأضاف: "لمنع الصراع بين القوات، يجب على الجيش العراقي العمل من أجل تحقيق هيمنة القوة والتمتع بقيادة قانونية لا لبس فيها في جميع المسارح التنفيذية، تاركا التسلسل الهرمي الإستراتيجي الحالي أكثر تجزئة في الوقت الحالي".

ولفت إلى: أن "مثل هذه الإجراءات التنظيمية ستصبح أكثر جدوى عندما ترتبط بالإصلاح السياسي الذي يحول العراق إما إلى اتحاد حقيقي، أو يزيد من المساءلة ويقلل من تجزئة أحزابه السياسية. ويمكن القيام بذلك عن طريق تقليص حجم الدوائر الانتخابية في العراق، أو عن طريق إدخال عتبة للأحزاب السياسية لدخول البرلمان. بمعنى آخر، يجب التفاوض على الإصلاح السياسي والعسكري وتطويره كحزمة واحدة".

وأوضح التقرير: أن كل هذا يجب أن ينتظر، حتى تنخفض التوترات بين الولايات المتحدة وإيران إلى مستوى أكثر قابلية للإدارة. كما يجب فصل قوات الحشد الشعبي بشكل أوضح عن التأثيرات الإيرانية عن طريق دفع الرواتب مباشرة من الخزينة العراقية إلى المقاتلين، وجعل التدريب المتكامل مع الجيش العراقي إلزاميا، وضمان توازن أكبر بين الحياد والموظفين المؤيدين لإيران في قيادة القوة".

وأشار إلى: أنه "يمكن أيضا لجهاز مكافحة الإرهاب أن يكون بمثابة نواة يمكن إعادة بناء الجيش العراقي عليها. قد يكون هذا النهج بمثابة وسيلة جذرية للتعامل مع قضايا الفساد التي تعاني منها وزارة الدفاع. في جميع الحالات، سيكون بناء الثقة وتطوير العلاقات المدنية العسكرية الوظيفية أمرا ضروريا. يشير هذا إلى الحاجة إلى برنامج قيادي واسع النطاق لكبار القادة والسياسيين من هذه القوى الأربع كاستثمار قصير الأجل يستحق العناء".

أما على المدى الطويل، فينوه التقرير إلى: أنه "يتطلب المزيد من التكامل العسكري نضج الهيكل المؤسسي للحكم في العراق وسلوك أكثر نضجا من قبل اللاعبين السياسيين العراقيين". وتابع: "بالمثل، تحتاج البلاد أيضا إلى إعادة بناء اجتماعي للمجتمعات السنية، وظهور علاقة أكثر استقرارا بين الأحزاب الشيعية والكردية المتنافسة، مما يقلل من الحاجة إلى اللجوء إلى العنف".

واختتم التقرير بالقول: "بناء على الحالات المقارنة، ستستغرق هذه التطورات عقودا. حتى ذلك الحين، يُنظر إلى جهود الإصلاح العسكري، مثل المرسوم الأخير الذي يأمر بالإدماج الكامل لقوات الحشد الشعب في جهاز أمن الدولة، على أنها مزيج من الاختلاط من خلال المصالح المحلية القائمة وكعمل موازنة بين المصالح الجيوسياسية المتنافسة".